و من وصية له عليه الصلاة و السلام بما يعمل فى أمواله، كتبها بعد منصرفه من صفين.
و كلامه هذا هو المختار الرابع و العشرون من باب كتبه عليه السّلام و رسائله: هذا ما أمر به عبد اللّه عليّ بن أبي طالب في ماله ابتغاء وجه اللّه ليولجه به الجنّة، و يعطيه به الأمنة. منها: و إنّه يقوم بذلك الحسن بن عليّ يأكل منه بالمعروف و ينفق منه في المعروف، فإن حدث بحسن حدث و حسين حيّ قام بالأمر بعده و أصدره مصدره. و إنّ لابني فاطمة من صدقة عليّ مثل الّذي لبني عليّ. و إنّي إنّ أ جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه اللّه و قربة إلى رسول اللّه، و تكريما لحرمته، و تشريفا لوصلته. و يشترط على الّذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله و ينفق من ثمره حيث أمر به، و هدى له و أن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى و ديّة حتّى تشكل أرضها غراسا. و من كان من إمائى الّلاتي أطوف عليهنّ لها ولد أو هى حامل فتمسك على ولدها و هى من حظّه فإن مات ولدها و هى حيّة فهى عتيقة قد أفرج عنها الرّقّ، و حرّرها العتق. قال الرّضيّ رضوان اللّه عليه: قوله عليه السّلام في هذه الوصيّة: «و ألّا يبيع من نخلها وديّة» فإنّ الوديّة الفسيلة و جمعها ودى. و قوله عليه السّلام: «حتّى تشكل أرضها غراسا» هو من أفصح الكلام و المراد به أنّ الأرض يكثر فيها غراس النخل حتّى يراها النّاظر على غير تلك الصفة الّتي عرفها به فيشكل عليه أمرها و يحسبها غيرها. انتهى.
المصدر و نقل الوصية على صورتها الكاملة
رواها ثقة الاسلام الكلينيّ قدّس سرّه في كتاب الوصايا من الجامع الكافي (ص 247 من الطبع الحجري، باب 35 من كتاب الوصايا) عن أبي عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج.
و شيخ الطائفة الطوسي قدّس سرّه في كتاب الوقوف من التهذيب (ص 319 من الطبع على الحجر) عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج و بينهما اختلاف في الجملة و دونك الوصيّة على نسخة الكافي قال عبد الرّحمن ابن الحجّاج: بعث إليّ أبو الحسن عليه السّلام بوصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام و هي:
بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه ليدخلني«» به الجنّة و يصرفني به عن النّار، و يصرف النّار عنّي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ.
انّه ما كان لي من مال بينبع يعرف لي فيها و ما حولها صدقة، و رقيقها غير أنّ رباحا، و أبا نيزر، و جبيرا عتقاء ليس لأحد عليهم سبيل فهم مواليّ يعملون في المال خمس حجج و فيه نفقتهم و رزقهم و أرزاق أهاليهم. و مع ذلك ما كان لي بوادي القرى كلّه من مال لبني فاطمة و رقيقها صدقة، و ما كان لي بديمة و أهلها صدقة غير أنّ زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه، و ما كان لي بادنية و أهلها صدقة، و الفقيرين كما قد علمتم صدقة في سبيل اللّه.
و انّ الّذي كتبت من أموالى هذه صدقة واجبة بتلة حيّا أنا أو ميّتا ينفق في كلّ نفقة يبتغي بها وجه اللّه في سبيل اللّه، و وجهه و ذوي الرّحم من بني هاشم و بني المطّلب و القريب و البعيد فانّه يقوم على ذلك الحسن بن عليّ يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يراه اللّه عزّ و جلّ في حلّ محلّل لا حرج عليه فيه فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدّين فليفعل إن شاء و لا حرج عليه فيه، و إن شاء جعله سرى الملك.
و انّ ولد عليّ و مواليهم و أموالهم إلى الحسن بن عليّ بن و إن كانت دار الحسن ابن عليّ غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه، و إن باع فإنّه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث: فيجعل ثلثها في سبيل اللّه، و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطّلب، و يجعل الثلث في آل أبي طالب، و انّه يضعه فيهم حيث يراه اللّه، و إن حدث بحسن حدث و حسين حىّ فإنّه إلى حسين بن عليّ.
و انّ حسينا يفعل فيه مثل الّذي أمرت به حسنا له مثل الّذي كتبت للحسن و عليه مثل الّذي على الحسن.
و انّ لبني ابني فاطمة من صدقة عليّ مثل الّذي لبني عليّ و إنّي إنّما جعلت الّذي جعلت لبني فاطمة ابتغاء و اللّه عزّ و جلّ و تكريم حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تعظيمها و تشريفها و رضاها، و إن حدث بحسن و حسين حدث فإنّ الاخر منهما ينظر في بني عليّ فان وجد فيهم من يرضى بهداه و إسلامه و أمانته فإنّه يجعله إليه إن شاء، و إن لم يرفيهم بعض الّذي يريده فإنّه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم و ذوو رأيهم فإنّه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم.
و انّه يشترط على الّذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله و ينفق ثمره حيث أمرته به من سبيل اللّه و وجهه و ذوي الرّحم من بني هاشم و بني المطّلب و القريب و البعيد، لا يباع منه شي ء و لا يوهب و لا يورث.
و انّ مال محمّد بن عليّ على ناحية و هو إلى بني فاطمة.
و انّ رقيقي الّذين في صحيفة صغيرة الّتي كتبت لي عتقاء.
هذا ما قضى به عليّ بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه اللّه و الدار الاخرة و اللّه المستعان على كلّ حال و لا يجلّ لامرى ء مسلم يؤمن باللّه و اليوم الاخر أن يقول في شي ء قضيته من مالي و لا يخالف فيه أمري من قريب و لا بعيد.
أمّا بعد فإنّ و لائدي اللّاتي أطوف عليهنّ السبعة عشر منهنّ أمّهات أولاد معهنّ أولادهنّ، و منهنّ حبالى، و منهنّ من لا ولد له فقضائي فيهنّ إن حدث بي حدث انّه من كان منهنّ ليس لها ولد و ليست بحبلى فهى عتيق لوجه اللّه عزّ و جلّ ليس لأحد عليهنّ سبيل، و من كان منهنّ لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها و هي من حظّه (حصّته- خ ل) فإن مات ولدها و هي حيّة فهي عتيق ليس لأحد عليها سبيل، هذا ما قضى به عليّ في ماله الغد من يوم قدم مسكن شهد أبو سمر بن أبرهة و صعصعة بن صوحان و يزيد بن قيس و هيّاج بن أبي هيّاج و كتب عليّ بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع (تسع- خ ل) و ثلاثين.
اللغة
(ليولجه) أي ليدخله، و منه الولجة بالتحريك موضع أو كهف تستر فيه المارّة من مطر و غيره.
(الابتغاء): الطلب، قال الجوهريّ في الصحاح: ابتغيت الشي ء و تبغيّته إذا طلبته و بغيته (حدث) بالتحريك: الحادث.
(أصدره مصدره) يصح المصدر بفتح الميم و ضمّه معا، و الفتح أصحّ و اختاره الرّضيّ رضوان اللّه عليه، كما في النسخة الّتي قوبلت على نسخته، ففي الصحاح: أصدرته فصدر أى رجعته فرجع، و الموضع مصدر و منه مصادر الأفعال.
(الوصلة) بالضمّ: الصلة و القرابة.
و فيه (الوديّ) على فعيل صغار الفسيل، الواحدة و ديّة، و الفسيلة و الفسيل على فعيلة و فعيل صغار النخل و الجمع الفسلان، انتهى، و في العبارة كناية حسنة عن النخيلات الّتي تنبت من النوى تحت أشجار النخل، أو تنبت من اصولها، و كأنّ حملها على ما تنبت من اصولها أولى و أنسب.
(تشكل) قال ابن الأثير في النهاية: و في وصيّة عليّ عليه السّلام: «و أن لا يبيع من أولاد نخل هذه القرى وديّة حتّى تشكل أرضها غراسا» أي حتّى يكثر غراس النخل فيها فيراها الناظر على غير الصفة التي عرفها به فيشكل عليه أمرها. انتهى.
و قال الكسائي: أشكل النخل طاب رطبه و أشكل العنب أينع بعضه.
(الغراس) بالكسر: فصيل النخل، و يقال للنخلة أوّل ما ينبت غريسة، و يقال: للجلدة الرقيقة الّتي تخرج مع الولد إذا خرج من بطن امّه غرس بالكسر.
(قد أفرج عنها الرقّ) كلمة أفرج مشكولة في أكثر النسخ المطبوعة و شروحها بضمّ الهمزة و كسر الراء و لكنّها في نسخة الرضيّ بفتحههما و لذا اخترناه في المتن و هذا هو الصحيح ففي الصحاح للجوهريّ: أفرج الناس عن طريقه أي انكشفوا.
الاعراب
(ابتغاء) منصوب في كلا الموضعين لأنّه مفعول له للفعلين: أمر و جعلت و كلّ واحد من قربة و تكريما و تشريفا منصوب معطوف على الابتغاء الثّاني مفعول له.
(ليولجه) منصوب بأن الناصبة المقدّرة، و يعطيه منصوب معطوف على يولج، و ضمير الفعلين يرجع إليه عليه السّلام، و في بعض النسخ من المخطوطة و غيرها ليولجني و يعطيني ففيه التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلّم و ما في المتن مطابق لنسخة الرضي و مختاره، و ضمير به في كلا الموضعين الأخيرين يصح أن يرجع إلى ما كالأوّل أو إلى الابتغاء.
(يأكل منه بالمعروف) حال للحسن عليه السّلام فانّ الجملة الفعليّة إذا كانت مبدوءة بمضارع مثبت بدون قد فلا بدّ من ضمير رابط وحده أو معها فمع الواو، و الاولى كما نحن فيه، و الثانية كقوله تعالى: لِمَ تُؤْذُونَنِي وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.
(و ينفق) معطوف على يأكل.
(و حسين حيّ) جملة اسميّة حاليّة و الرابط هو الواو، (قام) جواب إن، (أصدر) عطف على قام، و الضميران في أصدره و مصدره يرجعان إلى الأمر، (مثل) منصوب اسم لانّ (لابني) ظرف مستقرّ خبر لها.
الظاهر أن ضمير (يشترط) يرجع إلى الأمير عليه السّلام غاية الأمر أنّ في الكلام التفاتا من التكلّم إلى الغيبة، أو عطف على أمر به فلا يلزم التفات و يؤيّده ما في النسخة الاتي نقلها من الاتيان بالفعل الماضي: و انّه شرط، و جاز أن يرجع إلى الامام الحسن عليه السّلام بقرينة يقوم و يأكل أو إلى الامام الحسين عليه السّلام فانّه أقرب المراجع أو أنّه راجع إلى من يتفوّض الامور إليه خلفا بعد سلف، و لكنّ الصواب هو الأوّل كما يدلّ عليه اسلوب الكلام و صورة الوصيّة.
جملة (أن يترك) مفعول يشترط، و ينفق عطف على يترك، و أن لا يبيع عطف على أن يترك.
(تشكل) منصوب بأن الناصبة المقدّرة وجوبا، (أرضها) مرفوعة على الفاعليّة لتشكل، (غراسا) منصوب على التميز، من موصول اسمي يستوي فيه المذكر و المؤنث من جارة بيانيّة لمن، (لها ولد) حال للإماء و كذلك جملة هي حامل، و لم يقل حاملة لكونها صفة خاصّة للانثى، فتمسك خبر الموصول الاسمي و قد دريت في المباحث السالفة أنّ الفاء يدخل في خبر الموصول الاسمي في عدّة مواضع و هذا منها و هي من حظّه حاليّة لضمير تمسك، و هي حيّة أيضا حال لها، فهي عتيقة جواب إن، و ادخل الفاء لكون الجملة اسميّة، (قد أفرج) صفة للعتيقة لكونها نكرة و كذلك التالية.
المعنى
هذه الوصيّة قد رويت في الجوامع الروائيّة بصور مختلفة في الجملة و لعلّنا نأتي بها و نبيّنها مع ذكر مصادرها و أسانيدها في شرح وصيّته الاتية للإمامين الحسن و الحسين عليهما السّلام لما ضربه ابن ملجم، كما وعدناه في شرح المختار المقدّم و ما أتى بها الرّضيّ رضوان اللّه عليه ملتقط منها كما هو دأبه و عنايته في كلام الأمير عليه السّلام.
و اعلم أنّ جميع وصاياه عليه السّلام لأولاده و بما يعمل في أمواله على ما استقصيناه إنّما هي كانت بعد منصرفه من صفّين، و ذلك لما كان يعلم من دنوّ شهادته، و لعلّك تقول إن كان علم الإمام في زعمك على هذا المنوال فلم قال عليه السّلام: «فإن حدث بحسن حدث و حسين حيّ» و لم يجزم بما هو آت و جار في مستقبل الزّمان قلت: إنّه عليه السّلام تكلّم بما هو متعارف النّاس في محاوراتهم و قد مضى بحثنا عن طور علم الإمام في المجلّد الخامس عشر في شرح قوله عليه السّلام: «فجعلت أتّبع مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأطأ ذكره حتّى انتهيت إلى العرج» على أنّه يأتي البحث عن ذلك في شرح الوصيّة الاتية زيادة إيضاح في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
قوله عليه السّلام: (يأكل منه بالمعروف- إلخ) لعلّ كلامه هذا لدفع ما عسى يتوّهم من أنّ هذه الصدقة حرام على الحسن بن عليّ عليهما السّلام كالزكاة فقال عليه السّلام: انّه يأكل منها بالمعروف و ينفق منها بالمعروف فإنّها مال أبيه وقف عليه قوله عليه السّلام: «فان حدث بحسن حدث» أي إن أدركه الموت بقرينة قوله: و حسين حيّ.
قوله: (و إنّ لابني فاطمة من صدقة- اه) يعني أنّهم فيها شرع واحد، لا تختصّ ببعض دون بعض و لا مزيّة لابني فاطمة في منافعها على غيرهما نعم إنّما جعلت القيام بذلك أي من يتولّي أمرها و يتصدّي عليها إليهما بتلك الوجوه الأربعة من ابتغاء وجه اللّه- إلخ، أو المراد منه دفع التوهّم المتقدّم.
قال الشارح المعتزلي: ثمّ بيّن لما ذا خصّهما بالولاية فقال: إنّما فعلت ذلك بشرفهما برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فتقرّبت إلى رسول اللّه بأن جعلت لسبطيه هذه الرّياسة و في هذا رمز و إزراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مع وجود من يصلح للأمر أي كان الأليق بالمسلمين و الأولىّ أن يجعلوا الرّياسة بعده لأهله قرابة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و تكريما لحرمته و طاعة له و أنفة لقدره صلّى اللّه عليه و اله أن تكون ورثته سوقة يليهم الأجانب و من ليس من شجرته و أصله، ألا ترى أنّ هيبة الرسالة و النبوّة في صدور النّاس أعظم إذا كان السلطان و الحاكم في الخلق من بيت النبوّة، و ليس يوجد مثل هذه الهيبة و الجلال في نفوس النّاس للنبوّة إذا كان السلطان الأعظم بعيد النسب من صاحب الدّعوة عليه السّلام، انتهى، و نعم ما قال.
و كان لأمير المؤمنين عليه السّلام فيهما شأن خاصّ و قصد تامّ و مزيد اهتمام و زيادة عناية يخصّهما بها دون سائر بنيه تشريفا لوصلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تنبيها و اعلاما بمقامهما الشامخ و منزلتهما السامية حتّى أنّه عليه السّلام كان يضنّ بهما على الحرب و القتال لئلّا ينقطع نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من هذه الامّة فإنّ نسله من الحسن و الحسين و تسعة من أولاد الحسين بعد أبيهم أبي الأئمّة عليّ عليه السّلام هم حجج اللّه تعالى واحدا بعد واحد على عباده و لم تخل الأرض من حجّة للّه على عباده قطّ و لا يخرج الحجّة من بيت النبوّة قطّ، و قد روى نصر بن مزاحم في أواخر صفّين عن عبد الرّحمن بن جندب قال: لما أقبل عليّ عليه السّلام من صفّين أقبلنا معه فأخذ طريقا غير طريقنا الّذي أقبلنا فيه، ثمّ أخذ بنا طريق البرّ على شاطى ء الفرات حتّى انتهينا إلى هيت و أخذنا على صندودا فبات بها ثمّ غدا و أقبلنا معه حتّى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة- إلى أن قال: ثمّ مضى غير بعيد فلقيه عبد اللّه بن وديعة الأنصاري فدنى منه و سأله فقال: ما سمعت النّاس يقولون في أمرنا هذا قال: منهم المعجب به، و منهم الكاره له و النّاس كما قال اللّه تعالى: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ فقال له: فما يقول ذوو الرأى قال: يقولون: إنّ عليّا كان له جمع عظيم ففرّقه، و حصن حصين فهدمه و حتّى متى يبنى مثل ما قد هدم، و حتّى متى يجمع مثل ما قد فرّق فلو أنّه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظهره اللّه أو يهلك إذا كان ذلك هو الحزم.
فقال عليّ عليه السّلام: أنا هدمت أم هم هدموا أم أنا فرّقت أم هم فرّقوا و أمّا قولهم: لو أنّه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظفر أو يهلك إذا كان هو الحزم، فو اللّه ما غفلت عن ذلك الرأى و إن كنت سخيّ النفس بالدّنيا طيّب النفس بالموت و لقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد صلّى اللّه عليه و اله من هذه الامّة فكرهت ذلك و أشفقت على هذين أن يهلكا و لو علمت أنّ هؤلاء مكاني لم يستقد ما- يعني بذلك ابنيه الحسن و الحسين- و أيم اللّه لئن لقيتهم بعد يومى لقيتهم و ليس هما معى في عسكر و لا دار.
قوله عليه السّلام: (و يشترط- إلخ) شرط عليه السّلام على من يفوّض الأمر إليه و يتولّي امور أموال الصدقة شرطين: الأوّل أن لا يبيعها و لا يوهبها و لا يتصرّف فيها تصرفات اخرى تخرجها عن أصلها بل يتركها على أصلها و ينفق ثمرها حيث أمره اللّه من سبيل اللّه و وجوهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطّلب و القريب و البعيد فانّ الوقف تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.
و الثاني أن لا يبيع من صغار النخيل ما لم يكثر غراسها و ذلك لأنّ الحاجة ربّما تسوق إليها بحدوث آفة في النخيل فتغرس الفسيلة مكانها، أو لأنّ قلع الفسلان ما لم تكثر النخيل و لم تكامل بعد يضرّها بخلاف ما إذا بلغت إلى حدّ تشكل أرضها غراسا، سيّما إذا قلنا أنّ المراد من أولاد النخيل و فصيلها و غراسها نخيلات تنبت من أصولها كما هو الظاهر من العبارة، لا ما تنبت من النوى، أو لأنّ النخيل قبل أن تشكل أرضها غراسا مظنة للفساد من حيث قلّتها و عدم التفافها، و إذا كثرت و كثفت و التفّت لا تسلط عليها آفات من البرد و الحرّ و الجدب و نحوها و لا تضرّها عندئذ قلع الفسلان.
قوله عليه السّلام: (و من كان من إمائي- إلخ) الطواف عليهنّ كناية عن غشيانهنّ أي نكاحهنّ يعني أنّ الأمة الّتي لها ولد منّي كسائر الإماء من التركة فمن كان من إمائي اللّاتي لها ولد منّي، أو هي حامل منّي فهي تتعلّق بولدها لا يجوز لسائر الورثة التصرّف فيها مطلقا كما تدلّ عليه قوله عليه السّلام فتمسك على ولدها، فإذا صارت من ميراث ولدها من تركتي تقوّم و تباع على الولد فتتحرّرّ قهرا لأنّ الولد لا يملك العمودين و متى ملكهما عتقا و لا يحتاج في ذلك إلى عتق الولد كما تحكم به الرّوايات الواردة عنهم عليهم السّلام في الباب نقلها و البحث عنها يجرّنا إلى الأطناب و الخروج عن موضوع الكتاب و كلامه هذا صريح في أنّ امّ الولد لا تتحرّر بمجرّد موت مولاها المستولد بل تنعتق من نصيب ولدها من تركة أبيه، و هذا من مذهبنا الإمامية، و للعامّة فيها اختلاف.
قوله عليه السّلام: (فإن مات ولدها- إلخ) و اعلم أنّ امّ الولد قبل موت مولاها المستولد مملوكة له لا تخرج بمجرّد صيرورتها امّ الولد عن الرقيّة و يجوز له التصرّف فيها بما شاء من وطيها و استخدامها و عتقها في كفّارة و غيرها سوى التصرف الّذي يخرجها عن ملكه بغير العتق فلا يجوز له بيعها و لا هبتها و لا نحوهما من الناقلات، ثمّ إن مات ولدها قبل موت مولاها رجعت طلقا فتعود إلى حكمها الأوّل الّذي كان لغير امّ ولد فيجوز لمولاها التصرّف فيها مطلقا، و إن مات ولدها بعد موت مولاها و لو كانت حياته برهة قليلة من الزّمان كما أنّها كانت حاملا به و وضعته حيّا و مات بعد ساعة فحكمها حكم امّ الولد الّتي قد دريت آنفا أنّها تجعل من حظّه من تركة أبيه و تعتق عليه لا أنّها ترجع بموته حينئذ طلقا كالصّورة المتقدّمة حتّى تعود مملوكة إلى الورثة نعم إن ولدته ميّتا بعد موت مولاها سقطا كان أو غير سقط فلا يصدق به أنّها أمّ ولد و أنّ ولدها مات.
فنقول: إنّه عليه السّلام أراد بقوله فإن مات ولدها و هي حيّة فهى عتيقة- إلخ دفع ما عسى يتوهّم بأنّ امّ الولد إذا مات ولدها بعد موت مولاها سيّما إذا كانت حاملا به و وضعته بعد موت مولاها ثمّ مات ترجع طلقا كما إذا مات في حياته فقال عليه السّلام: ليس حكمها في هذه الحالة كالصورة المتقدّمة بل إنّها عتيقة قد أفرج عنها الرّق و حرّرها العتق و ذكر الفعلين على هيئة الماضي إشارة لطيفة إلى أنّها كانت عتيقة منذ موت مولاها فتأمّل«»، و في ما أشرنا إليها أحكام اخرى خاصّة و مباحث فقهيّة تطلب في الكتب الفقهيّة.
ثمّ إنّ في أصل الوصيّة مواقع للبحث عن مسائل فقهيّة و غيرها أعرضنا عنه خوفا للإطالة و لعلّنا نأتي بطائفة منها في شروح الوصايا الاتية و نكتفي الان ببيان بعض اللّغات و العبارات: (ينبع): قال في القاموس: ينبع كينصر حصن له عيون و نخيل و زرع بطريق حاج مصر، و قال ياقوت في معجم البلدان: ينبع بالفتح ثمّ السكون و الباء الموحّدة مضمومة و عين مهملة بلفظ ينبع الماء قال عرّام بن الأصبغ السلمي هي عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوي من المدينة على سبع مراحل و هي لبني حسن بن عليّ و كان يسكنها الأنصار و جهينه و ليث و فيها عيون عذاب غزيرة و واديها يليل و بها منبر و هي قرية غنّاء و واديها يصبّ في غيقة، و قال غيره: ينبع حصن به نخيل و ماء و زرع و بها وقوف لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام يتولّاها ولده، و قال ابن دريد: ينبع بين مكّة و المدينة، و قال غيره: ينبع من أرض تهامة غزاها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلم يلق كيدا و هي قريبة من طريق الحاج الشامي أخذ اسمه من الفعل المضارع لكثرة ينابيعها، و قال الشريف بن سلمة بن عيّاش الينبعي: عددت بها مائة و سبعين عينا، و عن جعفر ابن محمّد عليهما السّلام قال: أقطع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عليّا عليه السّلام أربع أرضين الفقيران و بيرقيس و الشجرة و أقطع عمر ينبع و أضاف إليها غيرها انتهى ما في المعجم.
(حجج) أي سنوات جمع الحجّة أي السنة، (بديمة) و في التهذيب: بدعة و هي بالعين المهملة عين قريب المدينة، (غير أن زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه) و في التهذيب: غير أن رقيقها لهم مثل ما كتبت لأصحابهم، و في أوّل كتاب الوقوف من التهذيب بإسناده عن ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بدار له بالمدينة في بني زريق فكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب و هو حيّ سويّ تصدّق بداره الّتي في بني زريق صدقة لاتباع و لا توهب حتّى يرثها اللّه الّذي يرث السماوات و الأرض، و أسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهنّ فإذا انقرضوا فهى لذوي الحاجة من المسلمين، انتهى، و بني زريق بالتصغير بطن من الأنصار (بادنيه) و في التهذيب: بأذينة.
(و الفقيرين كما قد علمتم) و في التهذيب: و القصيرة كما قد علمتم، و قال المجلسيّ رحمه اللّه في كتاب الوصايا من مرآة العقول (ص 135 ج 4 من الطبع الحجري) قوله عليه السّلام: العفرتين، و في بعض النسخ الفقيرتين، و في بعضها الفقرتين قال في تاريخ المدينة: موضعان بالمدينة يقال لهما الفقران، عن جعفر الصادق عليه السّلام أقطع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عليّا عليه السّلام أربع أرضين الفقرين و بئر قيس و الشجرة، و قال: الفقير اسم حديقة بالعالية قرب بني قريظة من صدقة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، قال ابن شبه في كتاب عليّ عليه السّلام: الفقير لي كما قد علمتم صدقة في سبيل اللّه و أهل المدينة ينطقون مفردا مصغرا. انتهى ما في المرآة.
(واجبة بتلة) بتقديم الباء، قال في القاموس: صدقة بتلة منقطعة عن صاحبها (سرى الملك) السريّ، النفيس و الشريف، و في نسخة التهذيب: شراء الملك (ولد عليّ) جمع الولد كاسد و أسد.
قوله عليه السّلام: (فليبع إن شاء لا حرج عليه) قال في مرآة العقول: ظاهره جواز اشتراط بيع الوقف متى شاء الموقوف عليه و هو خلاف ما هو المقطوع به في كلام الأصحاب إلّا أن يحمل على أنّه عليه السّلام إنّما وهبها لهما و كتب الوقف لنوع من المصلحة قال: قال في الدروس: لو شرط بيعه متى شاء أو هبته أو نقله بوجه من وجوه التملّك بطل.
قوله عليه السّلام (و إن حدث بحسن و حسين حدث- إلى قوله: يرضى به) و في التهذيب: و ان حدث بحسن و حسين حدث فإنّ الاخر منهما ينظر في بني عليّ فإن وجد فيهم من يرضى بهديه (بهداه- خ ل) و إسلامه و أمانته فإنّه يجعله إليه إن شاء و إن لم يرفيهم بعض الّذي يريد فانّه في بني ابني فاطمة فإن وجد فيهم من يرضى بهديه و إسلامه و أمانته فانّه يجعله إليه إن شاء، و إن لم ير فيهم بعض الّذي يريد فإنّه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به.
قوله عليه السّلام: (و انّ مال محمّد بن عليّ على ناحية) قال بعض شرّاح الحديث: يمكن أن يقرأ انّ مشدّدة و يكون المراد انّ مال محمّد ابن الحنفيّة ليس داخلا فيما سبق من أنّ ولد عليّ و أموالهم إلى الحسن، و لعلّه عليه السّلام علم أنّه لم يتابع الحسن كباقي أولاده، أو أنّه لا يحتاج إلى معاونة الحسن لرشده و كمال عقله، و يمكن أن يقرأ إن المخففة و يكون المراد أنّ الأمر إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام في جميع ما سبق و إن مال محمّد ابن الحنفيّة إلى جانب و لم يرض بذلك. و قوله: و هو إلى ابني فاطمة أي النظر في الامور المذكورة إليهما و هو تأكيد لما سبق و اللّه اعلم، انتهى كلامه.
قوله عليه السّلام: (كتبت لي عتقاء) و في التهذيب: كتبت عتقاء، بدون كلمة لي (مسكن) بكسر الكاف موضع من أرض الكوفة، كما في الصحاح، و قوله عليه السّلام: (هذا ما قضى به عليّ في ماله الغد من يوم قدم مسكن) يعني أن ذلك كان في غد من يوم ورودنا و قدومنا الموضع الذي يقال له مسكن، أرّخ الكتابة و ذكر الشهور و سائر الخصوصيات لأنّها توجب زيادة الوثوق بها.
قوله عليه السّلام: (أبو سمر) في نسخة الكافي كان بالسين المهملة، و في التهذيب بالمعجمة، و قال في مرآة العقول: قال ابن حجر في التقريب في حرف الشين المعجمة: أبو شمر بكسر أوّله و سكون الميم الضبعي المصري.
و ليعلم أنّ في العتق فضلا كثيرا و ثوابا جزيلا، و الشارع تعالى جعل لعتق العبيد و الإماء أسبابا عديدة لكى يخرج عباد اللّه عن الرقية و يكونوا أحرارا، منها: التدبير، و منها المكاتبة بقسميها، و منها العتق في كفّارة، و منها التحرير و هذه الأقسام تعمّهم، و منها ما يخصّ الإماء و هو صيروتهنّ امّهات أولاد.
و قد قال اللّه تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ- الاية، و قد روي شيخ الطائفة في أوّل كتاب العتق من التهذيب بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام انّه قال في الرّجل: يعتق المملوك قال: يعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النار، و قال: يستحب للرّجل أن يتقرّب عشية عرفة و يوم عرفة بالعتق و صدقة.
و بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من أعتق مسلما أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضو منه عضوا من النّار.
و بإسناده عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه رفعه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من أعتق مؤمنا أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضو له (منه- خ ل) عضوا من النّار فإن كانت انثى أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضوا من النّار لأنّ المرأة نصف الرّجل، و غيرها من النصوص المرويّة في الجوامع الروائيّة من الفريقين.
الترجمة
از جمله وصيّت أمير المؤمنين- عليه الصلاة و السلام- است به آن چه كه در أموال او عمل شود، و اين وصيّت را بعد از برگشتن از جنگ صفّين فرموده است: اين است آنچه كه بنده خدا عليّ بن أبي طالب در مال خود براى طلب وجه اللّه فرموده و حكم كرده است تا خداوند وى را بدين كار ببهشت برد، و أمن و آسايش بخشد.
از جمله آن وصيّت اين كه: حسن بن علي بايد متصدّى آن باشد و بمضمون وقف عمل نمايد، از آن بوجه پسنديده و مطابق دستور شرع بخورد و ببخشد، پس اگر براى حسن پديده مرگ پيش آمد و حسين زنده است بايد حسين مانند او بانجام كار آن قيام كند و توليت را در عهده بگيرد، و همانا كه براى اين دو فرزند فاطمه (حسن و حسين) از مال وقف علي مثل آن چيزيست كه براى ديگران فرزندان علي است- يعني بايد همه از آن بهره ببرند نه اين كه چون صدقه و زكاة بر حسن و حسين حرام باشد و يا آن دو را بر ديگرى مزيّتي از اين حيث باشد- و همانا كه توليت و تصدّى وقف را بدو فرزند فاطمه از جهت طلب وجه اللّه، و تقرّب برسول خدا، و گرامى داشتن حرمت او، و بزرگ داشت و تشريف به وصلت او قرار داده ام، و آنكه توليت را عهده دار است بايد كه أصل مال را بهيچ وجه منتقل نسازد و آنرا بهمانطور باقي بگذارد و در آمد و ثمره آنرا مطابق دستور مصرف كند، و بايد كه أولاد نخل را (نهالهاى ريزى كه از ريشه درختهاى بزرگ يا از هسته خرما مى رويد) نفروشد تا اين كه درختها بزرگ و انبوه شوند بحدّى كه كثرت أشجار سبب اشتباه و عدم معرفت بحال سابق آن زمين شود.
و كنيزكاني كه به آنها مباشرت كردم آنكه از من فرزنددار يا باردار است بايد از مال فرزندش كه از تركه من ارث مى برد محسوب شود و آزاد گردد، و اگر فرزندش مرد و خود زنده است آزاد است.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 364-379)
|