52: لَا غِنَى كَالْعَقْلِ وَ لَا فَقْرَ كَالْجَهْلِ- وَ لَا مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ وَ لَا ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ
روى أبو العباس في الكامل عن أبي عبد الله ع أنه قال خمس من لم يكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع- العقل و الدين و الأدب و الحياء و حسن الخلق
و قال أيضا لم يقسم بين الناس شي ء أقل من خمس- اليقين و القناعة و الصبر و الشكر- و الخامسة التي يكمل بها هذا كله العقل
و عنه ع أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل- ثم قال له أدبر فأدبر- فقال ما خلقت خلقا أحب إلي منك- لك الثواب و عليك العقاب
و عنه ع قال قال رسول الله ص إن الله ليبغض الضعيف الذي لا زبر له- قال الزبر العقل
و عنه ع عن رسول الله ص ما قسم الله للعباد أفضل من العقل- فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل- و فطر العاقل أفضل من صوم الجاهل- و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل- و ما بعث الله رسولا حتى يستكمل العقل- و حتى يكون عقله أفضل من عقول جميع أمته- و ما يضمره في نفسه أفضل من اجتهاد جميع المجتهدين- و ما أدى العبد فرائض الله تعالى حتى عقل عنه- و لا يبلغ جميع العابدين في عباداتهم ما يبلغه العاقل- و العقلاء هم أولو الألباب الذين قال الله تعالى عنهم- وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ
قال أبو العباس و قال رجل من أصحاب أبي عبد الله ع له و قد سمعه يقول بل يروى مرفوعا إذا بلغكم عن رجل حسن الحال فانظروا في حسن عقله- فإنما يجازى بعقله- يا ابن رسول الله إن لي جارا كثير الصدقة- كثير الصلاة كثير الحج لا بأس به- فقال كيف عقله فقال ليس له عقل- فقال لا يرتفع بذاك منه
و عنه ع ما بعث الله نبيا إلا عاقلا- و بعض النبيين أرجح من بعض- و ما استخلف داود سليمان ع حتى اختبر عقله- و هو ابن ثلاث عشرة سنة فمكث في ملكه ثلاثين سنة
و عنه مرفوعا صديق كل امرئ عقله و عدوه جهله
و عنه مرفوعا أنا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم
قال أبو العباس و سئل أبو عبد الله ع ما العقل- فقال ما عبد به الرحمن و اكتسبت به الجنان
قال و قال أبو عبد الله سئل الحسن بن علي ع عن العقل- فقال التجرع للغصة و مداهنة الأعداء
- . قلت هذا كلام الحسن ع و أنا أقطع بذلك- . قال أبو العباس و قال أبو عبد الله العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه- و لا يثق بمن يخاف عذره و لا يرجو من لا يوثق برجائه
قال أبو العباس و روي عن أبي جعفر ع قال كان موسى ع يدني رجلا من بني إسرائيل لطول سجوده- و طول صمته فلا يكاد يذهب إلى موضع إلا و هو معه- فبينا هو يوما من الأيام إذ مر على أرض معشبة تهتز- فتأوه الرجل فقال له موسى على ما ذا تأوهت- قال تمنيت أن يكون لربي حمار و أرعاه هاهنا- فأكب موسى طويلا ببصره إلى الأرض اغتماما بما سمع منه- فانحط عليه الوحي فقال ما الذي أنكرت من مقالة عبدي- إنما آخذ عبادي على قدر ما آتيتهم
قال أبو العباس و روي عن علي ع هبط جبرائيل ع على آدم ع بثلاث- ليختار منها واحدة و يدع اثنتين- و هي العقل و الحياء و الدين فاختار العقل- فقال جبرائيل للحياء و الدين انصرفا- فقالا إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان- فقال فشأنكما ففاز بالثلاث
- . فأما قوله ع و لا ميراث كالأدب- فإني قرأت في حكم الفرس عن بزرجمهر- ما ورثت الآباء أبناءها شيئا أفضل من الأدب- لأنها إذا ورثتها الأدب اكتسبت بالأدب المال- فإذا ورثتها المال بلا أدب أتلفته بالجهل- و قعدت صفرا من المال و الأدب- . قال بعض الحكماء- من أدب ولده صغيرا سر به كبيرا- . و كان يقال من أدب ولده أرغم حاسده- . و كان يقال ثلاثة لا غربة معهن- مجانبة الريب و حسن الأدب و كف الأذى- . و كان يقال عليكم بالأدب فإنه صاحب في السفر- و مؤنس في الوحدة و جمال في المحفل و سبب إلى طلب الحاجة- . و قال بزرجمهر- من كثر أدبه كثر شرفه و إن كان قبل وضيعا- و بعد صيته و إن كان خاملا و ساد و إن كان غريبا- و كثرت الحاجة إليه و إن كان مقلا- . و قال بعض الملوك لبعض وزرائه- ما خير ما يرزقه العبد قال عقل يعيش به- قال فإن عدمه قال أدب يتحلى به- قال فإن عدمه قال مال يستتر به- قال فإن عدمه- قال صاعقة تحرقه فتريح منه العباد و البلاد- . و قيل لبعض الحكماء- متى يكون العلم شرا من عدمه- قال إذا كثر الأدب و نقصت القريحة- يعني بالقريحة العقل- . فأما القول في المشورة فقد تقدم- و ربما ذكرنا منه نبذا فيما بعد
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 185-188)
|