المختار التاسع و الاربعون من كتبه عليه السّلام و من كتاب له عليه السّلام الى امرائه على الجيوش
من عبد اللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح:
أمّا بعد فإنّ حقّا على الوالي أن لا يغيّره على رعيّته فضل ناله، و لا طول خصّ به، و أن يزيده ما قسم اللّه له من نعمه دنوّا من عباده، و عطفا على إخوانه. ألا و إنّ لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرّا إلّا في حرب، و لا أطوى دونكم أمرا إلّا في حكم، و لا أؤخّر لكم حقّا عن محلّه، و لا أقف به دون مقطعه، و أن تكونوا عندي في الحقّ سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت للّه عليكم النّعمة، ولي عليكم الطّاعة، و أن لا تنكصوا عن دعوة، و لا تفرّطوا في صلاح، و أن تخوضوا الغمرات إلى الحقّ، فإن أنتم لم تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علىّ ممّن اعوجّ منكم، ثمّ أعظم له العقوبة، و لا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم، و أعطوهم من أنفسكم ما يصلح اللّه به أمركم، و السّلام.
اللغة
(أصحاب المسالح): جماعات تكون بالثغر يحمون البيضة، و المسلحة هي الثغر، كالمرغبة، (لا أحتجز): لا أستر، (لا تنكصوا): لا ترجعوا أي لا تردّوا الدّعوة، (الغمرة): اللّجة من البحر يغرق من وقع فيه.
الاعراب
أن لا يغيّره: تركيب من لفظة أن الناصبة مع لاء النافية، و فضل فاعل لقوله يغيّره، و الجملة خبر فانّ، و أن يزيده، عطف على قوله: أن لا يغيّره، و هو خبر لقوله فانّ أيضا، دنوّا من عباده مفعول ثان لقوله يزيده.
المعنى
كتابه هذا إلى امراء الجيوش، أوّل مصدر تشريعيّ و سند قانونيّ للنظام العسكري في الدّولة الإسلاميّة الفنيّة يبيّن فيه الحقوق و النظامات بين الوالي و هو مقام الرئاسة المطلقة للقوى المسلحة في الحكومة مع الامراء و الضّباط و القوّاد الّذين بيدهم الأمر في الحرب و السّلم، و تعرض في هذا الكتاب للرابطة بين الوالي و الامراء و هم الطبقة الاولى و أصحاب الدرجة العليا من المراتب العسكريّة المعبّر عنهم في هذا العصر بالفريق، و دونهم درجات و مراتب متنازلة إلى أن ينتهى إلى قائد عشرة، و من بيان الرّابطة و الحقوق المتبادلة بين الوالي و امراء الجيوش يتّضح الحقوق و الروابط بين الامراء و سائر المأمورين و الرّؤساء، و قد بنى الأمر في هذا المقام على أكمل درجات الديموقراطية العليا و هو سقوط الرتبة و المزيّة بين الوالي و امراء الجيوش، و بيّن أنّ هذا الفضل الّذي ناله الوالي من ارتقائه إلى مقام الرئاسة بأمر من اللّه أو بعلّة اخرى كانتخابه من طرف الرّعيّة يلزم ألّا يغيّره على الرّعيّة و لا يثبت له درجة و مزيّة عليهم، بل لابدّ و أن يزيده ما قسم اللّه له من نعمته دنوّا من عباده و عطفا على إخوانه فيكون بينهم كأحدهم، و قد كان سيرته عليه السّلام مع رعيّته هكذا طول أيّام أمارته و ولايته، و هذا هو الدّرجة العليا في الديموقراطية لم يبلغ النّظامات الديموقراطيّة البشرية إليها بعد.
ثمّ التزم في مقام ولايته العليا لامراء جيوشه بامور أربعة: 1- اشتراكهم معه في الاطلاع على إجراء كلّ أمر إلّا في بعض الأسرار المتعلّقة بالحرب، فانّه ربما يلزم إخفائه حتّى عن الأمراء، صيانة عن إفشائه قبل أوانه لئلّا يطّلع عليه العدوّ، فكتمان الأسرار الحربية من مهام الامور العسكريّة حتّى في هذه العصور، و قد اكتسب نظره هذا أهميّة في خلال القرون الماضية إلى هذا العصر، و قد اهتمّ الدّول الكبرى في إنشاء إدارات هامّة للتجسّس و كسب الاطلاع عن برامج أعدائهم في الحروب و عن سائر ما يتعلّق بها.
قال ابن ميثم: و يحتمل أن يكون ترك مشورتهم لأمرين: أحدهما: أنّ أكثرهم ربّما لا يختار الحرب، فلو توقّف على المشورة فيه لما استقام أمره بها، و لذلك كان كثيرا ما يحملهم على الجهاد و يتضجّر من تثاقلهم عليه و هم له كارهون كما سبق.
الثاني: أن يكتم ذلك خوف انتشاره إلى العدوّ فيكون سبب استعداده و تأهّبه للحرب، و لذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أراد سفرا إلى الحرب ورّى بغيره كما روى أنّه لما نوى غزاة بدر كتب للسريّة كتابا و أمرهم أن يخرجوا من المدينة إلى صوب مكّة يومين أو ثلاثة أيام، ثمّ ينظروا في الكتاب و يعملوا بما فيه. فلمّا ساروا المدّة نظروا فيه فاذا هو يأمرهم فيه بالخروج إلى نخلة محمود و أن يفعلوا كذا و كذا ففعلوا و خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خلفهم إلى بدر و كان الظّفر لهم و لو أعلمهم حين أمرهم بالخروج أنّه يسير إلى قريش لا نتشر ذلك إلى قريش و كان استعدادهم لهم أقوى، و جاز أن يكون ذلك أيضا مانعا لبعض الصحابة عن النّهوض خوفا من أهل مكّة و شوكتهم.
أقول: في حمل كلامه هذا على ترك المشورة معهم نظر، فانّ اخفاء بعض الامور الحربيّة غير ترك المشورة، مع أنّ حروبه في الجمل و صفيّن و نهروان كان مع الشور و الاطلاع.
و أما ما ذكره من إخفائه صلوات اللّه عليه أمر بدر فلا يوافق ما ذكر ابن هشام في سيرته قال: في (ص 369 ج 1 ط مصر) عن ابن عبّاس في حديث بدر قالوا: لما سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم فقال: هاهي عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ اللّه ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و ذلك أنهم لم يظنوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلقى حربا... نعم ذكر في غزوة تبوك ما يلي: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالتّهيؤ لغزو الرّوم، و ذلك في زمن عسرة من الناس و شدّة من الحرّ و جدب من البلاء، و حين طابت الثمار، و النّاس يحبون في ثمارهم و ظلالهم، و يكرهون الشّخوص على الحال من الزّمان الّذي هم عليه، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قلّما يخرج في غزوة إلّا كنّى عنها و أخبر أنّه يريد غير الوجه الّذي يصمد له إلّا ما كان من غزوة تبوك فإنّه بيّنها للنّاس لبعد الشقة و شدّة الزمان و كثرة العدوّ الّذي يصمد له ليتأهّب النّاس لذلك اهبته فأمر النّاس بالجهاد و أخبرهم أنه يريد الرّوم... 2- عدم استقلاله بانجاز الامور و اجرائها و دعوتهم للشركة فيها إلّا أن يكون ذلك الأمر حكما إلهيا فانّه لا مجال لاشتراك غيره معه في بيان الحكم الإلهي أو إنشاء حكم شرعي.
3- عدم تأخير حقوقهم عن محلّه و وقته و عدم التردّد فيه، بل ينفذه في وقته صريحا سواء كان في عطايا بيت المال المقرّرة لهم أو غيرها ممّا يستحقونها.
4- عدم التبعيض فيما بينهم و عدم ترجيح بعضهم على بعض مع تساوي العمل و الرّتبة لأغراض شخصيّة أو قبليّة أو ارتشاء أو استمالة و توصية من ذوي النفوذ كما يرتكبه الولاة الغير العدول أو الولاة الظلمة فانّهم يرجحّون من يستخدمهم في أغراضهم على غيرهم.
ثمّ أعلمهم عليه السّلام أنّ مراعات هذه الشروط يتمّ عليهم نعمة الولاية العادلة من اللّه تعالى فيلزم عليهم رعاية امور أربعة: 1- الطّاعة في كلّ ما أمرهم من الوظائف و ما وجّهه إليهم من الأوامر.
2- عدم ردّ دعوته في اجراء الامور و إنجازها و ما يلزم في ذلك من عقد المؤمرات و اللّجان المربوطة بها.
3- عدم التّقصير و التفريط في اظهار نظرات اصلاحيّة و ارتكاب ما يلزم في صلاح أمر الأمّة و حفظ وحدتها و الالفة بين أفرادها و جماعاتها ليكونوا يدا واحدة على أعدائها.
4- أن يخوضوا الغمرات و يتحمّلوا الشّدائد و يجهدوا في تثبيت الحقّ و دحض الباطل.
ثمّ توجّه إلى تشريع المجازات على التخلّف بوجهين: الألف- إسقاط الرتب و الدرجات عن المتخلّفين و إنزال المعوّجين عن درجاتهم فقال عليه السّلام: (فلم يكن أحد أهون علىّ ممّن اعوجّ منكم).
ب- تشديد العقوبة المقتضية للتخلّف و ترك الانضباط و الاطاعة و عدم الارفاق بالمتخلّف.
فقد شرّع عليه السّلام في كتابه هذا نظاما عسكريّا و أعطى اصولا كلّيّا فرّع عليه علماء الحقوق النظاميين قوانين شتّى يكون المدار على العمل بها في النظامات العسكريّة إلى عصرنا هذا.
الترجمة
از نامه اى كه بفرماندهان و افسران قشون خود نوشته است.
از طرف بنده خدا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين بسرپرستان و فرماندهان مرزهاى اسلامى.
أمّا بعد، براستى بر شخص والي و فرمانده كلّ و رئيس ارتش لازمست كه فضيلت ولايت و فرمانروائى مزاج برادرانه او را دگرگون نسازد نسبت برعايا و زير دستانش و مقام شامخي كه مخصوص او است او را از امّت جدا نكند بلكه اين نعمتى كه خداوندش نصيب كرده او را به بندهايش نزديكتر سازد و بر برادران همكيش او مهربانتر نمايد، بدانيد كه شما را بر من اين حقوق در عهده است: 1- هيچ رازى را از شما كتمان نكنم و همه اطلاعات را در دسترس شما بگذارم و بشما گزارش دهم مگر راجع باسرار جنگى باشد كه كتمان آن لازمست.
2- هيچ أمرى را بى مشورت و مراجعه بشما انجام ندهم مگر بيان حكم إلهي باشد كه مخصوص مقام خود من است.
3- هيچ يك از حقوق شماها را از موقع خود بتأخير نياندازم و دچار ترديد و توقف نسازم.
4- تبعيضي ميان شما قائل نشوم و همه را در حقوق و مزايا برابر بحساب آورم.
چون اين شرائط و مقررات را رعايت كردم نعمت ولايت عدل إلهي بر شما مسلّم گرديده است، و شما هم بايد چهار حق را نسبت بمن رعايت كنيد: 1- فرمانبردار و طاعت گزار باشيد.
2- دعوت مرا رد نكنيد و از آن سرباز نزنيد.
3- در صلاح و اصلاح امور كشور و ملّت تقصير و كوتاهى روا نداريد.
4- در اجراى حق نهايت بكوشيد و خود را باب و آتش بزنيد تا حق مجرى شود.
در خاتمه بدانيد كه اگر بر اين مقررات پاى بند نشويد و از آنها تخلّف ورزيد هيچكس نزد من خوارتر و زبونتر نيست از كسى كه راه كج رفته در ميان شماها، و سپس مجازات و سزاى او را سخت و بزرگ نمايم و تخفيف و گذشتى از آن رعايت نكنم اين دستور را از فرماندهان خود بگيريد، و خود را آماده كنيد كه وسيله صلاح كارهاى خود باشيد، و السّلام.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 140-146)
|