و هو المأة و الواحد و الستون من المختار فى باب الخطب و هو مرويّ في إرشاد المفيد و في البحار من علل الشّرايع و أمالي الصّدوق على اختلاف تعرفه، قال عليه السّلام لبعض أصحابه و قد سأله عليه السّلام كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام و أنتم أحقّ به فقال: يا أخا بني أسد إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد و لك بعد ذمامة الصّهر و حقّ المسألة، و قد استعلمت فاعلم أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام و نحن الأعلون نسبا، و الأشدّون بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نوطا فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين، و الحكم اللّه و المعود إليه القيمة- و دع«» عنك نهبا صيح في حجراته-
اللغة
(قلق) قلقا من باب تعب اضطرب فهو قلق ككتف و (الوضين) كما عن النّهاية بطان منسوج بعضها على بعض يشدّ به الرّحل على البعير كالحزام للسّرج و (الارسال) الاطلاق و اهمال التّوجيه و (السّدد) محرّكة كالسّداد الصّواب و الاستقامة و (الذّمامة) بكسر الذّال المعجمة: الحرمة و (الصهر) القرابة قال ابن السكّيت: كلّ من كان من قبل الزّوج من أبيه أو أخيه أو أعمامه فهم الأحماء و من كان من قبل المرأة فهم الأختان، و تجمع الصّنفين الأصهار. و (استبدّ) في الامر انفرد به من غير مشارك له فيه و رجل (يستأثر) على أصحابه أى يختار لنفسه أشياء حسنة، و الاسم الأثرة محرّكة و الأثرة بالضمّ و الكسر و الأثرى كالحسنى و (المعود) إمّا اسم لمكان العود أو مصدر بمعناه. و في بعض النسخ يوم القيامة باضافة يوم و (الحجرات) النّواحي جمع حجرة كجمرة و جمرات
الاعراب
قوله لقلق الوضين صفة حذف موصوفها للعلم به، و جملة ترسل، في محلّ الرّفع عطف بيان، و لك خبر مقدّم و ذمامة الصهر و حقّ المسألة مرفوعان على الابتداء، و بعد، ظرف لغو متعلّق بذمامة تقديمه عليه للتّوسّع، و جملة و نحن الأعلون في محلّ النّصب على الحال، و نسبا و نوطا منصوبان على التميز، و تعدية سخت بعن لتضمين معنى الاعراض، و القيامة في بعض النّسخ بالرّفع و في بعضها بالنصب، فالأوّل مبنىّ على أنّه خبر لمعود و جعله اسم مكان، و الثّاني على كونه ظرفا له و جعله مصدرا. و البيت أعني قوله: و دع عنك نهبا صيح في حجراته، مطلع قصيدة لامرء القيس ابن حجر الكندي و تمامه: و لكن حديثا ما حديث الرّواحل، و قد أثبت المصراع الثّاني أيضا في بعض النّسخ، و الظّاهر أنّه سهو من النسّاخ، و أنّه لم يتمثّل إلّا بصدر البيت
المعنى
اعلم أنّ المستفاد من روايتي العلل و الأمالي الاتيتين أنّ هذا الكلام (قاله لبعض أصحابه) بصفّين (و) ذلك أنّه (قد سأله) و قال له (كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام) أى مقام الخلافة و الوصاية (و أنتم أحقّ به) منهم و من غيرهم لعلوّ النسب و شرافة الحسب و ماسّة الرّحم و مزيد التقرّب و غزارة العلم و وفور الحلم و ملكة العصمة و فضيلة الطّهارة و ثبوت الوصيّة و حقوق الوراثة و ساير خصايص الولاية (فقال عليه السّلام) مجيبا للسّائل (يا أخا بني أسد انّك ل) رجل (قلق الوضين) أي مضطرب البطان أراد به خفّته و قلّة ثباته كالحزام إذا كان رخوا، لأنّه قد سأله في غير مقامه كما أبان عنه بقوله (ترسل في غير سدد) أى تطلق عنان دابّتك و تهملها و توجّهها في غير مواضعها، أى تتكلّم في غير موضع الكلام، و تسئل مثل هذا الأمر الذي لا يمكن التصريح فيه بمخّ الحقّ بمجمع النّاس، أو تسئل مثل هذا الأمر الذي يحتاج إلى تفصيل الجواب في مقام لا يسع ذلك، و الأخير أظهر بملاحظة ما يأتي في روايتي العلل و الأمالي من أنّه سأله بينا هو في أصعب موقف بصفّين.
و كيف كان فلمّا اعترض عليه السّلام على السائل يكون سؤاله في غير موقعه المناسب، و لما كان ذلك مظنّة لأن ينكسر منه قلب السائل استدرك عليه السّلام ذلك بمقتضى سودده و مكارم خلقه فقال استعطافا و تلطّفا: (و لك بعد ذمامة الصّهر و حقّ المسألة) أى حرمة القرابة و حقّ السؤال.
قال الشّارح المعتزلي: و إنّما قال: لك بعد ذمامة الصّهر لأنّ زينب بنت جحش زوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كانت أسديّة، و شنّع الشّارح على القطب الرّاوندي حيث علّل ذلك بأنّ أمير المؤمنين قد تزوّج في بني أسد بأنّ عليّا لم يتزوّج في بني أسد البتّة. ثمّ فصّل أولاده و أزواجه، ثمّ قال: فهؤلاء أولاده و ليس فيهم أحد من أسديّة و لا بلغنا أنّه تزوّج في بني أسد و لم يولد.
و ردّه الشّارح البحراني بأنّ الانكار لا معنى له إذ ليس كلّ ما لم يبلغنا من حالهم لا يكون حقّا و يلزم أن لا يصل إلى غيره.
أقول: الحقّ مع البحراني إذ عدم نقل التزوّج إلينا لا يكون دليلا على العدم لكنّه يبعّده كما لا يخفى هذا.
و أمّا حقّ المسألة فلأنّ للرّعيّة من الامام حقّ السؤال و إن لم يفرض عليه الجواب لو لم يكن فيه المصلحة.
يدلّ على ذلك ما رواه في الكافي عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الوشا قال: سألت الرّضا عليه السّلام فقلت له جعلت فداك- «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»- فقال عليه السّلام: نحن أهل الذكر و نحن المسئولون، قلت: أ فأنتم المسئولون و نحن السائلون قال: نعم فقلت: حقّا علينا أن نسألكم قال: نعم، قلت: حقّا عليكم أن تجيبونا قال: لا، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا و إن شئنا لم نفعل أما تسمع قول اللّه تبارك و تعالى: «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ».
و ما بمعناه أخبار كثيرة مرويّة في الكافي و غيره.
ثمّ تصدّى لجواب السّائل لما علم المصلحة في الجواب فقال (و قد استعلمت فاعلم أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام) أى استقلال الغاصبين للخلافة و تفرّدهم بهذا المقام الّذي هو مقام الأولياء و الأوصياء (و نحن الأعلون نسبا و الأشدّون بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نوطا) أى مع كوننا أولى منهم بهذا المقام و أحقّ به بشرافة النّسب و شدّة التعلّق و اللّصوق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمّا شرافة النسب فقد مرّ في ديباجة الشرح، و أما شدّة العلاقة فيكفى في الدّلالة عليها جعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له منه بمنزلة هارون من موسى و تنزيله منزلة نفسه في آية أنفسنا مضافا إلى ساير ما تضمّنت ذلك المعنى ممّا عرفتها في تضاعيف الشرح و تعرفها بعد ذلك انشاء اللّه تعالى.
(فانها) أى الخلافة المعلومة من السياق (كانت اثرة) أى شيئا مرغوبا يتنافس فيه النفوس و يزيده كلّ لنفسه و أن يخصّ به من دون مشاركة الغير (شحّت) أى بخلت (عليها نفوس قوم) أراد بهم أهل السقيفة (و سخت عنها) أى جادت بها و تركتها معرضة عنها (نفوس آخرين) أراد بهم أهل البيت عليهم السّلام و إعراضهم عنها لعدم رغبتهم في الخلافة من حيث إنّها سلطنة ظاهرية و أمارة على الخلق.
كما يدلّ عليه قوله عليه السّلام لابن عباس في عنوان خطبه 162 نهج البلاغه بخش 1 الخطبة الثالثة و الثلاثين: و اللّه لهى أحبّ إلىّ من امرتكم إلّا أن اقيم حقّا أو أدفع باطلا.
نعم لو كان متمكّنا من الخلافة و إقامة مراسمها على ما هو حقّها لرغب فيه البتّة لكنّه لم يتمكّن منها لعدم وجود النّاصر كما يؤمى إليه قوله عليه السّلام في الخطبة الثّالثة المعروفة بالشقشقيّة: و طفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء، و قوله في الخطبة السّادسة و العشرين: فنظرت فاذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت اه، و غير ذلك ممّا تضمّن هذا المعنى.
(و الحكم) الحقّ و الحاكم العدل هو (اللّه) سبحانه (و المعود إليه القيامة) كما قال: «ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» و يقضى بين الخلق بالحقّ و يجعل لعنته على الظالمين، و تمثّل عليه السّلام بقول امرء القيس فقال:
- (و دع عنك نهبا صيح في حجراته)و لكن حديثا ما حديث الرّواحل
و كان من قصّة هذا الشّعر أنّ امرء القيس لمّا انتقل في أحياء العرب بعد قتل أبيه نزل على رجل من جذيلة طيّى ء يقال له: طريف فأحسن جواره فمدحه فأقام عنده، ثمّ إنّه لم يولّه نصيبا في الجبلين: اجاء و سلمى، فخاف أن لا يكون له منعة فتحوّل فنزل على خالد بن سدوس بن اصمع النبهاني فأغارت بنو جذيلة على امرء القيس و هو في جوار خالد بن سدوس فذهبوا بابله و كان الذي أغار عليه منهم باعث بن حويص، فلمّا أتى امرء القيس الخبر ذكر ذلك لجاره، فقال له: اعطنى رواحلك ألحق عليها القوم فأردّ عليك ابلك، ففعل فركب خالد في أثر القوم حتّى أدركهم فقال: يا بني جذيلة أغرتم على ابل جارى قالوا: ما هو لك بجار، قال: بلى و اللّه و هذه رواحله، قالوا: كذلك، قال: نعم، فرجعوا إليه فأنزلوه عنهنّ و ذهبوا بهنّ و بالابل، و قيل بل انطوى خالد على الابل فذهب بها، فقال امرء القيس: دع عنك نهبا، القصيدة. أى اترك عنك منهوبا يعني غنيمة صيح في جوانبه و نواحيه صياح الغارة، و لكن هات حديثا الذي هو حديث الرّواحل أي النّوق التّي تصلح لأن يشدّ الرّحل على ظهرها.
و غرضه عليه السّلام بالتمثيل بالبيت الاشارة إلى أنّ المتخلّفين الثلاثة الماضين قد نهبوا تراثى و أغاروا على حقّي مع صياح عند النّهب و الغارة يريد به الاحتجاجات و المناشدات الّتي كانت منه عليه السّلام و من أتباعه بعد السقيفة و في مجلس الشّورى حسبما عرفتها في شرح الخطبة الشقشقيّة و غيرها.
يقول عليه السّلام: دع عنك ذكر تلك الغارة و حديثها و لا تسئل عنها فانّه نهب صيح في حجراته و مضى و انقضى
|