الفصل الثاني (منها)
يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللّه، كذب و العظيم ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله، و كلّ من رجا عرف رجاؤه في عمله إلّا رجاء اللّه فإنّه مدخول، و كلّ خوف محقّق إلّا خوف اللّه فإنّه معلول، يرجو اللّه في الكبير و يرجو العباد في الصّغير، فيعطى العبد ما لا يعطى الرّبّ، فما بال اللّه عزّ و جلّ يقصّر به عمّا يصنع به بعباده، أ تخاف أن تكون في رجاءك له كاذبا، أو تكون لا تراه للرّجاء موضعا، و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطى ربّه، فجعل خوفه من العباد نقدا، و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا، و كذلك من عظمت الدّنيا في عينه، و كبر موقعها في قلبه، آثرها على اللّه فانقطع إليها، و صار عبدا لها.
اللغة
(الزّعم) مثلّثة الزاء قد يطلق على الظنّ و الاعتقاد الفاسد و منه قوله تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا. و قد يطلق على القول الباطل و الكذب، و ربّما يطلق على القول الحقّ و المراد هنا الأوّل و (مدخول) مفعول من الدّخل بالتسكين و هو المكر و الخديعة و العيب و مثله الدّخل محرّكة قال تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ. أي مكرا و خديعة. (الضّمار) ما لا يرجى من الوعود هكذا قال الشّارح المعتزلي و قال الفيروزآبادي: الضّمار ككتاب من المال الّذي لا يرجى رجوعه، و من العذاب ما كان ذا تسويف و خلاف العيان، و من الدّين ما كان بلا أجل
الاعراب
الباء في قوله: بزعمه، للسببيّة إن كان الزّعم بمعنى الظنّ و الاعتقاد، و إلّا فهى صلة، و الواو في قوله: كذب و العظيم، للقسم و إنّما قال: و العظيم و لم يقل: و اللّه العظيم، تأكيدا لعظمة الباري سبحانه، لأنّ الموصوف إذا لغى و ترك و اعتمد على الصّفة حتّى صارت كالاسم كانت أدلّ على تحقّق مفهوم الصّفة كالحارث و العبّاس هكذا قال الشّارح المعتزلي. و قال البحراني: و إنّما قال: و العظيم، دون اللّه لأنّ ذكر العظمة هنا أنسب للرّجاء، و الاضافة في قوله: من خوفه، من اضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول، و اللّام في قوله تعالى: لما أنزلت إلىّ من خير فقير، بمعنى إلى أو للتّعليل أو ضمن فقير معنى سائل فعدّى باللّام
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام قد نبّه في هذا الفصل من كلامه عليه السّلام على بطلان دعوى من يدّعى رجاء ثواب اللّه سبحانه و خوف عقابه و يزعم اتّصافه بهذين الوصفين اللّذين هما من أوصاف السّالكين و حالات الطّالبين و مقامات العارفين الرّاغبين، و عقبّه بالتّزهيد عن الدّنيا بالأمر بالتّأسّي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جملة من السّلف الصّالحين من الأنبياء و المرسلين حيث زهدوا في الدّنيا، و آثروا الآخرة على الاولى لما رأوا من معايبها و مساويها، و قد تقدّم في التّنبيه الثّالث من تنبيهات الفصل السّادس من فصول الخطبة الثّانية و الثّمانين تحقيق معنى الرّجاء و تفصيل الكلام فيه و لا حاجة إلى الاعادة، و إنّما نشير هنا إلى محصّل ما أوردناه هناك تمهيدا و توضيحا للمتن.
فأقول: خلاصة ما قلناه فيما تقدّم: إنّ الرّجاء عبارة عن ارتياح النّفس لانتظار ما هو محبوب عندها، فهو حالة لها تصدر عن علم و تقتضى عملا، فمن كان يرجو لقاء ربه و يأمل ثوابه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا، كما نطق به الكتاب الكريم و القرآن الحكيم، فاللّازم على الرّاجي للثواب من الملك الوهّاب عزّ و علا أن يبذر المعارف الالهيّة في قلبه، و يدوم على سقيه بماء الطّاعات و يجتهد في تطهير نفسه عن شوك الأخلاق الرّدية المانعة من نماء العلم و زيادة الايمان، و ينتظر من فضل اللّه سبحانه أن يثبته على ذلك إلى زمان وصوله و حصاد عمله، فذلك الانتظار هو الرّجاء الحقيقي المحمود.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ من النّاس من يتّبع هواه و يفرّط في أمر مولاه و يغمر في المعاصى و يدوم على المناهي و مع ذلك كلّه (يدّعى بزعمه) الفاسد و نظره الكاسد (أنّه يرجو اللّه) و يأمل لقائه فقد (كذب) في دعواه و خاب فيما يتوقّعه و يتمنّاه (و) الرّبّ (العظيم) لما قد عرفت أنّ الرّجاء بدون إصلاح العمل حمق و جهالة، و من دون تزكية النّفس سفه و ضلالة (ما باله) استفهام على سبيل التّوبيخ و التّقريع أى ما بال هذا الدّاعي للرّجاء (لا يتبيّن رجاؤه في عمله) يعني انّه لو كان رجاؤه صدقا لظهر رجاؤه في عمله، و ذلك لأنّا نرى أنّ كلّ من رجا شيئا من سلطان أو غيره فانّه يتابعه و يخدمه و يتقرّب إليه و يتحبّب إليه و يبالغ في طلب رضاه و يسارع إلى خدمته و يأتي بقدر طوعه كلّ ما هو مطلوب له و محبوب عنده ليظفر بمراده و ينال إلى ما يرجوه منه، و هذا المدّعي للرّجاء حيث لا يظهر رجاؤه في عمله يتبيّن أنّه كاذب في دعواه، غير خالص في رجاه.
و هذا معنى قوله (و كلّ من رجا عرف رجاؤه في عمله إلّا رجاء) من يرجو (اللّه فانّه مدخول) أى معيب (و كلّ خوف محقّق) أى كلّ خائف فخوفه محقّق ثابت له أصل و حقيقة يظهر آثاره على الخائف (إلّا خوف اللّه) تعالى (فانّه معلول) أى مشتمل على المرض و العلّة حيث لا يظهر آثاره و علاماته على من يخافه سبحانه كما ستعرفه تفصيلا.
هذا على تقدير عود الضّمير في قوله: فانّه، إلى خوف اللّه، و يجوز عوده إلى كلّ خوف بأن يجعل محقّق صفة لخوف و إلّا بمعنى غير و هذه الجملة أعني جملة فانّه معلول خبرا لكلّ خوف، فيكون محصّل المعنى أنّ كلّ خوف ثابت غير خوف اللّه سبحانه فانّ هذا الخوف معلول، بخلاف خوفه سبحانه فانّه الخوف الصّريح الحقيقي، و ذلك لأنّ ما يخاف به من غيره تعالى فهو أمر دنيويّ سريع الزّوال و الانقضاء، مع أنّ ذلك الغير لا يقدر على ايقاع مكروه على الخائف إلّا بمشيّة اللّه سبحانه و إقدار منه له عليه، بخلاف الخوف منه تعالى فانّه خوف من القادر القاهر لارادّ لقضائه و لا دافع لحكمه، و عذابه أليم لا يفنى، و سخطه عظيم لا ينقطع و لا يتناهى و يؤيّد هذا الاحتمال الثّاني في هذه الفقرة ما في بعض النّسخ بدل قوله: و كلّ من رجا آه و كلّ رجاء إلّا رجاء اللّه فانه مدخول، وجه التّأييد أنّ الضّمير حينئذ يعود إلى كلّ رجاء فيكون سوق كلتا الفقرتين على مساق واحد، و يتطابق الكلّيتان كما هو غير خفيّ على البصير، هذا.
و أكّد كون رجائه للّه سبحانه معلولا بقوله (يرجو اللّه في الكبير) أى يرجو رحمته و مغفرته و نعمته و منّته و جنّته الّتي عرضها السّماء و الأرض (و يرجو العباد في الصّغير) أى في امور دنيويّه زهيدة المنفعة قليلة الجدوى سريعة الزّوال و الانقضاء و مع ذلك (فيعطى العبد ما لا يعطى الرّب) الاتيان بلفظ الاعطاء في يعطى الرّب للمشاكلة، و المراد أنّه يكثر عمله لمن يرجوه من العباد و يتقرّب إليه بكلّ وسيلة ليفوز بما يتوقّعه منه، و يتهاون في طاعة ربّه و يتكاسل في عبادته و يقصّر فيما يقربه إليه مع أنّ اللّازم عليه أن يكون عمله بعكس ذلك، فيكون قيامه بوظايف التّقرّب إلى اللّه سبحانه أكثر و آكد من القيام بوظايف التّقرّب إلى غيره، حيث إنّ المرجوّ الكبير يستدعى ما يناسبه ممّا هو وسيلة إليه كميّة و كيفيّة.
و حيث إنّه عكس في القيام بوظايف رجاه و لم يعط ربه ما أعطاه سواه فحقيق بالتّوبيخ و الملام و التّقريع و التّبكيت، و لذلك قال ذمّا و تشنيعا (فما بال اللّه عزّ و جلّ يقصر به عمّا يصنع به بعباده) أى عمّا يعمل به، و يصانع لهم من المصانعة الّتي هى أن تصنع شيئا لغيرك لتصنع لك مثله.
و أكد التّوبيخ و التشنيع بقوله (أ تخاف أن تكون في رجاءك له كاذبا أو تكون لا تراه للرّجاء موضعا) يعني أنّ قصورك في القيام بوظايف الرّجا كاشف من خوفك من أحد أمرين كلاهما باطل: أحدهما أن تكون كاذبا في رجاءك له سبحانه لزعمك أنّك لا تستعدّ مع العمل بلوازم رجائه تعالى لافاضة الجود منه عليك و لا تنال إلى مرجوّك، و هو خطاء عظيم ناش عن ضعف الاعتقاد بالوعود الّتي وعدها اللّه سبحانه على ألسنة رسله و أنبيائه لمن عمل صالحا و يرجو رحمة ربّه.
و ثانيهما أن تكون لا تراه للرّجاء موضعا، و هو كفر صريح ناش من توهّم عجزه أو بخله، هذا.
و لما نبّه على بطلان دعوى المدّعين للرّجاء و شنّعهم على تلك الدّعوى، عقّبه بالتّشنيع على الخائفين بسبب قصورهم في لوازم الخوف، و توضيح قصورهم فيها محتاج إلى تحقيق معنى الخوف و بيان حقيقته فأقول: إنّ الخوف كما في إحياء العلوم عبارة عن تألّم القلب و احتراقه بسبب توقّع مكروه في الاستقبال، و قد ظهر هذا في بيان حقيقة الرّجاء و هو صفة تقتضى علما و عملا.
اما العلم فهو العلم بالسّبب المفضى إلى المكروه، و ذلك كمن جنى على ملك ثمّ وقع في يده فيخاف القتل مثلا و يجوز العفو و الافلات، و لكن يكون تألّم قلبه بالخوف بحسب قوّة علمه بالأسباب المفضية إلى قتله، و هو تفاحش جنايته و كون الملك حقودا غضوبا منتقما، و كونه محفوفا بمن يحثّه على الانتقام، خاليا عمّن يتشفّع إليه في حقّه، و كان هذا الخائف عاطلا عن كلّ وسيلة و حسنة تمحو أثر جنايته عند الملك، فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوّة الخوف و شدّة تألّم القلب، و بحسب ضعف هذه الأسباب يضعف الخوف.
و قد يكون الخوف لا عن سبب جناية قارفها الخائف، بل عن صفة المخوف منه كالّذى وقع في مخالب سبع، فانّه يخاف السّبع لصفة ذات السّبع و هى سطوته و حرصه على الافتراس غالبا و إن كان افتراسه بالاختيار.
و قد يكون من صفة جبليّة للمخوف منه كخوف من وقع في مجرى سيل أو جوار حريق من الغرق و الاحتراق، لأنّ طبع الماء مجبول على السّيلان و الاغراق، و كذا النّار على الاحراق، فالعلم بأسباب المكروه هو السّبب الباعث المثير لاحراق القلب و تألّمه، و ذلك الاحراق هو الخوف.
فكذلك الخوف من اللّه تارة يكون لمعرفة اللّه و معرفة صفاته و أنّه لو أهلك العالمين لم يبال و لم يمنعه مانع، و تارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي، و تارة يكون بهما جميعا، و يحسب معرفته بعيوب نفسه و معرفته بجلال اللّه تعالى و استغنائه و أنّه لا يسئل عمّا يفعل و هم يسئلون تكون قوّة خوفه فأخوف النّاس لربّه أعرفهم بنفسه و بربّه و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا أخوفكم للّه، و كذلك قال اللّه: إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء.
و أما العمل فهو أنّه إذا حصل له الخوف أوجب ذلك الكفّ و التّوقّى عن كلّ ما يؤدّى إلى المكروه المتوقّع الّذي يخاف منه.
و خوف اللّه سبحانه إذا ثبت في القلب و اشتدّ يظهر أثره على البدن و على الجوارح و الصّفات.
اما البدن فبالنّحول و الصّفار و الغشية و الزّعقة و البكاء، و قد ننشقّ به المرارة فيفضى إلى الموت، أو يصعد إلى الدّماغ فيفسد العقل، أو يقوى فيورث القنوط و اليأس.
و اما الجوارح فبكفّها عن المعاصي و تقييدها بالطّاعات تلافيا لما فرّط و استعدادا للمستقبل.
و اما الصفات فبأن يقمع الشّهوات و يكدّر اللّذات فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه إذا عرف أنّ فيه سمّا فتحرق الشّهوات بالخوف و تتأدّب الجوارح و يحصل في القلب الذّبول و الخشوع و الاستكانة و يفارقه الكبر و الحقد و الحسد بل يصير مستوعب الهمّ بخوفه و النّظر في خطر عاقبته، فلا يتفرّغ لغيره و لا يكون له شغل إلّا المراقبة و المحاسبة و المجاهدة و الضنّة بالأنفاس و اللّحظات، و مؤاخذة النّفس بالخطرات و الخطوات و الكلمات و يكون حاله حال من وقع في مخالب سبع ضار لا يدرى أنّه يغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلك فيكون ظاهره و باطنه مشغولا بما هو خائف منه لا متّسع فيه لغيره هذا حال من غلبه الخوف و استولى عليه.
و قوّة المراقبة و المحاسبة و المجاهدة بحسب قوّة الخوف الّذي هو تألّم القلب و احتراقه و قوّة الخوف بحسب قوّة المعرفة بجلال اللّه تعالى و صفاته و أفعاله و بعيوب النّفس و ما بين يديها من الأخطار و الأهوال.
و أقلّ درجات الخوف ممّا يظهر أثره في الأعمال أن يمنع عن المحظورات و يسمّى الكفّ الحاصل عن المحظورات ورعا، فان زادت قوّته كفّ عمّا يتطرق إليه امكان التّحريم فيكفّ أيضا عن المشتبهات و يسمّى ذلك التّقوى، إذ التّقوى أن يترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، و قد يحمله على ترك ما لا بأس به مخافة ما به بأس، و هو الصّدق في التّقوى، فاذا انضمّ إليه التّجرّد للخدمة فصار لا يبنى ما لا يسكنه، و لا يجمع مالا يأكله، و لا يلتفت إلى دنيا يعلم أنّها تفارقه، و لا يصرف إلى غير اللّه تعالى نفسا من أنفاسه، فهو الصّدق و صاحبه جدير بأن يسمّى صديقا.
و يدخل في الصّدق التّقوى، و يدخل في التّقوى الورع، و يدخل في الورع العفة فانّها عبارة عن الامتناع عن مقتضى الشّهوات خاصّة فاذا الخوف يؤثّر في الجوارح بالكفّ و الاقدام، و يتجدّد له بسبب الكفّ اسم العفّة، و هو كفّ عن مقتضى الشّهوة و أعلى منه الورع، فانّه أعمّ لأنّه كفّ عن كلّ محظور و أعلى منه التّقوى، فانّه اسم للكفّ عن المحظور و الشّبهة جميعا و ورائه اسم الصّديق و المقرّب.
إذا عرفت ذلك ظهر لك معنى قوله (و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده) سبحانه (أعطاه من خوفه) الضمير راجع إلى الخائف أو العبد أى أعطاه من أجل خوفه إيّاه (ما لا يعطى ربّه) يعنى أنّه يقوم بمقتضيات خوفه إن خاف غير اللّه تعالى فيفعل ما يأمر و يترك ما ينهى و يأتي بما يريد بخلاف خوفه منه سبحانه فيدّعى الخوف و لا يظهر أثره عليه (فجعل خوفه من العباد نقدا) أي كالنقد المعجّل لوجود آثاره فيه بالفعل (و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا) ذا تسويف غير موجود آثاره فيه بعد هذا.
و لمّا نبّه على بطلان دعوى المدّعين للخوف و الرّجاء و كذّبهم في تلك الدّعوى معلّلا بكون رجاهم لغير اللّه تعالى أكثر و آكد، و خوفهم من غيره سبحانه أقوى و أشدّ، و فهم من ذلك ضمنا بدلالة الالتزام أنّ توجّههم و مراقبتهم إلى غيره عزّ و علا أكثر من مراقبتهم و توجّههم إليه، حيث إنّهم يؤثرون غيره عليه إذا رجوا، و يقدمون خوف الغير على خوفه إذا خافوا أردف ذلك بالتّنبيه على أنّ حال أبناء الدّنيا كذلك، لايثارهم الدّنيا عليه تعالى و انقطاعهم إليها و افتتانهم بها و رغبتهم إليها دونه.
و بهذا ظهر لك حسن الارتباط و المناسبة بين ما مرّ و بين قوله (و كذلك من عظمت الدّنيا في عينه) و راقه زبرجها (و كبر موقعها من قلبه) و عظم محلّها عنده للذّاتها العاجلة و شهواتها الموجودة الحاضرة (آثرها على اللّه) و اختارها على ما لديه ممّا لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر لكونه آجلا غايبا (فانقطع إليها و صار عبدا لها) و لمن في يديه شي ء منها حيثما زالت زال إليها و حيثما أقبلت أقبل عليها، غافلا عن أنّه ظلّ زائل، و ضوء آفل، و سناد مائل، و غرور حائل.
|