المختار الثامن و الخمسون
و من كتاب له عليه السّلام الى الاسود بن قطيبة صاحب جند حلوان أمّا بعد، فإنّ الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيرا من العدل فليكن أمر النّاس عندك في الحقّ سواء، فإنّه ليس في الجور عوض من العدل، فأجتنب ما تنكر أمثاله، و ابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك، راجيا ثوابه، و متخوّفا عقابه. و اعلم أنّ الدّنيا دار بليّة لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة إلّا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة، و أنّه لن يغنيك عن الحقّ شي ء أبدا، و من الحقّ عليك حفظ نفسك، و الاحتساب على الرّعيّة بجهدك، فإنّ الّذي يصل إليك من ذلك أفضل من الّذي يصل بك، و السّلام.
اللغة
(اختلف) من موضع إلى موضع: تردّد، و منه الحديث «من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان» و مثله «كنت أختلف إلى ابن أبي ليلى في مواريث لنا»، (سواء) قال في المغني: تكون بمعنى مستو، (الجور): الميل عن الحقّ و هو خلاف العدل، (قطّ): من أسماء الأفعال بمعنى انته و كثيرا ما تصدّر بالفاء مجمع البحرين- .
الاعراب
كثيرا: مفعول مطلق لقوله «منعه» بحذف الموصوف أى منعا كثيرا أو مفعول له لمنعه، و من العدل متعلّق به، سواء: خبر فليكن، عندك: ظرف متعلّق بسواء، في الحقّ: جار و مجرور متعلّق بقوله «سواء»، في الجور: ظرف مستقرّ خبر ليس قدّم على اسمه و هو عوض و «من العدل» جار و مجرور متعلّق بقوله «عوض»، فيها: متعلّق بقوله «لم يفرغ»، ساعة: مفعول فيه، فرغة: مصدر للمرّة، حفظ نفسك: مبتدأ مؤخّر لقوله «و من الحقّ» و هو ظرف مستقرّ، و عليك متعلّق بقوله «الحقّ»، الباء في بك للالصاق.
المعنى
قال الشارح المعتزلي «ص 145 ج 17 ط مصر»: لم أقف إلى الان على نسب الأسود بن قطبة، و قرأت في كثير من النسخ أنّه حارثي من الحارث بن كعب، و لم أتحقّق ذلك، و الّذي يغلب على ظنّي أنّه الأسود بن زيد بن قطبة بن غنم الانصاري من بني عبيد بن عدي، ذكره أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب الاستيعاب، و قال: ان موسى بن عقبة عدّه ممّن شهد بدرا.
أقول: حلوان بلد ربما يعدّ من البلدان العظيمة المحصّنة لحكومة فارس في الدولة الساسانيّة بعد مدائن الّتي كانت عاصمة تلك الدولة الكبرى في عصرها واقع جنوب مدائن ممّا يقرب من أربعة مراحل، و قد تحصّن فيه يزدجرد الثالث بعد هزيمته من مدائن و سقوطها في أيدى المسلمين و عسكر هناك لسدّ هجوم جيش الاسلام و وقع بين الفريقين حروب هائلة انتهت بسقوط حلوان في أيدى المسلمين و بخراب هذه البلدة العظيمة.
و الظاهر أنّه صار معسكرا لجنود الاسلام إلى أيّام زعامة أمير المؤمنين عليه السّلام و كان سياسة الزعماء الماضين الّتي بناها عمر الإهانة و الخشونة مع غير المسلمين العرب و إن كانوا مسلمين و احتقارهم و النظر إليهم كعبيد و إماء، و كان من مهمّة حكومته عليه السّلام تغيير هذه السياسة العمريّة و الإرفاق بعموم الناس تشويقا لهم إلى قبول الاسلام و إجراء للعدالة بين الأنام.
و قد أقدم على هذه السنّة النبويّة من طرق شتّى: منها: تقريب الموالي و المسلمة من غير العرب و تسويتهم في العطايا مع العرب حتّى المهاجرين منهم و الأنصار.
و منها: إظهار اعتماده عليهم و تفويض المناصب إليهم بقدر لياقتهم، ففوّض حجابته و هي من أهمّ المناصب حينئذ إلى قنبر و هو المخلص له عليه السّلام و المعتمد عنده.
و روى صاحب منهج المقال بسنده عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام قال:
- لمّا رأيت الأمر أمرا منكراأو قدت ناري و دعوت قنبرا
و قد وصّى عليه السّلام صاحب جند حلوان الحاكم في أرض الامّة الفارسيّة بأنّه إذا تردّد على الوالي الأهواء يمنعه من رعاية العدل كثيرا، و أغلب الأهواء المتردّدة على ذوى القدرة من العرب هو التعصّب العربي و الترفّع العنصري الّذي نشأوا عليه في الجاهليّة فأخمد لهيبه الاسلام في عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ أحياه حكومة عرب و أسرة بني اميّة أهل النفوذ في حكومته في جميع البلاد الاسلاميّة و خصوصا في الشام و العراق الّتي تليها، فأمره برعاية التساوي في الحقوق بالنسبة إلى جميع الناس و نبّه على أنّ الجور على أيّ قبيل لا يقوى به الاسلام و لا يصير عوضا عن العدل كما زعمه العمريّون بل الجور على غير العرب يوجب نفورهم عن الاسلام.
و أمره باجتناب ما تنكره و هو عرب بالنسبة إلى جميع الناس، و في قوله عليه السّلام (و ابتذل نفسك) إشارة ظاهرة على ترك الترفّع العنصري أى اجعل نفسك كأحد من الناس لأداء ما فرضه اللّه عليك.
و نبّهه على أنّ الدنيا دار امتحان و ابتلاء و اغتنام فرصة ساعة فيها للراحة و السرور يوجب الحسرة و الأسف يوم القيامة، و نبّهه على أنّ وظيفة الوالي أن يحفظ نفسه أى يمنعها عن هواها و جاهها عن الأمر عليه حتّى ينساها و يخلص همّه و جهده لخدمة الرعيّة مسلمين كانوا أو ذمّيّين و معاهدين معلّلا بأنّ ما يصل من رعاية الرعيّة من حسن الذكر و رفاه معيشة العامّة في الدنيا و من المثوبة في الاخرة أفضل من الّذي يصل به من الجهد و المثقّة من ذلك.
قال الشارح المعتزلي في شرح هذه الجملة (فانّ الّذي يصل إليك): من ثواب الاحتساب على الرعيّة و حفظ نفسك عن مظالمهم و الحيف عليهم (أفضل من الّذي يصل بك) من حراسة دمائهم و أعراضهم و أموالهم، و لا شبهة في ذلك.
و قال ابن ميثم في شرح الجملة «ص 191 ج 5 ط مؤسّسة النصر»: و أراد أنّ الّذي يصل إلى نفسك من الكمالات و الثواب اللازم عنها في الاخرة بسبب لزومك للأمرين المذكورين أفضل ممّا يصل بعدلك و إحسانك إلى الخلق من النفع و دفع الضرر.
أقول: و هو يقرب ممّا ذكره الشارح المعتزلي و لا يخفى ضعف كلا التفسيرين على أهل النظر.
الترجمة
از نامه اى كه بأسود بن قطبة سرلشكر حلوان نگاشته: أمّا بعد، براستى كه اگر هوسهاى فرمانگذار پياپى باشد او را بسيار از إجراى عدالت جلوگير گردد، بايد از پيروى هوس در گذرى و بهمه مردم در إجراى حق بيك چشم نگرى، زيرا كه در خلاف حق هيچ عوضى از عدالت وجود ندارد، بر كنار باش از آنچه كه مانند آن را نسبت بخود زشت و ناهنجار شمارى و خود را در انجام آنچه خدا بر تو فرض كرده و وظيفه تو دانسته خوار دار، باميد پاداش نيك او و از بيم شكنجه اش.
و بدانكه دنيا خانه آزمايش و بلا است، هرگز دنيادار ساعتى در آن بيكار و بر كنار از انجام وظيفه نيارامد جز آنكه در روز رستاخيز بر آن افسوس خورد و راستش اين است كه هيچ چيزى ترا از رعايت حق و درستى بى نياز نسازد، و از جمله حقوقى كه بر عهده تو است اين است كه خوددار باشى و نفس خود را مهار زنى و با همه كوشش خود بكارهاى رعايا بپردازى، زيرا آنچه از اين راه بتو عايد مى شود بهتر است از آن رنج و تعب كه در إجراى حق و رعايت رعيّت بتو مى رسد.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 345-349)
|