(التّكافؤ) التّساوي و الاستواء و (يستوجب) بالبناء على المفعول و (المنهج) واضح الطريق و (ذلّ) الطريق بالكسر محجّتها و الجمع أذلال كحبر و أخبار و (الادغال)بالكسر أن يدخل في الشي ء ما ليس منه و بالفتح جمع الدّغل محرّكة كأسباب و سبب هو الفساد و (المحاجّ) بتشديد الجيم جمع المحجّة بفتح الميم و هى الجادّة.
و (تذلّ) و (تعزّ) بالبناء على الفاعل من باب ضرب و في بعض النّسخ بالبناء على المفعول و (التّبعة) و زان كلمة ما تطلبه من ظلامة و الجمع تبعات و (نصحت) له نصحا و نصيحة و في لغة يتعدّى بنفسه فيقال نصحته و هو الاخلاص و الصّدق و المشورة و العمل.
و قال الجزرى النّصيحة فى اللّغة الخلوص يقال: نصحته و نصحت له و معنى نصيحة اللّه صحّة الاعتقاد في وحدانيّته و اخلاص النّية في عبادته، و النّصيحة لكتاب اللّه هو التّصديق به و العمل بما فيه، و نصيحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التّصديق بنبوّته و رسالته و الانقياد لما امر به و نهى عنه، و نصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحقّ، و نصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم.
الاعراب
و قوله: فريضة فرضها اللّه في بعض النّسخ بالنّصب على الاشتغال أو على الحال كما قاله بعض الشّراح، و في بعضها بالرّفع على أنّه خبر لمبتدأ محذوف.
و قوله: ببالغ خبر ليس اعترضت بينهما جملة و ان اشتدّ آه و الباء فيه زايدة، و قوله: أو يعان عليه في بعض النّسخ بالواو بدل أو
و لما بيّن حقّ اللّه على عباده و هو الحقّ الذى له لنفسه عقّبه ببيان حقوق الناس بعضهم على بعض فقال:
(ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض) و جعلها من حقوقه لافتراضها من قبله تعالى و فى القيام بها إطاعة له و امتثال لأمره، فتكون بهذا الاعتبار من حقوقه الواجبة على عباده، و هذه الجملة توطئة و تمهيد لما يريد أن ينبّه عليه من كون حقه عليه السّلام واجبا عليهم من قبله تعالى و كون القيام به اطاعة له عزّ و علا فيكون ذلك أدعى لهم على أدائه.
(فجعلها) أى تلك الحقوق التي بين الناس (تتكافؤ) و تتقابل (فى وجوهها) أى جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحقّ الوالى على الرعيّة مثلا و هو الطاعة مقابل بمثله فهو العدل و حسن السيرة الذى هو حقّ الرّعية على الوالى (و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب) أى لا يستحقّ (بعضها إلّا ببعض) كما أنّ الوالى إذا لم يعدل لا يستحقّ الطاعة و الزّوجة إذا كانت ناشزة لا يستحقّ النّفقة.
و لمّا مهّد ما مهّد تخلّص إلى غرضه الأصلي فقال (و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق) المتكافئة (حقّ الوالي على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالي) و إنّما كان من أعظم الحقوق لكون مصلحته عامّة لجميع المسلمين و باعثا على انتظام أمر الدين.
و لذلك أكّده بقوله (فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ) و أشار إلى وجوه المصلحة فيها بقوله (فجعلها نظاما لألفتهم و عزّا لدينهم) لأنّها سبب اجتماعهم و بها يقهرون أعداءهم و يعزون أديانهم (فليست تصلح الرّعيّة إلّا بصلاح الولاة) كما هو المشاهد بالعيان و التجربة و شهدت عليه العقول السّليمة (و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة) في الطاعة إذ بمخالفتهم و عصيانهم يؤل جمعهم إلى الشّتات و حبل نظامهم إلى التّبات.
(فاذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه) و أطاعوه (و أدّى الوالي إليها حقّها) و عدل (عزّ الحقّ بينهم) أى يكون عزيزا (و قامت مناهج الدّين) و سبله (و اعتدلت معالم العدل) أى مظانّه أو العلامات الّتي نصبت في طريق العدل لسلوكه (و جرت على أذلالها السّنن) أى جرت على محاجّها و مسالكها بحيث لا تكون فيها اعوجاج و تحريف.
(فصلح بذلك الزّمان) نسبة الصّلاح إلى الزّمان من باب التوسّع و المراد صلاح حال أهله بانتظام امورهم الدّنيويّة و الاخرويّة (و طمع في بقاء الدّولة) و السّلطنة (و يئست مطامع الاعداء) أى أطماعها باتّفاق أهل المملكة و قوّتهم.
(و) أمّا (إذا) كان الأمر بخلاف ذلك بأن (غلبت الرّعية واليها و أجحف الوالي برعيّته) أى تعدّى عليهم و ظلمهم ف (اختلفت هنا لك الكلمة) باختلاف الاراء (و ظهرت معالم الجور) أى علاماته، إذ بغلبة الرّعيّة على الوالي و إجحاف الوالي يحصل الهرج و المرج و يختلط النّاس بعضهم ببعض و يتسلّط الأشرار على الأبرار و يظلم الأقوياء للضّعفاء (و كثر الادغال) أى الابداع و التلبيس أو المفاسد (فى الدّين) لاختلاف الأهواء و أخذ كلّ بما يشتهيه نفسه ممّا هو مخالف للدّين و مفسد له (و تركت محاجّ السّنن) أى طرقها الواضحة لاعراض النّاس عنها (فعمل بالهوى و عطّلت الأحكام) الشرعيّة و التكاليف الدّينية (و كثرت علل النفوس) أى أمراضها بما حصلت لها من الملكات الرّديّة كالحقد و الحسد و العداوة و نحوها و قيل عللها وجوه ارتكاباتها للمنكرات فيأتي كلّ منكر بوجه و علة و رأى فاسد (فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل) لكثرة تعطيل الحقوق و كونه متداولا متعارفا بينهم (و لا لعظيم باطل فعل) لشيوع الباطل و اعتيادهم عليه مع كونه موافقا لهواهم (فهنا لك تذلّ الأبرار) لذلّة الحقّ الّذى هم أهله (و تعزّ الاشرار) لعزّة الباطل الّذى هم أهله (و تعظم تبعات اللّه عند العباد) إضافة التّبعات و هى المظالم إليه تعالى باعتبار أنّه المطالب بها و المؤاخذ عليها و إلّا فالتّبعات فى الحقيقة لبعض النّاس عند بعض.
و لمّا ذكر مصالح قيام كلّ من الوالى و الرّعيّة بما عليها من الحقوق و مفاسد تركها أمرهم بالمواظبة على الحقّ و قال:
(فعليكم بالتناصح فى ذلك و حسن التعاون) عليه أى بنصيحة بعضكم لبعض و إعانة كلّ منكم لاخر فى سلوك نهج الحقّ و إقامة أعلامه.
و أكّد الزامهم بالتّناصح و التعاون بقوله: (فليس أحد و إن اشتدّ على رضاء اللّه حرصه و طال فى العمل اجتهاده) و سعيه (ببالغ حقيقة ما اللّه أهله من الطاعة له) أى لا يمكن لأحد أن يبلغ مدى عبادة اللّه و حقيقة طاعته و إن أتعب فيها نفسه و بذل جهده و بلغ كلّ مبلغ.
(و لكن من واجب حقوق اللّه على العباد «عباده» النصيحة) أى نصيحة بعضهم لبعضهم (بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحقّ بينهم) بقدر ما يمكنهم لا بقدر ما هو أهله و يستحقّه، فانّ ذلك غير ممكن.
و لمّا حثّ على التعاون و التناصح أردفه بقوله: (و ليس امرء و ان عظمت فى الحقّ منزلته و تقدّمت فى الدّين فضيلته بفوق أن يعان على ما حمّله اللّه من حقّه) و دفع بذلك ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام من أنّ البالغ إلى مرتبة الكمال فى الطّاعة و الحايز قصب سبق الفضيلة كمثله عليه السّلام و ساير ولاة العدل أىّ حاجة له إلى المعين.
وجه الدّفع أنّ البالغ إلى مرتبة الكمال أىّ مرتبة كانت و المتقدّم فى الفضيلة أىّ فضيلة تكون لا استغناء له عن المعين و لا مقامه أرفع من أن يعان على ما حمله اللّه تعالى و كلّفه به من طاعته الذى هو حقه.
و ذلك لأنّ من جملة التكاليف ما هو من عظائم الامور كالجهاد فى سبيل اللّه و اقامة الحدود و نشر الشرائع و الأحكام و جباية الصدقات و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و نحو ذلك مما هو وظيفة الامام و نايبه، و معلوم أنه محتاج فى هذه التكاليف و ما ضاهاها إلى إعانة الغير البتّة.
ثمّ أردفه بقوله (و لا امرؤ و إن صغّرته النفوس و اقتحمته) أى احتقرته (العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه).
و دفع بذلك ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام أيضا من أنّ بعض الناس من
السوقة و السفلة أىّ حاجة إلى إعانتهم و أىّ فايدة فى معاونتهم وجه الدّفع أنّ ذلك البعض و ان كان بالغا ما بلغ فى الحقارة و الدّناءة و انحطاط الشأن لكنه ليس بأدون و أحقر من أن يكون معينا على الحقّ و لو فى صغاير الامور و محقّراتها مثل أن يكون راعيا لدواب المجاهدين أو سقاء لهم أو حطابا أو خياطا و لا أقلّ من أن يكون خاصفا لنعلهم، فانّ فى ذلك كلّه إعانة الحقّ و أهله أو معانا عليه و لو بأداء الأخماس و دفع الصّدقات إليهم و لا أقلّ من تعليمه معالم دينه و أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر.
و محصّل المراد بالجملتين المتعاطفتين من قوله عليه الصلاة و السلام- و ليس امرء- إلى قوله عليه السّلام- يعان عليه- دفع توهّم عدم الحاجة إلى الاعانة فى العظماء لرفعة شأنهم و عدم الاحتياج إلى الضعفاء لحقارتهم و انحطاط درجتهم
تذييلان
الاول
لمّا كان هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوقا لبيان حقوق الولاة على الرّعيّة و الرّعية على الولاة. أحببت أن أذكر جملة من الأخبار و الاثار الواردة في هذا المعني فأقول: قال: المحدّث الجزائرى في الأنوار النعمانيّة: في بعض الأخبار انّ عدل الحاكم يوما يعادل عبادة العابد خمسين.
و فى الحديث من ولي من امور المسلمين شيئا ثمّ لم يحطهم بنصحه كما يحوط أهل بيته فليتبوء مقعده من النّار و روى أيضا أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتي بالوالي فيقذف على جسر جهنّم فيأمر اللّه سبحانه الجسر فينتقض به انتقاضة فيزول كلّ عظم منه عن مكانه ثمّ يأمر اللّه تعالى العظام فترجع إلى أماكنها ثمّ يسايله فان كان للّه مطيعا أخذ بيده و أعطاه كفلين من رحمته، و إن كان للّه عاصيا أخرق به الجسر فغرق و هوى به في جهنّم مقدار سبعين خريفا.
و فى الرواية انّه كان في زمن بنى إسرائيل سلطان ظالم فأوحي اللّه تعالى
إلى نبيّ من أنبيائه أن قل لهذا الظالم: ما جعلتك سلطانا إلّا لتكفّ أصوات المظلومين عن بابي، فو عزّتي و جلالي لاطعمنّ لحمك الكلاب، فسلّط عليه سلطانا آخر حتّى قتله فأطعم لحمه الكلاب.
و فى كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى حبيب بن المنتجب و الى اليمن: اوصيك بالعدل في رعيّتك و الاحسان إلى أهل مملكتك و اعلم أنّ من ولي على رقاب عشرة من المسلمين و لم يعدل بينهم حشره اللّه يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه لا يفكّها إلّا عدله في دار الدّنيا و في الأثر بعث قيصر ملك الرّوم إلى كسرى ملك الفرس بماذا أنتم أطول أعمارا و أدوم ملكا فأجابه كسرى: أمّا بعد أيّها السيّد الكريم و الملك الجسيم أمّا سبب الملك و اعزازه في معززه و رسوخه في مركزه فلامور أنتم عنها غافلون و لستم لأمثالها فاعلون منها أن ليس لنا نوّاب يرشي و يمنع و لا بوّاب يروع و يدفع، لم تزل أبوابنا مشرعة و نوّابنا لقضاء الحوائج مسرعة، لا أقصينا صغيرا و لا أدنينا أميرا، و لا احتقرنا بذوى الاصول، و لا قدّمنا الشبّان على الكهول، و لا كذبنا في وعد، و لا صدقنا في ايعاد، و لا تكلّمنا بهزل، و لا سمنا وزيرا إلى عزل، موائدنا مبسوطة، و عقولنا مضبوطة، لا نقطع في امل، و لا لجليسنا نمل، خيرنا مضمون، و شرّنا مأمون، و عطاؤنا غير ممنون، و لا نحوج أحدا إلى باب، بل نقضي بمجرّد الكتاب، و نرقّ للباكى، و نستقصي قول الحاكى، ما جعلنا همّنا بطوننا و لا فروجنا، أمّا البطون فلقمة، و أمّا الفروج فأمة، و لا نؤاخذ على قدر غيظنا، بل نؤاخذ على قدر الجناية، و لا نكلّف الضعيف المعدم ما يتحمّله الشريف المنعم، و لا نؤاخذ البرى ء بالسقيم، و لا الكريم باللّئيم، النّمام عندنا مفقود، و العدل فى جانبنا موجود، الظّلم لا نتعاطاه، و الجور انفسنا طاباه، و لا نطمع فى الباطل، و لا نأخذ العشر قبل الحاصل، و لا ننكث العهود، و لا نحنث فى الموعود، الفقير عندنا مدعوّ، و المفتقر لدينا مقصوّ، جارنا لا يضام، و عزيزنا لا يرام، رعيّتنا مرعيّة، و حوائجهم لدينا مقضيّة، صغيرهم عندنا خطير، و ذرّيهم لدينا كبير، الفقير بيننا لا يوجد، و الغنىّ بما لديه يسعد، العالم عندنا معظّم مكرّم، و التّقىّ لدينا موقّر مقدّم، لا يسدّ بمملكتنا باب، و لا يوجد عندنا سارق و لا مرتاب، سماؤنا ممطرة، و أشجارنا لم تزل مثمرة، لا نعامل بالشهوات، و لا نجازى بالهفوات، الطّير إلينا شاكى، و البعير أتانا متظلّم باكى عدلنا قد عمّ القاصى و الدّانى، وجودنا قد عمّ الطائع و العاصى، عقولنا باهرة، و كنوزنا ظاهرة، و فروجنا عفائف، و زبولنا نظائف، أفهامنا سليمة، و حلومنا جسيمة، كفوفنا سوافح، بحورنا طوافح، نفوسنا أبيّة، و طوالعنا المعيّة، إن سئلنا أعطينا، و إن قدرنا عفونا، و إن وعدنا أوفينا، و إن اغضبنا أغضينا فلمّا وصل الكتاب إلى قيصر قال: يحقّ لمن كان هذه سياسته أن تدوم رياسته قال انوشيروان: حصن البلاد بالعدل فهو سور لا يغرقه ماء و لا يحرقه نار و لا يهدمه منجنيق.
كان كسرى إذا جلس فى مجلس حكمه أقام رجلين عن يمينه و شماله و كان يقول لهما: إذا زغت فحرّكونى و نبّهونى، فقالا له يوما و الرّعيّة تسمع: أيّها الملك انتبه فانّك مخلوق لا خالق و عبد لا مولى و ليس بينك و بين اللّه قرابة أنصف النّاس و انظر لنفسك و كان يقال: صنفان متباغضان متنافيان السّلطان و الرّعيّة و هما مع ذلك متلازمان إن صلح أحدهما صلح الاخر و ان فسد أحدهما فسد الاخر و كان يقال: محلّ الملك من الرّعيّة محلّ الرّوح من الجسد و محلّ الرّعيّة منه محلّ الجسد من الرّوح، فالرّوح تألم بألم كلّ عضو من البدن و ليس كلّ واحد من الأعضاء يألم بألم غيره، و فساد الرّوح فساد جميع البدن، و قد يفسد بعض البدن و غيره من ساير البدن صحيح.
و كان يقال: ظلم الرّعيّة استجلاب البليّة.
و كان يقال: العجب ممّن استفسد رعيّته و هو يعلم أنّ عزّه بطاعتهم.
و كان يقال: أيدى الرّعية تبع ألسنتها حتّى يملك جسومها، و لن يملك جسومها حتّى يملك قلوبها فتحبّه، و لن تحبّه حتّى يعدل عليها في أحكامه عدلا يتساوى فيه الخاصّة و العامّة و حتّى يخفّف عنها المؤن و الكلف، و حتّى يعفيها من رفع أوضاعها و أراذلها عليها، و هذه الثّالثة تحقد على الملك العلية من الرّعيّة و تطمع السّفلة في الرّتب السنّية.
و كان يقال: الرّعية ثلاثة أصناف: صنف فضلاء مرتاضون بحكم الرّياسة و السّياسة يعلمون فضيلة الملك و عظيم غنائه و يرثون له من ثقل أعبائه فهؤلاء يحصل الملك موادّتهم بالبشر عند اللّقاء و يلقى أحاديثهم بحسن الاصغاء، و صنف فيهم خير و شرّ فصلاحهم يكتسب من معاملتهم بالتّرغيب و التّرهيب، و صنف من السّفلة الرّعاع أتباع لكلّ راع لا يمتحنون في أقوالهم و أفعالهم بنقد و لا يرجعون في الموالاة إلى عقد.
و كان يقال: ترك المعاقبة للسّفلة على صغاير الجرائم تدعوهم إلى ارتكاب الكباير العظائم ألا ترى أوّل نشوز المرأة كلمة سومحت بها، و أوّل حران الدّابة حيدة سوعدت عليها.
و كان يقال: إذا لم يعمر الملك ملكه بانصاف الرّعيّة خرب ملكه بعصيان الرّعيّة.
قيل لأنوشيروان: أىّ الجنن أوقى قال: الدّين، قيل: فأىّ العدوّ أقوى قال: العدل.
و في شرح المعتزلي جاء رجل من مصر إلى عمر بن الخطاب متظلّما فقال يا أمير المؤمنين هذا مكان العائذ بك قال: لو عذت بمكان ما شانك قال: سابقت ولد عمرو بن العاص بمصر فسبقته فجعل يعنفني بسوطه و يقول: أنا ابن الأمير.
و بلغ أباه ذلك فحبسنى خشية أن اقدم عليك، فكتب إلى عمرو: إذا أتاك كتابى هذا فاشهد الموسم أنت و ابنك، فلمّا قدم و عمرو و ابنه دفع الدرّة إلى المصري و قال: اضربه كما ضربك، فجعل يضربه و عمر يقول: اضرب ابن الأمير اضرب ابن الامير يردّدها حتّى قال يا أمير المؤمنين قد استقدت منه فقال و أشار إلى عمرو:
ضعها على صلعته فقال المصرى يا أمير المؤمنين انّما أضرب من ضربني فقال: إنّما ضربك بقوّة أبيه و سلطانه فاضربه إن شئت فو اللّه لو فعلت لما منعك احد منه حتّى تكون أنت الّذى يتبرّع بالكف عنه، ثمّ قال: يا ابن العاص متى تعبّدتم النّاس و قد ولدتهم امّهاتهم أحرارا.
كتب عدىّ بن ارطاة إلى عمر بن عبد العزيز: أمّا بعد فانّ قبلنا قوما لا يؤدّون الخراج إلّا أن يمسّهم نصب من العذاب، فاكتب إلىّ يا أمير المؤمنين برأيك، فكتب: أمّا بعد فالعجب كلّ العجب تكتب إلىّ تستأذننى في عذاب البشر كانّ إذني لك جنّة من عذاب اللّه أو كانّ رضاى ينجيك من سخط اللّه فمن أعطاك ما عليه عفوا فخذ منه، و من أبي فاستحلفه وكله إلى اللّه، فلأن يلقوا اللّه بجرائمهم أحبّ إلىّ من أن ألقاه بعذابهم.
التذييل الثاني
لمّا استطرد عليه السّلام في هذا الفصل ذكر حقّ اللّه تعالى على عباده و ذكر حقوق بعضهم على بعض ينبغي أن نذكر طرفا منها من طريق الأخبار و هى كثيرة جدّا لا تستقصى، و نقنع منها بأجمعها لتلك الحقوق، و هي رسالة عليّ بن الحسين عليهما السّلام المعروفة برسالة الحقوق فأقول و باللّه التوفيق: روى في البحار من كتاب تحف العقول تأليف الشّيخ أبي محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة قال: رسالة عليّ بن الحسين عليهما السّلام المعروفة برسالة الحقوق.
اعلم رحمك اللّه أنّ للّه عليك حقوقا محيطة بك في كلّ حركة حركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها و آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض و أكبر حقوق اللّه عليك ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالى من حقّه الّذى هو أصل الحقوق و منه تفرّع، ثمّ أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك فجعل لبصرك عليك حقا و لسمعك عليك حقا، و للسانك عليك حقّا، و ليدك عليك حقّا، و لرجلك عليك حقّا، و لبطنك عليك حقّا، و لفرجك عليك حقّا، فهذه الجوارح السبع الّتي بها تكون الأفعال، ثمّ جعل عزّ و جلّ لأفعالك عليك حقوقا فجعل لصلاتك عليك حقّا، و لصومك عليك حقّا، و لصدقتك
عليك حقّا، و لهديك عليك حقّا، و لأفعالك عليك حقا، ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوى الحقوق الواجبة عليك، و أوجبها عليك حقّا أئمّتك، ثمّ حقوق رعيّتك، ثمّ حقوق رحمك، فهذه حقوق يتشعّب منها حقوق، فحقوق أئمّتك ثلاثة أوجبها عليك حقّ سائسك بالسّلطان، ثمّ سائسك بالعلم ثمّ حق سائسك بالملك و كلّ سائس امام، و حقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حقّ رعيّتك بالسلطان، ثمّ حقّ رعيتك بالعلم فانّ الجاهل رعيّة العالم و حقّ رعيتك بالملك من الأزواج و ما ملكت من الأيمان، و حقوق رحمك كثيرة متّصلة بقدر اتّصال الرّحم في القرابة، فأوجبها عليك حقّ امّك، ثمّ حقّ أبيك، ثمّ حقّ ولدك، ثمّ حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب، و الأوّل فالأوّل، ثمّ حقّ مولاك المنعم عليك ثمّ حقّ مولاك الجارى نعمتك عليه، ثمّ حقّ ذى المعروف لديك، ثمّ حقّ مؤذنك بالصلاة، ثمّ حقّ امامك في صلاتك، ثمّ حقّ جليسك، ثمّ حقّ جارك، ثمّ حقّ صاحبك، ثمّ حقّ شريكك، ثمّ حقّ مالك، ثمّ حقّ غريمك الذى تطالبه، ثمّ حقّ غريمك الذى يطالبك، ثمّ حقّ خليطك، ثمّ حقّ خصمك المدعي عليك، ثمّ حقّ خصمك الذى تدعى عليه، ثمّ حقّ مستشيرك، ثمّ حقّ المشير عليك، ثمّ حقّ مستنصحك، ثمّ حقّ الناصح لك، ثمّ حقّ من هو أكبر منك، ثمّ حقّ من هو أصغر منك، ثمّ حقّ سائلك، ثمّ حقّ من سألته، ثمّ حقّ من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرّة بذلك بقول أو فعل عن تعمّد منه أو عير تعمّد منه، ثمّ حقّ أهل ملتك عامة، ثمّ حقّ أهل الذمّة، ثمّ الحقوق الحادثة بقدر علل الأحوال و تصرّف الأسباب، فطوبى لمن أعانه اللّه على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه و وفّقه و سدّده 1- فأما حقّ اللّه الأكبر فانك تعبده لا تشرك به شيئا فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدّنيا و الاخرة و يحفظ لك ما تحبّ منها.
2- و أما حقّ نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة اللّه فتؤدّى إلى لسانك حقّه، و إلى سمعك حقّه، و إلى بصرك حقّه، و إلى يدك حقّها، و إلى رجلك حقّها، و إلى بطنك حقّه، و إلى فرجك حقّه، و تستعين باللّه على ذلك 3- و أما حقّ اللّسان فإكرامه عن الخنا، و تعويده الخير، و حمله على الأدب و اجمامه إلّا لموضع الحاجة و المنفعة للدّين و الدّنيا، و إعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلّة عائدتها، و بعد شاهد العقل و الدليل عليه و تزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.
4- و أمّا حقّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلّا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما، فانّه باب الكلام إلى القلب يؤدّى إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شرّ، و لا قوّة إلّا باللّه.
5- و أمّا حقّ بصرك فغضّه عما لا يحلّ و ترك ابتذاله إلّا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو يستفيد بها علما، فانّ البصر باب الاعتبار.. 6- و أمّا حقّ رجليك فان لا تمشي بهما إلى ما لا يحلّ لك، و لا تجعلهما مطيّتك في الطّريق المستخفة بأهلها فيها فانّها حاملتك و سالكة بك مسلك الدّين و السّبق لك، و لا قوّة إلّا باللّه.
7- و أمّا حقّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك فتنال بما تبسطها إليه من اللّه العقوبة في الاجل و من النّاس بلسان اللّائمة في العاجل، و لا تقبضها ممّا افترض اللّه عليها، و لكن توقّرها بقبضها عن كثير ممّا لا يحلّ لها و بسطها إلى كثير ممّا ليس عليها، فاذا هى قد عقلت و شرفت في العاجل وجب لها حسن الثّواب من اللّه في الاجل.
8- و أمّا حقّ بطنك فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام و لا لكثير، و أن تقتصد له في الحلال و لا تخرجه من حدّ التّقوية إلى حدّ التّهوين و ذهاب المروّة و ضبطه إذا همّ بالجوع و الظّماء فانّ الشّبع المنتهى بصاحبه إلى التّخم مكسلة و مثبطة و مقطعة عن كلّ برّ و كرم و إنّ الرّىّ المنتهى بصاحبه إلى السّكر مسخفة و مجهلة و مذهبة للمروّة.
9- و أمّا حقّ فرجك فحفظه ممّا لا يحلّ لك، و الاستعانة عليه بغضّ البصر فانّه من أعون الأعوان و كثرة ذكر الموت و التّهدد لنفسك باللّه و التّخويف لها به و باللّه العصمة و التّأييد، و لا حول و لا قوّة إلّا به.
ثم حقوق الافعال
10- فأمّا حقّ الصّلاة فأن تعلم أنّها وفادة إلى اللّه و أنّك قائم بها بين يدي اللّه فاذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذّليل الرّاغب الرّاهب الخائف الرّاجي المستكين المتضرّع المعظم من قام بين يديه بالسّكون و الاطراق و خشوع الأطراف و لين الجناح و حسن المناجاة له في نفسه و الطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك و استهلكتها ذنوبك، و لا قوّة إلّا باللّه.
11- و أمّا حقّ الصّوم فأن تعلم أنّه حجاب ضرب اللّه على لسانك و سمعك و بصرك و فرجك و بطنك ليسترك به من النّار و هكذا جاء في الحديث: الصّوم جنّة من النّار، فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا، و إن أنت تركتها تضطرب في حجابها و ترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنّظرة الدّاعية للشّهوة و القوّة الخارجة عن حدّ التّقيّة للّه لم تأمن أن تخرق الحجاب و تخرج منه، و لا قوّة إلّا باللّه.
12- و أمّا حق الصّدقة فأن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك و وديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد فاذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرّا أوثق بما استودعته علانية، و كنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته و كان الأمر بينك و بينه فيها سرّا على كلّ حال و لم تستظهر عليه فيما استودعته منها اشهاد الاسماع و الابصار عليه بها كأنّها أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثمّ لم تمتن بها على أحد لأنّها لك فاذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه لأنّ في ذلك دليلا على أنّك لم ترد نفسك بها و لو أردت نفسك بها لم تمتنّ على أحد، و لا قوّة إلّا باللّه.
13- و أمّا حقّ الهدى فأن تخلص بها الارادة إلى ربّك و التّعرّض لرحمته و قبوله و لا تريد عيون النّاظرين دونه فاذا كنت كذلك لم تكن متكلّفا و لا متصنّعا و كنت انّما تقصد إلى اللّه و اعلم أنّ اللّه يراد باليسير و لا يراد بالعسير كما أرادبخلقه التيسير و لم يرد بهم التعسير و كذلك التذلّل أولى بك من التّدهقن لأنّ الكلفة و المئونة في المدهقنين فأمّا التّذلل و التّمسكن فلا كلفة فيهما و لا مئونة عليهما لأنّهما الخلقة و هما موجودان في الطبيعة و لا قوّة إلّا باللّه.
ثم حقوق الائمة
14- فأمّا حقّ سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جعلت له فتنة و أنّه مبتلي فيك بما جعله اللّه له عليك من السلطان و أن تخلص له في النصيحة و أن لا تماحكه و قد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك و هلاكه و تذلّل و تلطّف لاعطائه من الرّضا ما يكفّه عنك و لا يضرّ بدينك و تستعين عليه في ذلك باللّه و لا تعازّه و لا تعانده فانّك إن فعلت ذلك عققته و عققت نفسك فعرّضتها لمكروهه و عرّضته للهلكة فيك و كنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك و شريكا له فيما أتى إليك و لا قوّة إلّا باللّه 15- و أمّا حقّ سائسك بالعلم فالتعظيم له و التوقير لمجلسه و حسن الاستماع إليه و الاقبال عليه و المعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك و تحضره فهمك و تذكى له و تجلى له بصرك بترك اللذّات و نقص الشّهوات و أن تعلم أنّك فيما القي رسوله إلى من لقاك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم فلا تخنه في تأدية رسالته و القيام بها عنه إذا تقلّدتها و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
16- و أمّا حقّ سائسك بالملك فنحو من سائسك بالسّلطان إلّا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته فيما دقّ و جلّ منك إلّا أن تخرجك من وجوب حقّ اللّه تعالى و يحول بينك و بين حقّه و حقوق الخلق فاذا قضيته رجعت إلى حقّه فتشاغلت به و لا قوّة إلّا باللّه.
ثم حقوق الرعية
17- فأمّا حقوق رعيّتك بالسلطان فأن تعلم أنّك استرعيتهم بفضل قوّتك عليهم فانّه إنّما أحلّهم محلّ الرّعيّة منك ضعفهم و ذلّهم فما أولى من كفاكه ضعفه و ذلّه حتّى صيّره لك رعيّة و صيّر حكمك عليه نافذا لا يمتنع منك بعزّة و لا قوّة و لا يستنصر فيما تعاظمه منك إلّا باللّه بالرّحمة و الحياطة و الاناة و ما أولاك
إذا عرفت ما أعطاك اللّه من فضل هذه العزّة و القوّة الّتي قهرت بها أن تكون للّه شاكرا و من شكر اللّه أعطاه فيما أنعم عليه و لا قوّة إلّا باللّه 18- و أمّا حقّ رعيّتك بالعلم فأن تعلم أنّ اللّه قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم و ولّاك من خزانة الحكمة فان أحسنت فيما ولّاك اللّه من ذلك و قمت به لهم مقام الخازن الشفيق النّاصح لمولاه في عبيده الصّابر المحتسب الّذى إذا رأى ذا حاجة اخرج له من الأموال الّتي في يديه كنت راشدا و كنت لذلك أهلا «آملا» معتقدا و إلّا كنت له خائنا و لخلقه ظالما و لسلبه و عزه متعرّضا.
19- و أمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح فأن تعلم أنّ اللّه جعلها سكنا و مستراحا و انسا و واقية و كذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد اللّه على صاحبه و يعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه و وجب أن يحسن صحبة نعمة اللّه و يكرمها و يرفق بها و إن كان حقك عليها أغلظ و طاعتك لها ألزم فيما أحببت و كرهت ما لم تكن معصية فانّ لها حقّ الرّحمة و المؤانسة و موضع السكون إليها قضاء للّذة الّتي لا بدّ من قضائها و ذلك عظيم و لا قوّة إلّا باللّه.
20- و أمّا حقّ رعيّتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربّك و لحمك و دمك و أنك تملكه لا أنك صنعته دون اللّه و لا خلقت له سمعا و لا بصرا و لا أجريت له رزقا و لكن اللّه كفاك ذلك بمن سخّره لك و ائتمنك عليه و استودعك إياه لتحفظه فيه و تسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل و تلبسه مما تلبس و لا تكلّفه ما لا يطيق فان كرهت خرجت إلى اللّه منه و استبدلت به و لم تعذب خلق اللّه و لا قوّة إلّا باللّه.
و أما حق الرحم
21- فحقّ أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا و أطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا و أنها وقتك بسمعها و بصرها و يدها و رجلها و شعرها و بشرها و جميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة موبلة محتملة لما فيه مكروهها و ألمها و ثقلها و غمها حتّى دفعتها عنك يد القدرة و أخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع و تجوع هى و تكسوك و تعرى و ترويك و تظمأ و تظلّك و تضحى و تنعمك ببؤسهاو تلذّذك بالنوم بأرقها و كان بطنها لك وعاء و حجرها لك حواء و ثديها لك سقاء و نفسها لك وقاء تباشر حرّ الدّنيا و بردها لك و دونك فتشكرها على قدر ذلك و لا تقدر عليه إلّا بعون اللّه و توفيقه.
22- و أمّا حقّ أبيك فتعلم أنّه أصلك و أنّك فرعه و أنّك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ممّا تعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه و احمد اللّه و اشكره على قدر ذلك 23- و أمّا حقّ ولدك فتعلم أنّه منك و مضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره و شرّه و أنّك مسئول عمّا ولّيته من حسن الأدب و الدّلالة على ربّه و المعونة له على طاعته فيك و في نفسه فمثاب على ذلك و معاقب فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدّنيا المعذر إلى ربّه فيما بينك و بينه بحسن القيام عليه و الأخذ له منه و لا قوّة إلّا باللّه.
24- و أمّا حقّ أخيك فتعلم أنّه يدك الّتي تبسطها و ظهرك الّذى تلتجئ إليه و عزّك الّذى تعتمد عليه و قوّتك الّتي تصول بها فلا تتّخذه سلاحا على معصية اللّه و لا عدة للظّلم بخلق اللّه و لا تدع نصرته على نفسه و معونته على عدوّه و الحول بينه و بين شياطينه و تأدية النصيحة إليه و الاقبال عليه في اللّه فان انقاد لربّه و أحسن الاجابة له و إلّا فليكن اللّه آثر عندك و أكرم عليك منه 25- و أمّا حقّ المنعم عليك بالولاء فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله و أخرجك من ذلّ الرّق و وحشته إلى عزّ الحرّية و أنسها و أطلقك من اسر الملكة وفكّ عنك حلق العبودية و أوجدك رايحة العزّ و أخرجك من سجن القهر و دفع عنك العسر و بسط لك لسان الانصاف و أباحك الدّنيا كلّها فملّكك نفسك و حلّ اسرك و فرّغك لعبادة ربك و احتمل بذلك التقصير فيما له فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد اولى رحمك فى حياتك و موتك و أحقّ الخلق بنصرك و معونتك و مكانفتك في ذات اللّه فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك أحدا أبدا 26- و أمّا حقّ مولاك الجارية عليه نعمتك فأن تعلم أنّ اللّه جعلك حاميةعليه و واقية و ناصرا و معقلا و جعله لك وسيلة و سببا بينك و بينه فبالحرىّ أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثوابك منه في الاجل و يحكم له بميراثه فى العاجل إذا لم يكن له رحم مكافاة لما أنفقته من مالك عليه و قمت به من حقّه بعد إنفاق مالك فان لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه و لا قوّة إلّا باللّه.
27- و أمّا حقّ ذى المعروف عليك فأن تشكره و تذكر معروفه و أن تنشر له المقالة الحسنة و تخلص له الدّعاء فيما بينك و بين اللّه سبحانه فانك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّا و علانية ثمّ إن أمكنك مكافاته بالفعل كافأته و إلّا كنت مرصدا له موطّنا نفسك عليها.
28- و أمّا حقّ المؤذّن فأن تعلم أنه مذكّرك بربك و داعيك إلى حظّك و أفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها اللّه عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن اليك و إن كنت فى بيتك متّهما لذلك لم تكن للّه في أمره متّهما و علمت أنه نعمة من اللّه عليك لا شكّ فيها فأحسن صحبة نعمة اللّه بحمد اللّه عليها على كلّ حال و لا قوّة إلّا باللّه.
29- و أمّا حقّ إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلّد السفارة فيما بينك و بين اللّه و الوفادة إلى ربّك و تكلّم عنك و لم تتكلّم عنه و دعا لك و لم تدع له و طلب فيك و لم تطلب فيه و كفاك همّ المقام بين يدي اللّه و المسائلة له فيك و لم تكفه ذلك فان كان في شي ء من ذلك تقصير كان به دونك و إن كان آثما لم تكن شريكه فيه و لم يكن لك عليه فضل فوقي نفسك بنفسه و وقي صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
30- و أمّا حقّ الجليس فأن تلين له كنفك و تطيب له جانبك و تنصفه في مجاراة اللّفظ و لا تغرق في نزع اللّحظ إذا الحظت و تقصد في اللّفظ إلى إفهامه إذا لفظت و ان كنت الجليس اليه كنت في القيام عنه بالخيار و إن كان الجالس إليك كان بالخيار و لا تقوم إلّا باذنه و لا قوّة إلّا باللّه.
31- و أمّا حقّ الجار فحفظه غائبا و كرامته شاهدا و نصرته و معونته في
الحالين جميعا، لا تتّبع له عورة، و لا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فان عرفتها منه عن غير إرادة منك و لا تكلّف كنت لما علمت حصنا حصينا، و سترا ستيرا لو بحثت الأسنّة عنه ضميرا لم تتصل إليه لا نطوائه عليه، لا تستمع عليه من حيث لا يعلم، لا تسلّمه عند شديدة، و لا تحسده عند نعمة، تقيل عثرته و تغفر زلّته و لا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك، و لا تخرج أن تكون سلما له، تردّ عنه الشتيمة، و تبطل فيه كيد حامل النصيحة، و تعاشره معاشرة كريمة، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
32- و أمّا حقّ الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا و إلّا فلا أقلّ من الانصاف و أن تكرمه كما يكرمك و تحفظه كما يحفظك، و لا يسبقك فيما بينك و بينه إلى مكرمة فان سبقك كافأته و لا تقصد به عمّا يستحقّ من المودّة تلزم نفسك نصيحته و حياطته و معاضدته على طاعة ربّه و معاونته على نفسه فيما يهمّ به من معصية ربّه ثمّ تكون رحمة و لا تكون عليه عذابا، و لا قوّة إلّا باللّه.
33- و أمّا حقّ الشريك فإن غاب كفيته و إن حضر ساويته و لا تعزم على حكمك دون حكمه و لا تعمل برأيك دون مناظرته و تحفظ عليه ماله و تنفى عنه خيانته فيما عزّ أوهان، فانه بلغنا أنّ يد اللّه على الشريكين ما لم يتخاونا، و لا قوّة إلّا باللّه.
34- و أمّا حقّ المال فأن لا تأخذه إلّا من حلّه و لا تنفقه إلّا في حلّه و لا تحرّفه عن مواضعه و لا تصرفه عن حقايقه و لا تجعله إذا كان من اللّه إلّا إليه و سببا إلى اللّه و لا تؤثر به على نفسك من لعلّه لا يحمدك و بالحرىّ أن لا يحسن خلافتك في تركتك و لا يعمل فيه بطاعة ربك فتكون معينا له على ذلك و بما أحدث فيما لك احسن نظرا لنفسك فيعمل بطاعة ربّه فيذهب بالغنيمة و تبوء بالاثم و الحسرة و الندامة مع التبعة و لا قوّة إلّا باللّه.
35- و أمّا حقّ الغريم الطالب لك فإن كنت موسرا أوفيته و كفيته و أغنيته و لم تردده و تمطله فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: مطل الغنىّ ظلم، و إن كنت معسرا أرضيته بحسن القول و طلبت إليه طلبا جميلا و رددته عن نفسك ردّا لطيفا و لم تجمع عليه ذهاب ماله و سوء معاملته فانّ ذلك لؤم، و لا قوّة إلّا باللّه.
36- و أمّا حقّ الخليط فان لا تغرّه و لا تغشّه و لا تكذبه و لا تغفله و لا تخدعه و لا تعمل في انتقاضه عمل العدوّ الذى لا يبقى على صاحبه و إن اطمأنّ إليك استقصيت له على نفسك و علمت أنّ غبن المسترسل ربا، و لا قوّة إلّا باللّه.
37- و أمّا حقّ الخصم المدعى عليك فان كان ما يدّعى عليك حقا لم تنفسخ في حجّته و لم تعمل فى إبطال دعوته و كنت خصم نفسك له و الحاكم عليها و الشاهد له بحقه دون شهادة الشهود، فانّ ذلك حقّ اللّه عليك و إن كان ما يدّعيه باطلا رفقت به و روعته و ناشدته بدينه و كسرت حدته عنك بذكر اللّه و ألقيت حشو الكلام و لغطه الذى لا يردّ عنك عادية عدوّك بل تبوء باثمه و به يشحذ عليك سيف عداوته لأنّ لفظة السوء تبعث الشر و الخير مقمعة للشرّ، و لا قوّة إلّا باللّه.
38- و أمّا حقّ الخصم المدّعى عليه فان كان ما تدّعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدّعوى، فانّ للدّعوى غلظة في سمع المدّعى عليه و قصدت قصد حجتك بالرّفق و امهل المهلة و أبين البيان و ألطف اللّطف و لم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل و القال فتذهب عنك حجّتك و لا يكون لك في ذلك درك، و لا قوّة إلّا باللّه.
39- و أمّا حقّ المستشير فإن حضرك له وجه رأى جهدت له في النصيحة و أشرت إليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، و ذلك ليكن منك في رحمة و لين فانّ اللين يونس الوحشة و إنّ الغلظ يوحش موضع الانس، و إن لم يحضرك له رأى و عرفت له من تثق برأيه و ترضى به لنفسك دللته عليه و أرشدته إليه فكنت لم تأله خيرا و لم تدّخره نصحا، و لا قوّة إلّا باللّه 40- و أمّا حقّ المشير عليك فلا تتّهمه فيما يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك فانما هي الاراء و تصرّف النّاس فيها و اختلافهم فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتّهمت رأيه فأمّا تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممّن يستحقّ المشاورة و لا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه و حسن وجه مشورته فاذا وافقك حمدت اللّه و قبلت ذلك من أخيك بالشكر و الارصاد بالمكافاة في مثلها إن فزع إليك و لا قوّة إلّا باللّه.
41- و أمّا حقّ المستنصح فانّ حقه أن تؤدّى إليه النصيحة على الحقّ الذي ترى له أنه يحمل و يخرج المخرج الذى يلين على مسامعه، و تكلّمه من الكلام بما يطيقه عقله، فان لكلّ عقل طبقة من الكلام يعرفه و يجتنبه، و ليكن مذهبك الرّحمة، و لا قوّة إلّا باللّه.
42- و أمّا حقّ النّاصح فأن تلين له جناحك ثمّ تشرئب له قلبك و تفتح له سمعك حتّى تفهم عنه نصيحته ثمّ تنظر فيها فان كان وفّق فيها للصّواب حمدت اللّه على ذلك و قبلت منه و عرفت له نصيحته، و إن لم يكن وفّق لها فيها رحمته و لم تتّهمه و علمت أنّه لم يألك نصحا إلّا أنّه أخطأ إلّا أن يكون عندك مستحقا للتّهمة فلا تعبأ بشى ء من أمره على كلّ حال، و لا قوّة إلّا باللّه.
43- و أمّا حقّ الكبير فإن حقّه توقير سنّه و إجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الاسلام بتقديمه فيه و ترك مقابلته عند الخصام و لا تسبقه إلى طريق و لا تؤمه في طريق و لا تستجهله و إن جهل عليك تحملت و أكرمته بحقّ إسلامه مع سنّه فانّما حقّ السنّ بقدر الاسلام و لا قوّة إلّا باللّه.
44- و أمّا حقّ الصغير فرحمته و تثقيفه و تعليمه و العفو عنه و الستر عليه و الرّفق به و المعونة له و السّتر على جرائر حداثته فانه سبب للتوبة و المداراة له و ترك مماحكته فانّ ذلك أولى «أدنى» لرشده.
45- و أمّا حقّ السائل فإعطاؤه إذا تهيأت صدقة و قدرت على سدّ حاجته و الدّعاء له فيما نزل به و المعاونة له على طلبته، فان شككت في صدقه و سبقت إليه التّهمة له و لم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدّك عن حظك و يحول بينك و بين التقرّب إلى ربك و تركته بستره و رددته ردا جميلا، و إن غلبت نفسك في أمره و أعطيته على ما عرض في نفسك منه فانّ ذلك من عزم الامور 46- و أمّا حقّ المسئول فحقّه إن أعطى قبل منه ما أعطي بالشكر له و المعرفة لفضله و طلب وجه العذر في منعه و أحسن به الظنّ و اعلم أنه إن منع ماله منع و ان ليس التثريب في ماله و إن كان ظالما فانّ الانسان لظلوم كفّار.
47- و أمّا حقّ من سرّك اللّه به و على يديه فان كان تعمّد هالك حمدت اللّه أوّلا ثمّ شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء و كافأته على فضل الابتداء و أرصدت له المكافاة، فان لم يكن تعمّدها حمدت اللّه و شكرت له و علمت أنّه منه توحّدك بها و أحببت هذا إذا كان سببا من أسباب نعم اللّه عليك و ترجو له بعد ذلك خيرا فانّ أسباب النّعم بركة حيث ما كانت و إن كان لم يتعمّد، و لا قوّة إلّا باللّه.
48- و أمّا حقّ من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل فان كان تعمّدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع و حسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق فانّ اللّه يقول «و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل» إلى قوله «من عزم الأمور» و قال عزّ و جلّ «و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصّابرين» هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمّد الانتصار منه فتكون قد كافأنه في تعمّد على خطاء و رفقت به و رددته بألطف ما تقدر عليه، و لا قوّة إلّا باللّه.
49- و أمّا حقّ أهل ملّتك عامّة فاضمار السّلامة و نشر جناح الرّحمة و الرّفق بمسيئهم و تألّفهم و استصلاحهم و شكر محسنهم إلى نفسه و إليك فانّ إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه و كفاك مئونته و حبس عنك نفسه فعمّهم جميعا بدعوتك، و انصرهم جميعا بنصرتك، و أنزلهم جميعا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد و صغيرهم بمنزلة الولد و أوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهدته بلطف و رحمة وصل أخاك بما يجب للأخ «يحبّ الأخ» على أخيه.
50- و أمّا حقّ أهل الذّمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل اللّه و كفى بما جعل اللّه لهم من ذمّته و عهده و تكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم و اجبروا عليه و تحكم فيهم بما حكم اللّه به على نفسك فيما جرى بينك من معاملة و ليكن بينك و بين ظلمهم من رعاية ذمّة اللّه و الوفاء بعهده و عهد رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حايل، فانّه بلغنا أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من ظلم معاهدا كنت خصمه، فاتّق اللّه و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
فهذه خمسون حقّا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها و العمل في تأديتها و الاستعانة باللّه جلّ ثناؤه على ذلك، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه و الحمد للّه ربّ العالمين.
قال الشّارح عفى اللّه عنه و وفّقه لأداء حقوقه: و انّما أوردت الرّواية بتمامها مع كون صدرها خارجا عن الغرض لكثرة فوايدها و مزيد عوائدها فضننت بها عن الاسقاط و الاقتصار.
ثمّ أقول: النّسخة الّتي رويت منها كانت غير خالية عن السّقم فرويت كما رأيت، فلعلّ اللّه يوفّقني على إصلاحها و مقابلتها فيما بعد بتحصيل نسخة صحيحة، و هو الموفّق و المعين و به اعتمادى
الترجمة
از جمله خطبهاى شريفه آن امام مبين و سيّد الوصيّين است كه خطبه خواند آن را در صفّين مى فرمايد أمّا بعد از حمد خدا و نعت رسول خدا پس بتحقيق گردانيده است خدا از براى من بر شما حقّ بزرگى را بسبب صاحب اختيار بودن من بر امر شما، و از براى شماست بر من از حق مثل آن حقي كه مراست بر شما، پس حق فراترين خيرهاست در مقام وصف كردن بعضي با بعضي أوصاف آن را، و تنگ ترين چيزهاست در مقام انصاف كردن بعضي مر بعضي را، جارى نمى شود آن حق از براى منفعت أحدى مگر اين كه جارى شود بر ضرر او، و جارى نمى شود بر ضرر او مگر اين كه جارى شود از براى منفعت او و اگر باشد از براى كسى كه جارى شود حقّ او بر غير و حق غير بر او جارى نشود هر آينه باشد و مختص بخداوند سبحانه بدون خلق او از جهت قدرت او بر بندگان خود و از جهت عدالت او در هر چيزى كه جارى شد بر آن چيز اقسام قضا و حكم او، و ليكن گردانيد خداى تعالى حقّ خود را بر بندگان اين كه اطاعت او نمايند، و گردانيد جزاى طاعت ايشان را بر خود اين كه ثواب ايشان را بالمضاعف كند از حيثيّت تفضّل و احسان و از روى وسعت دادن با چيزى كه خود اهل اوست از زياده كردن جزا پس گردانيد حق سبحانه و تعالى از جمله حقوق خود حقوقى را كه واجب گردانيده است آنها را از براى بعضى از مردمان بر بعضى، پس گردانيد آنها را متساوى و متقابل در جهات آنها و باعث مى شود بعضى از آنها به بعضى و مستحق نمى شود بعضى را مگر بعوض بعضى و بزرگترين چيزى كه واجب گردانيد حق سبحانه و تعالى از اين حقوق حق والى و پادشاهست بر رعيّت، و حقّ رعيّت است بر والى و پادشاه فريضه ايست كه فرض كرده خداى سبحانه و تعالى آنرا از براى هر يكى از والى و رعيّت بر ديگرى، پس گردانيد آن حقّ را سبب نظم از براى الفت ايشان و مايه عزّت از براى دين ايشان، پس صلاح نمى يابد حال رعيّت مگر بصلاح حال پادشاهان و صلاح نمى يابد حال پادشاهان مگر بانتظام أمر رعيّت.
پس وقتى كه ادا كند رعيّت بوالى حقّ او را كه اطاعت و فرمان برداريست و ادا كند والى برعيّت حقّ او را كه عدالت و دادرسى است عزيز مى شود حقّ در ميانه ايشان، و مستقيم مى شود راههاى دين، و معتدل مى شود علامتهاى عدالت، و جارى مى شود سنن شرعيّه بر راههاى خود پس صلاح مى يابد بسبب اين روزگار، و اميدوارى مى شود در دوام و بقاء سلطنت، و مأيوس مى گردد جايگاه طمع دشمنان.
و وقتى كه غالب گردد و تمرّد نمايد رعيّت بر پادشاه خود، يا ظلم و تعدّى كند پادشاه بر رعيّت خود مختلف مى شود در آن وقت سخنان، و آشكار گردد علامتهاى ظلم و ستم، و بسيار گردد دغل و مفاسد در دين، و ترك شود جادّه سنن شرعيّه، پس عمل كرده مى شود بخواهشات نفسانيّه، و معطّل گردد احكام شرعيّه نبويّه، و بسيار شود ناخوشيهاى نفسها، پس استيحاش نمى شود يعنى مردم وحشت نمى كنند از بزرگ حقّى كه تعطيل افتد، و نه از بزرگ باطلى كه آورده شود، پس در آن وقت ذليل و خار گردند نيكوكاران، و عزيز گردد بدكرداران، و بزرگ مى شود مظالم خدا بر ذمّه بندگان.
پس بر شما باد نصيحت كردن يكديگر را در آن حقّ واجب و معاونت خوب همديگر بالاى آن پس نيست احدى و اگر چه شديد باشد در تحصيل رضاى خدا عرض او، و دراز باشد در عمل سعى و تلاش او كه برسد حقيقت آن چيزى را كه خداى تعالى أهل و سزاوار اوست از اطاعت و عبادت، و ليكن از حقوق واجبه خدا بر بندگان نصيحت كردنست بمقدار طاقت ايشان و اعانت كردن يكديگر است برپا داشتن حق و عدل در ميان خودشان.
و نيست مردى و اگر چه بزرگ شود در حق گذارى مرتبه او و مقدّم باشد در دين دارى فضيلت او بالاتر از اين كه اعانت كرده شود بر چيزى كه بار كرده است خدا بر او از حقّ خود، يعنى البته محتاج است بمعين.
و نيست مردى اگر چه كوچك شمرده باشد او را نفسها و حقير ديده باشد او را چشمها پست تر از اين كه اعانت كند بر آن حقّ يا اعانت كرده شود بر آن
الفصل الثاني
قال السيّد رضي اللّه عنه: فأجابه عليه السّلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثّناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له عليه السّلام.
فقال عليه السّلام: إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه، و جلّ موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه، و لطف إحسانه إليه، فإنّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد الّا ازداد حقّ اللّه عليه عظما
اللغة
(صغر) الشي ء يصغر من باب شرف صغرا و زان عنب إذا صار صغيرا و صغر صغرا من باب تعب إذا ذلّ و هان قال تعالى: و هم صاغرون، أى داخرون ذليلون و (عظم) الشّي ء بالضّم أيضا عظما كعنب إذ اصار عظيما
الاعراب
قوله: من حقّ خبر انّ قدّم على اسمها و هو قوله ان يصغر، و هو مؤوّل بالمصدر و الواو في و انّ أحق آه حرف قسم حذف المقسم به و جواب القسم قوله: لمن عظمت، و يحتمل أن تكون للعطف فتكون اللام في لمن تأكيدا.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام لمّا خطب بما تقدّم في الفصل الأوّل (فأجابه عليه السّلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له) و ستطلع على كلام هذا الرّجل في التكملة الاتية انشاء اللّه تعالى.
قال المحدّث العلامة المجلسيّ في البحار عند رواية هذه الخطبة من الكافي:
الظاهر أنّ هذا الرّجل كان الخضر عليه السّلام و قد جاء في مواطن كثيرة و كلّمه عليه السّلام لاتمام الحجّة على الحاضرين، و قد أتى بعد وفاته عليه السّلام و قام على باب داره و بكى و أبكى و خاطب عليه السّلام بأمثال تلك الكلمات و خرج و غاب عن النّاس.
أقول: و يؤيّده ما يأتي في رواية الكافي من أنّه لم يكن رأي في عسكره عليه السّلام قبل هذا اليوم و لا بعده، و كيف كان فلمّا سمع عليه السّلام كلامه (فقال عليه السّلام) مجيبا له: (إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه و جلّ موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه) فانّ من كمل معرفته باللّه و شاهد عظمته و جلاله و كبرياءه لا يبقى لغيره وقع في نظره، لما ظهر من جلاله تعالى كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ما رواه عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في احياء العلوم: لا يبلغ عبد حقيقة الايمان حتّى ينظر النّاس كالأباعر في جنب اللّه ثمّ يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير.
(و انّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه و لطف احسانه اليه) يعني أحقّ النّاس بتعظيم جلال اللّه و تصغير ما سواهم الأئمّة عليهم السّلام لعظم نعمة اللّه عليهم و كمال معرفتهم بجلال ربّهم، فحقّ اللّه تعالى عليهم أعظم من غيرهم فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبّوا الثناء و الاطراء.
أو أنّ من عظمت نعمه و لطفه و احسانه إليه فهو أحقّ و أجدر بأن يعظم جلال اللّه و يجلّ محلّه في قلبه، و من كان كذلك فيضمحلّ عند ملاحظة جلاله و مشاهدة عظمة غيره، فلا يكون له التفات و توجّه إلى الخلق في أعماله حتّى يطلب رضاءهم و مدحهم و ثناءهم.
و من هنا لما قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام ما الخالص من الأعمال فقال: الّذى يعمل للّه تعالى لا يحبّ أن يحمده عليه أحد.
و قال بعضهم: الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط، و قال آخر: هو اخراج الخلق عن معاملة الرّب.
و يؤيّد الثّاني تعليله بقوله (فانّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلّا ازداد حقّ اللّه عليه عظما) و أعظم حقّه هو الاخلاص كما قال «و ما امروا إلّا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدّين» «فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا».
ثمّ جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافا في وجوهها و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض فأعظم ما افترض اللّه تبارك و تعالى من تلك الحقوق حقّ الوالى على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالى فريضة فرضها اللّه عزّ و جلّ لكلّ على كلّ فجعلها نظام الفتهم و عزّا لدينهم و قواما لسنن الحقّ فيهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة.
فاذا أدّت الرّعية إلى الوالى حقّه و أدّى إليها الوالى كذلك عزّ الحقّ بينهم، فقامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل، و جرت على اذلالها السّنن، و صلح بذلك الزّمان و طاب به العيش و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء.
و إذا غلبت الرّعية و اليهم و علا الوالى الرّعية اختلفت هنا لك الكلمة
و ظهرت مطامع الجور و كثر الادغال في الدّين و تركت معالم السنن، فعمل بالهوى و عطلت الاثار و كثرت علل النفوس و لا يستوحش لجسيم حدّ عطل و لا لعظيم باطل اثل، فهنا لك تذلّ الأبرار، و تعزّ الأشرار، و تخرب البلاد، و تعظم تبعات اللّه عزّ و جلّ عند العباد.
فهلمّ أيّها الناس إلى التعاون على طاعة اللّه عزّ و جلّ و القيام بعد له و الوفاء بعهده و الانصاف له في جميع حقّه، فانه ليس العباد إلى شي ء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التعاون عليه، و ليس أحد و إن اشتدّ على رضاء اللّه حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله، و لكن من واجب حقوق اللّه عزّ و جلّ على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم، و التعاون على اقامة الحقّ بينهم.
و ليس امرء و إن عظمت في الحقّ منزلته و جسمت في الخلق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله اللّه عزّ و جلّ من حقّه، و لا لامرؤ مع ذلك خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك أو يعان عليه و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة و كلّ في الحاجة إلى اللّه عزّ و جلّ شرع سواء «فأجابه عليه السّلام رجل من عسكره لا يدرى من هو و يقال: إنّه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقام و أحسن الثناء على اللّه عزّ و جلّ بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقّه عليهم و الاقرار بما ذكر من تصرّف الحالات به و بهم ثمّ قال: أنت أميرنا و نحن رعيتك بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من الذلّ و باعزازك اطلق على عباده من الغل، فاختر علينا فامض اختيارك و ائتمر فامض ائتمارك فانّك القائل المصدّق و الحاكم الموفق و الملك المخول لا نستحلّ في شي ء من معصيتك و لا نقيس علما بعلمك يعظم عندنا في ذلك خطرك و يجلّ عنه في أنفسنا فضلك».
فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ من حقّ من عظمّ جلال اللّه في نفسه و عظم موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعم اللّه عليه و لطف إحسانه إليه فانّه لم تعظم نعم اللّه تعالى على أحد إلّا ازداد حق اللّه عليه عظما.
|