400: ضَعْ فَخْرَكَ وَ احْطُطْ كِبَرَكَ وَ اذْكُرْ قَبْرَكَ قد تقدم القول في العجب و الكبر و الفخر
نبذ مما قيل في التيه و الفخر
في الحديث المرفوع أن الله قد أذهب عنكم- عبية الجاهلية و فخرها بالآباء- الناس لآدم و آدم من تراب- مؤمن تقي و فاجر شقي- لينتهين أقوام يتفاخرون برجال- إنما هم فحم من فحم جهنم- أو ليكونن أهون على الله- من جعلات تدفع النتن بأنفها
و من وصيته ص إلى علي ع لا فقر أشد من الجهل- و لا وحشة أفحش من العجب
- . أتى وائل بن حجر النبي ص فأقطعه أرضا- و أمر معاوية أن يمضي معه فيريه الأرض- و يعرضها عليه و يكتبها له- فخرج مع وائل في هاجرة
شاوية- و مشى خلف ناقته فأحرقته الرمضاء- فقال أردفني قال لست من أرداف الملوك- قال فادفع إلي نعليك- قال ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان- و لكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي- و لكن امش في ظل ناقتي فحسبك بذاك شرفا- و يقال إنه عاش حتى أدرك زمن معاوية- فأجلسه معه على سريره- . قيل لحكيم- ما الشي ء الذي لا يحسن أن يقال و إن كان حقا- فقال الفخر- . حبس هشام بن عبد الملك الفرزدق- في سجن خالد بن عبد الله القسري- فوفد جرير إلى خالد ليشفع فيه- فقال له خالد أ لا يسرك أن الله قد أخزى الفرزدق- فقال أيها الأمير- و الله ما أحب أن يخزيه الله إلا بشعري- و إنما قدمت لأشفع فيه- قال فاشفع فيه في ملإ ليكون أخزى له- فشفع فيه فدعا به فقال- إني مطلقك بشفاعة جرير- فقال أسير قسري و طليق كلبي- فبأي وجه أفاخر العرب بعدها- ردني إلى السجن- . ذكر أعرابي قوما فقال- ما نالوا بأناملهم شيئا- إلا و قد وطئناه بأخامص أقدامنا- و إن أقصى مناهم لأدنى فعالنا- . نظر رجل إلى بعض ولد أبي موسى يختال في مشيته- فقال أ لا ترون مشيته- كأن أباه خدع عمرو بن العاص- . و سمع الفرزدق أبا بردة يقول- كيف لا أتبختر و أنا ابن أحد الحكمين- فقال أحدهما مائق و الآخر فاسق- فكن ابن أيهما شئت- .
نظر رسول الله ص إلى أبي دجانة- و هو يتبختر بين الصفين- فقال إن هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن
- .
لما بلغ الحسن بن علي ع قول معاوية- إذا لم يكن الهاشمي جوادا و الأموي حليما- و العوامي شجاعا و المخزومي تياها لم يشبهوا آباءهم- فقال إنه و الله ما أراد بها النصيحة- و لكن أراد أن يفنى بنو هاشم ما في أيديهم- فيحتاجوا إليه و أن يشجع بنو العوام فيقتلوا- و أن يتيه بنو مخزوم فيمقتوا- و أن يحلم بنو أمية فيحبهم الناس
- . كان قاضي القضاة محمد بن أبي الشوارب الأموي تائها- فهجاه عبد الأعلى البصري فقال-
إني رأيت محمدا متشاوسا مستصغرا لجميع هذي الناس
و يقول لما أن تنفس خاليا
نفسا له يعلو على الأنفاس
ويح الخلافة في جوانب لحيتي تستن دون لحى بني العباس
- . بعض الأموية-
إذا تائه من عبد شمس رأيته يتيه فرشحه لكل عظيم
و إن تاه تياه سواه فإنه
يتيه لحمق أو يتيه للوم
- . لبعض الأموية أيضا-
أ لسنا بني مروان كيف تبدلت بنا الحال أو دارت علينا الدوائر
إذا ولد المولود منا تهللت
له الأرض و اهتزت إليه المنابر
- . بعض التياهين-
أتيه على إنس البلاد و جنها و لو لم أجد خلقا أتيه على نفسي
أتيه فلا أدري من التيه من أنا
سوى ما يقول الناس في و في جنسي
فإن زعموا أني من الإنس مثلهم فما لي عيب غير أني من الإنس
- .بعض العلوية-
لقد نازعتنا من قريش عصابة بمط خدود و امتداد أصابع
فلما تنازعنا الفخار قضى لنا
عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا عليهم أذان الناس في كل جامع
بأن رسول الله لا شك جدنا
و أن بنيه كالنجوم الطوالع
- . كان عمارة بن حمزة بن ميمون مولى بني العباس- مثلا في التيه حتى قيل أتيه من عمارة- و كان يتولى دواوين السفاح و المنصور- و كان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبرا عن الرجوع- و يقول نقض و إبرام في حالة واحدة- الإصرار على الخطإ أهون من ذلك و افتخرت أم سلمة المخزومية امرأة السفاح- ذات ليلة بقومها على السفاح- و بنو مخزوم يضرب بهم المثل في الكبر و التيه- فقال أنا أحضرك الساعة على غير أهبة- مولى من موالي ليس في أهلك مثله- فأرسل إلى عمارة- و أمر الرسول أن يعجله عن تغيير زيه- فجاء على الحال التي وجده عليها الرسول- في ثياب ممسكة مزررة بالذهب- و قد غلف لحيته بالغالية حتى قامت- فرمى إليه السفاح بمدهن ذهب مملوء غالية- فلم يلتفت إليه و قال هل ترى لها في لحيته موضعا- فأخرجت أم سلمة عقدا لها ثمينا- و أمرت خادما أن يضعه بين يديه فقام و تركه- فأمرت الخادم أن يتبعه به- و يقول إنها تسألك قبوله فقال للخادم هو لك- فانصرف بالعقد إليها- فأعطت الخادم فكاكه عشرة آلاف دينار- و استرجعته و عجبت من نفس عمارة- و كان عمارة لا يذل للخلفاء و هم مواليه و يتيه عليهم- . نظر رجل إلى المهدي و يده في يد عمارة و هما يمشيان- فقال يا أمير المؤمنين
من هذا- قال هذا أخي و ابن عمي عمارة بن حمزة- فلما ولى الرجل ذكر المهدي الكلمة كالممازح لعمارة- فقال عمارة و الله لقد انتظرت أن تقول- مولاي فأنفض يدي من يدك فتبسم المهدي- . و كان أبو الربيع الغنوي- أعرابيا جافيا تياها شديد الكبر- قال أبو العباس المبرد في الكامل- فذكر الجاحظ أنه أتاه و معه رجل هاشمي- قال فناديت أبو الربيع هنا- فخرج إلي و هو يقول- خرج إليك رجل أكرم الناس- فلما رأى الهاشمي استحيا و قال- أكرم الناس رديفا و أشرفهم حليفا- أراد بذلك أبا مرثد الغنوي- لأنه كان رديف رسول الله ص و حليف أبي بكر- قال حدثنا ساعة ثم نهض الهاشمي- فقلت له من خير الخلق- قال الناس و الله قلت من خير الناس- قال العرب و الله- قلت فمن خير العرب قال مضر و الله- قلت فمن خير مضر قال قيس و الله- قلت فمن خير قيس قال يعصر و الله- قلت فمن خير يعصر قال غني و الله- قلت فمن خير غني قال المخاطب لك و الله- قلت أ فأنت خير الناس قال إي و الله- قلت أ يسرك أن تكون تحتك ابنة يزيد بن المهلب- قال لا و الله- قلت و لك ألف دينار قال لا و الله- قلت فألفا دينار قال لا و الله- قلت و لك الجنة قال فأطرق ثم قال- على ألا تلد مني ثم أنشد-
تأبى ليعصر أعراق مهذبة من أن تناسب قوما غير أكفاء
فإن يكن ذاك حتما لا مرد له
فاذكر حذيف فإني غير أباء
أراد حذيفة بن بدر الفزاري- و كان سيد قيس في زمانه- . رأى عمر رجلا يمشي مرخيا يديه- طارحا رجليه يتبختر- فقال له دع هذه المشية فقال ما أطيق- فجلده ثم خلاه فترك التبختر- فقال عمر إذا لم أجلد في هذا ففيم أجلد- فجاءه الرجل بعد ذلك فقال- جزاك الله يا أمير المؤمنين خيرا- إن كان إلا شيطانا سلط علي فأذهبه الله بك
( . شرح نهج البلاغه (ابن ابی الحدید) ج 19، ص 352 - 357)
|