اللغة
(الانس) بالضمّ و بالتحريك ضدّ الوحشة اسم من آنست بالشي ء انسا من باب علم و فى لغة من باب ضرب و في القاموس من باب شرف أيضا، و الأنيس المونس و كلّ ما يونس به، و الايناس ضد الايحاش و هو وجدان الشي ء الّذي يونس به قال تعالى آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً أى أبصره و أحسّ به و استأنست به و تأنّست به أى ذهب التوحّش عنّي و سكن القلب و لم ينفر.
إذا عرفت ذلك فأقول: قوله عليه السّلام: إنّك آنس الانسين آنس بفتح النون على وزن افعل اسم تفضيل من الانس، و آنسين بكسر النّون جمع انس اسم فاعل من انس بالشى ء، و أمّا ما قاله الشّارح المعتزلي من انّه كان القياس أن يقول إنّك آنس المؤنسين، لأنّ الماضي أفعل و انّما الانسون جمع انس و هو الفاعل عن آنست بكذا فالرّواية الصّحيحة إذا بأوليائك أى أنت أكثرهم انسا بأوليائك، فلا يكاد يفهم له معنى محصّل.
و (لهف) لهفا من باب فرح حزن كتلهّف عليه و هو لهيف القلب و لاهفه و ملهوفه أى محترقه و (الفهة) و الفهاهة العيّ، و قد فهه عيى، و فهه الشي ء نسيه و (العمه) الحيرة و التردّد مصدر عمه يعمه من باب فرح و منع، و في بعض النسخ بدل عمهت عميت و (الطلب) بكسر اللّام ما تطلبه و (النّكر) بالضمّ و بضمّتين المنكر.
و (البدع) بالكسر الأمر الّذى كان أولا يقال فلان بدع في هذا الأمر أى هو
أوّل من فعله فيكون اسم فاعل بمعنى المبتدع و البديع فعيل منه و فيه معنى التّعجب و منه قوله تبارك و تعالى قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ أى ما أنا بأوّل من جاء بالوحى من عند اللّه و نشر الشرائع و الأحكام
الاعراب
قوله عليه السّلام: لأوليائك، متعلّق بانس و اللّام هنا بمعنى الباء تفيد كون الأولياء مأنوسا بهم و تسمّى هذه اللّام لام التّبيّن لتبيينه المفعول من الفاعل، و ضابطها أن تقع بعد فعل تعجّب أو اسم تفضيل مفهمين حبّا أو بغضا تقول ما أحبّني و ما أبغضني فان قلت لفلان فأنت فاعل الحبّ و البغض و هو أعني فلان مفعولهما، و إن قلت إلى فلان فالأمر بالعكس لأنّ إلى تفيد فاعليّة مجرورها بعد فعل التعجّب أو اسم التفضيل المفيدين للحبّ و البغض نحو ربّ السجن أحبّ إلىّ و فلان أمقت إلىّ.
و بما ذكرناه علم أنّ ما قدّمنا نقله من الشّارح المعتزلي من قوله: فالرّواية الصّحيحة إذا بأوليائك و هم هذا.
و انّما عدل عليه السّلام عن الباء إلى اللّام مع كون الباء أصرح و أقيس تضمينا للانس معنى الحبّ، فانّ الانس بمعناه الحقيقي كالوحشة من صفات الاجسام لا يمكن اتّصافه تعالى به، فيراد ما يلازمه و هو الحبّ و ستعرف الملازمة بينهما في بيان المعنى.
و قوله عليه السّلام: آنسهم ذكرك من إضافة المصدر إلى المفعول أى ذكرهم ايّاك و قوله: علما مفعول لأجله لقوله لجئوا.
المعنى
اعلم أنّه لمّا كان من جملة آداب الدّعاء تقديم المدحة للّه عزّ و جلّ و الثناء عليه قبل المسألة كما قال الصّادق عليه السّلام: إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربّه و ليمدحه فانّ الرّجل منكم إذا طلب الحاجة من سلطان هيّأ له من الكلام أحسن
ما يقدر عليه، فاذا طلبتم الحاجة فمجّدوا اللّه العزيز الجبّار و امدحوه و أثنوا عليه الحديث لا جرم قدّم عليه السّلام قبل مسألته بقوله اللّهمّ إن فههت، و قوله اللّهمّ احملني على عفوك، تمجيد اللّه تعالى و تعظيمه، و وصفه بجملة من أوصاف كماله فقال: (اللّهمّ إنّك آنس الانسين لأوليائك) قد عرفت في شرح الفصل السّادس من الخطبة الاولى استحالة الاستيناس و الاستيحاش على اللّه سبحانه، فلابدّ من أن يراد بالانس المحبّة أى أنت أشدّ حبّا لأوليائك من جميع المحبّين.
أمّا أولياؤه فهم الحائزون قصب السّبق في مضمار العرفان و اليقين، و البالغون إلى الغاية القصوى في حماية حمى الدّين، و سلوك مسالك الشرع المبين، و هم عباد اللّه المخلصون المتّصفون بالأوصاف المتقدّمة الذّكر في الخطبة السّادسة و الثّمانين و الخطبة المأة و الثّانية و التّسعين، و الكلام المأتين و الثّامن عشر و غيرها.
و أمّا اتّصافه بالمحبّة لأوليائه المقرّبين فشواهده من النّقل متجاوزة عن حدّ الاحصاء قال تعالى في كتابه العزيز إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و قال إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قال يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و قال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ و قال إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ إلى غير هذه ممّا لا حاجة إلى ذكرها.
و فى الحديث القدسى: ما تحبّب إلىّ عبدى بشي ء أحبّ إلىّ مما افترضته إليه، و انّ عبدى ليتحبّب إلىّ بالنافلة حتّى أحبّه، فاذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، الحديث.
و أما محبة اللّه لعبده فليس بالمعنى الذي يتصوّر في المخلوق إذ الحبّ في الاصطلاح عبارة عن ميل النفس إلى الشي ء الموافق الملائم، و هذا من صفات ذوى النفوس الناقصة المستفيدة بنيل المحبوب كمالا فتلتذّ به، و هذا محال على اللّه سبحانه إذ ليس له تعالى و تقدّس نفس فضلا عن كونه ناقصا و قد عرفت في تضاعيف الشرح في غير موضع أنّ ذات اللّه تعالى شأنه تامّ فوق التمام، و جميع صفات الجلال و الجمال و الكمال حاصلة له بالفعل و واجب الحصول أزلا و أبدا، و من هذا شأنه فكيف يتصوّر أن يكون ناقصا بذاته مستكملا بغيره، فلا بدّ أن يراد بحبّه عزّ شأنه لعبده معنى آخر.
و قد اختلفوا في تقريره و بيانه بوجوه يقرب بعضها من بعض.
فقال صدر المتألّهين: إنّ المحبة تابعة لادراك الوجود لأنه خير محض فكلّ ما وجوده أتم كانت خيريّته أعظم و الادراك به أقوى و الابتهاج به أشدّ، فأجلّ مبتهج بذاته هو الحقّ الأوّل، لأنه أشدّ إدراكا لأعظم مدرك له الشرف الأكمل و النور الأنور و الجلال الارفع، فمحبة اللّه لعباده راجعة إلى محبّته لذاته، لأنه لما ثبت أنّ ذاته أحبّ الأشياء اليه تعالى و هو أشدّ مبتهج به و كلّ من أحبّ شيئا أحبّ جميع أفعاله و حركاته و آثاره لذلك المحبوب، و كلّ ما هو أقرب إليه فهو أحبّ إليه، و جميع الممكنات آثار الحقّ و أفعاله فاللّه يحبّها لأجل ذاته، و أقرب المجعولات إليه تعالى الرّوح المحمّدى صلّى اللّه عليه و آله فكان عليه السّلام حبيب اللّه و أحبّ الخلق إليه، انتهى.
و قال الغزالي بعد ما ذكر أنّ المحبّة عبارة عن ميل النّفس إلى الشي ء الموافق ما لفظه: فأما حبّ اللّه للعبد فلا يمكن أن يكون بهذا المعنى أصلا، بل الأسامي كلّها إذا اطلقت على اللّه تعالى و على غير اللّه تعالى لم تطلق عليهما بمعنى واحد أصلا حتى أنّ اسم الوجود الذى هو أعمّ الأسماء اشتراكا لا يشمل الخالق و الخلق على وجه واحد، بل كلّ ما سوى اللّه تعالى فوجوده مستفاد من وجود اللّه تعالى، فالوجود التابع لا يكون مساويا للوجود المتبوع، و إنما الاستواء في إطلاق الاسم، فكان استعمال الأسامي في حقّ الخالق بطريق الاستعارة و التجوّز و النقل، و المحبة في وضع اللسان عبارة عن ميل النفس إلى موافق ملايم.
و هذا إنما يتصوّر في نفس ناقصة، فانها تستفيد بنيل ما يوافقها كمالا فتلتذّ بنيله، و هذا محال على اللّه تعالى، فانّ كلّ كمال و جمال و بهاء و جلال ممكن في حقّ الالهية، فهو حاضر و حاصل و واجب الحصول أزلا و أبدا، و لا يتصوّر تجدّده و لا زواله، فلا يكون له نظر إلى غيره من حيث إنه غيره، بل نظره إلى ذاته و أفعاله فقط، و ليس في الوجود إلّا ذاته و أفعاله، فلا يجاوز حبّه ذاته و توابع ذاته من حيث هى متعلّقة بذاته، فهو اذا لا يحبّ إلّا نفسه.
و ما ورد من الألفاظ في حبّه لعباده فهو مؤوّل و يرجع معناه إلى كشف الحجاب عن قلبه حتّى يراه بقلبه و إلى تمكينه إياه من القرب منه و الى إرادته ذلك به في الأزل، فحبّه لمن أحبّه أزليّ مهما أضيف إلى الارادة الأزلية اقتضت تمكين هذا العبد من سلوك طرق هذا القرب، و إذا أضيف إلى فعله الذى يكشف الحجاب عن قلب عبده فهو حادث يحدث بحدوث السبب المقتضى له كما قال تعالى: لا يزال عبدى يتقرّب إلىّ بالنوافل حتّى أحبّه.
فيكون تقرّبه بالنوافل سببا لصفاء باطنه و ارتفاع الحجاب من قلبه و حصوله في درجة القرب من ربّه، فكلّ ذلك فعل اللّه تعالى و لطفه به فهو معنى قربه و هو قرب بالصفة لا بالمكان و من لم يكن قريبا ثمّ صار قريبا فقد تغير، فربما يظنّ بهذا أنّ القرب لما تجدّد فقد تغير وصف العبد و الربّ جميعا إذ صار قريبا بعد أن لم يكن و هو محال في حقّ اللّه تعالى، إذ التغير عليه محال، بل لا يزال في نعوت الجلال على ما كان عليه في أزل الازال و لا ينكشف هذا إلّا بمثال في القرب بين الأشخاص.
فانّ الشخصين قد يتقاربان بتحرّكهما جميعا، و قد يكون أحدهما ثابتا فيتحرّك الاخر فيحصل القرب بتغيّر في أحدهما من غير تغيّر في الاخر، بل القرب في الصفات أيضا كذلك، فانّ التلميذ يطلب من درجة استاده في كمال العلم و جماله، و الاستاد واقف في كمال علمه غير متحرّك بالنزول إلى درجة تلميذه، و التلميذ متحرّك مترق من حضيض الجهل إلى ارتفاع العلم، فلا يزال دائما في التغيّر و الترقي إلى أن يقرب من الاستاد، و الاستاد ثابت غير متغيّر.
فكذلك ينبغي أن يفهم ترقي العبد في درجات القرب، فكلّما صار أكمل صفة و أتمّ علما و إحاطة بحقايق الامور و أثبت قوّة في قهر الشيطان و قمع الشهوات و أظهر نزاهة عن الرزائل صار أقرب من درجة الكمال و منتهى الكمال للّه و قرب كلّ أحد من اللّه بقدر كماله.
نعم قد يقدر التلميذ على القرب من الاستاد و على مساواته و على مجاوزته، و ذلك في حقّ اللّه تعالى محال فانه لا نهاية لكماله و سلوك العبد في درجات الكمال متناه و لا ينتهى إلّا إلى حدّ محدود، فلا مطمع له في المساواة.
ثمّ درجات القرب تتفاوت تفاوتا لا نهاية له أيضا، لأجل انتفاء النهاية عن ذلك الكمال، فاذا محبة اللّه للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل و المعاصى عنه و تطهير باطنه من كدورات الدّنيا و رفع الحجاب من قلبه حتّى يشاهده كأنّه يراه بقلبه.
و أما محبة العبد للّه فهو ميله إلى درك ذلك الكمال الذى هو مفلس عنه فاقد له فلا جرم يشتاق إلى ما فاته و إذا أدرك منه شيئا يلتذّ به، و الشّوق و المحبّة بهذا المعنى محال على اللّه، انتهى كلامه ملخّصا.
و محصّله ما قاله بعض المحقّقين من أنّ محبّة اللّه للعبد كشف الحجاب عن قلبه و تمكينه من أن يطأ على بساط قربه، فانما يوصف به سبحانه باعتبار الغايات لا المبادى، و علامة حبّه للعبد توفيقه للتّجافي عن دار الغرور و الترقي إلى عالم النور و الانس باللّه و الوحشة ممّن سواه و صيرورة جميع الهموم هما واحدا.
و قال بعض الشارحين للحديث القدسي: إذا أحببت عبدى كنت سمعه الذى يسمع به آه، إنّ هذا مبالغة للقرب و بيان لاستيلاء سلطان المحبة على ظاهر العبد و باطنه و سرّه و علانيته، فالمراد إني اذا أحببت عبدى جذبته إلى محلّ الانس و صرفته إلى عالم القدس، فصيرته مستغرقا في عالم الملكوت، و حواسّه مقصورة على اجتذاب أنوار الجبروت، فتثبت حينئذ فى مقام القرب قدمه، و يمتزج بالمحبّة لحمه و دمه إلى أن يغيب عن نفسه و يذهل عن حبّه حتى أكون بمنزلة سمعه و بصره، انتهى.
و قيل: محبّة اللّه صفة من صفات فعله فهى إحسان مخصوص يليق بالعبد و أمّا محبّة العبد للّه فحالة يجدها في قلبه يحصل منها التّعظيم و ايثار رضاه و الاستيناس بذكره، هذا.
و أنت بعد الخبرة بما ذكرناه فلا يخفى عليك معنى التّفضيل في قوله عليه السّلام آنس الانسين، فإنّه إن كان المراد بالمحبّة المرادة بالانس على ما حقّقناه إدراك الكمال على ما حكيناه عن صدر المتألّهين كان معنى آنس أنّه عزّ و جلّ أكمل إدراكا لكمال أوليائه المقرّبين إليه و أشدّ ابتهاجا بعباده المخلصين، لما لهم من مزيد القرب و الكمال.
و ان كان المراد بها تقريب العبد و توفيقه للتّرقي إلى معارج الملكوت و مدارج الجبروت و جذبه إلى حظاير القدس و محافل الانس، كان معناه انّه أعظم قدرة على التّوفيق و التأييد و أكثر عناية و لطفا في حقّ أوليائه.
قال أبو الدرداء الكعب الحبر: أخبرني عن أخصّ آية يعني في التّوراة فقال: يقول اللّه تعالى: طال شوق الأبرار إلى لقائي و انّي إلى لقائهم لأشدّ شوقا.
و في أخبار داود عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى قال: يا داود أبلغ أهل أرضى أنّي حبيب لمن أحبّني، و جليس لمن جالسني، و مونس لمن انس بذكرى، و صاحب لمن صاحبنى و مختار لمن اختارني، و مطيع لمن أطاعني، ما أحبّني عبد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلّا قبلته لنفسي، و أحببته حبّا لا يتقدّمه أحد من خلقي، من طلبني بالحق وجدني و من طلب غيرى لم يجدني، فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها، و هلمّوا إلى كرامتي و مصاحبتي و مجالستى، و آنسوا بى أؤانسكم و اسار إلى محبّتكم فانى خلقت طينة أحبّائى من طينة إبراهيم خليلى و موسى نجيّى و محمّد صفيّى، و خلقت قلوب المشتاقين من نورى و نعمتها بجلالى، هذا.
و بما ذكرناه كلّه ظهر لك أنّ المراد بقوله عليه السّلام: آنس الانسين لأوليائك
انس اللّه تعالى بأوليائه لا انس أوليائه به كما زعمه الشّارح البحرانى و فصل الكلام فى كيفيّة انسهم به.
(و أحضرهم بالكفاية للمتوكّلين عليك) يحتمل رجوع ضمير الجمع إلى الانسين و الى الأولياء، و الأوّل أنسب إلى سياق العبارة، و الثاني أقرب معنى، و المراد واحد، أى أنت اكمل حضورا بالكفاية للمتوكّلين عليك منهم، أى أبلغ إحضارا لكفايتهم، و انما كان كذلك لأنّه عزّ و جلّ الغنى المطلق الّذى لا ينقص خزائنه بالكرم و الجود، و العالم الذى لا يعزب عن علمه شي ء، و القادر الّذى لا يعجزه شي ء، و الجواد الذى لا بخل من جهته و لا رادع من افضاله.
و مع اتّصافه بهذه الأوصاف فهو أقدر على بذل محاويج عباده، و القيام بكفاية المتّكلين عليه بعد ما علم من حالهم حسن اتكالهم و اعتمادهم فى جميع امورهم عليه، و انقطاعهم عمّن سواه، و استعدادهم بالهم من التوكل لقبول إفاضاته و عناياته، فيفيض كلا منهم مقدار كفايته من دون رادع و لا مانع و لا ابطاء و لا تأخير، فكان أسرع إحضارا لكفاية من استكفاه قال تعالى وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ و قال أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ و هو وارد في معرض التقريع على منكر كفايته.
ثمّ لما كان من لوازم كونه تعالى أحضر كفاية علمه بأحوال المتوكلين و مكنونات قلوبهم فيما يخافون و يرجون حسبما اشرنا إليه أردفه عليه السّلام بقوله (تشاهدهم في سرائرهم و تطلع عليهم في ضمائرهم و تعلم مبلغ بصائرهم) أى أنت بصير بما يسرّونه، و خبير بما يضمرونه، محيط بهم علما لا يعزب عنك شي ء من مكنونات قلوبهم و مخفيات صدورهم (فأسرارهم) المخفية (لك مكشوفة) كما قال عزّ من قائل وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى السرّ ما أكننته فى نفسك و أخفى ما خطر ببالك ثمّ نسيته.
(و قلوبهم اليك ملهوفة) أى محترفة مشتعلة، و هو إشارة إلى احتراق قلوبهم
بنار الاشتياق و المحبة للوصول إليه و الحضور بين يديه و الرّغبة بما لديه، و اليه أشار الشاعر بقوله:
- و قالوا قريب قلت ما أنا صانعبقرب شعاع الشمس لو كان في حجرى
- فمالي منه غير ذكر بخاطرىيهيّج نار الحبّ و الشوق في صدرى
و قال آخر:
- لا تخدعنّ فللمحبّ دلائلو لديه من تحف الحبيب و سائل
- منها تنعّمه بمرّ بلائهو سروره في كلّ ما هو فاعل
- و من الدّلائل حزنه و نحيبهجوف الظلام فما له من عاذل
و الشوق من لوازم المحبة، و المحبّ للّه تعالى مضطرّ إلى الشوق إليه.
توضيح ذلك انّ كلّ محبوب فهو يشتاق اليه في غيبته لا محالة، فأما الحاضر الحاصل فلا يشتاق اليه، لأنّ الشوق طلب و تشوّف إلى أمر، و الموجود لا يطلب، و ذلك لأنّ الشوق إنما يتصوّر بالنسبة إلى شي ء يكون مدركا من وجه غير مدرك من وجه، فأما ما لا يكون مدركا أصلا فلا يشتاق اليه، فانّ من لم ير شخصا و لم يسمع وصفه لا يتصوّر اشتياقه اليه كما أنّ ما يكون مدركا بكماله و بمرئى من المحبّ و مشهد منه لا يتصوّر له أن يشتاق إليه أيضا، فالشوق لا يتعلق إلّا بما ادرك من وجه و لم يدرك من وجه.
و مثاله في عالم الظاهر أنّ من غاب عنه معشوقه و بقى فى قلبه خياله فهو يشتاق إلى استكمال خياله بالرّؤية، فلو انمحى عن قلبه ذكره و خياله حتّى نسيه لم يتصوّر أن يشتاق إليه كما أنه لو رآه لم يتصوّر أيضا أن يشتاق إليه في وقت رؤيته، فمعنى شوقه تشوّف نفسه إلى استكمال خياله.
و قد يكون الاشتياق بأن يرى وجه محبوبه و لكنه لم ير ساير محاسنه فيشتاق إلى أن ينكشف له ما لم يره من تلك المحاسن و لم يثبت في نفسه خيال صادر عن رؤيتها و لكنه علم اجمالا بأنّ له أعضاء جميلة مستورة فيكون مشتاقا إلى إدراكها تفصيلا بالرّؤية و المشاهدة.
و الوجهان جميعا متصوّران فى حقّ المشتاقين إلى اللّه.
فانّ ما اتّضح للعارفين من المعارف الالهية مشوب بشوائب التخيّلات و كدورات الأوهام، فهم مشتاقون دائما إلى استكمال ذلك الوضوح و دفع مكدّرات المعارف و منقصاتها عن ألواح ضمائرهم حتّى يحصل لهم الترقي من درجة علم اليقين إلى عين اليقين، و هذا أحد وجهى الشوق إليه تعالى.
و الوجه الثاني أنّ الكمالات الالهيّة لا نهاية لها، و انّما ينكشف لكلّ عبد من العباد بعضها على حسب قابليّته و استعداده، و يبقى وراءه ما لا ينتهى إلى غاية و العارف يعرف وجودها و يعرف أنّ ما غاب له منها أكثر ممّا حصل له، فلا يزال متشوقا إلى أن يحصل له أصل المعرفة فيما لم يحصل له من المعارف، و لم يعرفه أصلا لا معرفة واضحة و لا معرفة غير واضحة.
و الحاصل أنّ أولياء اللّه المحبّين له و الانسين به قلوبهم إليه تعالى ملهوفة، و بنار الشّوق و المحبّة محترقة و لعلّ إلى هذا نظر من قال:
- إليك إشاراتي و أنت مرادىو إيّاك أعنى عند ذكر سعاد
- و أنت مثير الوجد بين جوانحىإذا قال جاد أو ترنّم شاد
- و حبك ألقى النار بين جوانحىبقدح وداد لا بقدح زناد
- هذا قال المحدّث الجزايرى في الحديث عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه بكى شعيب عليه السّلام من حبّ اللّه عزّ و جلّ حتى عمى، فردّ اللّه عليه بصره، ثمّ بكى حتى عمى فردّ اللّه عزّ و جلّ عليه بصره، ثمّ بكى حتى عمى فردّ اللّه عليه بصره، فلما كانت الرابعة أوحى اللّه إليه يا شعيب إلى متى يكون هذا أبدا منك إن يكن هذا خوفا من النار فقد اجرتك، و إن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك قال: إلهي و سيّدي أنت تعلم أنّى ما بكيت خوفا من نارك و لا شوقا إلى جنتك و لكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك، فأوحى اللّه جلّ جلاله إليه أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.
و قوله عليه السّلام (إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك) يعني إن استوحشوا من غربتهم و غيبتهم عن أوطانهم الأصليّة و عن كونهم مسجونين في سجن الدّنيا استأنسوا بذكرك بلسانهم و جنانهم و بالتفكّر في ذاتك و صفاتك و جلالك و جمالك.
و هو اشارة إلى انسهم باللّه كما أنّ ما تقدّم من قوله عليه الصّلاة و السّلام: إنّك آنس الانسين لأوليائك، إشارة إلى انس اللّه تعالى بهم حسبما عرفت تفصيلا و تحقيقا، و الانس به تبارك و تعالى من صفات الأولياء المقرّبين و الكملين في محبّته عزّ و جلّ كما قال الشّاعر:
- الانس باللّه لا يحويه بطّالو ليس يدركه بالحول محتال
- و الانسون رجال كلّهم نجبو كلّهم صفوة للّه عمّال
و قالت رابعة العدوّية:
- أحبّك حبّين حبّ الهوىو حبّا لأنّك أهل لذاكا
- فأمّا الّذى هو حبّ الهوىفشغلى بذكرك عمّن سواكا
- و أمّا الّذى أنت أهل لهفكشفك لى الحجب حتّى أراكا
- فلا الحمد في ذا و لا ذاك ليو لكن لك الحمد فى ذا و ذاكا
و ينبغي أن يعلم أنّ الانس باللّه أيضا من آثار المحبّة له تعالى كالشوق إليه عزّ و جلّ حسبما عرفت قريبا لكنّ هذين الأثرين يختلفان على المحبّ بحسب اختلاف حالاته.
فانّه إذا غلب عليه التّطلّع من وراء حجب الغيب إلى منتهى الكمال و استشعر قصوره عن الاطّلاع على كنه الجلال انبعث القلب و انزعج له و هاج إليه و تسمّى هذه الحالة في الانزعاج شوقا.
و إذا غلب عليه الفرح في القرب و كان نظره مقصورا على مطالعة ما أدركه من الجمال غير ملتفت إلى ما لم يدركه بعد استبشر القلب بملاحظة الجمال المدرك فيسمّى استبشاره انسا.
فمعنى الانس استبشار القلب و فرحه بمطالعة جمال الحقّ حتّى أنّه إذا تجرّد عن ملاحظة ما غاب عنه عظم انبساطه و لذّته، و من غلب عليه الانس لم تكن شهوته إلّا في الانفراد و الخلوة و الاعتزال عن الخلق كما قال بعضهم:
- تركت للنّاس دنياهم و دينهمشغلا بذكرك يا ديني و دنيائي
و ذلك لأنّ الأنس باللّه يلازمه التّوحش عن غير اللّه قال اللّه عزّ و جلّ لداود عليه السّلام: كن لي مشتاقا و بي مستونسا و عن سواى مستوحشا.
قال عبد الواحد بن زيد: مررت براهب فقلت له: يا راهب لقد أعجبتك الوحدة، فقال: يا هذا لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك، الوحدة رأس العبادة، فقلت: يا راهب ما أقلّ ما تجده في الوحدة قال: الراحة من مداراة النّاس و السّلامة من شرّهم، قلت: يا راهب متى يذوق العبد حلاوة الذّوق باللّه قال: إذا صفا الودّ و خلص المعاملة، قلت: متى يصفو الودّ فقال: إذا اجتمع الهمّ فصار همّا واحدا في الطاعة.
و قال بعض الحكما: عجبا للخلايق كيف أرادوا بك بدلا، عجبا للقلوب كيف استأنست بسواك عنك.
و بالجملة الأنس من آثار المحبّة، و المحبّة مستلزمة لكمال الانس بمناجاة المحبوب و كمال الالتذاذ بالخلوة به، و الاستيحاش من كلّ ما ينغص عليه الخلوة و يعوق عن لذّة المناجاة.
و قد ورد في الحديث القدسي: كذب من زعم أنّه يحبّني و هو ينام طول ليله، أليس كلّ حبيب يحبّ الخلوة مع حبيبه، يا ابن عمران لو رأيت الّذين يصلّون في الدّجى و قد مثّلت نفسى بين أعينهم يخاطبوني و قد جللت عن المشاهدة، و يكلّموني و قد عزّزت عن الحضور، يا ابن عمران هب لي من عينك الدّموع و من قلبك الخشوع ثمّ ادع لي في ظلم اللّيالي تجدني قريبا مجيبا.
فقد ظهر بذلك أنّه إذا غلب عليه الانس و الحبّ صارت الخلوة و المناجاة قرّة عينه، و ألذّ الأشياء عنده، كالّذى يخاطب معشوقه و يناجيه، بل ربّما يستغرق
الانس و المحبّة قلبه حتّى لا يشعر من امور الدّنيا شيئا ما لم يتكرّر على سمعه مرارا، مثل العاشق الولهان، فانّه يكلّم النّاس بلسانه و انسه في الباطن بذكر حبيبه، فالمحبّ من لا يطمئنّ إلّا بمحبوبه، و لا يسكن إلّا إليه كما قال تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (و ان صبّت عليهم المصائب لجئوا إلى الاستجارة بك) أى إن نزلت عليهم مصائب الدّهر و مكائده من الالام و الأسقام و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و غيرها اعتصموا بك و استندوا إلى طلب الأمان منك في دفعها و رفعها و الوقاية عنها و إنّما يلجئون اليه تعالى لما لهم من وصف التوكل عليه و الانقطاع عمّن سواه (علما) منهم (بأن أزمة الامور) الحادثة في الملك و الملكوت كلّها و من جملتها المصائب المصوبة عليهم (بيد) قدرت (ك) و قبضة مشيّتك (و مصادرها عن قضائك) كما اشير اليه في قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ فالخزائن عبارة عمّا كتبه القلم الأعلى أولا على الوجه الكلّي في لوح القضاء المحفوظ عن التّبديل الّذى منه يجرى ثانيا على الوجه الجزئي في لوح القدر الّذى فيه المحو و الاثبات مندرجا على التنزيل.
فالى الأوّل اشير بقوله وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ و بقوله يَمْحُوا اللَّهُ ما و الى الثّاني بقوله وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ و منه ينزل و يظهر في عالم الشّهادة كما قال تعالى تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ هذا.
و لمّا فرغ عليه السّلام من مقدّمات الدّعاء و المسألة شرع في أصل غرضه منها فقال (اللهمّ إن فههت) أى عجزت و عييت (عن مسألتي أو عمهت) أى تردّدت و تحيّرت (عن طلبتي) أى مطلوبي و مرادى و هو كناية عن عدم اهتدائه إلى وجوه المصالح (فدلّنى على مصالحى) أى اهدنى إلى ما هو صلاح لى فى دنياى و آخرتى ممّا يقرّبنى عن رضاك و يجنّبنى من سخطك (و خذ بقلبى إلى مراشدى) أى مل به و اصرفه إلى محالّ الرشاد و موارد الصّلاح و السّداد فى المبدأ و المعاد.
و هو فى معنى ما قاله السجّاد عليه السّلام فى دعائه «اللهمّ صلّى على محمّد و آله و اجعل همسات قلوبنا و حركات أعضائنا و لمحات أعيننا و لهجات ألسنتنا فى موجبات ثوابك حتّى لا تفوتنا حسنه نستحقّ بها جزاءك و لا تبقى لنا سيئة نستوجب بها عذابك (فليس ذلك بنكر من هداياتك و لا ببدع من كفاياتك) أى دلالتي على مصالحى و أخذ قلبي إلى مراشدى ليس بمنكر أى غير معروف من هداياتك و لا ببدع أى أوّل ما تكفيني من كفاياتك، بل عاداتك التوفيق و الهداية، و سجيّتك الكرم و الكفاية.
قال الشّارح البحراني: هذا الكلام استعطاف بما في العادة أن يستعطف به أهل العواطف و الرحمة من الكلام، أى انّ هداياتك لخلقك إلى وجوه مصالحهم و كفاياتك لهم ما يحتاجون إليه أمور متعارفة جرت عادتك بها و ألفها منك عبادك (اللهمّ احملني على عفوك و لا تحملني على عدلك) قال الشارح البحراني: قد سأل عليه السّلام أن يحمله على عفوه فيما عساه صدر عنه من ذنب و لا يحمله على عدله فيجزيه بما فعل حرمانا أو عقوبة، و هو من لطيف ما تعده النفس لاستنزال الرحمة الالهيّة، انتهى.
و محصّله أنّ منتهى العفو الكرم و الثواب و مقتضى العدل الالهيّة المؤاخذة و العقاب، فسأل عنه تعالى أن يعامله بعفوه و لا يعامله بعدله نظير ما ورد في دعاء آخر: اللهمّ عاملنا بفضلك و لا تعاملنا بعدلك.
و قال سيّد السّاجدين عليه السّلام في دعائه في اللّجاء إلى اللّه تعالى من أدعيّة الصّحيفة الكاملة: اللهمّ إن تشأتعف عنا فبفضلك و ان تشأ تعذّبنا فبعدلك، فسهّل لنا عفوك بمنّك و أجرنا من عذابك بتجاوزك، فانه لا طاقة لنا بفضلك، و لا نجاة لأحد منا دون عفوك.
تذييل
أحببت أن أورد بمناسبة المقام عدّة من الأدعيّة النفيسة استطرفتها لجلالة
قدرها و عظم خطرها و عموم نفعها ضنّا منّى بتركها و شحاحة بخلوّ الشّرح منها فمنها ما في زهر الرّبيع للمحدّث الجزائرى قال: دعاء منقول عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أراد أن لا يوقفه اللّه على قبيح أعماله و لا ينشر له ديوانا فليدع بهذا الدّعاء في دبر كلّ صلاة: اللّهمّ إنّ مغفرتك لي أرجى من عملي، و إنّ رحمتك أوسع من ذنبي، اللهمّ إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك فرحمتك أهل أن تبلغني لأنّها وسعت كلّ شي ء يا أرحم الرّاحمين.
و منها ما في البحار من المكارم عن الحسين بن خالد قال: لزمنى دين ببغداد ثلاثمأة ألف و كان لي دين أربعمائة ألف فلم يدعني غرمائي اقتضى ديني و اعطيهم قال: و حضر الموسم فخرجت مستترا و أردت الوصول إلى أبي الحسن عليه السّلام فلم أقدر فكتبت إليه أصف له حالي و ما علىّ و مالي فكتب عليه السّلام إلىّ في عرض كتابي: قل في دبر كلّ صلاة: اللهمّ إنّي أسألك يا لا إله إلّا أنت بحقّ لا إله إلّا أنت أن ترحمني بلا إله إلّا أنت اللهمّ إنّي أسألك يا لا إله إلّا أنت بحقّ لا إله إلّا أنت أن تغفر لي بلا إله إلّا أنت.
أعد ذلك ثلاث مرّات في دبر كلّ صلاة فريضة فانّ حاجتك تقضي إنشاء اللّه تعالى قال الحسين: فأدمتها فو اللّه ما مضت بي الّا أربعة أشهر حتّى اقتضت ديني و قضيت ما علىّ و اقتضت مأئة ألف درهم.
و منها ما في عدّة الدّاعي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ جبرئيل نزل عليه بهذا الدّعاء من السّماء و نزل عليه ضاحكا مستبشرا، فقال: السّلام عليك يا محمّد، قال: و عليك السّلام يا جبرئيل، فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ بعث إليك بهدية فقال: و ما تلك الهدية يا جبرئيل قال: كلمات من كنوز العرش أكرمك اللّه بها، فقال: و ما هنّ يا جبرئيل قال: قل:
يا من أظهر الجميل و ستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة و لم يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرّحمة، يا صاحب كلّ نجوى، و يا منتهى كلّ شكوى، يا كريم الصّفح، يا عظيم المنّ، يا مبتدأ بالنعم قبل استحقاقها، يا سيّدنا يا ربّنا، يا مولينا، يا غاية رغبتنا، أسألك يا اللّه أن لا تشوّه خلقي بالنّار.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لجبرئيل: ما ثواب هذه الكلمات قال: هيهات هيهات انقطع العمل لو اجتمع ملائكة سبع سماوات و سبع أرضين على أن يصفوا ذلك كما وصفوا إلى يوم القيامة ما وصفوا من كلّ ألف ألف جزء جزءا واحدا.
إذا قال العبد: يا من أظهر الجميل و ستر القبيح، ستره اللّه و رحمه في الدّنيا و جمّله في الاخرة و ستر اللّه عليه سترا في الدّنيا و الاخرة.
و إذا قال: يا عظيم العفو، غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت خطيئته مثل زبد البحر.
و اذا قال: يا حسن التّجاوز تجاوز اللّه عنه حتّى السّرقة و شرب الخمر و أهاويل الدّنيا و غير ذلك من الكباير.
و اذا قال: يا واسع المغفرة فتح اللّه له سبعين بابا من الرّحمة فهو يخوض في رحمة اللّه عزّ و جلّ حتّى يخرج من الدّنيا.
و اذا قال: يا باسط اليدين بالرّحمة بسط اللّه يده عليه بالرّحمة.
و اذا قال يا صاحب كلّ نجوى و يا منتهى كلّ شكوى، أعطاه اللّه من الأجر ثواب كلّ مصاب و كلّ سالم و كلّ مريض و كلّ ضرير و كلّ مسكين و كلّ فقير و كلّ صاحب مصيبة إلى يوم القيامة.
و اذا قال: يا كريم الصّفح أكرمه اللّه تعالى كرامة الأنبياء.
و اذا قال: يا عظيم المنّ أعطاه اللّه يوم القيامة امنيّته و امنيّة الخلايق.
و اذا قال: يا مبتدأ بالنّعم قبل استحقاقها، أعطاه اللّه من الأجر بعدد من شكر نعماءه.
و اذا قال: يا ربّنا و يا سيّدنا قال اللّه تبارك و تعالى: اشهدوا ملائكتي انّي قد غفرت له و أعطيته من الأجر بعدد من خلقته في الجنّة و النّار و السماوات السبع و الأرضين السّبع و الشّمس و القمر و النّجوم و قطر الامطار و أنواع الخلايق و الجبال و الحصى و الثّرى و غير ذلك و العرش و الكرسي.
و اذا قال: يا مولينا أملاء اللّه قلبه من الايمان.
و اذا قال: يا غاية رغبتنا أعطاه اللّه يوم القيامة رغبة مثل رغبة الخلايق و اذا قال: أسألك يا اللّه أن لا تشوّه خلقي بالنّار، قال الجبّار جلّ جلاله: استعتقنى عبدى من النّار اشهدوا ملائكتي أنّى قد اعتقته من النار و اعتقت أبويه و اخوته و اخواته و أهله و ولده و جيرانه و شفعته في ألف رجل ممّن وجبت لهم النار و اجرته من النّار، فعلّمهن يا محمّد المتّقين و لا تعلّمه المنافقين فانها دعوة مستجابة لقائلهن إنشاء اللّه تعالى و هو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به.
و منها ما في البحار عن المكارم عن معاذ بن جبل قال: أرسلني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم الى عبد اللّه بن سلام و عنده جماعة من أصحابه فحضر فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عبد اللّه أخبرني عن عشر كلمات علّمهنّ اللّه عزّ و جلّ ابراهيم يوم قذف في النّار أتجدهنّ في التوراة مكتوبا فقال عبد اللّه: يا نبىّ اللّه بأبي و امّي هل انزل عليك فيهنّ شي ء فانّي أجد ثوابها في التوراة و لا أجد الكلمات، و هى عشر دعوات فيهنّ اسم اللّه الأعظم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هل علّمهنّ اللّه تعالى موسى فقال: ما علّمهنّ اللّه تعالى موسى غير ابراهيم الخليل فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما تجدثوا بها فى التوراة فقال عبد اللّه: يا رسول اللّه و من يستطع أن يبلغ ثوابها غير أنّى أجد فى التّوراة مكتوبا ما من عبد منّ اللّه عليه و جعل هؤلاء الكلمات فى قلبه إلّا جعل النور فى بصره، و اليقين فى قلبه، و شرح صدره للايمان، و جعل له نورا من مجلسه إلى العرش يتلألأ و يباهى به ملائكته فى كلّ يوم مرّتين، و يجعل الحكمة فى لسانه و يرزقه حفظ كتابه، و لن لم يكن حريصا عليه، و يفقّهه فى الدين، و يقذف له المحبّة فى قلوب عباده، و يؤمنه من عذاب القبر، و فتنة الدّجال، و يؤمنه من الفزع الأكبر يوم القيامة و يحشره فى زمرة الشّهداء، و يكرمه اللّه و يعطيه ما يعطى الأنبياء بكرامته، و لا يخاف إذا خاف النّاس، و لا يحزن إذا حزن النّاس، و يكتب عند اللّه من الصدّيقين و يحشر يوم القيامة و قلبه ساكن مطمئنّ، و هو ممّن يكسى مع ابراهيم يوم القيامة، و لا يسأل بتلك الدّعوات شيئا إلّا أعطاه اللّه، و لو اقسم على اللّه لأبرّ قسمه و يجاور الرّحمن فى دار الجلال، و له أجر كلّ شهيد استشهد منذ يوم خلقت الدنيا.
قال النّبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما دار الجلال قال: جنة عدن و هو موضع عرش الرّحمن ربّ العزّة و هو فى جوار اللّه.
قال ابن سلام: فعلّمنا يا رسول اللّه و منّ علينا كما منّ اللّه عليك، قال النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خرّوا سجّدا للّه، قال: فخرّوا سجّدا فلمّا رفعوا رؤوسهم قال النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قولوا: يا اللّه يا اللّه يا اللّه أنت المرهوب منك جميع خلقك يا نور النّور أنت الّذى احتجبت دون خلقك فلا يدرك نورك نور، يا اللّه يا اللّه يا اللّه أنت الرّفيع الّذي ارتفعت فوق عرشك من فوق سمائك فلا يصف عظمتك أحد من خلقك، يا نور النّور قد استنار بنورك أهل سمائك و استضاء بضوئك أهل أرضك، يا اللّه يا اللّه يا اللّه أنت الّذى لا إله غيرك تعاليت عن أن يكون لك شريك، و تعظّمت عن أن يكون لك ولد و تكرّمت عن أن يكون لك شبيه و تجبّرت عن أن يكون لك ضدّ، فأنت اللّه المحمود بكلّ لسان، و أنت المعبود فى كلّ مكان، و أنت المذكور فى كلّ أوان و زمان، يا نور النّور كلّ نور خامد لنورك، يا مليك كلّ مليك يفنى غيرك، يا دائم كلّ حىّ يموت غيرك، يا اللّه يا اللّه يا اللّه الرّحمن الرحيم ارحمنى رحمة تطفى بها غضبك، و تكفّ بها عذابك، و ترزقني بها سعادة من عندك، و تحلّنى بها دارك الّتي تسكنها خيرتك من خلقك يا أرحم الراحمين
يا من أظهر الجميل و ستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة و لم يهتك السّتر يا عظيم العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرّحمة يا صاحب كلّ نجوى و يا منتهي كلّ شكوى يا كريم الصّفح يا عظيم المنّ يا مبتدأ بالنّعم قبل استحقاقها يا ربّاه يا ربّاه و يا سيّداه و يا أملاه و يا غاية رغبتاه أسألك يا اللّه يا اللّه يا اللّه أن لا تشوّه خلقى بالنّار.
قال: يا رسول اللّه و ما ثواب من قال هذه الكلمات قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هيهات هيهات انقطع القلم لو اجتمع ملائكة سبع سماوات و سبع أرضين على أن يصفوا ذلك إلى يوم القيامة لما وصفوا من ألف جزء جزءا واحدا. و ذكر عليه السّلام لهذه الكلمات ثوابا و فضايل كثيرة لا يحتمل ذكرها ههنا اقتصرنا على ذكر المقصود مخافة التّطويل و منها ما في البحار من مهج الدّعوات قال: روينا باسنادنا إلى سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن الحسن بن الجهم عمّن حدّثه عن الحسن بن محبوب أو غيره عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ عندنا ما نكتمه و لا يعلمه غيرنا أشهد علي أبي أنّه حدّثني عن أبيه عن جدّه قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: يا بنىّ انّه لا بدّ أن تمضى مقادير اللّه و أحكامه على ما أحبّ و قضى، و سينفذ اللّه قضاءه و قدره و حكمه فيك فعاهدني أن لا تلفظ بكلام أسرّه إليك حتّى أموت و بعد موتي باثنى عشر شهرا، و اخبرك بخبر أصله عن اللّه تقول غدوة و عشيّة فتشغل به ألف ألف ملك يعطى كلّ مستغفر قوّة ألف ألف متكلّم في سرعة الكلام، و يبنى لك في دار السلام ألف بيت في مأئة قصر يكون لك جار جدّك و يبنى لك في جنّات عدن ألف ألف مدينة و يحشر معك في قبرك كتابها هذا لا سبيل عليك للفزع و لا للخوف و لا الزّلازل و لا زلّات الصّراط و لا لعذاب النار و لا تدعو بدعوة فتحبّ أن يجاب في يومك فيمسى عليك يومك إلّا أتتك كائنة ما كان «نت ظ» بالغة ما بلغت في أىّ نحو كانت و لا تموت إلّا شهيدا و تحيى ما حييت و أنت سعيد لا يصبك فقر أبدا و لا جنون و لا بلوى و يكتب لك في كلّ يوم بعدد الثّقلين كلّ نفس ألف ألف حسنة، و يمحى عنك ألف ألف سيئة، و يرفع لك ألف ألف درجة، و يستغفر لك العرش و الكرسي حتّى تقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ، و لا تطلب لأحد حاجة إلّا قضاها، و لا تطلب إلى اللّه حاجة.
لك و لا لغيرك إلى آخر الدّهر في دنياك و آخرتك إلّا قضاها، فعاهدني كما أذكر لك.
فقال له الحسين عليه السّلام: عاهدني يا أبا على ما أحببت.
قال: أعاهدك على أن تكتم علىّ فاذا بلغ منيتك فلا تعلمه أحدا سوانا أهل البيت أو شيعتنا و أولياءنا و موالينا، فانك إن فعلت ذلك طلب النّاس إلى ربّهم الحوائج في كلّ نحو فقضاها فأنا أحبّ أن يتمّ اللّه بكم أهل البيت بما علّمنى ممّا اعلمك ما أنتم فيه فتحشرون لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون.
فعاهد الحسين عليّا صلوات اللّه عليهما على ذلك ثمّ قال عليه السّلام: إذا أردت ذلك فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، سبحان اللّه في آناء الليل و أطراف النّهار، سبحان اللّه بالغدوّ و الاصال، سبحان اللّه بالعشىّ و الابكار، سبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في السّموات و الأرض و عشيّا و حين تظهرون يخرج الحىّ من الميّت و يخرج الميّت من الحىّ و يحيى الأرض بعد موتها و كذلك تخرجون، سبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون، و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ذى الملك و الملكوت، سبحان اللّه ذى العزّة و العظمة و الجبروت، سبحان اللّه الملك الحقّ القدّوس، سبحان اللّه الملك الحىّ الذى لا يموت، سبحان القائم الدائم، سبحان الحىّ القيّوم، سبحان العليّ الأعلى، سبحانه و تعالى، سبّوح قدّوس ربّ الملائكة و الرّوح، اللهمّ إني أصبحت منك فى نعمة و عافية فأتمم علىّ نعمتك و عافيتك لي بالنجاة من النّار، و ارزقنى شكرك و عافيتك أبدا ما أبقيتنى، اللهمّ بنورك اهتديت، و بنعمتك أصبحت و أمسيت، أصبحت اشهدك و كفى بك شهيدا
و اشهد ملائكتك و حملة عرشك و أنبيائك و رسلك و جميع خلقك و سماواتك و أرضك أنّك أنت اللّه لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، و أنّ محمّدا صلواتك عليه و آله عبدك و رسولك، و أنت على كلّ شي ء قدير، تحيى و تميت و تميت و تحيى، و أشهد أنّ الجنّة حقّ و النّار حقّ و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من فى القبور، و أشهد أنّ علىّ بن أبي طالب عليه السّلام و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمّد بن عليّ و جعفر بن محمّد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمّد بن عليّ و علىّ بن محمّد و الحسن بن عليّ و الامام من ولد الحسن بن عليّ الائمة الهداة المهديّون غير الضّالين و المضلّين، و أنّهم أولياؤك المصطفون، و حزبك الغالبون، و صفوتك و خيرتك من خلقك و نجباؤك الذين انتجبتهم بولايتك و اختصصتهم من خلقك و اصطفيتهم على عبادك و جعلتهم حجّة على خلقك، صلواتك عليهم و السّلام، اللهمّ اكتب هذه الشهادة حتّى تلقينها و أنت عنّى راض يوم القيامة، و قد رضيت عنّى انك على كلّ شي ء قدير، اللهمّ لك الحمد حمدا تضع لك السّماء أكنافها و تسبّح لك الأرض و من عليها، و لك الحمد حمدا يصعد و لا ينفد، و حمدا يزيد و لا يبيد سرمدا مددا لا انقطاع له و لا نفاد أبدا، حمدا يصعد أوله و لا ينفد آخره، و لك الحمد علىّ و معى و فىّ و قبلى و بعدى و امامى ولدىّ فاذا متّ و فنيت و بقيت يا مولاى فلك الحمد إذا نشرت و بعثت، و لك الحمد و الشكر بجميع محامدك كلّها على جميع نعمائك كلّها، و لك الحمد على كلّ عرق ساكن و على كلّ أكلة و شربة و بطشة و حركة و نومة و يقظة و لحظة و طرفة و نفس و على كلّ موضع شعرة، اللهمّ لك الحمد كلّه، و لك الملك كلّه، و بيدك الخير كلّه.
و إليك يرجع الأمر كلّه، علانيته و سرّه، و أنت منتهى الشّان كلّه، اللهمّ لك الحمد على حلمك بعد علمك، و لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، اللهمّ لك الحمد باعث الحمد، و وارث الحمد، و بديع الحمد، و مبتدع الحمد، و وافي العهد و صادق الوعد عزيز الجند قديم المجد، اللهمّ لك الحمد مجيب الدّعوات، رفيع الدرجات، منزّل الايات من فوق سبع سماوات، مخرج النّور من الظلمات، مبدل السّيئات الحسنات، و جاعل الحسنات درجات، اللهمّ لك الحمد غافر الذنب، و قابل التّوب شديد العقاب ذى الطّول لا إله إلا أنت إليك المصير اللّهمّ لك الحمد في الليل إذا يغشى، و لك الحمد في النهار إذا تجلّى، لك الحمد عدد كلّ نجم و ملك في السّماء، و لك الحمد عدد كلّ قطرة نزلت من السّماء إلى الأرض، و لك الحمد عدد كلّ قطرة في البحار و العيون و الأودية و الأنهار، و لك الحمد عدد الشّجر و الورق و الحصى و الثّرى و الجنّ و الانس و البهائم و الطير و الوحوش و الانعام و السّباع و الهوام، و لك الحمد عدد ما أحصى كتابك و أحاط به علمك حمدا كثيرا دائما مباركا فيه أبدا، لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيى و يميت و يميت و يحيى و هو حىّ لا يموت بيده الخير و هو على كلّ شي ء قدير عشر مرات أستغفر اللّه الّذى لا إله الّا هو الحىّ القيّوم و أتوب اليه عشر مرات يا اللّه يا اللّه يا اللّه عشر مرات يا رحمن يا رحيم عشر مرات يا رحيم يا رحيم عشر مرات يا بديع السّموات و الأرض يا ذا الجلال و الاكرام عشرا يا حنّان يا منّان عشرا يا حيّ يا قيّوم عشرا يا لا إله إلا أنت عشرا اللهمّ صل على محمّد و آل محمّد عشرا بسم اللّه الرحمن الرحيم عشرا آمين آمين افعل بي كذا و كذا و تقول هذا بعد الصّبح مرّة و بعد العصر اخرى ثمّ تدعو بما شئت.
و منها ما في البحار من مهج الدّعوات أيضا قال: روى عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: نزل جبرئيل و كنت أصلّى خلف المقام قال: فلما فرغت استغفرت اللّه عزّ و جلّ لامّتي فقال لي جبرئيل: يا محمّد أراك حريصا على أمّتك و اللّه تعالى رحيم بعباده، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لجبرئيل: يا أخي أنت حبيبي و حبيب امّتي علّمني دعاء تكون امتى يذكروني من بعدى، فقال لي جبرئيل أوصيك أن تأمر امّتك أن تصوموا ثلاثة أيّام البيض من كلّ شهر: الثّالث عشر، و الرابع عشر، و الخامس عشر، و اوصيك يا محمّد أن تأمر امّتك أن تدعو بهذا الدّعاء الشّريف و أنّ حملة العرش يحملون العرش ببركة هذا الدّعاء و ببركته انزل إلى الأرض و أصعد إلى السّماء، و هذا الدّعاء مكتوب على أبواب الجنّة و على حجراتها و على شرفاتها و على منازلها، و به تفتح أبواب الجنّة، و بهذا يحشر الخلق يوم القيامة بأمر اللّه عزّ و جلّ و من قرأه ينجيه من عذاب النار.
ثمّ سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جبرئيل عن ثواب هذا الدّعاء.
قال جبرئيل: يا محمّد قد سالتني عن شي ء لا أقدر على وصفه و لا يعلم قدره إلّا اللّه.
يا محمّد لو صارت أشجار الدّنيا أقلاما و البحار مدادا و الخلايق كتابا لم يقدروا على ثواب قارى هذا الدّعاء، و لا يقرأ هذا عبد و أراد عتقه إلّا أعتقه اللّه تبارك و تعالى و خلصه من رقّ العبودية، و لا يقرءه مغموم إلّا فرّج اللّه همّه و غمّه، و لا يدعو به طالب حاجة إلّا قضاها اللّه عزّ و جلّ له في الدّنيا و الاخرة إنشاء اللّه تعالى و يقيه اللّه تعالى موت الفجأة و هول القبر و فقر الدّنيا و يعطيه اللّه تبارك و تعالى الشفاعة يوم القيامة و وجهه يضحك و يدخله اللّه ببركة هذا الدّعاء دار السلام و يسكنه اللّه في غرف الجنان و يلبسه من حلل الجنّة التي لا تبلى، و من صام و قرء هذا الدّعاء كتب اللّه عزّ و جلّ له مثل ثواب جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل و ابراهيم الخليل و موسى الكليم و عيسى و محمّد صلّى اللّه عليهم أجمعين.
قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عجبت من كثرة ما ذكر جبرئيل عليه السّلام في فضل هذا الدّعاء و شرفه و تعظيمه و ما ذكر فيه من الثواب لقارئ هذا ثمّ قال جبرئيل: يا محمّد ليس أحد من امتك يدعو بهذا الدّعاء في عمره مرّة واحدة إلّا حشره اللّه يوم القيامة و وجهه يتلألا مثل القمر ليلة تمّه، فيقول الناس من هذا أنبىّ هذا فتخبرهم الملائكة بأن ليس هذا نبيّ و لا ملك بل هذا عبد من عبيد اللّه من ولد آدم قرء في عمره مرّة واحدة هذا الدّعاء فأكرمه اللّه عزّ و جلّ بهذه ثمّ قال جبرئيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قرء هذا الدّعاء خمس مرّات حشر يوم القيامة و أنا واقف على قبره و معى براق من الجنة و لا أبرح واقفا حتّى يركب على ذلك البراق و لا ينزل عنه إلّا في دار النعيم خالد مخلّد و لا حساب عليه في جوار إبراهيم و في جوار محمّد و أنا اضمن لقارى هذا الدّعاء من ذكر أو أنثى انّ اللّه تعالى لا يعذّبه و لو كان عليه ذنوب أكثر من زبد البحر و قطر المطر و ورق الشجر و عدد الخلايق من أهل الجنّة و أهل النّار، و أنّ اللّه عزّ و جلّ يأمر أن يكتب بهذا الذى يدعو بهذا الدّعاء حجّة مبرورة و عمرة مقبولة.
يا محمّد و من قرء هذا الدّعاء وقت النوم خمس عشر مرّات على طهارة فانّه يراك في منامه و تبشّره الجنّة، و من كان جايعا أو عطشانا و لا يجد ما يأكل و لا ما يشرب أو كان مريضا فيقرأ هذا الدّعاء فانّ اللّه عزّ و جلّ يفرج عنه ما هو فيه ببركته و يطعمه و يسقيه و يقضي له حوائج الدّنيا و الاخرة، و من سرق له شي ء أو أبق له عبد فيقوم و يتطهّر و يصلّى ركعتين أو أربع ركعات و يقرأ كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و سورة الاخلاص و هى قل هو اللّه أحد مرّتين فاذا سلّم يقرأ هذا الدّعاء و يجعل الصحيفة بين يديه أو تحت رأسه فان اللّه تعالى يجمع المشرق و المغرب و يردّ العبد الابق ببركة هذا الدّعاء ان شاء اللّه تعالى، و ان كان يخاف من عدوّ فيقرأ هذا الدّعاء على نفسه فيجعله اللّه في حرز حريز و لا يقدر عليه أعداؤه، و ما من عبد قرأه و عليه دين إلّا قضاه اللّه عزّ و جلّ و سهّل له من يقضيه عنه إنشاء اللّه تعالى، و من قرأه على مريض شفاه اللّه تعالى ببركته، فان قرأه عبد مؤمن مخلص للّه عزّ و جلّ على جبل يتحرّك الجبل باذن اللّه تعالى، و من قرأه بنيّة خالصة على الماء لجمد الماء، و لا تعجب من هذا الفضل الذى ذكرته في هذا الدّعاء فانّ فيه اسم اللّه تعالى الأعظم و انّه إذا قرأه القارى و سمعه الملائكة و الجنّ و الانس فيدعون لقاريه و انّ اللّه يستجيب منهم دعاءهم و كلّ ذلك ببركة اللّه عزّ و جلّ و ببركة هذا الدّعاء، و أنّ من آمن باللّه و برسوله و بهذا الدّعاء فيجب أن لا يغاش قلبه بما ذكر في هذا الدّعاء و أنّ اللّه تعالى يرزق من يشاء بغير حساب، و من حفظه و قرأه أو نسخه فألّا «فلاظ» يبخل به على أحد من المسلمين.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما قرأت هذا الدعاء في غزوة إلّا ظفرت ببركة هذا الدّعاء على أعدائي.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قرء هذا الدّعاء اعطى نور الأولياء في وجهه و سهّل له كلّ عسير و يسير و يسّر له كلّ يسير.
و قال الحسن البصرى: لقد سمعت في فضل هذا الدّعاء أشياء ما لا أقدر أن أصفه و لو أنّ من يقرءه ضرب برجله على الأرض تحرّكت الأرض.
و قال سفيان الثورى: ويل لمن لا يعرف حقّ هذا الدّعاء فانّ من عرف حقّه و حرمته كفاه اللّه عزّ و جلّ كلّ شدّة و سهّل له جميع الامور و وقاه كلّ محذور و دفع عنه كلّ سوء و نجاه من كلّ مرض و عرض و أزاح الهمّ و الغمّ عنه فتعلّموه و علّموه فانّ فيه الخير الكثير و هو هذا الدّعاء الموصوف: سبحان اللّه العظيم و بحمده من إله ما أقدره، و سبحانه من قدير ما أعظمه، و سبحانه من عظيم ما أجلّه، و سبحانه من جليل ما أمجده، و سبحانه من ماجد ما أرأفه و سبحانه من رؤوف ما أعزّه، و سبحانه من عزيز ما أكبره، و سبحانه من كبير ما أقدمه، و سبحانه من قديم ما أعلاه، و سبحانه من عال ما أسناه، و سبحانه من سنىّ ما أبهاه، و سبحانه من بهىّ ما أنوره، و سبحانه من منير ما أظهره، و سبحانه من ظاهر ما أخفاه، و سبحانه من خفىّ ما أعلمه، و سبحانه من عليم ما أخبره، و سبحانه من خبير ما أكرمه، و سبحانه من كريم ما ألطفه، و سبحانه من لطيف ما أبصره، و سبحانه من بصير ما أسمعه، و سبحانه من سميع ما أحفظه، و سبحانه من حفيظ ما أملاه، و سبحانه من مليّ ما أهداه، و سبحانه من هاد ما أصدقه، و سبحانه من صادق ما أحمده، و سبحانه من حميد ما أذكره، و سبحانه من ذاكر ما أشكره، و سبحانه من شاكر ما أوفاه، و سبحانه من وفيّ ما أغناه، و سبحانه من غنيّ ما أعطاه، و سبحانه من معط ما أوسعه، و سبحانه من واسع ما أجوده، و سبحانه من جواد ما أفضله، و سبحانه من مفضل ما أنعمه، و سبحانه من منعم ما أسيده، و سبحانه من سيّد ما أرحمه،
و سبحانه من رحيم ما أرشده، و سبحانه من رشيد ما أقواه، و سبحانه من قوىّ ما أحكمه، و سبحانه من حكيم ما أبطشه، و سبحانه من باطش ما أقومه، و سبحانه من قيّوم ما أحمده، و سبحانه من حميد ما أدومه، و سبحانه من دائم ما أبقاه و سبحانه من باق ما أفرده، و سبحانه من فرد ما أوحده، و سبحانه من واحد ما أصمده، و سبحانه من صمد ما أملكه، و سبحانه من مالك ما أولاه، و سبحانه من وليّ ما أعظمه و سبحانه من عظيم ما أكمله، و سبحانه من كامل ما أتمّه، و سبحانه من تامّ ما أعجبه و سبحانه من عجيب ما أفخره، و سبحانه من فاخر ما أبعده، و سبحانه من بعيد ما أقربه، و سبحانه من قريب ما أمنعه، و سبحانه من مانع ما أغلبه، و سبحانه من غالب ما أعفاه، و سبحانه من عفوّ ما أحسنه، و سبحانه من محسن ما أجمله، و سبحانه من جميل ما أقبله، و سبحانه من قابل ما أشكره، و سبحانه من شكور ما أغفره و سبحانه من غفور ما أكبره، و سبحانه من كبير ما أجبره، و سبحانه من جيير ما أدينه، و سبحانه من ديّان ما أقضاه، و سبحانه من قاض ما أمضاه، و سبحانه من ماض ما أنفذه، و سبحانه من نافذ ما أرحمه، و سبحانه من رحيم ما أخلقه، و سبحانه من خالق ما أقهره، و سبحانه من قاهر ما أملكه، و سبحانه من مالك ما أقدره، و سبحانه من قادر ما أرفعه، و سبحانه من رفيع ما أشرفه، و سبحانه من شريف ما أرزقه، و سبحانه من رازق ما أقبضه، و سبحانه من قابض ما أبداه، و سبحانه من بادء ما أقدسه و سبحانه من قدّوس ما أطهره، و سبحانه من طاهر ما أزكاه، و سبحانه من زكيّ ما أبقاه، و سبحانه من باق ما أعوده، و سبحانه من عواد ما أفطره، و سبحانه من فاطر ما أوهبه، و سبحانه من وهّاب ما توّبه، و سبحانه من توّاب ما أسخاه، و سبحانه من سخيّ ما أبصره، و سبحانه من بصير ما أسلمه، و سبحانه من سلام ما أشفاه، و سبحانه من شاف ما أنجاه، و سبحانه من منجى ما أبرّه، و سبحانه من بارّ ما أطلبه، و سبحانه من طالب ما أدركه، و سبحانه من مدرك ما أشدّه، و سبحانه من شديد ما أعطفه، و سبحانه من متعطّف ما أعدله، و سبحانه من عادل ما أتقنه، و سبحانه من متقن ما أحكمه، و سبحانه من حكيم ما أكفله، و سبحانه من كفيل ما أشهده و سبحانه و هو اللّه العظيم و بحمده الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم دافع كل بلية و هو حسبى و نعم الوكيل قال سفيان الثورى: ويل لمن لا يعرف حرمة هذا الدّعاء فانّ من عرف حقّ هذا الدّعاء و حرمته كفاه اللّه عزّ و جلّ كلّ شدة و صعوبة و آفة و مرض و غم فتعلّموه و علّموه ففيه البركة و الخير الكثير فى الدّنيا و الاخرة إنشاء اللّه تعالى.
و منها ما في البحار أيضا من مهج الدّعوات باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: من دعا بهذا الدّعاء مرّة واحدة في دهره كتب في رقّ العبوديّة و رفع في ديوان القائم عليه السّلام، فاذا قام قائمنا نادى باسمه و اسم أبيه ثمّ يدفع إليه هذا الكتاب و يقال له: خذ هذا الكتاب العهد الذى عاهدتنا في الدّنيا و ذلك قوله عزّ و جلّ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً و ادع به و أنت طاهر تقول: يا إله الالهة يا واحد يا أحد يا آخر الاخرين، يا قاهر القاهرين، يا عليّ يا عظيم أنت العليّ الأعلى علوت فوق كلّ علوّ، هذا يا سيّدى عهدى و أنت منجز وعدى فصل يا مولاى وعدى و أنجز وعدى، آمنت بك و أسألك بحجابك العربىّ و بحجابك العجمىّ و بحجابك العبرانيّ و بحجابك السّريانيّ و بحجابك الروميّ و بحجابك الهندىّ و اثبت معرفتك بالعناية الاولى فانّك أنت اللّه لا ترى و أنت بالمنظر الأعلى و أتقرّب إليك برسولك المنذر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعليّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه الهادى، و بالحسن السّيد و بالحسين الشّهيد سبطي نبيّك، و بفاطمة البتول، و بعليّ بن الحسين زين الثفنات، و محمّد بن عليّ الباقر عن علمك، و بجعفر بن محمّد الصّادق الّذى صدّق بميثاقك و ميعادك، و بموسى بن جعفر الحصور القائم بعهدك و بعليّ بن موسى الرّضا الراضي بحكمك، و بمحمّد بن عليّ الحبر الفاضل المرتضى في المؤمنين، و بعليّ بن محمّد الأمين المؤتمن هادى المسترشدين، و بالحسن بن عليّ الطّاهر الزكى خزانة الوصيّين، و أتقرّب إليك بالامام القائم العدل المنتظر المهدى إمامنا و ابن إمامنا صلوات اللّه عليهم أجمعين، يا من جلّ فعظم و أهل ذلك فعفى و رحم، يا من قدر فلطف أشكو إليك ضعفى و ما قصر عنه عملي من توحيدك و كنه معرفتك، و أتوجّه إليك بالتسمية البيضاء و بالوحدانيّة الكبرى الّتي قصر عنها من أدبر و تولّى و آمنت بحجابك الأعظم و بكلماتك التامّة العليا الّتي خلقت منها دار البلاء و أحللت من أحببت جنّة المأوى، آمنت بالسّابقين و الصّديقين أصحاب اليمين من المؤمنين الّذين خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا ألّا تولّيني غيرهم، و لا تفرّق بيني و بينهم غدا إذا قدّمت الرّضا بفصل القضا آمنت بسرّهم و علانيتهم و خواتيم أعمالهم فانك تختم عليها إذا شئت يا من أ تحفنى بالاقرار بالوحدانية، و حباني بمعرفة الرّبوبيّة، و خلّصني من الشّك و العمى، رضيت بك ربّا، و بالأصفياء حججا و بالمحجوبين أنبياء، و بالرّسل أدلاء، و بالمتّقين أمراء، و سامعا لك مطيعا.
هذا آخر العهد المذكور كتب اللّه تعالى لنا في زمرة المعاهدين المخلصين، و جعلنا من موالي أوليائه المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين و اللّعنة على أعدائهم و ظالميهم و الشّاكين فيهم إلى يوم الدّين.
|