6: وَ صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ- وَ الْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ- وَ الِاحْتِمَالُ قَبْرُ الْعُيُوبِ- وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضاً- الْمُسَالَمَةُ خَبْ ءُ الْعُيُوبِ هذه فصول ثلاثة- الفصل الأول قوله صدر العاقل صندوق سره- قد ذكرنا فيما تقدم طرفا صالحا في كتمان السر- . و كان يقال لا تنكح خاطب سرك- . قال معاوية للنجار العذري ابغ لي محدثا- قال معي يا أمير المؤمنين قال نعم- أستريح منك إليه و منه إليك و أجعله كتوما- فإن الرجل إذا اتخذ جليسا ألقى إليه عجره و بجره- . و قال بعض الأعراب- لا تضع سرك عند من لا سر له عندك- . و قالوا- إذا كان سر الملك عند اثنين دخلت على الملك الشبهة- و اتسعت على الرجلين المعاذير- فإن عاقبهما عند شياعه عاقب اثنين بذنب واحد- و إن اتهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم- و إن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما و لا ذنب له- و عن الآخر و لا حجة عليه- . الفصل الثاني قوله البشاشة حبالة المودة- قد قلنا في البشر و البشاشة فيما سبق قولا مقنعا- . و كان يقال البشر دال على السخاء من ممدوحك- و على الود من صديقك دلالة النور على الثمر- . و كان يقال ثلاث تبين لك الود في صدر أخيك- تلقاه ببشرك و تبدؤه بالسلام و توسع له في المجلس- . و قال الشاعر
لا تدخلنك ضجرة من سائل فلخير دهرك أن ترى مسئولا
لا تجبهن بالرد وجه مؤمل
قد رام غيرك أن يرى مأمولا
تلقى الكريم فتستدل ببشره و ترى العبوس على اللئيم دليلا
و اعلم بأنك عن قليل صائر
خبرا فكن خبرا يروق جميلا
- . و قال البحتري
لو أن كفك لم تجد لمؤمل لكفاه عاجل بشرك المتهلل
و لو أن مجدك لم يكن متقادما
أغناك آخر سؤدد عن أول
أدركت ما فات الكهول من الحجا من عنفوان شبابك المستقبل
فإذا أمرت فما يقال لك اتئد
و إذا حكمت فما يقال لك اعدل
- . الفصل الثالث قوله الاحتمال قبر العيوب- أي إذا احتملت صاحبك و حلمت عنه- ستر هذا الخلق الحسن منك عيوبك- كما يستر القبر الميت- و هذا مثل قولهم في الجود كل عيب فالكرم يغطيه- . فأما الخب ء فمصدر خبأته أخبؤه- و المعنى في الروايتين واحد- و قد ذكرنا في فضل الاحتمال و المسالمة- فيما تقدم أشياء صالحة- . و
من كلامه ع وجدت الاحتمال أنصر لي من الرجال
و
من كلامه من سالم الناس سلم منهم و من حارب الناس حاربوه- فإن العثرة للكاثر
- و كان يقال العاقل خادم الأحمق أبدا- إن كان فوقه لم يجد من مداراته و التقرب إليه بدا- و إن كان دونه لم يجد من احتماله و استكفاف شره بدا- . و أسمع رجل يزيد بن عمر بن هبيرة فأعرض عنه- فقال الرجل إياك أعني قال و عنك أعرض- . و قال الشاعر
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
سكت عن السفيه فظن أني
عييت عن الجواب و ما عييت
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 97-99)
|