149: لِكُلِّ مُقْبِلٍ إِدْبَارٌ وَ مَا أَدْبَرَ فَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ هذا معنى قد استعمل كثيرا جدا فمنه المثل-
ما طار طير و ارتفع إلا كما طار وقع
- . و قول الشاعر-
بقدر العلو يكون الهبوط و إياك و الرتب العالية
- . و قال بعض الحكماء حركة الإقبال بطيئة- و حركة الإدبار سريعة لأن المقبل كالصاعد إلى مرقاة- و مرقاة المدبر كالمقذوف به من علو إلى أسفل- قال الشاعر
في هذه الدار في هذا الرواق على هذي الوسادة كان العز فانقرضا
- . آخر-
إن الأمور إذا دنت لزوالها فعلامة الإدبار فيها تظهر
و في الخبر المرفوع كانت ناقة رسول الله ص العضباء لا تسبق- فجاء أعرابي على قعود له فسبقها- فاشتد على الصحابة ذلك فقال رسول الله ص- إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه
- . و قال شيخ من همدان- بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع بهدايا- فمكثت تحت قصره حولا لا أصل إليه- ثم أشرف إشرافة من كوة له- فخر له من حول العرش سجدا- ثم رأيته بعد ذلك بحمص فقيرا يشتري اللحم- و يسمطه خلف دابته و هو القائل-
أف لدنيا إذا كانت كذا أنا منها في هموم و أذى
إن صفا عيش امرئ في صبحها
جرعته ممسيا كأس القذى
و لقد كنت إذا ما قيل من أنعم العالم عيشا قيل ذا
- . و قال بعض الأدباء في كلام له- بينا هذه الدنيا ترضع بدرتها و تصرح بزبدتها- و تلحف فضل جناحها و تغر بركود رياحها- إذ عطفت عطف الضروس و صرخت صراخ الشموس- و شنت غارة الهموم و أراقت ما حلبت من النعيم- فالسعيد من لم يغتر بنكاحها و استعد لو شك طلاقها- شاعر هو إهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي- و كان عثمانيا-
لعمر أبيك فلا تكذبن لقد ذهب الخير إلا قليلا
و قد فتن الناس في دينهم
و خلى ابن عفان شرا طويلا
- . و قال أبو العتاهية-
يعمر بيت بخراب بيت يعيش حي بتراث ميت
و قال أنس بن مالك ما من يوم و لا ليلة و لا شهر و لا سنة- إلا و الذي قبله خير منه- سمعت ذلك من نبيكم ع
فقال شاعر-
رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه
قيل لبعض عظماء الكتاب بعد ما صودر- ما تفكر في زوال نعمتك فقال لا بد من الزوال- فلان تزول و أبقى خير من أن أزول و تبقى- . و من كلام الجاهلية الأولى- كل مقيم شاخص و كل زائد ناقص- . شاعر-
إنما الدنيا دول فراحل قيل نزل
إذ نازل قيل رحل
- . لما فتح خالد بن الوليد عين التمر- سأل عن الحرقة بنت النعمان بن المنذر- فأتاها و سألها عن حالها- فقالت لقد طلعت علينا الشمس- و ما من شي ء يدب تحت الخورنق إلا و هو تحت أيدينا- ثم غربت و قد رحمنا كل من نلم به- و ما بيت دخلته حبرة إلا ستدخله عبرة- ثم قالت
فبينا نسوس الناس و الأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها
تقلب تارات بنا و تصرف
- . و جاءها سعد بن أبي وقاص مرة- فلما رآها قال قاتل الله عدي بن زيد- كأنه كان ينظر إليها حيث قال لأبيها-
إن للدهر صرعة فاحذرنها لا تبيتن قد أمنت الدهورا
قد يبيت الفتى معافى فيردى
و لقد كان آمنا مسرورا
- . و قال مطرف بن الشخير- لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك و لين رياشهم- و لكن انظروا إلى سرعة ظعنهم و سوء منقلبهم- و إن عمرا قصيرا يستوجب به صاحبه النار- لعمر مشئوم على صاحبه- . لما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد- و قعد على فراشه- قالت ابنة مروان له يا عامر- إن دهرا أنزل مروان عن فرشه- و أقعدك عليها- لمبلغ في عظتك إن عقلت
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 363-365)
|