اللغة
يقال: استأدى فلانا مالا إذا صادره و اخذه منه. و استأديت ديني عند فلان أى طلبته و في كنز اللّغة استئداء طلب أداى چيزى كردن فقوله عليه السّلام (مستأديكم شكره) أى طالب منكم أدائه على نعمه، (ممهلكم) أى معطيكم مهلة، يقال أمهله إذا أنظره و أجلّه، (مضمار) الموضع الذي تضمر فيه الخيل للسباق أى تحضر له لتنازعوا و تتنافسوا في سبقه و يقال بالفارسية: ميدان اسب دوانى. و جاى رياضت دادن اسبان. المضمار أيضا مدة تضمير الخيل، أى اسم للمكان و الزمان و جاء بمعنى غاية الفرس في السباق أيضا. (سبق) في الصحاح: السبق بالتحريك: الخطر الذي يوضع بين أهل السباق. يعني هو الخطر الذى يتراهن عليه المسابقون و يأخذه السابق منهم. و في منتهى الأرب: سبق محركة: آنچه گروبندند بر آن بر اسب دوانيدن و تير انداختن و جز آن، أسباق جمع، (العقد) جمع العقدة كالغرف جمع الغرفة أى ما يمسك الشي ء و يوثقه. (المازر) جمع المئزر و المئزرة أى الإزار كاللّحاف و الملحف و الملحفة جمعها ملاحف. (اطووا) من الطىّ و أصل الطىّ: الثّنى
و القبض و ضدّ النشر. قال الشاعر:
طوتك خطوب دهرك بعد نشر
(الخواصر) جمع الخاصرة أى الشاكلة و بالفارسية: تهيگاه ميان و في منتهى الأرب خاصرة كصاحبة تهيگاه و آنچه ميان سرسرين و كوتاه ترين استخوان پهلو است قال الحسين بن مطير في أبيات له (الحماسة 460)
- مخصرّة الأوساط زانت عقودهابأحسن ممّا زيّنتها عقودها
يريد أنها دقيقة الخصور غير واسعة الجنوب. و قال آخر:
- فتىّ لا يرى قدّ القميص بخصرهو لكنّما تفرى الفرىّ مناكبه
(الوليمة) طعام العرس و قيل كلّ طعام صنع لدعوة أو غيرها و قيل كلّ طعام يتخذ لجمع الجمع ولائم لكنها ههنا كناية عن لذّات الدنيا و خفض العيش و الدعة.
و (الظلم) كالغرف جمع الظلمة كالغرفة و المراد بها اللّيل و (التذاكير) جمع تذكار لأن التذكرة جمعها تذاكر
الإعراب
اللام من لتتنازعوا جارة للتعليل متعلقة بالممهل و الفعل منصوب بأن الناصبة المصدرية المقدرة أى لأن تتنازعوا. و الفاء في فشدّوا فصيحة تنبى ء عن محذوف يدلّ عليه ما قبلها أى إذا أمهلكم اللّه في مضمار لتتنازعوا سبقة فشدّوا عقد المازر.
و ما أنقض و أمحى صيغتا تعجب اى و ما امحى الظلم
المعنى
كلامه عليه السّلام في التحريص على القتال و الحثّ على الجهاد و فضل المجاهدين و في ذم القاعدين عنه ذكر في عدة مواضع من النهج كلّها كاف شاف لفظا و معنى على حدّ لا يتأتى لأحد أن ينسج المعاني بالألفاظ بذلك المنوال و من تأمّلها حق التأمّل درى أنها فوق كلام المخلوق.
على أنّها كما تدلّ على قدرة بيانه كذلك يدلّ على كمال شجاعته و قدرته الروحيّة و مما بلغ إلى حدّ التواتر أنّ صولته و سطوته و شجاعته أعجزت الأبطال و قد أقرّ أعداؤه بذلك ما ولّى عليه السّلام عن أحد قط مع طول ملاقاته الحروب و كثرة من لاقاه من صناديد الأعداء و من تأمل الأخبار في الغزوات علم أنّ قواعد الاسلام ثبتت بجهاده عليه السّلام و أن هذه القوة ما كانت بقوة جسدانية بل بتأييدات الهيّة كما قال عليه السّلام: و اللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة الهيّة و نعم ما اشار إليه العارف الرومي:
- اين چراغ شمس كو روشن بودنز فتيله پنبه و روغن بود
- سقف گردون كانچنين دائم بودنز طناب و استنى قائم بود
- قوّت جبريل از مطبخ نبودبود از ديدار خلّاق ودود
- همچنين اين قوّت ابدال حقهم ز حق دان نز طعام و از طبق
- جسمشان را هم ز نور اسرشته اندتا ز روح و از ملك بگذشته اند
على انه عليه السّلام في بعضها يعلّم فنون الحرب و في بعضها قانون تعبية العسكر و في بعضها وظيفة المجاهد قبال الخصم من الأفعال و الأقوال لارشاده و هدايته و في بعضها وظيفته قباله للحراب و القتال كقوله عليه السّلام: انه تعالى يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا كانّهم بنيان مرصوص فقدّموا الدارع و أخّروا الحاسر و عضّوا على الأضراس فانّه أنبا للسيوف على الهام و التووا في أطراف الرماح فإنّه أمور للأسنة و غضوا الأبصار فانّه أربط للجاش و أسكن للقلوب و أميتوا الأصوات فانّه أطرد للفشل و أولى بالوقار. و رايتكم فلا تميلوها و لا تخلّوها و لا تجعلوها إلّا في أيدي شجعانكم فانّ المانعين للذمار و الصّابرين على نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتهم و يكشفونها رحم اللّه امرء منكم آسا أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك لائمة و يأتي به دنائة و لا تعرضوا لمقت اللّه و لا تفروا من الموت فانّ اللّه سبحانه تعالى يقول: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا و أيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الاخرة فاستعينوا بالصبر و الصّلاة و الصدق في النية فان اللّه تعالى بعد الصبر ينزل النصر.
و لو تعرضنا لكلماته عليه السّلام في الجهاد و المجاهد لكثر بنا الخطب فالأولى بنا الان أن نثنى القلم على تفسير جمل كلامه هذا عليه السّلام.
قوله عليه السّلام: (و اللّه مستأديكم شكره) أى إن اللّه تعالى طالب منكم أداء شكره على نعمه و القيام به كما أمر به في مواضع كثيرة من كتابه كقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ (البقرة- 168) و قوله تعالى وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ (البقرة- 148) و قوله تعالى: وَ اشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (النحل- 116) و غيرها من الايات.
ثمّ انّ ههنا كلاما و هو ان كلامه عليه السّلام يكون في حثّ أصحابه على الجهاد و أى ارتباط لقوله عليه السّلام «و اللّه مستأديكم شكره» بالجهاد الجواب أنّ أداء الشكر بازاء نعمته إنما هو باختلاف النعم و موارده فكما أنّ التوبة عن المعاصي مثلا ليست التكلّم بالاستغفار أو تبت و أمثالهما بل التوبة على الغصب انّما هي ردّ مال الغير إليه و العزم على تركه في الاستقبال و التوبة على ترك الصّلاة قضاؤها كذلك و هكذا في كلّ معصية كانت التوبة بحسبها، كذلك شكر النعمة انما يكون بحسبها فقد يكفى التكلم بألحمد للّه مثلا في أداء الشكر بإزاء نعمة و لما كان دين اللّه و كتابه الحاوى لسعادة الدارين و الداعي إلى الخير و الهدى من أعظم نعمه فمن كفر بهذه النعمة العظمى فقد خسر خسرانا مبينا و عدم الكفران بها و أداء الشكر لها أن يتنعّم بها و يحفظها و يمنعها من كيد الأجانب و سبيله الجهاد فاللّه يطالب أداء شكره بإزاء هذه النعمة الكبرى أى الجهاد في سبيله لحفظ الدين و رفع كيد المعاندين.
و الحمد للّه ربّ العالمين.
قوله عليه السّلام: (و مورّثكم أمره) أمره تعالى هو سلطانه و دولته الحقة في الأرض يورثه عباده الصالحين و المحافظين على رعاية أمره و نهيه من اقامة الصّلاة و أداء الزكاة و القيام بالجهاد و غيرها من الفرائض و الانتهاء مما نهى و حرّم قال: عزّ من قائل: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران- 134) و قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ الاية (النور- 55) و قوله تعالى: وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها الاية (الأحزاب- 28). و قوله تعالى: فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمّد- 38).
ثمّ انّ كلامه عليه السّلام هذا يشير أيضا إلى أن أمر الدولة سيرجع إليكم و يزول أمر بني اميّة كما أفاد الفاضل الشارح المعتزلي.
قوله عليه السّلام: (و ممهلكم في مضمار ممدود لتتنازعوا سبقه) و في بعض النسخ في مضمار محدود و كلاهما حقّ فان المضمار الممدود اى العمر محدود لا محالة وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ (النحل- 64).
شبّه عليه السّلام الاجال المقدّرة التي ضربت للناس أعنى مدّة حياتهم بالمضمار للخيل لغاية السبق فان الدّنيا متجر أولياء اللّه و مكسب الصلحاء ليس للانسان إلا أن يسارع إلى مغفرة من ربّه و يسابق غيره في الاتصاف بالأوصاف الالهيّة و التخلق بالأخلاق الربّانيّة حتّى يتقرب إلى حضرته جلّ و علا، فان تلك الغاية القصوى هي سبق السالكين و منتهى رغبة الراغبين.
ثمّ لما كان كلامه عليه السّلام في الحثّ على الجهاد فلا بدّ أن يكون دالّا على فضل المجاهدين خاصّة فيحرصهم بالمنافسة في سبق مضمار القتال و هو الجنّة و الراضون و الغفران و الحياة الطيبة و العيش الرغد، و قال عليه السّلام في بعض خطبه الماضية في تحضيضه على القتال: معاشر المسلمين إن اللّه قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم و تشفى بكم على الخير العظيم: الايمان باللّه و برسوله و الجهاد في سبيله و جعل ثوابه مغفرة الذنب و مساكن طيبة في جنات عدن. إلى آخر ما قال.
و كذا قال عليه السّلام في (الخطبة 27): أمّا بعد فانّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه اللّه لخاصّة أوليائه. إلى آخرها.
و قال عزّ من قائل: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران- 166).
قوله عليه السّلام: (فشدوا عقد المازر) عقد الإزار كناية عن الجدّ و التشمير يقال: فلان شدّ عقد إزاره أو كشف عن ساقيه أو شمّر عن ساقيه أو شمّر ذيله إذا تهيأ لأمر هائل و خطب عظيم و فظيع لأنّ من عادة النّاس أن يشدّوا عقد إزارهم أو يشمّروا عن سوقهم و ذيولهم و يقلصوا أكمامهم عند الأمور الصعبة لأن الشدّ و التشمير عندها أمكن للقراع و الدفاع فانّ من شدّ عقد الإزار أمن من انحلاله و لا يشغله عما هو بصدده فيمضى في عمله غير خائف على انه كان أسرع للمشى و أبعد عن العثار كما إذا شد وضين الابل و الخيل و نحوهما أمن القتب أو الهودج أو السرج و أمثالها و من عليها من الاضطراب بخلاف إذا كان قلقا. و قالت العوراء ابنة سبيع (الحماسة 395).
- طيّان طاوى الكشح لايرخى لمظلمة إزاره
تريد انه عقد الإزار شديدا إذا نابته النوائب لا يرخى إزاره، و كذا من شمّر ذيله قال قيس بن زهير بن جذيمة العبسي:
- و إذا شمّرت لك عن ساقهافويها ربيع فلا تسأم
و قال الاخر:
- قد شمرت عن ساقها فشدّواو جدّت الحرب بكم فجدّوا
و كذا يقال لأمر هائل اشتدّ أنه شمّر أو شمّر عن ساقيه. قال الشّاعر (الحماسة 640).
- و مستعجل بالحرب و السلم حظهفلمّا استثيرت كلّ عنها محافره
- و حارب فيها بامرى ء حين شمّرتمن القوم معجاز لئيم مكاسره
أى حين شمّرت و كشفت الحرب عن ساقيها. و في الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (ص 129 طبع مصر 1318 ه) ممّا سأل نافع بن الأرزق ابن عباس انّه قال له: اخبرني عن قوله تعالى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: عن شدّة الاخرة أما سمعت قول الشاعر قد قامت الحرب بنا عن ساق.
قوله عليه السّلام: (و اطووا فضول الخواصر) الظاهر و الأنسب في المقام أن مراده عليه السّلام من هذه الجملة كالّتي سبقتها ارشاد إلى الجدّ و التهيأ للقتال فان لثياب العرب سعة فاضلة فاذا طووا فضول الخواصر عليها و قلّصوا الذيول كان القتال و المشى لهم أهون و أمكن فان الفضول تمنع عن الجلد و الاسراع و تعوق عن السبق و الحراك. و هذا المعنى يقال بالفارسية: ميان بستن، كمر بستن و امثالهما قال المسعود بن سعد بن سلمان في مدح سيف الدولة:
- بربسته ميان و در زده ناوكبگشاده عنان و درچده دامن
أو أنّ مراده عليه السّلام أن ما طال من الثياب التفّوه و اطووه على الخاصرة و ذلك لأنّ من شرع بجدّ و اجتهاد في عمل يطوى ما فضل من إزاره طولا و يلتفّ بقدميه على خاصرته و يجعله محكما فيها لئلا يمنعها عن المشى و الجد و السراع كما يقال بالفارسية: دامن بكمر زد و دامن درچيده و كأنّما أراد هذا المعنى من قال: قوله عليه السّلام و اطووا فضول الخواصر أى ما فضل من مازركم يلتفّ على اقدامكم فاطووه حتّى تخفوا في العمل و لا يعوقكم شي ء عن الاسراع في عملكم.
و بالجملة على الوجه الأوّل طىّ ما فضل و زاد من الثياب عرضا و سعة على الخاصرة و على الثاني طيّ ما فضل و زاد طولا عليها.
و يمكن أن يجعل الأمر بطىّ فضول الخواصر كناية عن النهى عن كثرة الأكل لأنّ الكثير الأكل لا يطوى فضول خواصره لامتلائها بل يملئها، و القليل الأكل يأكل في بعضها و يطوى بعضها على أن البطنة تذهب الفطنة و تمنع عن الحملة على الفتنة و كانت العرب عند الحرب تمسك عن الأكل و الشبع لذلك و كثيرا ما يوجد في اشعارهم و امثالهم مدح خميص البطن، يابس الجنبين، منضم الضلوع، متقارب الجنبين، أهضم، طاوى الكشح، مطوىّ الكشح و الجنب، طيّان، صغير البطن، مهضوم الجنبين. قليل الطعم، طىّ البطن، ضامر البطن و نظائرها الكثيرة المتقاربة المعنى كما يوجد في أمثال الفرس و أشعارهم مما لا يحصى كثرة قال السعدى:
- اسب لاغر ميان بكار آيدروز ميدان نه گاو پروارى
و ذهب إلى هذا المعنى الشارح الفاضل المعتزلي و اتى بثلاثة أبيات شاهدا حيث قال: قال الشاعر:
- كلوا في بعض بطنكم و عفّوافان زمانكم زمن خميص
و قال أعشى باهلة:
- طاوى المصير على العزا متصلتبالقوم ليلة لا ماء و لا شجر
و قال الشقرى:
- و اطوى على الخمص الحوايا كما انطوتخيوطة ما ريّ تغار و تفتل
و ذهب الشارح الفاضل البحراني إلى أنّ طىّ فضول الخواصر كناية عن الأمر بترك ما يفضل من متاع الدّنيا على قدر الحاجة من ألوان الطعوم و الملابس و سائر قينات الدنيا و أصله أن للخواصر و البطون احتمال أن يتسع لما فوق قدر الحاجة من المأكول فذلك القدر المتسع لما فوق الحاجة هو فضول الخواصر و كنّى بطيّها عمّا ذكرناه من لوازم ذلك الطىّ ترك تلك الفضول. انتهى.
أقول: بيان البحراني رحمه اللّه و إن كان له مناسبة مّا بالجهاد فإنّ المجاهد يعرض عن نفسه و الدّنيا و ما فيها لكن إرادة هذا المعنى من قوله عليه السّلام لا يخلو من تكلف بل بعيد جدّا غاية البعد و إلّا فإن من كلام إلّا و له مناسبات بعيدة و ملازمات غريبة و الصواب أن يفسّر قوله عليه السّلام الاتي «لا تجتمع عزيمة و وليمة» بهذا المعنى أو قريب منه. و لو قيل: فليكن هذه الجملة التالية قرينة على ارادة ذلك المعنى من الأولى ردّ بلزومه التكرار و التأسيس خير منه و لو كان تأكيدا. فتأمّل.
قوله عليه السّلام: (لا تجتمع عزيمة و وليمة) أى من اهتمّ بأمر و اراد ارادة جازمة على تحصيله و اقتنائه لابدّ أن يغضى عينه عن اللّذات و الدّعة و خفض العيش فكنى بالوليمة عنها كما مضى و لا تقتنى الفضائل النفيسة إلّا بالكفّ عن اللّذائذ النفسيّة و لا تنال درجات الكمال إلّا بمقاساة الشدائد و ركوب الأهوال و نعم ما قال المتنبّي:
- لو لا المشقة ساد النّاس كلّهمفالجود يفقر و الإقدام قتّال
قال اللّه تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
قوله عليه السّلام: (ما أنقض النوم لعزائم اليوم): هذه الجملة و الّتي تليها بصيغة التعجب و هما تؤكّدان الأولى و المراد واحد أى أن الاشتغال بالمشتهيات الدنيّة البدنيّة يثبط الانسان عن الوصول إلى المقامات العالية. فان من عزم على أمر في اليوم فنام لم ينجح بالمراد فيكون نوم يومه ناقض روم يومه. أو إذا عزم في اليوم على أمر يفعله في اللّيل أو في الغد باكرا و نام في اللّيل لم يظفر بالحاجة كالمسافر مثلا إذا أراد في اليوم أن يسير مسافة طويلة تلازم الأقدام بها بكرة حتّى ينال المطلوب فنام و لم يباكر لم يفز به و ما اجاد قول السعدي بالفارسية:
- خواب نوشين بامداد رحيلباز دارد پياده را ز سبيل
قوله عليه السّلام: (و أمحى الظلم لتذاكير الهمم). لأن من اهتم في اليوم مثلا بعمل في اللّيل و إذا جاء اللّيل غلبه النوم تمحو الظلمة أى يمحو نوم الليل ذلك التذكار. قال المتنبي:
- بقدر الكدّ تكتسب المعاليو من طلب العلى سهر اللّيالي
- تروم العزّ ثم تنام ليلايغوص البحر من طلب اللّئالي
|