و كان يقول عليه السّلام اذا لقى العدو محاربا
هذا هو المختار الخامس عشر من باب المختار من كتبه عليه السّلام أللّهمّ إليك أفضت القلوب، و مدّت الأعناق، و شخصت الأبصار و نقلت الأقدام، و أنضيت الأبدان. أللّهمّ قد صرّح مكنون (مكتوم- معا) الشّنان، و جاشت مراجل الأضغان. أللّهمّ إنّا نشكوا إليك غيبة نبيّنا، و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا. ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين.
مصادره و اسناده بطرق عديدة و مدارك نقله بصور اخرى ممن كانوا قبل الرضى.
رواه نصر بن مزاحم المنقري في صفين بإسناده عن عمرو بن شمر، عن جابر ابن نمير الأنصاري (ص 256 من الطبع الناصري) و في نقله زيادة لم يأت بها الرضيّ في النهج و قد نقلنا نسخة نصر كاملة في شرح المختار 236 من باب الخطب (ص 326 ج 15) فلا حاجة إلى نقلها ثانية.
و رواه الشيخ الأجلّ المفيد عن الواقدي في الجمل (ص 165 من طبع النجف) و قد نقلنا نسخته في شرح المختار الثّاني من باب المختار من كتبه و رسائله (ص 55 ج 17).
و رواه نصر بن مزاحم على وجوه اخرى تقرب ممّا سبق ذكره في كتاب صفين أيضا بطرق عديدة (ص 118 و 119 من الطبع الناصري) و هي كمايلي: نصر، قيس بن الربيع، عن عبد الواحد بن حسان العجليّ، عمّن حدّثه، عن عليّ عليه السّلام أنّه سمع يقول يوم صفين: اللّهمّ إليك رفعت الأبصار، و بسطت الأيدي، و دعت الألسن، و أفضت القلوب، و تحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا و بينهم بالحقّ و أنت خير الفاتحين، اللّهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا، و قلّة عددنا، و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، و شدّة الزّمان، و ظهور الفتن، أعنّا عليهم بفتح تعجّله، و نصر تعزّ به سلطان الحقّ و تظهره.
نصر، عمرو بن شمر، عن عمران، عن سويد قال: كان عليّ عليه السّلام إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابّته و قال: الحمد للّه ربّ العالمين على نعمه علينا و فضله العظيم، سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا منقلبون. ثمّ يوجّه دابّته إلى القبلة ثمّ يرفع يديه إلى السماء ثمّ يقول: اللّهمّ إليك نقلت الأقدام، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و شخصت الأبصار، نشكو إليك غيبة نبيّنا، و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ، و أنت خير الفاتحين، سيروا على بركة اللّه، ثمّ يورد و اللّه من اتّبعه حياض الموت.
نصر، عمرو بن شمر، عن جابر، عن تميم قال: كان عليّ إذا سار إلى القتال ذكر اسم اللّه حين يركب ثمّ يقول: الحمد اللّه على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون، ثمّ يستقبل القبلة و يرفع يديه إلى اللّه ثمّ يقول: اللّهمّ إليك نقلت الأقدام، و اتعبت الأبدان، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و شخصت الأبصار، ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين، سيروا على بركة اللّه، ثمّ يقول: اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر يا اللّه يا أحد يا صمد يا ربّ محمّد بسم اللّه الرّحمن الرحيم لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم إيّاك نعبد و إيّاك نستعين اللّهم كفّ عنّا بأس الظالمين فكان هذا شعاره بصفّين رضي اللّه عنه.
أقول: ما نقلنا عن كتاب صفّين لنصر منقول في البحار أيضا (ص 101 ج 21، و ص 628 ج 8 من الطبع الكمباني).
و قال السيّد عليّ بن طاوس قدّس سرّه في مهج الدعوات (ص 138 طبع ايران 1329 ه) نقلا عن كتاب صفين لعبد العزيز الجلودي الأزدي البصري المتوفّى سنة 332 ه: كان عليّ عليه السّلام إذا سار إلى القتال ذكر اسم اللّه حين يركب و لما قعد على دابّته قال: سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون الحمد للّه على نعمه علينا و فضله العظيم عندنا، ثمّ استقبل القبلة و رفع يديه و قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم اللّهمّ إيّاك نعبد و إيّاك نستعين يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا أحد يا صمد يا إله محمّد إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب، و شخصت الأبصار، و مدّت الأعناق، و طلبت الحوائج، و رفعت الأيدي، اللّهمّ افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين، ثمّ قال: لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر، ثلاثا.
اللغة
«أفضت» بسكون الفاء من الإفضاء، أفضى فلان إلى فلان: وصل إليه، و حقيقته أنّه صار في فضائه أي في ساحته، و في القرآن الكريم: وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (النساء- 26). قال الشيخ الجليل أبو عليّ في تفسير المجمع: الإفضاء إلى الشي ء الوصول إليه بالملامسة و أصله من الفضاء و هو السعة.
و قال المرزوقيّ في شرح الحماسة 249 لعديل بن الفرخ العجليّ:
- فاوصيكما يا ابنى نزار فتابعاوصيّة مفضي النّصح و الصّدق و الودّ
أفضى إلى فلان سرّه، أو بسرّه: أعلمه به.
و قال في منتهى الأرب: الإفضاء راز را با كسى در ميان آوردن.
و كلمة أفضت في نسخة خطية من النهج، و كذا في بعض روايات كتاب صفّين لنصر مشكولة بفتح الفاء و هي و هم و الصواب ما بينّاه.
«شخصت الأبصار» أي ارتفعت أجفانها ناظرة إلى عفوك و رحمتك و في رواية من كتاب نصر: اللّهمّ إليك رفعت الأبصار و في رواية اخرى: و رفعت الأيدي و شخصت الأبصار، كما تقدّمت، و قد مرّ البحث عن معنى كلمة شخص في شرح المختار الثالث من باب الكتب و الرسائل (ص 111 ج 17).
«و نقلت الأقدام» بالنّون، و في رواية من كتاب صفين (ص 256 من الطبع الناصري و قد ذكرناها في شرح المختار 236 من باب الخطب ص 326 ج 15) ثقلت بالثاء المثلّثة و لكنها محرّفة لأنّها لا تناسب اسلوب العبارة في المقام على أنّها لا تفيد معنى صحيحا، إلّا أن يتكلف في تأويلها غاية التكلّف.
«انضيت الأبدان» أي هزلت، ناقص واوي، قال عارق الطّائي (الحماسة 615):
- من مبلغ عمرو بن هند رسالةإذا استحقبتها العيس تنضى من البعد
و قال ابن الأثير في النهاية: في الحديث أنّ المؤمن لينضى شيطانه كما ينضى أحدكم بعيره أي يهزله و يجعله نضوا، و النضوا الدابّة الّتي أهزلتها الأسفار و أذهبت لحمها. و منه حديث عليّ عليه السّلام كلمات لور كبتم فيهنّ المطيّ لأنضيتموهنّ، و حديث ابن عبد العزيز انضيتم الظهر أي هزلتموه.
«قد صرّح مكنون الشنان» قوله عليه السّلام: اللّهمّ قد صرّح- إلى قوله: مراجل الأضغان، ليس بمذكور في النسخ الأربع الّتي رواها نصر في صفين، و كذا في النسخة الّتي رواها المفيد في الجمل عن الواقدي.
ثمّ إنّ كلمة صرّح في بعض النسخ مشكولة بضمّ الصّاد و كسر الرّاء المشدّدة و في بعضها بفتح الصاد و ضمّ الراء المخفّفة، و في نسخة مخطوطة عندنا قوبلت بنسخة الرضي بفتح الصاد و فتح الرّاء المشدّدة و هذا هو الحق، يقال: صرّح الحقّ عن محضه أي كشف عن خالصه، مثل في ظهور الأمر غبّ استتاره، و في صحاح الجوهريّ: و في المثل صرّح الحقّ عن محضه أي انكشف.
و في أساس البلاغة للزّمخشري: صرّحت الخمرة: ذهب عنها الزّبد و صرّح النّهار ذهب سحابه و أضاءت شمسه، قال الطّرمّاح في صفة ذئب.
- إذا امتلّ يعدو قلت ظلّ طخاءةذرى الريح في أعقاب يوم مصرّح
- فلمّا صرّح الشرّفأمسى و هو عريان
دنّاهم كما دانوا
و قال المرزوقيّ في الشرح: يقال: صرّح الشي ء إذا كشف عنه و أظهره، و صرّح هو إذا انكشف، و مثله بيّن الشي ء و بيّن هو أي تبيّن، و في المثل «قد بيّن الصّبح لذي عينين» و فعّل بمعنى تفعّل واسع، يقال وجّه بمعنى توجّه، و قدّم بمعنى تقدّم، و نبّه بمعنى تنبّه، و نكّب بمعنى تنكّب. انتهى ما أوردنا من نقل كلامه.
و قرئ في النسخة الّتي عورضت على نسخة الرضيّ مكنون و مكتوم معا، و معنى أحدهما قريب من الاخر أي المخفي و المستور و المغطّى و نظائرها يقال: كنّ الشي ء من باب نصر إذا ستره في كنّه و أخفاه و غطّاه، و اليكنّ وقاء كلّ شي ء و ستره، و كتم الشي ء من باب نصر أيضا أخفاه و الشنان: العداوة و البغضاء.
«جاشت مراجل الأضغان» جاشت أي غلت، و المراجل القدور جمع المرجل بمعنى القدر اسم آلة على وزن مفعل، و الأضعان: الأحقاد جمع الضغن.
قال ابن الأثير في النهاية: يقال: فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما، و الفاتح الحاكم. و في تفسيري المجمع و غرائب القرآن أنّ ابن عبّاس قال: ما كنت أدرى ما الفتح حتّى سمعت بنت سيف بن ذي يزن و قد جرى بيني و بينها كلام فقالت: انطلق افاتحك القاضي أي احاكمك إليه.
و في المفردات للراغب: فتح القضيّة فتاحا فصل الأمر فيها و أزال الاغلاق عنها قال تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا- إلخ و منه الفتّاح العليم، قال الشاعر: و إنّي من فتاحتكم غنيّ. و قيل: الفتاحة بالضمّ و الفتح. انتهى.
و قد قال عليه السّلام في الخطبة الّتي خطب بها الناس و رواها الكلينيّ في الكافي (ص 11 ج 14 من الوافي): اللّهمّ فاحكم بيننا بالحقّ و أنت خير الحاكمين.
و كذا في خبر دعائم الإسلام الاتي ذكره.
الاعراب
«إليك» ظرف لغو متعلّق بكلّ واحد من الأفعال الخمسة قدّم توسّعا للظرف و جاز أن يكون لقوله أفضت مفعول محذوف و التقدير اللّهمّ إليك أفضت القلوب سرّها أو بسرّها، كما علم في بيان اللّغة.
«مكنون» أو «مكتوم» مرفوع فاعل لقوله صرّح و قد دريت في بيان اللّغة أن فعّل بمعنى تفعّل واسع في لغة العرب، و «مراجل» فاعل لقوله جاشت.
«غيبة» منصوبة على المفعوليّة لقوله نشكو. و كلّ واحد من كثرة و تشتّت منصوب معطوف عليها.
المعنى
قد تظافرت روايات في أنّهم عليهم السّلام كثيرا ما كانوا يدعون بأدعية إذا لقوا العدوّ محاربا، و كذا عند إرادة القتال كانوا يدعون بأدعية، كما كانوا يوصون عساكرهم بكلمات من تقوى اللّه، و إماتة الباطل، و إحياء معالم الدّين و الوفاء بالأمان، و دعوة الأعداء إلى الدّين قبل الشروع بالقتال، و عدم الابتداء بالقتال و تعاهد الصلاة و الحفظ عليها، و الخلوص في الجهاد، و عدم التعرض بالنساء، و حفظ أعراض الناس، و تعليم آداب الجهاد و الترغيب فيه و غيرها ممّا لا بدّ للمجاهد في سبيل اللّه من مراعاتها و المحافظة عليها.
قال ابن قتيبة الدينوريّ في كتاب الحرب من عيون الأخبار (ص 123 ج 1 طبع مصر): حدّثني محمّد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية عن أبي إسحاق، عن أبي رجاء قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يقول إذا اشتدّت حلقة البلاء و كانت الضيقة: «تضيّقى تفرّجي» ثمّ يرفع يديه فيقول: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، اللّهمّ إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، اللّهمّ كفّ عنّا بأس الّذين كفروا إنّك أشدّ بأسا و أشدّ تنكيلا فما يخفض يديه المباركتين حتّى ينزل اللّه النصر.
قال: و حدّثني محمّد بن عبيد، عن معاوية، عن أبي إسحاق، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي نصر مولى عمرو بن عبيد اللّه و كان كاتبا له قال: كتب عبد اللّه بن أبي أوفى حين خرج إلى الحروريّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في بعض أيّامه الّتي لقى فيها العدوّ انتظر حتّى مالت الشمس ثمّ قام في النّاس فقال: لا تتمنّوا لقاء العدوّ و اسألوا اللّه العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا و اصبروا و اعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف ثمّ قال: اللّهمّ منزل الكتاب و مجري السحاب و هازم الأحزاب اهزمهم و انصرنا عليهم.
قال: و قال أبو النضر: و بلغنا أنّه دعا في مثل ذلك فقال: اللّهمّ أنت ربّنا و ربّهم و هم عبيدك و نحن عبيدك و نواصينا و نواصيهم بيدك فاهزمهم و انصرنا عليهم.
و قال ابن هشام في السيرة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لمّا اشرف على خيبر قال لأصحابه: قفوا ثمّ قال: اللّهمّ ربّ السماوات و ما أظللن- إلى آخر ما نقلنا عنه في شرح المختار الثاني من باب كتبه عليه السّلام (ص 50 ج 17) قال ابن هشام: و كان صلّى اللّه عليه و اله يقولها لكلّ قرية دخلها.
و قال المسعودي في مروج الذهب (ص 8 ج 2 طبع مصر) إنّ عليّا عليه السّلام لمّا خرج مع عسكره من مدينة الرسول إلى البصرة فساروا حتّى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية صلّى أربع ركعات و عفّر خديّه على التربة و قد خالط ذلك دموعه ثمّ رفع يديه يدعو: اللّهمّ ربّ السماوات و ما أظلّت إلى آخر ما نقلنا عنه في (ص 50 ج 17) أيضا، و قد بيّنا هناك أنّ كلامه هذا ليس بمذكور في النهج بما ذكرناه هناك فراجع.
و في الباب التاسع عشر من كتاب الجهاد من الجامع الكافي للكلينيّ قدّس سرّه عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن ابن القدّاح، عن أبيه الميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان إذا أراد القتال قال هذه الدعوات: اللّهمّ إنّك أعلمت سبيلا من سبيلك جعلت فيه رضاك، و ندبت إليه أولياءك، و جعلته أشرف سبيلك عندك ثوابا، و أكرمها لديك مابا، و أحبّها إليك مسلكا، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليك حقّا فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ثمّ وفي لك ببيعه الّذي بايعك عليه غير ناكث و لا ناقض عهدا و لا مبدّلا تبديلا بل استيجابا لمحبّتك و تقرّبا به إليك فاجعله خاتمة عملي و صيّر فيه فناء عمري و ارزقني فيه لك به مشهدا توجب لي به منك الرضا، و تحطّ به عنّي الخطايا، و تجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة و العصاة تحت لواء الحقّ و راية الهدى ماضيا على نصرتهم قدما غير مولّ دبرا، و لا محدث شكّا، اللّهمّ و أعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال، و من الضعف عند مساورة الأبطال، و من الذنب المحبط للأعمال فأحجم من شكّ أو أمضى بغير يقين فيكون سعيي في تباب و عملي غير مقبول.
أقول: و كلامه هذا أيضا ليس بمذكور في النهج.
و في الباب السادس و الأربعين من كتاب الجهاد من مستدرك الوسائل: صاحب الدعائم في شرح الأخبار عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال: لمّا توافق النّاس يوم الجمل خرج عليّ عليه السّلام حتّى وقف بين الصفّين ثمّ رفع يده نحو السماء ثمّ قال: يا خير من أفضت إليه القلوب، و دعي بالألسن، يا حسن البلاء، يا جزيل العطاء احكم بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الحاكمين.
و في كتاب صفّين لنصر (ص 118 من الطبع الناصري): الأبيض بن الأغرّ عن سعد بن طريف، عن الأصبغ قال: ما كان عليّ في قتال قطّ إلّا نادى يا كهيعص.
ثمّ قال نصر: فحدّثني مالك بن أعين، عن زيد بن وهب أنّ عليّا خرج إليهم فاستقبلوه فقال: اللّهم ربّ السقف المحفوظ المكفوف- إلى آخر ما نقلناه عن أبي جعفر الطبري في شرح المختار 236 من باب الخطب (ص 255 ج 15) و أتى به الرضيّ في النهج و هو المختار 169 من باب الخطب و بين النسخ الثلاث اختلاف في الجملة.
و في مهج الدّعوات لسيّد بن طاوس (ص 136 طبع ايران 1329 ه) أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام دعا في يوم الجمل- و يروى أنّه دعا بهذا الدّعاء يوم الجمل قبل الواقعة: اللّهمّ إنّي أحمدك و أنت للحمد أهل على حسن صنعك إلىّ و تعطّفك عليّ و على ما وصلتني به من نورك و تداركتني به من رحمتك و أسبغت عليّ من نعمتك فقد اصطنعت عندي يا مولاي ما يحقّ لك به جهدي و شكري لحسن عفوك و بلائك القديم عندي، و تظاهر نعمائك عليّ، و تتابع أياديك لديّ، لم أبلغ إحراز حظّي و لاصلاح (إصلاح- خ ل) نفسي و لكنّك يا مولاي بدأتني أولا باحسانك فهديتني لدينك، و عرّفتني نفسك، ثبّتّني في اموري كلّها بالكفاية، و الصّنع لي، فصرفت عنّي جهد البلاء، و منعت منّي محذور الأشياء (القضاء- خ ل) فلست أذكر منك إلّا جميلا، و لم أرمنك إلّا تفضيلا.
يا إلهي كم من بلاء و جهد صرفته عنّي و أريتنيه في غيري، فكم (و كم- خ ل) من نعمة أقررت بها عيني، و كم من صنيعة شريفة لك عندي.
إلهي أنت الّذي تجيب عند (في- خ ل) الاضطرار دعوتي، و أنت الّذي تنفّس عند الغموم كربتي، و أنت الّذي تأخذ لي من الأعداء بظلامتي، فما وجدتك و لا أجدك بعيدا منّي حين اريدك، و لا منقبضا عنّي حين أسألك، و لا معرضا عنّي حين أدعوك.
فأنت إلهي أجد صنيعك عندي محمودا، و حسن بلائك عندي موجودا، و جميع أفعالك عندي جميلا، يحمدك لساني و عقلي و جوارحي و جميع ما أقلّت الأرض منّي.
يا مولاي أسألك بنورك الّذي اشتققته من عظمتك، و عظمتك الّتي اشتققتها من مشيّتك، و أسألك باسمك الّذي علا أن تمنّ عليّ بواجب شكري نعمتك.
ربّ ما أحرصني على ما زهّدتني فيه و حثثتني عليه إن لم تعنّي على دنياي بزهد و على آخرتي بتقواى هلكت.
ربّ دعتني دواعي الدّنيا من حرث النساء و البنين فأجبتها سريعا، و ركنت إليها طائعا، و دعتني دواعي الاخرة من الزهد و الاجتهاد فكبوت لها، و لم اسارع إليها مسارعتي إلى الحطام الهامد، و الهشيم البائد، و السّراب الذاهب عن قليل.
ربّ خوّفتني و شوّقتني و احتجبت عليّ فما خفتك حقّ خوفك و أخاف أن أكون قد تثبّطت عن السعي لك، و تهاونت بشي ء من احتجابك (احتجاجك- خ ل).
اللهمّ فاجعل في هذه الدّنيا سعيي لك و في طاعتك، و املأ قلبي خوفك، و حوّل تثبيطي و تهاوني و تفريطي، و كلّما أخافه من نفسي فرقا منك، و صبرا على طاعتك، و عملا به يا ذا الجلال و الإكرام، و اجعل جنّتي من الخطايا حصينة، و حسناتي مضاعفة فانّك تضاعف لمن تشاء.
اللّهمّ اجعل درجاتي في الجنان رفيعة، و أعوذ بك ربّي من رفيع المطعم و المشرب، و أعوذ بك من شرّ ما أعلم و من شرّ ما لا أعلم، و أعوذ بك من الفواحش كلّها ما ظهر منها و ما بطن، و أعوذ بك ربّي أن أشترى الجهل بالعلم كما اشترى غيري أو السفه بالحلم، أو الجزع بالصبر، أو الضلالة بالهدى، أو الكفر بالايمان، يا ربّ منّ عليّ بذلك فإنّك تتولّى (تولّى- خ ل) الصالحين و لا تضيع أجر المحسنين و الحمد للّه ربّ العالمين.
أقول: و إنّما نقلنا الدّعاء بطوله لأنه من الأدعيّة العالية المضامين كما لا يخفى على المتأمّل و لم يأت به الرضيّ في النهج، و كم من أدعيّة له عليه السّلام و قد بلغت في الفصاحة و البلاغة درجة رفيعة و مرتبة منيعة غير مذكورة في النهج.
و في الباب 46 من كتاب الجهاد من مستدرك الوسائل نقلا عن الجعفريات: أخبرنا عبد اللّه بن محمّد قال: أخبرنا محمّد بن محمّد قال: حدّثني موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إذا لقى العدوّ عبّى الرجال و عبّى الخيل، و عبّى الإبل ثمّ يقول: اللّهمّ أنت عصمتي و ناصري و مانعي اللّهمّ بك أصول و بك اقاتل.
قال: و بهذا الإسناد عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: لمّا كان يوم خيبر بارزت مرحبا، فقلت ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله علّمني أن أقوله: اللّهمّ انصرني و لا تنصر عليّ، اللّهمّ اغلب لي و لا تغلب عليّ، اللّهمّ تولّني و لا تولّ عليّ، اللّهمّ اجعلني لك ذاكرا لك شاكرا لك راهبا لك منيبا مطيعا أقتل أعداءك فقتلت مرحبا يومئذ و تركت سلبه و كنت أقتل و لا آخذ السلب.
قال: و بهذا الإسناد عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دعا يوم الأحزاب: اللّهمّ منزل الكتاب منشر السحاب واضع الميزان أهزم الأحزاب عنّا و ذلّلهم، و في نسخة: و زلزلهم.
و قال المفيد رحمه اللّه في الإرشاد: (ص 217 طبع طهران 1377 ه) روي عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام أنّه قال: لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين عليه السّلام رفع يديه و قال: اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، و أنت رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت فيه العدوّ أنزلته بك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته عنّي و كشفته فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة.
و قد قال الشيخ قدّس سرّه إنّ أبا القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال: حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر، عن رجل، عن ابن أبي عمير، عن حفص البختريّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان من دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم الأحزاب: اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب و أنت رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّةكم من كرب يضعف عنه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل عنه القريب و يشمت به العدوّ و تعنيني فيه الامور أنزلته بك و شكوته إليك راغبا إليك فيه عمّن سواك ففرّجته شكوته فكفيتنيه فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حاجة و منتهى كلّ رغبة لك الحمد كثيرا و لك المنّ فاضلا، انتهى. فكلام سيد الشهداء في كربلاء مقتبس من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عليه السّلام تأسّى به صلّى اللّه عليه و اله.
كما أنّ أبا عبد اللّه الصّادق عليه السّلام كان يدعو بهذا الدّعاء متأسّيا بجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد رواه السيد ابن طاوس رحمه اللّه في باب أدعية الصادق عليه السّلام من مهج الدّعوات (ص 269) و نظائر هذه الأدعيّة و الأوراد و الأذكار عن أئمّتنا الطّاهرين عليهم السّلام إذا لقوا العدوّ كثيرة و ما أتينا بها ههنا شرذمة و أنموذجة عن ما رويت عنهم عليهم السّلام و نقل طائفة منها السيد ابن طاوس في مهج الدعوات و في الجوامع الروائية كالبحار و غيرها مذكورة بإسنادها و سلسلة رواتها صفحنا عن نقلها بأسرها لئلا يفضي إلى الإسهاب.
و من كان طالب الأمر السديد و سالك النهج الرشيد يجب له أن يدين اللّه بما أوضحه حماة الدّين و يعبده على سيرة حججه الهادين المهديّين الّذين لا يرى في فعلهم غيّ و لا في منطقهم خطاء فانّهم الحكماء المؤيّدون من عند اللّه و المؤدّبون بتأديبه تعالى لا يرون في جميع أحوالهم سواء في السرّاء و الضرّاء و الشدّة و الرّخاء و العافية و البلاء إلّا اللّه تعالى، و لا يرى منهم عمل إلّا له تعالى فطوبى لمن اقتفى أثرهم و اقتدى بهديهم.
قوله عليه السّلام: «إليك أفضت القلوب- إلخ» قد ذكرنا في أبحاثنا السالفة أنّ الجهاد عبادة و أنّه من أعظم العبادات بل أنّه أشرف الأعمال بعد الإسلام كما هو نصّ ما قاله الأمير عليه السّلام (باب 15 من كتاب الجهاد من الكافي ص 337 من الطبع على الحجر). فلو كانت مشوبة بالرياء لم يتقبّل اللّه و قال عزّ من قائل: «فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا».
ثمّ عند إقبال الجهاد يمتحن الرجال و يميّز الخبيث من الطّيب فمن استعدّ له فقد انقاد المولى و ذلّ له.
و لمّا كان بين النفس و البدن ارتباط تامّ، و اتّصال كامل بحيث يتأثّر كلّ واحد منهما عن الاخر كما قدّمنا البحث عنه في شرح المختار 232 من باب الخطب (ص 53 ج 15) و أنّ قوى البدن كلّها جنود للنفس فلا جرم ينقاد البدن للنفس و يحكى أحوالها الطارية لها و إن كان سرّ الحكاية مستورا عنّا فإنّا نعلم علما يقينا أنّ الإنسان إذا تحيّر في أمر أو خجل يطرق رأسه، و إذا أدرك حقيقة و اطلع على مبهم معضل يحرّكه علوا و سفلا، و إذا أدركه كمه يحرّكه يمينا و شمالا، و إذا صدّق أمرا يؤميه إلى قدّامه و إذا أنكره يؤبيه إلى خلفه، و إذا خاف من شي ء ينقبض البدن و تقف القوى عن أعمالها إن كان خوفا شديدا، أو يدبر و يفرّ إن كان خفيفا، و إذا غضب على غيره يتسدّل حاجباه و تنقبض ناصيته و تنبسط القوى و تبطش و تقوى على حدّ تخرج الحدقتان محمّرتين و يحمرّ البدن من جهة خروج الدّم إلى ظاهر البدن وقتئذ و إذا تعجّب من أمر يخرج شفته السفلى و يرفع حاجبيه و يخرج حدقتيه، و إذا تعشق أمرا عرضت له حالة اخرى و قد يستفاد من حركات اليدين و الحاجبين و العينين و الشفتين رموز و امور لا تحصى و حالات البدن الحاكية أحوال طارية للرّوح لا تكاد تمكن أن تحرّر و إذا تأمّلت في الأحوال المختلفة العارضة للمصلّي في صلاته تنكشف لك أسرار اخرى فانّه في تكبيرة الإحرام يرفع يديه إلى حذاء شحمتي اذنه و يستقبل القبلة ببطون يديه و في قنوته يرفع يديه على وجه آخر مع ذكر خاصّ و في ركوعه يمدّ عنقه مع ذكر خاصّ و يفرّج بين أصابعه و يملا بها ركبتيه، و في سجوده يضمّها و يجعل رأسه بين كفّيه و هكذا حالاته الاخرى في الصلاة لسنا الان في مقام بيانها و نكتفي بذكر عدّة روايات رواها ثقة الإسلام الكلينيّ رحمه اللّه في الكافي و نقلها الفيض رحمه اللّه في باب الإشارات في الدّعاء من الوافي (ص 222 ج 5).
روى الكلينيّ قدّس سرّه باسناده عن أبي إسحاق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الرغبة أن تستقبل ببطن كفّيك إلى السماء، و الرهبة أن تجعل ظهر كفّيك إلى السماء و قوله: و تبتّل إليه تبتيلا قال: الدّعاء باصبع واحدة تشير بها و التضرّع تشير باصبعيك و تحرّكهما، و الابتهال رفع اليدين و تمدّهما و ذلك عند الدّمعة ثمّ ادع.
و روى عن مروك بيّاع اللؤلؤ عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ذكر الرغبة و أبرز باطن راحتيه إلى السماء و هكذا الرهبة و جعل ظهر كفّيه إلى السماء و هكذا التضرّع و حرّك أصابعه يمينا و شمالا و هكذا التّبتّل و يرفع أصابعه مرّة و يضعها مرّة و هكذا الابتهال و مدّ يديه (يده- خ ل) تلقاء وجهه إلى القبلة و لا يبتهل حتى تجري الدّمعة.
و روى بإسناده عن العلاء، عن محمّد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: مرّبيّ رجل و أنا أدعو في صلاتي بيساري فقال: يا أبا عبد اللّه بيمينك فقلت: يا عبد اللّه إنّ للّه تعالى حقّا على هذه كحقّه على هذه و قال: الرغبة تبسط يديك و تظهر باطنهما، و الرهبة تبسط يديك تظهر ظهرهما، و التضرّع تحرّك السبابة اليمنى يمينا و شمالا، و التبتّل تحرّك السبابة اليسرى ترفعها إلى السماء رسلا و تضعها، و الابتهال تبسط يدك و ذراعك إلى السماء، و الابتهال حين ترى أسباب البكاء.
و روى عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الدعاء و رفع اليدين فقال: على أربعة أوجه، أمّا التعوّذ فتستقبل القبلة بباطن كفّيك، و أمّا الدّعاء في الرزق فتبسط كفّيك و تفضي بباطنهما إلى السماء، و أمّا التبتّل فإيماؤك باصبعك السبابة، و أمّا الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك، و دعاء التضرّع أن تحرّك إصبعك السّبابة ممّا يلي وجهك و هو دعاء الخيفة.
و روى عن الخزّاز، عن محمّد قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه تعالى «فما استكانوا لربّهم و ما يتضرّعون» قال: الاستكانة هي الخضوع و التضرّع رفع اليدين و التضرّع بهما.
و روى عن محمّد و زرارة قالا: قلنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف المسألة إلى اللّه تعالى قال: تبسط كفّيك، قلنا: كيف الاستعاذة قال: تفضي بكفّيك، و التبتّل الإيماء بالإصبع، و التضرّع تحريك الاصبع، و الابتهال أن تمدّ يديك جميعا.
أقول: لمّا انجرّ كلامنا إلى هنا أقبلنا شهر رجب المرجّب من سنة ستّ و ثمانين و ثلاثمائة بعد الألف من الهجرة على هاجرها ألف تحيّة و صلاة و سلام، و قد خلت من الشّهر تسع ليال و هذه ليلة الثلثاء العاشرة منه، و تذكّرت دعاء كلّ يوم من رجب المرجّب المأثور عن الصادق عليه السّلام رواه المجلسيّ رحمه اللّه في المجلّد العشرين من البحار (ص 342 من الطبع الكمباني) قال: و من الدّعوات كلّ يوم من رجب ما ذكره الطّرازي أيضا فقال: دعاء علّمه أبو عبد اللّه عليه السّلام محمّد السجّاد و هو محمّد بن ذكوان يعرف بالسّجّاد قالوا: سجد و بكى في سجوده حتّى عمى. روى أبو الحسن عليّ بن محمّد البرسيّ رضي اللّه عنه قال: أخبرنا الحسين بن أحمد بن شيبان قال: حدّثنا حمزة بن القاسم العلويّ العبّاسي قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عمران البرقي، عن محمّد بن عليّ الهمدانيّ قال: أخبرني محمّد بن سنان، عن محمّد السجّاد في حديث طويل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك هذا رجب علّمني فيه دعاء ينفعني اللّه به، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و قل في كلّ يوم من رجب صباحا و مساء و في أعقاب صلواتك في يومك و ليلتك: «يا من أرجوه لكلّ خير، و آمن سخطه عند كلّ شرّ، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله و من لم يعرفه تحنّنا منه و رحمة أعطني بمسألتي إيّاك جميع خير الدّنيا و جميع خير الاخرة، و اصرف عنّي بمسألتي إيّاك جميع شرّ الدّنيا و شرّ الاخرة فإنّه غير منقوص ما أعطيت و زدني من فضلك يا كريم» قال: ثمّ مدّ أبو عبد اللّه عليه السّلام يده اليسري فقبض على لحيته و دعا بهذا الدّعاء و هو يلوذ بسبّابته اليمنى ثمّ قال بعد ذلك: «يا ذا الجلال و الاكرام يا ذا المنّ و الطّول حرّم شيبتى على النّار» و في حديث آخر ثمّ وضع يده على لحيته و لم يرفعها إلّا و قد امتلى ظهر كفّه دموعا.
انتهى.
فإنّ في قوله: و هو يلوذ بسبّابته اليمنى إشارة إلى التبتّل و التضرّع و الالتجاء بتحريكها ففي النهاية الأثيريّة يقال: لاذ به يلوذ إذا التجأ إليه و انضمّ و استغاث. و قال الطّريحي في المجمع: و قوله: و تلوذ بسبّابتك أي تتضرّع بسبّابتك بتحريكها.
ثمّ إنّ الجهاد يستلزم المتاعب من نصب السفر، و حمل الأثقال و أوزار الحرب، و سهر اللّيالي لئلّا يأتي العدوّ من مكان مخافة أو أمن و غيرها ممّا يقبل للمجاهدين على أنحاء شتّى.
و هو عليه السّلام أشار إلى الأوّل بقوله: إليك أفضت القلوب أي إنّ هذه العبادة الّتي هي أشرف الأعمال خالصة لوجهك الكريم، أو أنّها أفضت إليك بسرّها و إنّما تشكو بثّها و حزنها إليك و دخلت بفنائك و ساحتك و لا تعبد غيرك و لا تعرف إلّا إيّاك و لا تقرع إلّا بابك و قدم الظرف للحصر.
و إلى الثاني بقوله: و مدّت الأعناق و شخصت الأبصار لما دريت من أنّ قوى البدن جنود للقلب و أنّ البدن يحكي الحالات الطارية عليه فإذا أخلصت القلوب و انقادت له و طارت و وصلت إليه تمدّ الأعناق تبعا للقلوب اظهارا للمذلّة و العبوديّة و ترفع الأبصار إليها كذلك لا ترى غيرها و لا ترجو الرحمة و الفيض إلّا من عنده.
و إلى الثالث بقوله: و نقلت الأقدام و انضيت الأبدان لأنّ متاعب السفر مستلزم للكلال و الهزال، و لا يخفى لطائف كلامه عليه السّلام حيث جمع بين الافضاء و الانضاء، و كذا بين عدّة جوارح البدن.
قوله عليه السّلام: «اللّهمّ قد صرّح مكنون الشنان» بيّن عليه السّلام في كلامه هذا أنّ مقاتليه كانوا يعاندونه و يبغضونه إلّا أنّهم كانوا لا يظهرون العداوة و البغضاء لعدم استطاعتهم بالإظهار إمّا لوجود النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و إمّا لفقدانهم اعوانا و لما ارتحل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو وجدوا أعوانا أظهر و هما و سيأتي قوله عليه السّلام في المختار السادس عشر في معانديه: فو الّذي فلق الحبّة و بري ء النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه.
و قد تظافرت الاثار على أنّ شبل أسد اللّه أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام لمّا احتجّ في الطفّ على شذاذ الأحزاب و نبذة الكتاب بما احتج إلى أن انهى كلامه لهم بقوله: فبم تستحلّون دمي أجابوه بقولهم: بغضا لأبيك.
و إنّما استكنّوا في صدورهم عداوة أمير المؤمنين عليه السّلام لما رأوا منه في بدر و احد و غيرهما من المواطن و قد مضى في الكتاب العاشر قوله عليه السّلام لمعاوية: فأنا أبو حسن قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر- إلخ، و ناهيك في ذلك عمل يزيد برأس ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إبرازا للعداة المستجنّة في صدره حيث دعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين و جعل يتمثّل بأبيات عبد اللّه بن الزبعري و أضاف بعض أشعاره إليها فقال:
- ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسل
- لأهلّوا و استهلّوا فرحاثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
- فقتلنا الضّعف من أشرافهمو عدلنا ميل بدر فاعتدل
- لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء و لا وحى نزل
- لست من خندف إن لم أنتقممن بني أحمد ما كان فعل
بيان: قوله: و عدلنا ميل بدر فاعتدل، يعني أنّ أشياخهم الكافرين لمّا قتلوا في بدر بأيدي المسلمين صار قتلهم سببا لاعوجاج أمرهم و شأنهم و ما زال كان معوّجا حتّى أنّ من بقى منهم قتلوا جماعة من المسلمين في احد فاستقام أمرهم أي اعتدل الميل و الاعوجاج.
و قال أبو عليّ القالي في الأمالي (ص 142 ج 1 طبع مصر 1344 ه): قال يعقوب بن السّكّيت: العرب تقول: لاقيمنّ ميلك و جنفك و دراك و صغاك و صدغك و فذلك و ضلعك كلّه بمعنى واحد، يقال: ضلع فلان مع فلان أي ميله، و قال غيره: فأمّا الضّلع فخلقة تكون في الإنسان، و قرأت على أبي بكر بن دريد لأبي كبير الهذليّ:
- نضع السّيوف على طوائف منهمفنقيم منهم ميل ما لم يعدل
و أقمنا ميل بدر فاعتدل
يقولها في يوم احد، يقول: اعتدل ميل بدر إذ قتلنا مثلهم يوم احد. انتهى.
أقول: ما أفاد القالي يرجع بالدّقيق من النظر إلى المعنى الّذي تبادر إليه ذهننا أوّلا، ثمّ إنّ البيت قد نقل هكذا:
- قد قتلنا القرم من ساداتهمو قتلناه ببدر فاعتدل
قوله عليه السّلام: «و جاشت مراجل أضغانهم» شبّه صدورهم بالقدور و بيّن أنّها أكنان الأضغان أي إنّ مظروفها الأحقان الكامنة الواغرة فيها في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قبل وجدان الأعوان و قد غلت الان بما تيسّر لهم ممّا هي كالنّار الموقدة المغلية لها.
قوله: عليه السّلام: «اللّهم إنّا نشكوا إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا» لمّا كان القوم لم يقدروا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على إظهار الضغائن و إبراز السرائر و تشتّت الأهواء و بموته اصطلحوا على الشقاق و النفاق و المعاداة على كلمة اللّه العليا و حجّته على عباده و افتراق الكلمة شكى عليه السّلام بلسانه و لسان تابعيه إليه تعالى غيبة نبيّه.
قوله عليه السّلام: «ربّنا افتح- إلخ» ثمّ انقطع إلى اللّه تعالى و التجأ إليه و استغاث منه فسأله عن نفسه و عن أتباعه أن يحكم بينه و تابعيه و بين أعدائهم بالحقّ و إن كان عالما بأنّ اللّه سيفعله إلّا أنّه استفتح استنصارا من اللّه و رغبة منه إليه تعالى و إخبارا عن نفسه بأنّه على الطريقة المثلى و عن أعدائه بأنّهم على العمياء و أنّهم فريق حقّ عليهم الضلالة.
ثمّ إنّه عليه السّلام طلب من اللّه تعالى أن يفرق بينه و بين أعدائه و يبعدهم عنه و يفصل بينهما لما دريت من أنّ الفتح هو الفصل فإذا حكم بينهما بالفصل يميز الطيب من الخبيث و الحقّ من بالباطل و عند ذلك يفتضح الباطل و يحلّ إلى دار البوار فكأنّ هذا القول دعاء عليهم و المراد أنّه عليه السّلام دعا عليهم أن ينزل اللّه عليهم عذابا يدلّ على كونهم مبطلين و على أنّه عليه السّلام و قومه محقّين، و لم يصرّح في كلامه هذا أن أيّهما على الحقّ و أيّ فريق على الباطل بل أبهم في ذلك لأنّه أدلّ على المقصود و أشدّ في تبكيت الخصم و أوفق باسلوب المحاورة.
و هذا الكلام اقتباس من القرآن العظيم حكاه اللّه تعالى عن نبيّه شعيب صلوات اللّه عليه مع قومه حيث قال عزّ من قائل: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ كُنَّا كارِهِينَ. قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (الأعراف 88 و 89).
و يعجبني في المقام نقل خطبة من عبد اللّه بن عبّاس رحمه اللّه فانّه أجاد بما أفاد و نطق بالحقّ و هدى إلى الرشاد و السداد و أوصى وصيّة مفضي النّصح و الصّدق و الوداد نقلها نصر بن مزاحم في كتاب صفّين (ص 164 من الطبع الناصري) قال نصر قال عمر حدّثني خالد بن عبد الواحد الجزري قال: حدّثني من سمع عمرو بن العاص قبل الوقعة العظمى بصفّين و هو يحرّض أصحابه بصفّين فقام محنيا على قوس فقال- و بعد ما نقل قول عمرو بن العاص قال: ثمّ قام عبد اللّه بن العبّاس خطيبا فقال: الحمد للّه ربّ العالمين الّذي دحى تحتنا سبعا و سمك فوقنا سبعا ثمّ خلق فيما بينهنّ خلقا، و أنزل لهم فيها رزقا، ثمّ جعل كلّ شي ء يبلى و يفنى غير وجهه الحيّ القيّوم الّذي يحيى و يبقى، ثمّ إنّ اللّه بعث أنبياء و رسلا فجعلهم حججا على عباده عذرا و نذرا، لا يطاع إلّا بعلمه و إذنه يمنّ بالطاعة على من يشاء من عباده ثمّ يثيب عليها، و يعصى فيعفو و يغفر بحمله، لا يقدّر قدره، و لا يبلغ شي ء مكانه، أحصى كلّ شي ء عددا و أحاط بكلّ شي ء علما.
ثمّ إنّي أشهد أنّ لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه إمام الهدى و النبيّ المصطفى و قد ساقنا قدر اللّه إلى ما قد ترون حتّى كان فيما اضطرب من حبل هذه الامّة و انتشر من أمرها أنّ ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعوانا على عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه و صهره و أوّل ذكر صلّى معه بدريّ، قد شهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه كلّ مشاهدة الّتي فيها الفضل و معاوية و أبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام.
و اعلموا و اللّه الّذي ملك الملك وحده فبان به و كان أهله لقد قاتل عليّ بن أبي طالب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليّ يقول: صدق اللّه و رسوله و معاوية و أبو سفيان يقولان: كذب اللّه و رسوله، فما معاوية في هذه بأبرّ و لا أتقى و لا أرشد و لا أصوب منه في تلكم، فعليكم بتقوى اللّه و الجدّ و الحزم و الصبر، و اللّه إنّكم لعلى الحقّ، و إنّ القوم لعلى الباطل فلا يكوننّ أولى بالجدّ في باطلهم منكم في حقكم.
أما و اللّه إنّا لنعلم أنّ اللّه سيعذّبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم، اللّهمّ ربّنا أعنّا و لا تخذلنا و انصرنا على عدوّنا و لا تخل عنّا و افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين، و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته أقول قولي و أستغفر اللّه لي و لكم.
الترجمة
أمير المؤمنين عليه السّلام با دشمن كارزار كننده روبرو مى شد مى گفت: بار خدايا دلهاى ما بسوى تو كوچ كرده و در كوى تو آرميده است و گردنها در بندگى تو كشيده شده و چشمها بروى تو گشوده گشت و پاها بجانب تو رهسپار شده و بدنها در راه تو نزار گرديده است، بار خدايا دشمنان ما دشمنيهاى ديرينه را آشكار كردند و سينه هايشان كه آكنده از كينه بود چون ديك بجوش آمد، بار خدايا از نبودن پيغمبر خود و بسيارى دشمنان و پراكندگى و اختلاف انديشه هايشان بتو شكايت آوريم (كه قوم از نبودن پيغمبر ميدان گرفتند و در پى اظهار دشمنى نهفته و ابراز كينه نهاني بر آمدند.
- مهر درخشنده چو پنهان شودشب پره بازى گر ميدان شود)
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 169-190)
|