و من خطبة له عليه السّلام
و هى المأة و الحادية و السّبعون من المختار فى باب الخطب و الظاهر أنّها ملتقطة من الخطبة الطويلة الّتي قدمنا روايتها في شرح الفصل الثّالث من الخطبة السادسة و العشرين إلّا أنّ صدرها المتضمّن للحمد على اللّه سبحانه ليس فيها.
الحمد للّه الّذي لا تواري عنه سماء سماء، و لا أرض أرضا.
منها: و قد قال لي قائل إنّك يا بن أبي طالب على هذا الأمر لحريص فقلت بل أنتم و اللّه أحرص و أبعد و أنا أخصّ و أقرب و إنّما طلبت حقّا هو لي، و أنتم تحولون بيني و بينه، و تضربون وجهي دونه، فلمّا قرعته بالحجّة في الملاء الحاضرين هبّ (بهت خ ل) كأنّه لا يدري ما يجيبني به.
اللغة
(الملاء) وزان جبل وجوه النّاس و أشرافهم الّذين يرجع إليهم لامتلائهم بالرأى و التدبير و (هبّ) من النوم انتبه و تنبّه
المعنى
اعلم أنّ ما أورده السيّد «ره» من خطبته عليه السّلام في المتن يدور على فصول ثلاثة.
الفصل الاول
افتتح كلامه بحمد اللّه سبحانه باعتبار احاطة علمه بالسّماوات و الأرضين فقال: (الحمد للّه الذي لا توارى) أى لا تحجب و لا تستر عنه (سماء سماء و لا أرض أرضا) لكونه منزّها عن وصف المخلوقين الذين في إدراكهم لبعض الأجرام السماويّة و الأرضية محجوبون عمّا ورائها و ذلك لقصور ذاتهم و قصور قوّتهم المدركة و أمّا الربّ تعالى فلكمال ذاته فله العلم بكلّ ما سواء كما قد عرفت في شرح الفصل السّادس و الفصل السّابع من الخطبة الاولى و في شرح الخطبة التاسعة و الأربعين و غيرهما.
و أقول هنا مضافا إلى ما سبق روى في الكافي عن ابن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ» فقال عليه السّلام: هو واحدىّ الذات باين من خلقه، و بذلك وصف نفسه و هو بكلّ شي ء محيط بالأشراف و الاحاطة و القدرة لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّماوات و لا في الأرض و لا أصغر من ذلك و لا أكبر بالاحاطة و العلم لا بالذّات لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فاذا كان بالذات لزمته.
يعني أنّه سبحانه لوحدانيّة ذاته و مباينته من خلقه كما وصف به نفسه في كتابه العزيز حيث قال: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ فهو بكلّ شي ء محيط» لأنّ غيره من المخلوقات لكونه مكانيا يلزمه أنّ حصوله في مكان و حضوره عند جماعة يستلزم خلوّ ساير الأمكنة عنه و غيبته عن جماعة اخرى كما هو شأن المكانيّات و هو ليس كذلك بل حصوله هاهنا و حضوره لهؤلاء النفس حصوله هناك و حضوره لاولئك.
و قوله لا بالذّات يعني أنّه ليست بالذّات لانّ الأماكن محدودة بحدود أربعة و هي: القدّام، و الخلف، و اليمين، و الشّمال، لعدم تحيّزها إلّا بالاعتبار عدّ الجميع حدّين و الفوق و التّحت حدّين فصارت أربعة فلو كانت إحاطته بالذّات بأن كانت بالدّخول في الأمكنة لزم كونه محاطا بالمكان كالمتمكّن و إن كانت بالانطباق لزم كونه محيطا بالتمكن كالمكان و كلاهما باطل هذا.
و قوله: و لا أرض أرضا قال الشارح المعتزلي هذا الكلام يدلّ على اثبات أرضين بعضها فوق بعض كما أنّ السماوات كذلك و لم يأت في الكتاب العزيز ما يدلّ على هذا إلّا قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ و هو قول كثير من المسلمين و قد تأوّل ذلك أرباب المذاهب الاخر القائلون بأنها أرض واحدة فقالوا إنها سبعة أقاليم فالمثليّة من هذا الوجه هي لا من تعدّد الأرضين في ذاته.
و يمكن أن يتأوّل مثل ذلك كلام أمير المؤمنين عليه السّلام فيقال إنها و إن كانت أرضا واحدة لكنها أقاليم و أقطار مختلفة، و هى كرية الشكل فمن على حدبة الكرة لا يرى من تحته و من تحته لا يراه و من على أحد جانبيها لا يرى من على الجانب الاخر و اللّه يدرك ذلك كلّه أجمع لا يحجب عنه بشي ء منها شي ء منها انتهى.
و نحو ذلك قال الطبرسيّ في تفسير الاية حيث قال: أى و في الأرض خلق مثلهنّ في العدد لا في الكيفية لأنّ كيفيّة السماء مخالفة لكيفيّة الأرض و ليس في القرآن آية تدلّ على أنّ الارضين سبع مثل السماوات إلّا هذه الاية و لا خلاف في السماوات أنها سماء فوق سماء و أما الأرضون فقال قوم إنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات لأنها لو كانت مصمتة لكانت أرضا واحدة و في كلّ أرض خلق خلقهم اللّه كيف شاء.
و روى أبو صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض يفرق بينهنّ البحار و تظلّل جميعهنّ السّماء و اللّه سبحانه أعلم بصحّة ما استأثر بعلمه و اشتبه على خلقه.
و قال الفخر الرّازيّ: قال الكلبيّ: خلق سبع سماوات بعض فوق بعض كالقبّة و من الأرض مثلهنّ في كونها طبقات متلاصقة كما هو المشهور أنّ الأرض ثلاث طبقات طبقة أرضية محضة، و طبقة طينّية و هى غير محضة و طبقة منكشفة بعضها في البرّ و بعضها في البحر، و هي كالمعمورة و لا يبعد من قوله و من الأرض مثلهنّ كونها سبعة أقاليم على سبع سماوات و سبعة كواكب فيها، و هي السيارة، فانّ لكلّ واحد من هذه الكواكب خواصّ تظهر آثار تلك الخواصّ في كلّ أقاليم الأرض فتصير سبعة بهذا الاعتبار.
الفصل الثاني منها في ذكر ما جرى له يوم الشورى
بعد مقتل عمر (و قد قال لي قائل إنّك يا بن أبي طالب على هذا الأمر لحريص) أى على أمر الخلافة قال الشارح المعتزلي و الّذي قال له ذلك سعد بن أبي وقاص مع روايته فيه أنت منّي بمنزلة هارون من موسى و هذا عجب فأجاب عليه السّلام بقوله (فقلت بل أنتم و اللّه أحرص و أبعد و أنا أخصّ و أقرب) فليس للبعيد التعريض على القريب و التعيير بكثرة الحرص و أراد بكونه أخصّ و أقرب مزيد اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شدّة قربه منه (و إنما طلبت حقا هو لي) بنصّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله (و أنتم تحولون بيني و بينه و تضربون وجهي دونه) كناية عن منعهم منه و دفعهم له عنه (فلمّا قرعته) أى صدمته (بالحجّة في الملأ الحاضرين) (هبّ) أى انتبه و استيقظ عن غفلته (كأنّه بهت) هكذا في نسخة الشارح المعتزلي بزيادة بهت بعد لفظة كأنّه أى صار مبهوتا متحيّرا (لا يدرى ما يجيبني) به.
|