المختار السادس و الخمسون
و من كتاب له عليه السلام الى أهل الكوفة، عند مسيره من المدينة الى البصرة.
أمّا بعد، فإنّي خرجت من حييّ هذا، إمّا ظالما و إمّا مظلوما و إمّا باغيا و إمّا مبغيّا عليه، و إنّي أذكّر اللّه من بلغه كتابي هذا لمّا نفر إلىّ، فإن كنت محسنا أعانني، و إن كنت مسيئا استعتبني.
اللغة
(الحيّ): القبيلة و منه مسجد الحيّ أعني القبيلة و حيّ من الجنّ: قبيلة منها (البغى): الفساد و أصل البغي الحسد ثمّ سمّي الظالم بغيّا لأنّ الحاسد ظالم، (نفر إليّ) و نفروا إلى الشي ء: أسرعوا إليه- مجمع البحرين- .
الاعراب
حيّي هذا: هذا عطف بيان للحيّ و التعبير بلفظة هذا و هم قريش المهاجرون أو هم مع الأنصار بعناية الوحدة الاسلاميّة الساكنون في المدينة بادّعاء حضورهم عند المخاطبين ذهنا حتّى كأنّهم يعاينونهم فانّ حرج الموقف يلفت نظر أهل الكوفة و فكرتهم إلى المدينة الّتي كانت مركزا للاسلام و لأهل الحلّ و العقد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
إمّا: تفيد الترديد و الابهام و إذا كان مدخولها الجمع و ما في معناه يشعر بالتقسيم كقوله تعالى «إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا و إمّا كفورا»، اذكّر: من باب التفعيل يتعدّى إلى مفعولين و هما قوله «اللّه» و «من بلغه»، كتابي: فاعل قوله «بلغه»، لمّا: بالتشديد بمعنى إلّا كقوله تعالى «و إن كلّ لمّا جميع لدينا محضرون 22- يس» و بالتخفيف مركّبة من لام التأكيد و ما الزائدة.
المعنى
قال ابن ميثم: و قوله: إمّا ظالما- إلى قوله: عليه، من باب تجاهل العارف لأنّ القضيّة لم تكن بعد ظهرت لأهل الكوفة و غيرهم ليعرفوا هل هو مظلوم أو غيره.
و قال الشارح المعتزلي: ما أحسن هذا التقسيم و ما أبلغه في عطف القلوب عليه و استمالة النفوس إليه، قال: لا يخلو حالي في خروجي من أحد أمرين- إلخ.
أقول: جعل الشارح المعتزلي قوله عليه السّلام (إمّا ظالما و إمّا مظلوما) حالا عن الضمير المتكلّم في قوله (خرجت) و تبعه ابن ميثم على هذا التفسير و لا يخلو من الاعتراض.
إظهار الترديد منه عليه السّلام في هذا الموقف الحرج و تأييد أهل التشكيك في إبهام حاله من كونه ظالما أو مظلوما لا يناسب مقامه و لا موقعه و لا يناسب الموقف هضم النفس بهذا التعبير الموهن كما ذكره المعتزلي.
و لا يصحّ ما ذكره ابن ميثم «و لأنّ القضيّة لم تكن بعد ظهرت لأهل- الكوفة و غيرهم ليعرفوا هل هو مظلوم أو غيره» لأنّ غيره هو عثمان المقتول باهتمام أهل الكوفة و حضور جيش منهم فكيف لا يصحّ حاله عندهم و لا يعرفون برائة على عليه السّلام عن الظلم و البغي حتّى يؤيّد شكّهم بهذا التعبير الموجب للفشل و المستند للمخالف في دعوة الناس إلى التخذيل و الكفّ عن النصرة.
و الأصحّ جعله حالا عن الحيّ المقصود منه قبيلة قريش أو مسلمة مدينة من المهاجرين و الأنصار فانّ قريشا حيّه العنصري و مسلمة المدينة حيّه الاسلامي و التعبير بالمفرد باعتبار لفظ جمع أو كلّ كما ورد في الاية «إمّا شاكرا و إمّا كفورا».
و المقصود أنّي خرجت من بين قريش أو مسلمة المدينة حال كون بعضهم ظالما و بعضم مظلوما، و يؤيّده قوله «مبغيّا عليه» و إلّا فالأنسب أن يقول «مبغيّا عليّ»، و قوله عليه السّلام (فان كنت محسنا) بالنظر إلى أعماله بعد نفرهم إليه لا بالنسبة إلى ما قبله، و لفظ الماضي بعد «إن» تفيد معنى المضارع غالبا، و اندرج في كلامه عليه السّلام (فانّي خرجت عن حيّي هذا) معنا ذهبيّا يشعر بديمو قراطيّة ساميّة هي لبّ التعاليم الاسلاميّة.
و هي أنّه عليه السّلام بعد تصدّيه للزعامة على الامّة الاسلاميّة و بيعة المسلمين معه بالامامة تجرّد عن جميع المعاني العنصريّة و سلّم نفسه للشعب الاسلامي باسره و خرج عن حيّه و قبيلته فهو اليوم ابن الشعب الاسلامي عامّة بخلاف من تقدّمه من الزعماء الثلاثة، فانّ أبا بكر و عمر كانا ابنا المهاجرين و الأنصار و لم يخرجا عن التعصّب للعرب فهما ابنا العرب كما يظهر من ديوان العطايا الّذي نظمه عمر و من جعله العرب طبقات بعضها فوق بعض و لم يراع لمن أسلم من سائر الناس حقّا و جعلهم موالى و أسقط حقوقهم الاجتماعيّة في موارد شتّى، و أمّا عثمان فقد ظهر ابن حيّه بني أميّة و فوّض إليهم امور المسلمين و بيت مالهم حتّى نقموا عليه و ثاروا على حكومته و قتلوه.
و قد أكّد عليه السّلام هذه الفلسفة السامية العميقة بقوله «ظالما أو مظلوما...» إي تجرّد عن حيّه على أيّ حال كان حيّه فانّ هذا التجرّد طبيعة زعامته العامّة على الامّة و لا ربط له بوضع حيّه من كونه ظالما أو مظلوما، فانّ كلا العنوان نامه 57 نهج البلاغهين ربما صارا من دواعي الخروج عن الحي، و كلامه هذا أبلغ تعبير في استعطاف أهل الكوفة للقيام بنصرته فكأنّه قال: أنا من الشعب و منكم فهلمّوا إلىّ.
الترجمة
از نامه ايست كه حضرتش در هنگام رفتن از مدينه ببصره بأهل كوفه نگاشته است: أمّا بعد، براستى كه من از اين قبيله بيرون شدم كه يا ستمكار بودند و يا ستمكش، يا متجاوز بودند و يا تجاوز كش، و خدا را ياد آور همه خواننده هاى اين نامه مى كنم كه بمحض اطّلاع از مضمون آن بسوى من كوچ كنند، تا اگر نيك رفتارم مرا يارى دهند، و اگر بد رفتارم از من گله كنند و بمن اعتراض نمايند.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 335-338)
|