اللغة:
السعدان: نبت له شوك. و مسهدا: ساهرا أرقا. و مصفدا: مقيدا.
و قفولها: رجوعها أو فناؤها.
الإعراب:
المصدر من أن أبيت مبتدأ، و أحب خبر، و ظالما حال
المعنى:
(و اللّه لأن أبيت إلخ).. كل انسان اذا خيّر بين التقلب على الأشواك و الجر في الحبال و الأغلال، و بين عذاب الحريق- يختار الحال الأولى لأنها أهون الشرين، سواء أ كان المخير عليا أم معاوية.. و الفرق أن عليا لو خيّر بين المبيت على الأشواك مع الجر بالأغلال و الأصفاد، و بين أن يملك الكون بأرضه و سمائه، و رجاله و نسائه على أن يظلم نملة في قشرة شعيرة- لفضّل عذاب الدنيا و مرّها على ظلم النملة فما دونها، و ما ذاك إلا لعلمه باللّه، و ايمانه بالعدل، و زهده في الدنيا، و خوفه من عاقبة الظلم.
أما معاوية فحب الدنيا و السيطرة جزء من طبيعته و كيانه، و الناس كلهم قطيع لعظمته و سلطانه، و لا شي ء لمن يعترض و يقاوم إلا السيف أو السم في العسل، أما حديث الآجلة فخرافة، أو لا يهم ما دامت العاجلة تاج و عرش.. و بكلمة ان معاوية لا يرى في الوجود إلا معاوية و ابنه يزيد، و من رأى غير هذين فله الموت، و حكاية «ان مات هذا فهذا، و من أبى فهذا» أشهر من تذكر، و الإشارة الأولى الى معاوية، و الثانية الى يزيد، و الأخيرة الى السيف«».
و قد يكون معاوية مهذبا مع الآخرين، بل و سخيا، و لكن على شرطه، و هو أن تتفق أعمالهم مع أهدافه، أو لا تتصادم معها- على الأقل- قال العقاد في كتاب «معاوية» ص 57 طبعة 1966: «كل دهاء يذكر لمعاوية فإنما يذكر الى جانبه رفد أو عطاء و ولاية يستفيد منها من ينصره و لا ينخدع عنها في مبادلة النفع بينه و بينه، و لا جرم كان العطاء عماد هذا الدهاء، و كان نقش الخاتم الذي تختم به بعد ولايته: «لكل عمل ثواب». و تقدم الكلام عن سياسته في شرح الخطبة 120 فقرة: عشاق الكراسي.
اللغة
(بات) فلان يفعل كذا يبيت بيتا و بياتا و مبيتا و بيتوتة أى يفعله ليلا و ليس من النوم و قال الزجاج: كلّ من أدركه اللّيل فقد بات نام أم لم ينم.
و (السّعدان) بفتح السين نبت ذو شوك يقال له حسك السّعدان يشبّه به حلمة الثّدى و هو من أفضل مراعى الابل و منه قولهم مرعى و لا كالسّعدان و بتفسير أوضح نبت ذو حسك له ثلاث شعب محدّدة على أىّ وجه وقعت على الأرض كانت له شعبتان قائمتان و (السّهد) بالضمّ الأرق و بضمّتين القليل النّوم و قد سهد سهدا من باب فرح و سهدته أى منعته من النّوم فهو مسهّد و (أجرّ) بالبناء على المفعول و (صفده) يصفده من باب ضرب شدّه و أوثقه كأصفده و صفّده و الصّفاد وزان كتاب ما يوثق به الأسير من قيد أوقد و (الحطام) بالضمّ فتات التبن و الحشيش و ما يتكسّر من شي ء يابس قال تعالى ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أى رفاتا منكسرا متفتّتا و (قفل) من باب نصر و ضرب قفولا رجع فهو قافل و القافلة الجماعة الراجعة من السّفر
الاعراب
لفظة أن في قوله عليه السّلام و اللّه لأن أبيت مصدريّة ناصبة للفعل المضارع المتكلّم و هي و منصوبها في تأويل المصدر و محلّ الرّفع بالابتداء و خبر المبتدأ قوله أحبّ إلىّ، و قوله عليه السّلام: مسهّدا حال مؤكدة لعاملها و هو أبيت إن كان السّهر مأخوذا في معنى البيات، و إلّا كما هو قول الزّجاج و غيره حسبما عرفت فتكون حالا مؤسّسة و قوله عليه السّلام: و كيف أظلم، استفهام إنكارىّ على حدّ قوله تعالى أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ فيكون ما بعد الاستفهام غير واقع
المعنى
اعلم أنّ المقصود بهذا الكلام التنبيه على نزاهة نفسه من محبّة الدّنيا و الرّغبة إلى حطامها الموجبة للظلم على النّاس و العدول عن سنن العدل في حقوقهم فدلّ على ذلك المقصود بنفى إقدامه على الظلم لينتقل بذلك إلى نفى ملزومه الذى هو حبّ الدّنيا و افتتح الكلام بالقسم البارّ.
فقال (و اللّه لأن أبيت على حسك السّعدان مسهّدا) أى ممنوعا من النّوم (و اجرّ في الأغلال مصفّدا) أى مشدّدا موثقا بالسلاسل (أحبّ إلىّ من أن ألقى اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم القيامة ظالما لبعض العباد) في حقّه ماليّا أو غير مالي (و غاصبا لشي ء من الحطام) أى للحقّ المالى فيكون عطف الثّاني على الأوّل من عطف الخاصّ على العامّ على حدّ قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ و استعارلفظ الحطام لمتاع الدّنيا و زبرجها و الجامع الحقارة.
و نظير ذلك وجه الشّبه في قوله تعالى اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ.
و حلفه عليه السّلام على كون البيات عن الحسك و الجرّ في الأغلال أحبّ إليه من لقاء اللّه و رسوله متّصفا بالظلم و الغصب ممّا لا غبار عليه، و علّة أحبيّتها إليه عليه السّلام أنّهما و إن كان فيهما ألم شديد إلّا أنّ ذلك الألم بالنسبة إلى ما يترتّب على الظلم من العذاب الشّديد الاخروى أسهل و أهون.
و هذا في حقّ عموم العقلاء الملاحظين لعاقبة الامور، و أمّا في حقّه عليه السّلام و حقّ ساير أولياء اللّه المقرّبين فلو لم يترتّب على الظلم من العقوبات الاخرويّة سوى سوء لقاء اللّه و رسوله و الاستحياء منهما و الحجب عن مقام الزّلفى فقط لكفى ذلك في ترجيح البيات على الأشواك و الجرّ في الأغلال عليه.
و بما ذكرته علم أنّ لفظ أحبّ في كلامه عليه السّلام لم يرد به التّفضيل الذى صيغة أفعل حقيقة فيه و إنّما أراد به المعني الوصلي نظير صيغة المبالغة في قوله تعالى وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
و يؤمى إليه أيضا تشديده النكير على إقدامه على الظلم في قوله عليه السّلام (و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها) أى رجوعها من الشّباب إلى الشّيب الذى معدّ للبلى و الاندراس و ضعف القوى كما أشير إليه في قوله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً أو رجوعها إلى الاخرة فانّها المكان الأصلى و فيها تبلى الأجساد كما قال تعالى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى و على الاحتمال الأخير فنسبة البلى إلى نفسه عليه السّلام بالنظر إلى زعم الناس لما قد عرفت في شرح الخطبة السادسة و الثمانين عدم سرعة البلى إلى أبدان الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام.
قال العلّامة المجلسىّ قدّس سرّه: و يحتمل أن يكون قفول جمع قفل بالضمّ فانّه يجمع على أقفال و قفول فاستعير هنا لمفاصل الجسد، و على أىّ تقدير فالمراد بالنّفس في كلامه عليه السّلام هو الجسد لا الرّوح كما هو ظاهر.
و قوله عليه الصّلاة و السّلام (و يطول في الثّرى حلولها) إشارة إلى طول لبثها في القبر إلى يوم البعث.
|