116 وَ قَالَ ع: وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ- أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ- تُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ وَ النِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ- وَ أَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً- وَ أَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا- وَ أَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا- وَ أَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا- وَ هُمْ أَكْثَرُ وَ أَمْكَرُ وَ أَنْكَرُ- وَ نَحْنُ أَفْصَحُ وَ أَنْصَحُ وَ أَصْبَحُ
فصل في نسب بني مخزوم و طرف من أخبارهم
قد تقدم القول في مفاخرة هاشم و عبد شمس- فأما بنو مخزوم فإنهم بعد هذين البيتين أفخر قريش- و أعظمها شرفا- . قال شيخنا أبو عثمان حظيت مخزوم بالأشعار- فانتشر لهم صيت عظيم بها- و اتفق لهم فيها ما لم يتفق لأحد- و ذلك أنه يضرب بهم المثل في العز و المنعة- و الجود و الشرف و أوضعوا في كل غاية- فمن ذلك قول سيحان الجسري حليف بني أمية في كلمة له-
و حين يناغي الركب موت هشام
- . فدل ذلك على أن ما تقوله مخزوم في التاريخ حق- و ذلك أنهم قالوا كانت قريش و كنانة- و من والاهم من الناس يؤرخون بثلاثة أشياء- كانوا يقولون كان ذلك زمن مبنى الكعبة- و كان ذلك من مجي ء الفيل- و كان ذلك عام مات هشام بن المغيرة كما كانت العرب تؤرخ فتقول- كان ذلك زمن الفطحل- و كان ذلك زمن الحيان- و كان ذلك زمن الحجارة- و كان ذلك عام الحجاف- و الرواة تجعل ضرب المثل من أعظم المفاخر- و أظهر الدلائل- و الشعر كما علمت كما يرفع يضع- كما رفع من بني أنف الناقة قول الحطيئة
قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم و من يسوي بأنف الناقة الذنبا
- . و كما وضع من بني نمير قول جرير-
فعض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا
- . فلقيت نمير من هذا البيت ما لقيت- . و جعلهم الشاعر مثلا فيمن وضعه الهجاء- و هو يهجو قوما من العرب-
و سوف يزيدكم ضعة هجائي كما وضع الهجاء بني نمير
- . و نمير قبيل شريف و قد ثلم في شرفهم هذا البيت- . و قال ابن غزالة الكندي و هو يمدح بني شيبان- و لم يكن في موضع رغبة إلى بني مخزوم و لا في موضع رهبة-
كأني إذ حططت الرحل فيهم بمكة حين حل بها هشام
- . فضرب بهشام المثل- . و قال رجل من بني حزم أحد بني سلمى- و هو يمدح حرب بن معاوية الخفاجي و خفاجة من بني عقيل-
إلى حزن الحزون سمت ركابي بوابل خلفها عسلان جيش
فلما أن أنخت إلى ذراه أمنت فراشني منه بريش
توسط بيته في آل كعب
كبيت بني مغيرة في قريش
- . فضرب المثل ببيتهم في قريش- . و قال عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن الحكم-
ما رست أكيس من بني قحطان صعب الذرا متمنع الأركان
إني طمعت بفخر من لو رامه
آل المغيرة أو بنو ذكوان
لملأتها خيلا تضب لثاتها مثل الدبا و كواسر العقبان
منهم هشام و الوليد و عدلهم
و أبو أمية مفزع الركبان
- . فضرب المثل بآل المغيرة- . و أما بنو ذكوان فبنو بدر بن عمرو بن حوية- بن ذكوان أحد بني عدي بن فزارة- منهم حذيفة و حمل و رهطهما و قال مالك بن نويرة-
أ لم ينه عنا فخر بكر بن وائل هزيمتهم في كل يوم لزام
فمنهن يوم الشر أو يوم منعج
و بالجزع إذ قسمن حي عصام
أحاديث شاعت في معد و غيرها و خبرها الركبان حي هشام
- . فجعل قريشا كلها حيا لهشام- . و قال عبد الله بن ثور الخفاجي-
و أصبح بطن مكة مقشعرا كأن الأرض ليس بها هشام
- . و هذا مثل و فوق المثل- . قالوا و قال الخروف الكلبي- و قد مر به ناس من تجار قريش يريدون الشام بادين قشفين- ما لكم معاشر قريش هكذا أجدبتم أم مات هشام- فجعل موت هشام بإزاء الجدب و المحل- و في هذا المعنى قال مسافر بن أبي عمرو-
تقول لنا الركبان في كل منزل أ مات هشام أم أصابكم جدب
- . فجعل موت هشام و فقد الغيث سواء- . و قال عبد الله بن سلمة بن قشير-
دعيني أصطبح يا بكر إني رأيت الموت نقب عن هشام
- . و قال أبو الطمحان القيني أو أخوه-
و كانت قريش لا تخون حريمها من الخوف حتى ناهضت بهشام
- . و قال أبو بكر بن شعوب لقومه كنانة-
يا قومنا لا تهلكوا إخفاتا إن هشام القرشي ماتا
- . و قال خداش بن زهير-
و قد كنت هجاء لهم ثم كفكفوا نوافذ قولي بالهمام هشام
- . و قال علي بن هرمة عم إبراهيم بن هرمة-
و من يرتئي مدحي فإن مدائحي نوافق عند الأكرمين سوام
نوافق عند المشتري الحمد بالندى
نفاق بنات الحارث بن هشام
- . و قال الشاعر و هو يهجو رجلا-
أ حسبت أن أباك يوم نسبتني في المجد كان الحارث بن هشام
أولى قريش بالمكارم كلها
في الجاهلية كان و الإسلام
و قال الأسود بن يعفر النهشلي-
إن الأكارم من قريش كلها شهدوا فراموا الأمر كل مرام
حتى إذا كثر التجادل بينهم
حزم الأمور الحارث بن هشام
- . و قال ثابت قطنة أو كعب الأشقري- لمحمد بن الأشعث بن قيس-
أ توعدني بالأشعثي و مالك و تفخر جهلا بالوسيط الطماطم
كأنك بالبطحاء تذمر حارثا
و خالد سيف الدين بين الملاحم
- . و قال الخزاعي في كلمته التي يذكر فيها أبا أحيحة-
له سرة البطحاء و العد و الثرى و لا كهاشم الخير و القلب مردف
- . و سأل معاوية صعصعة بن صوحان العبدي عن قبائل قريش- فقال إن قلنا غضبتم و إن سكتنا غضبتم- فقال أقسمت عليك قال فيمن يقول شاعركم-
و عشرة كلهم سيد آباء سادات و أبناؤها
إن يسألوا يعطوا و إن يعدموا
يبيض من مكة بطحاؤها
- . و قال عبد الرحمن بن سيحان الجسري حليف بني أمية- و هو يهجو عبد الله بن مطيع من بني عدي-
حرام كنتي مني بسوء و أذكر صاحبي أبدا بذام
لقد أصرمت ود بني مطيع
حرام الدهر للرجل الحرام
و إن خيف الزمان مددت حبلا متينا من حبال بني هاشم
وريق عودهم أبدا رطيب
إذا ما اهتز عيدان الكرام
و قال أبو طالب بن عبد المطلب و هو يفخر بخاليه- هشام و الوليد على أبي سفيان بن حرب-
و خالي هشام بن المغيرة ثاقب إذا هم يوما كالحسام المهند
و خالي الوليد العدل عال مكانه
و خال أبي سفيان عمرو بن مرثد
- . و قال ابن الزبعرى فيهم-
لهم مشية ليست تليق بغيرهم إذا احدودب المثرون في السنة الجدب
- . و قال شاعر من بني هوازن أحد بني أنف الناقة- حين سقى إبله عبد الله بن أبي أمية المخزومي- بعد أن منعه الزبرقان بن بدر-
أ تدري من منعت سيال حوض سليل خضارم منعوا البطاحا
أ زاد الركب تمنع أم هشاما
و ذا الرمحين أمنعهم سلاحا
هم منعوا الأباطح دون فهر و من بالخيف و البلد الكفاحا
بضرب دون بيضهم طلخف
إذا الملهوف لاذ بهم و صاحا
و ما تدري بأيهم تلاقي صدور المشرفية و الرماحا
- . فقال عبد الله بن أبي أمية مجيبا له-
لعمري لأنت المرء يحسن باديا و تحسن عودا شيمة و تصنعا
عرفت لقوم مجدهم و قديمهم
و كنت لما أسديت أهلا و موضعا
- . قالوا و كان الوليد بن المغيرة يجلس بذي المجاز- فيحكم بين العرب أيام عكاظ- و قد كان رجل من بني عامر بن لؤي- رافق رجلا من بني عبد مناف بن قصي- فجرى بينهما كلام في حبل- فعلاه بالعصا حتى قتله فكاد دمه يطل- فقام دونه أبو طالب بن عبد المطلب و قدمه إلى الوليد- فاستحلفه خمسين يمينا أنه ما قتله- ففي ذلك يقول أبو طالب-
أ من أجل حبل ذي رمام علوته بمنسأة قد جاء حبل و أحبل
هلم إلى حكم ابن صخرة إنه
سيحكم فيما بيننا ثم يعدل
- . و قال أبو طالب أيضا في كلمة له-
و حكمك يبقي الخير إن عز أمره تخمط و استعلى على الأضعف الفرد
- . و قال أبو طالب أيضا يرثي أبا أمية زاد الركب و هو خاله-
كأن على رضراض قص و جندل من اليبس أو تحت الفراش المجامر
على خير حاف من معد و ناعل
إذا الخير يرجي أو إذا الشر حاسر
ألا إن زاد الركب غير مدافع بسرو سحيم غيبته المقابر
تنادوا بأن لا سيد اليوم فيهم
و قد فجع الحيان كعب و عامر
و كان إذا يأتي من الشام قافلا تقدمه قبل الدنو البشائر
فيصبح آل الله بيضا ثيابهم
و قدما حباهم و العيون كواسر
أخو جفنة لا تبرح الدهر عندنا مجعجعة تدمي وشاء و باقر
ضروب بنصل السيف سوق سمانها
إذا أرسلوا يوما فإنك عاقر
فيا لك من راع رميت بآلة شراعية تخضر منه الأظافر
- . و قال أبو طالب أيضا يرثي خاله هشام بن المغيرة
فقدنا عميد الحي و الركن خاشع كفقد أبي عثمان و البيت و الحجر
و كان هشام بن المغيرة عصمة
إذا عرك الناس المخاوف و الفقر
بأبياته كانت أرامل قومه تلوذ و أيتام العشيرة و السفر
فودت قريش لو فدته بشطرها
و قل لعمري لو فدوه له الشطر
نقول لعمرو أنت منه و إننا لنرجوك في جل الملمات يا عمرو
- . عمرو هذا هو أبو جهل بن هشام- و أبو عثمان هو هشام- . و قالت ضباعة بنت عامر بن سلمة بن قرط ترثيه-
إن أبا عثمان لم أنسه و إن صبرا عن بكاه لحوب
تفاقدوا من معشر ما لهم
أي ذنوب صوبوا في القليب
- . و قال حسان بن ثابت و هو يهجو أبا جهل- و كان يكنى أبا الحكم-
الناس كنوه أبا حكم و الله كناه أبا جهل
أبقت رئاسته لأسرته
لؤم الفروع و دقة الأصل
- . فاعترف له بالرئاسة و التقدم- . و قال أبو عبيد معمر بن المثنى- لما تنافر عامر بن الطفيل و علقمة بن علاثة- إلى هرم بن قطبة و توارى عنهما أرسل إليهما- عليكما بالفتى الحديث السن الحديد الذهن- فصارا إلى أبي جهل فقال له ابن الزبعرى-
فلا تحكم فداك أبي و خالي و كن كالمرء حاكم آل عمرو
فأبى أن يحكم فرجعا إلى هرم- . و قال عبد الله بن ثور
هريقا من دموعكما سجاما ضباع و حاربي نوحا قياما
فمن للركب إذ جاءوا طروقا
و غلقت البيوت فلا هشاما
- . و قال أيضا في كلمة له-
و ما ولدت نساء بني نزار و لا رشحن أكرم من هشام
هشام بن المغيرة خير فهر
و أفضل من سقى صوب الغمام
- . و قال عمارة بن أبي طرفة الهذلي- سمعت ابن جريح يقول في كلام له- هلك سيد البطحاء بالرعاف- قلت و من سيد البطحاء قال هشام بن المغيرة- . و
قال النبي ص لو دخل أحد من مشركي قريش الجنة- لدخلها هشام بن المغيرة كان أبذلهم للمعروف- و أحملهم للكل
و قال عمر بن الخطاب لا قليل في الله و لا كثير في غير الله- و لو بالخلق الجزل و الفعال الدثر- تنال المثوبة لنالها هشام بن المغيرة- و لكن بتوحيد الله و الجهاد في سبيله- . و قال خداش بن زهير في يوم شمطة و هو أحد أيام الفجار- و هو عدو قريش و خصمها-
و بلغ أن بلغت بنا هشاما و ذا الرمحين بلغ و الوليدا
أولئك إن يكن في الناس جود
فإن لديهم حسبا و جودا
هم خير المعاشر من قريش و أوراها إذا قدحوا زنودا
و قال أيضا و ذكرهما في تلك الحروب-
يا شدة ما شددنا غير كاذبة على سخينة لو لا الليل و الحرم
إذا ثقفنا هشاما بالوليد و لو
أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم
- . و ذكرهم ابن الزبعرى في تلك الحروب فقال-
ألا لله قوم ولدت أخت بني سهم
هشام و أبو عبد
مناف مدره الخصم
و ذو الرمحين أشباك من القوة و الحزم
فهذان يذودان
و ذا عن كثب يرمي
و هم يوم عكاظ منعوا الناس من الهزم
بجأواء طحون فخمة
القونس كالنجم
أسود تزدهى الأقران مناعون للهضم
فإن أحلف و بيت الله
لا أحلف على إثم
و ما من إخوة بين دروب الشام و الردم
بأزكى من بني ريطة
أو أرزن من حلم
- . ريطة هي أم ولد المغيرة- و هي ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو- بن هصيص بن كعب- و أبو عبد مناف هو أبو أمية بن المغيرة- و يعرف بزاد الركب و اسمه حذيفة- و إنما قيل له زاد الركب- لأنه كان إذا خرج مسافرا لم يتزود معه أحد- و كانت عنده عاتكة بنت عبد المطلب بن هشام- و أما ذو الرمحين فهو أبو ربيعة بن المغيرة- و اسمه عمرو- و كان المغيرة يكنى باسم ابنه الأكبر و هو هاشم- و لم يعقب إلا من حنتمة ابنته و هي أم عمر بن الخطاب- . و قال ابن الزبعرى يمدح أبا جهل-
رب نديم ماجد الأصل مهذب الأعراق و النجل
منهم أبو عبد مناف و كم
سربت بالضخم على العدل
عمرو الندى ذاك و أشياعه ما شئت من قول و من فعل
- . و قال الورد بن خلاس السهمي سهم بأهله يمدح الوليد-
إذا كنت في حيي جذيمة ثاويا فعند عظيم القريتين وليد
فذاك وحيد الرأي مشترك الندى
و عصمة ملهوف الجنان عميد
- . و قال أيضا-
إن الوليدين و الأبناء ضاحية ربا تهامة في الميسور و العسر
هم الغياث و بعض القوم قرقمة
عز الذليل و غيظ الحاسد الوغر
- . و قال-
و رهطك يا ابن الغيث أكرم محتد و امنع للجار اللهيف المهضم
- . قالوا الغيث لقب المغيرة- و جعل الوليد و أخاه هشاما ربي تهامة- كما قال لبيد بن ربيعة في حذيفة بن بدر-
و أهلكن يوما رب كندة و ابنه و رب معد بين خبت و عرعر
- فجعله رب معد- .
قالوا يدل على قدر مخزوم- ما رأينا من تعظيم القرآن لشأنهم- دون غيرهم من سائر قريش- قال الله تعالى مخبرا عن العرب إنهم قالوا- لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ- فأحد الرجلين العظيمين بلا شك الوليد بن المغيرة- و الآخر مختلف فيه أ هو عروة بن مسعود- أم جد المختار بن أبي عبيد- . و قال سبحانه في الوليد- ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً- وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَ بَنِينَ شُهُوداً الآيات- . قالوا و في الوليد نزلت- أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى- . و في أبي جهل نزلت- ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ- . و فيه نزلت فَلْيَدْعُ نادِيَهُ- . و في مخزوم وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ- . و فيهم نزلت ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ- . و زعم اليقطري أبو اليقظان و أبو الحسن- أن الحجاج سأل أعشى همدان- عن بيوتات قريش في الجاهلية- فقال إني قد آليت ألا أنفر أحدا على أحد- و لكن أقول و تسمعون قالوا فقل- قال من أيهم المحبب في أهله المؤرخ بذكره- محلي الكعبة و ضارب القبة و الملقب بالخير- و صاحب الخير و المير- قالوا من بني مخزوم- قال فمن أيهم ضجيع بسباسة و المنحور عنه ألف ناقة- و زاد الركب و مبيض البطحاء- قالوا من بني مخزوم- قال فمن أيهم كان المقنع في حكمه- و المنفذ وصيته على تهكمه و عدل الجميع في الرفادة- و أول من وضع أساس الكعبة- قالوا من بني مخزوم- قال فمن أيهم صاحب الأريكة و مطعم الخزيرة- قالوا من بني مخزوم- قال فمن أيهم الإخوة العشرة الكرام البررة- قالوا من بني مخزوم قال فهو ذاك- فقال رجل من بني أمية أيها الأمير- لو كان لهم مع قديمهم حديث إسلام- فقال الحجاج أ و ما علمت بأن منهم رداد الردة- و قاتل مسيلمة و آسر طليحة- و المدرك بالطائلة- مع الفتوح العظام و الأيادي الجسام- فهذا آخر ما ذكره أبو عثمان- . و يمكن أن يزاد عليه فيقال- قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا- على أن قال مخزوم ريحانة قريش- تحب حديث رجالهم و النكاح في نسائهم- و لنا في الجاهلية و الإسلام أثر عظيم- و رجال كثيرة و رؤساء شهيرة- فمنا المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم- كان سيد قريش في الجاهلية- و هو الذي منع فزارة من الحج- لما عير خشين بن لأي الفزاري- ثم الشمخي قوما من قريش- إنهم يأخذون ما ينحره العرب من الإبل في الموسم- فقال خشين لما منع من الحج-
يا رب هل عندك من عقيره أصلح مالي و أدع تنحيره
فإن منا مانع المغيره
و مانعا بعد منى بثيره
و مانعا بيتك أن أزوره
- . منا بنو المغيرة العشرة أمهم ريطة- و قد تقدم ذكر نسبها- و أمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي- و أمها الحظيا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة- أول امرأة من قريش ضربت قباب الأدم بذي المجاز- و لها يقول الشاعر-
مضى بالصالحات بنو الحظيا و كان بسيفهم يغنى الفقير
- . فمن هؤلاء أعني الحظيا الوليد بن المغيرة- أمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد شمس القشيري- كان أبو طالب بن عبد المطلب يفتخر بأنه خاله- و كفاك من رجل يفتخر أبو طالب بخئولته- أ لا ترى إلى قول أبي طالب-
و خالي الوليد قد عرفتم مكانه و خالي أبو العاصي إياس بن معبد
- . و منهم حفص بن المغيرة و كان شريفا- و عثمان بن المغيرة و كان شريفا- و منهم السيد المطاع هشام بن المغيرة- و كان سيد قريش غير مدافع- له يقول أبو بكر بن الأسود بن شعوب يرثيه-
ذريني أصطبح يا بكر إني رأيت الموت نقب عن هشام
تخيره و لم يعدل سواه
و نعم المرء بالبلد الحرام
و كنت إذا ألاقيه كأني إلى حرم و في شهر حرام
فود بنو المغيرة لو فدوه
بألف مقاتل و بألف رام
و ود بنو المغيرة لو فدوه بألف من رجال أو سوام
فبكيه ضباع و لا تملي
هشاما إنه غيث الأنام - . و يقول له الحارث بن أمية الضمري-
ألا هلك القناص و الحامل الثقلا و من لا يضن عن عشيرته فضلا
و حرب أبا عثمان أطفأت نارها
و لو لا هشام أوقدت حطبا جزلا
و عان تريك يستكين لعلة فككت أبا عثمان عن يده الغلا
ألا لست كالهلكى فتبكى بكاءهم
و لكن أرى الهلاك في جنبه و غلا
غداة غدت تبكي ضباعة غيثنا هشاما و قد أعلت بمهلكه ضحلا
أ لم تريا أن الأمانة أصعدت
مع النعش إذ ولى و كان لها أهلا
و قال أيضا يبكيه و يرثيه-
و أصبح بطن مكة مقشعرا شديد المحل ليس به هشام
يروح كأنه أشلاء سوط
و فوق جفانه شحم ركام
فللكبراء أكل كيف شاءوا و للولدان لقم و اغتنام
فبكيه ضباع و لا تملي
ثمال الناس إن قحط الغمام
و إن بني المغيرة من قريش هم الرأس المقدم و السنام
- . و ضباعة التي تذكرها الشعراء زوجة هشام- و هي من بني قشير- . قال الزبير بن بكار فلما قال الحارث- ألا لست كالهلكى البيت- عظم ذلك على بني عبد مناف- فأغروا به حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي- حليف بني عبد شمس- و كانت قريش رضيت به و استعملته على سقائها- ففر منه الحارث و قال-
أفر من الأباطح كل يوم مخافة أن ينكل بي حكيم
- . فهدم حكيم داره فأعطاه بنو هشام داره التي بأجياد عوضا منها- . و قال عبد الله بن ثور البكائي يرثيه-
هريقي من دموعهما سجاما ضباع و جاوبى نوحا قياما
على خير البرية لن تراه
و لن تلقى مواهبه العظاما
جواد مثل سيل الغيث يوما إذا علجانه يعلو الإكاما
إذا ما كان عام ذو عرام
حسبت قدوره جبلا صياما
فمن للركب إذا مسوا طروقا و غلقت البيوت فلا هشاما
و أوحش بطن مكة بعد أنس
و مجد كان فيها قد أقاما
فلم أر مثله في أهل نجد و لا فيمن بغورك يا تهاما
قال الزبير- و كان فارس قريش في الجاهلية هشام بن المغيرة- و أبو لبيد بن عبدة بن حجرة بن عبد بن معيص- بن عامر بن لؤي- و كان يقال لهشام فارس البطحاء- فلما هلكا كان فارسي قريش بعدهما- عمرو بن عبد العامري المقتول يوم الخندق- و ضرار بن الخطاب المحاربي الفهري- ثم هبيرة بن أبي وهب- و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان- قالوا و كان عام مات هشام تاريخا- كعام الفيل و عام الفجار و عام بنيان الكعبة- و كان هشام رئيس بني مخزوم يوم الفجار- . قالوا و منا أبو جهل بن هشام و اسمه عمرو و كنيته أبو الحكم- و إنما كناه أبا جهل رسول الله ص- كان سيدا أدخلته قريش دار الندوة فسودته- و أجلسته فوق الجلة من شيوخ قريش- و هو غلام لم يطر شاربه و هو أحد من ساد على الصبا- و الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان شريفا مذكورا- و له يقول كعب بن الأشرف اليهودي الطائي-
نبئت أن الحارث بن هشام في الناس يبني المكرمات و يجمع
ليزور يثرب بالجموع و إنما
يبني على الحسب القديم الأروع
- . و هو الذي هاجر من مكة إلى الشام- بأهله و ماله في خلافة عمر بن الخطاب- فتبعه أهل مكة يبكون- فرق و بكى و قال إنا لو كنا نستبدل دارا بدار- و جارا بجار ما أردنا بكم بدلا- و لكنها النقلة إلى الله عز و جل- فلم يزل حابسا نفسه و من معه بالشام مجاهدا حتى مات- . قال الزبير- جاء الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب- فجلسا عنده و هو بينهما- فجعل المهاجرون الأولون و الأنصار يأتون عمر- فينحيهما و يقول هاهنا يا سهيل هاهنا يا حارث- حتى صارا في آخر الناس- فقال الحارث لسهيل أ لم تر ما صنع بناء عمر اليوم- فقال سهيل أيها الرجل إنه لا لوم عليه- ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا- دعي القوم و دعينا فأسرعوا و أبطأنا- فلما قاما من عند عمر أتياه في غد فقالا له- قد رأينا ما صنعت بالأمس- و علمنا أنا أتينا من أنفسنا فهل من شي ء نستدرك به- فقال لا أعلم إلا هذا الوجه و أشار لهما إلى ثغر الروم- فخرجا إلى الشام فجاهدا بها حتى ماتا- . قالوا و منا عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- أمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة و كان شريفا سيدا- و هو الذي قال لمعاوية لما قتل حجر بن عدي و أصحابه- أين عزب منك حلم أبي سفيان أ لا حبستهم في السجون- و عرضتهم للطاعون- فقال حين غاب عني مثلك من قومي- و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي رغب فيه- عثمان بن عفان و هو خليفة فزوجه ابنته- . قالوا و منا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- كان سيدا جوادا و فقيها عالما- و هو الذي قدم عليه بنو أسد بن خزيمة- يسألونه في دماء كانت بينهم- فاحتمل عنهم أربعمائة بعير دية أربعة من القتلى- و لم يكن بيده مال فقال لابنه عبد الله بن أبي بكر- اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن فاسأله المعونة- فذهب عبد الله إلى عمه فذكر له ذلك- فقال المغيرة لقد أكبر علينا أبوك- فانصرف عنه عبد الله و أقام أياما لا يذكر لأبيه شيئا- و كان يقود أباه إلى المسجد و قد ذهب بصره- فقال له أبوه يوما أ ذهبت إلى عمك قال نعم و سكت- فعرف حين سكت أنه لن يجد عند عمه ما يحب- فقال له يا بني أ لا تخبرني ما قال لك- قال أ يفعل أبو هاشم و كانت كنية المغيرة فربما فعل- و لكن اغد غدا إلى السوق فخذ لي عينة- فغدا عبد الله فتعين عينة من السوق لأبيه و باعها- فأقام أيام لا يبيع أحد في السوق طعاما و لا زيتا- غير عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة- فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين- فدفعها إليهم- . و كان أبو بكر خصيصا بعبد الملك بن مروان- و قال عبد الملك لابنه الوليد لما حضرته الوفاة- إن لي بالمدينة صديقين فاحفظني فيهما- عبد الله بن جعفر بن أبي طالب- و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- . و كان يقال- ثلاثة أبيات من قريش توالت بالشرف خمسة خمسة- و عدوا منها أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث- بن هشام بن المغيرة- . قالوا و منا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- كان أجود الناس بالمال و أطعمهم للطعام- و كانت عينه أصيبت مع مسلمة بن عبد الملك- في غزوة الروم- و كان المغيرة ينحر الجزور و يطعم الطعام حيث نزل- و لا يرد أحدا فجاء قوم من الأعراب فجلسوا على طعامه- فجعل أحدهم يحد النظر إليه- فقال له المغيرة ما لك تحد النظر إلي- قال إني ليريبني عينك و سماحك بالطعام- قال و مم ارتبت قال أظنك الدجال- لأنا روينا أنه أعور و أنه أطعم الناس للطعام- فقال المغيرة ويحك إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله- و للمغيرة يقول الأقيشر الأسدي لما قدم الكوفة- فنحر الجزر و بسط الأنطاع و أطعم الناس- و صار صيته في العرب-
أتاك البحر طم على قريش معيرتي فقد راع ابن بشر
و راع الجدي جدي التيم لما
رأى المعروف منه غير نزر
و من أوتار عقبة قد شفاني و رهط الحاطبي و رهط صخر
فلا يغررك حسن الزي منهم
و لا سرح ببزيون و نمر
- . فابن بشر عبد الله بن بشر بن مروان بن الحكم- و جدي التيم حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله- و أوتار عقبة يعني أولاد عقبة بن أبي معيط- و الحاطبي لقمان بن محمد بن حاطب الجمحي- و رهط صخر بنو أبي سفيان بن حرب بن أمية- و كل هؤلاء كانوا مشهورين بالكوفة- فلما قدمها المغيرة أخمل ذكرهم- و المغيرة هذا هو الذي بلغه- أن سليم بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري- أراد أن يبيع المنزل الذي نزل فيه رسول الله ص- مقدمه المدينة على أبي أيوب بخمسمائة دينار- فأرسل إليه ألف دينار و سأله أن يبيعه إياه فباعه- فلما ملكه جعله صدقة في يومه- . قال الزبير- و كان يزيد بن المغيرة بن عبد الرحمن يطاف به- بالكوفة على العجل- و كان ينحر في كل يوم جزورا- و في كل جمعة جزورين- و رأى يوما إحدى جفناته مكللة بالسنام تكليلا حسنا- فأعجبه فسأل فقال من كللها- قيل اليسع ابنك فسر- و أعطاه ستين دينارا- . و مر إبراهيم بن هشام على بردة المغيرة- و قد أشرقت على الجفنة فقال لعبد من عبيد المغيرة- يا غلام على أي شي ء نصبتم هذا الثريد على العمد- قال لا و لكن على أعضاد الإبل- فبلغ ذلك المغيرة فأعتق ذلك الغلام- . و المغيرة هو الذي مر بحرة الأعراب فقاموا إليه- فقالوا يا أبا هاشم قد فاض معروفك على الناس- فما بالنا أشقى الخلق بك- قال إنه لا مال معي و لكن خذوا هذا الغلام فهو لكم- فأخذوه- فبكى الغلام فقال يا مولاي خدمتي و حرمتي- فقال أ تبيعوني إياه قالوا نعم- فاشتراه منهم بمال ثم أعتقه- و قال له و الله لا أعرضك لمثلها أبدا اذهب فأنت حر- فلما عاد إلى الكوفة حمل ذلك المال إليهم- . و كان المغيرة يأمر بالسكر و الجوز- فيدقان و يطعمهما أصحاب الصفة المساكين- و يقول إنهم يشتهون كما يشتهي غيرهم و لا يمكنهم- فخرج المغيرة في سفر و معه جماعة فوردوا غديرا- ليس لهم ماء غيره و كان ملحا- فأمر بقرب العسل فشقت في الغدير و خيضت بمائه- فما شرب أحد منهم حتى راحوا إلا من قرب المغيرة. و ذكر الزبير أن ابنا لهشام بن عبد الملك- كان يسوم المغيرة ماله بالمكان المسمى بديعا- فلا يبيعه- فغزا ابن هشام أرض الروم و معه المغيرة- فأصابت الناس مجاعة في غزاتهم- فجاء المغيرة إلى ابن هشام فقال- إنك كنت تسومني مالي ببديع- فآبى أن أبيعكه- فاشتر الآن مني نصفه بعشرين ألف دينار- فأطعم المغيرة بها الناس- فلما رجع ابن هشام بالناس من غزوته تلك- و قد بلغ هشاما الخبر قال لابنه- قبح الله رأيك أنت أمير الجيش و ابن أمير المؤمنين- يصيب الناس معك مجاعة فلا تطعمهم- حتى يبيعك رجل سوقة ماله و يطعم به الناس- ويحك أ خشيت أن تفتقر إن أطعمت الناس- . قالوا و لنا عكرمة بن أبي جهل- الذي قام له رسول الله ص قائما- و هو بعد مشرك لم يسلم و لم يقم رسول الله ص لرجل- داخل عليه من الناس شريف و لا مشرف إلا عكرمة- و عكرمة هو الذي اجتهد في نصرة الإسلام- بعد أن كان شديد العداوة- و هو الذي سأله أبو بكر أن يقبل منه معونة على الجهاد- فأبى و قال لا آخذ على الجهاد أجرا و لا معونة- و هو الشهيد يوم أجنادين- و هو الذي قال رسول الله ص- لا تسألني اليوم شيئا إلا أعطيتك- فقال فإني أسألك أن تستغفر لي و لم يسأل غير ذلك- و كل قريش غيره سألوا المال- كسهيل بن عمرو و صفوان بن أمية و غيرهما- . قالوا و لنا الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة- كان شاعرا مجيدا مكثرا- و كان أمير مكة استعمله عليها يزيد بن معاوية- و من شعره
من كان يسأل عنا أين منزلنا فالأقحوانة منا منزل قمن
إذ نلبس العيش غضا لا يكدره
قرب الوشاة و لا ينبو بنا الزمن
- . و أخوه عكرمة بن خالد كان من وجوه قريش- و روى الحديث و روى عنه- . و من ولد خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة- خالد بن إسماعيل بن عبد الرحمن كان جوادا متلافا- و فيه قال الشاعر-
لعمرك إن المجد ما عاش خالد على العمر من ذي كبدة لمقيم
و تندى البطاح البيض من جود خالد
و يخصبن حتى نبتهن عميم
- . قالوا و لنا الأوقص- و هو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة- كان قاضي مكة و كان فقيها- . قالوا و من قدماء المسلمين عبد الله بن أمية بن المغيرة- أخو أم سلمة زوج رسول الله ص كان شديد الخلاف على المسلمين- ثم خرج مهاجرا و شهد فتح مكة و حنين- و قتل يوم الطائف شهيدا- . و الوليد بن أمية غير رسول الله ص اسمه فسماه المهاجر- و كان من صلحاء المسلمين- . قالوا و منا زهير بن أبي أمية بن المغيرة- و بجير بن أبي ربيعة بن المغيرة- غير رسول الله ص اسمه فسماه عبد الله- كانا من أشراف قريش و عباس بن أبي ربيعة كان شريفا قالوا و منا الحارث القباع- و هو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة كان أمير البصرة- و عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة الشاعر- المشهور ذي الغزل و التشبيب- . قالوا- و من ولد الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الفقيه المشهور- و هو المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث- كان فقيه المدينة بعد مالك بن أنس- و عرض عليه الرشيد جائزة أربعة آلاف دينار- فامتنع و لم يتقلد له القضاء- . قالوا و من يعد ما تعده مخزوم- و لها خالد بن الوليد بن المغيرة سيف الله- كان مباركا ميمون النقيبة شجاعا- و كان إليه أعنة الخيل على عهد رسول الله ص- و شهد معه فتح مكة و جرح يوم حنين- فنفث رسول الله ص على جرحه فبرأ- و هو الذي قتل مسيلمة و أسر طليحة و مهد خلافة أبي بكر- و قال يوم موته لقد شهدت كذا و كذا زحفا- و ما في جسدي موضع إصبع إلا و فيه طعنة أو ضربه- و ها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير- فلا نامت أعين الجبناء- و مر عمر بن الخطاب على دور بني مخزوم- و النساء يندبن خالدا و قد وصل خبره إليهم-
و كان مات بحمص- فوقف و قال ما على النساء أن يندبن أبا سليمان- و هل تقوم حرة عن مثله ثم أنشد-
أ تبكي ما وصلت به الندامى و لا تبكي فوارس كالجبال
أولئك إن بكيت أشد فقدا
من الأنعام و العكر الحلال
تمنى بعدهم قوم مداهم فما بلغوا لغايات الكمال
- . و كان عمرو مبغضا لخالد و منحرفا عنه- و لم يمنعه ذلك من أن صدق فيه- . قالوا و منا الوليد بن الوليد بن المغيرة- كان رجل صدق من صلحاء المسلمين- . و منا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد- و كان عظيم القدر في أهل الشام- و خاف معاوية منه أن يثب على الخلافة بعدهم فسمه- أمر طبيبا له يدعى ابن أثال فسقاه فقتله- . و خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد قاتل ابن أثال- بعمه عبد الرحمن و المخالف على بني أمية- و المنقطع إلى بني هاشم- و إسماعيل بن هشام بن الوليد كان أمير المدينة- و إبراهيم و محمد ابنا هشام بن عبد الملك- و أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد- و كان من رجال قريش- و من ولده هشام بن إسماعيل بن أيوب- و سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد- ولي شرطة المدينة- . قالوا و من ولد حفص بن المغيرة- عبد الله بن أبي عمر بن حفص بن المغيرة- هو أول خلق الله حاج يزيد بن معاوية- . قالوا و لنا الأزرق- و هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد- بن عبد شمس بن المغيرة والي اليمن لابن الزبير- و كان من أجود العرب و هو ممدوح أبي دهبل الجمحي- .
قالوا و لنا شريك رسول الله ص- و هو عبد الله بن السائب بن أبي السائب- و اسم أبي السائب- صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- كان شريك النبي ص في الجاهلية- فجاءه يوم الفتح فقال له أ تعرفني- قال أ لست شريكي قال بلى- قال لقد كنت خير شريك لا تشاري و لا تماري- . قالوا و منا الأرقم بن أبي الأرقم- الذي استتر رسول الله في داره بمكة في أول الدعوة- و اسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله- بن عمر بن مخزوم- . و منا أبو سلمة بن عبد الأسد و اسمه عبد الله- و هو زوج أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة- قبل رسول الله ص- شهد أبو سلمة بدرا و كان من صلحاء المسلمين- . قالوا لنا هبيرة بن أبي وهب- كان من الفرسان المذكورين و ابنه جعدة بن هبيرة- و هو ابن أخت علي بن أبي طالب ع- أمه أم هانئ بنت أبي طالب- و ابنه عبد الله بن جعدة بن هبيرة- هو الذي فتح القهندر و كثيرا من خراسان- فقال فيه الشاعر-
لو لا ابن جعدة لم تفتح قهندركم و لا خراسان حتى ينفخ الصور
- . قالوا و لنا سعيد بن المسيب الفقيه المشهور- و أما الجواد المشهور فهو الحكم بن المطلب- بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم- . و قد اختصرنا و اقتصرنا على من ذكرنا- و تركنا كثيرا من رجال مخزوم خوف الإسهاب- . و ينبغي أن يقال في الجواب- إن أمير المؤمنين ع لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم- و لا استصغارا لشأنهم- و لكن أمير المؤمنين ع كان أكثر همة يوم المفاخرة- أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه و بينهم- فلما ذكر مخزوما بالعرض قال فيهم ما قال- و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر لهم على ما ذكره عنهم- على أن أكثر هؤلاء الرجال إسلاميون بعد عصر علي ع- و علي ع إنما يذكر من قبله لا من يجي ء بعده- .
فإن قلت- إذا كان قد قال في بني عبد شمس إنهم أمنع لما وراء ظهورهم- ثم قال في بني هاشم إنهم أسمح عند الموت بنفوسهم- فقد تناقض الوصفان- . قلت لا مناقضة بينهما لأنه أراد كثرة بني عبد شمس- فبالكثرة تمنع ما وراء ظهورها- و كان بنو هاشم أقل عددا من بني عبد شمس- إلا أن كل واحد منهم على انفراده أشجع- و أسمح بنفسه عند الموت- من كل واحد على انفراده من بني عبد شمس- فقد بان أنه لا مناقضة بين القولين
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 285-306)
|