و هو المأة و السابع و الستون من المختار في باب الخطب بعد ما بويع
بالخلافة و قد قال له قوم من الصّحابة لو عاقبت قوما ممّن أجلب على عثمان
فقال عليه السّلام:
يا إخوتاه إنّي لست أجهل ما تعلمون و لكن كيف لي بقوّة و القوم المجلبون على حدّ شوكتهم يملكوننا و لا نملكهم و ها هم هؤلاء قد ثارت
معهم عبدانكم و التفّت إليهم أعرابكم و هم خلالكم يسومونكم ما شاءوا و هل ترون موضعا لقدرة على شي ء تريدونه
اللغة
(أجلبوا) عليه أى تألّبوا و اجتمعوا (و الحدّ) منتهى الشي ء، و من كلّ
شي ء حدّته، و في بعض النسخ (على جدّ) بالجيم المكسورة اسم من جدّ في الأمر
من باب ضرب و قتل اذا اجتهد و سعى فيه، و منه يقال فلان محسن جدّا أى
نهاية و مبالغة (و عبدان) بالكسر جمع عبد مثل جحش و جحشان و الضمّ أيضا مثل
تمر و تمران و الأشهر في جمعه أعبد و عبيد و عباد و (سام) فلانا الأمر إذا
كلّفه إيّاه، أكثر ما يستعمل في العذاب و الشرّ قال سبحانه يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ
الاعراب
جواب لو في قوله لو عاقبت محذوف، بقرينة المقام و الهاء في قوله يا
إخوتاه للسّكت، قال نجم الأئمة الرّضي أمّا هاء السّكت فهى هاء تزاد في آخر
الكلمة الموقوف عليها إذا كان آخرها ألفا و الكلمة حرف أو اسم عريق في
البناء نحو لا و ذا و هنا و ذلك لأنّ الألف حرف خفيّة فاريد بيانها فاذا
جئت بعدها بهاء ساكنة- فلا بدّ من مدّ الألف إذا جئت بعدها و ذلك في الوصل
بحرف آخر- تبيّن النطق بها و إذا لم تأت بعدها بشي ء و ذلك في الوقف خفيت
حتّى ظنّ أن آخر الكلمة مفتوحة فلذا وصلت ليبيّن جوهرها.
و اختاروا أن يكون ذلك الحرف هاء لمناسبتها بالخفاء لحرف اللّين فاذا
جاءت ساكنة بعد الألف فلا بدّ من تمكين مدّ الألف ليقوم ذلك مقام الحركة
فيمكن الجمع بين ساكنين، فيبقين الألف بذلك التمكين و المدّ.
و قال في باب المنادى المندوب و إذا ندبت يا غلامي بسكون الياء فكذا
تقول عند سيبويه يا غلامياه لأنّ أصلها الفتح عنده و أجاز المبرّد يا
غلاماه بحذف الياء للساكنين قال ابن الحاجب و الحذف ليس بوجه و قال نحو وا
غلاميه أوجه.
أقول: و قول أمير المؤمنين عليه السّلام مؤيّد لقول المبرّد و شاهد له.
قال نجم الأئمة إلحاق هاء السّكت بعد زيادة الندبة«» واوا كانت أو ياء
أو ألفا جايز في الوقف لا واجب و بعضهم يوجبها لئلّا يلتبس المندوب بالمضاف
إلى ياء المتكلّم المقلوبة ألفا نحو يا غلاما، و ينبغي أن لا يجب عند هذا
القائل مع واو لأنها يكفى في الفرق بين الندبة و الندا، و ليس ما قال بوجه
لأنّ الألف المنقلبة عن ياء المتكلّم قد يلحقها الهاء في الوقف كما مرّ
فاللبس إذا حاصل مع الهاء أيضا و الفارق هو القرينة.
أقول: و يكفى في ردّ هذا القائل قوله عليه السّلام يا إخوتاه فانّ الألف
فيه مقلوبة عن ياء المتكلّم و قد لحقها هاء السّكت كما قاله الرّضيّ. و
قوله عليه السّلام على حدّ شوكتهم ظرف مستقرّ حال من ضمير المجلبون و إضافة
حدّ إلى شوكتهم لاميّة على رواية حدّ بالحاء و بمعنى في على روايته بالجيم
كما هو غير خفيّ.
و الهاء في قوله عليه السّلام و ها هم هؤلاء للتّنبيه و هى تدخل الجمل و
تدخل في جميع المفردات أسماء الاشارة نحو هذا و هاتا و هؤلاء و كثيرا ما
يفصل بينها و بين اسم الاشارة بالقسم نحو ها اللّه ذا و بالضمير المرفوع
المنفصل نحو ها أنتم اولاء و بغيرهما قليلا نحو قولهم هذا لها ها و ذا ليا
أى و هذا ليا.
و ذهب الخليل إلى أنّ هاء المقدّمة في جميع ذلك كانت متّصلة باسم
الاشارة أى كان القياس اللّه هذا، و أنتم هؤلاء، و الدّليل على أنّه فصل
حرف التنبيه عن اسم الاشارة ما حكى أبو الخطاب عمّن يوثّق به هذا أنا أفعل
في موضع ها أنا ذا أفعل، و حدّث يونس هذا أنت تقول ذا.
و جوّز بعضهم أن يكون هاء المقدّمة في نحو ها أنت ذا تفعل غير منويّ دخولها على ذا استدلالا بقوله تعالى ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ و لو كانت هي الّتي كانت مع اسم الاشارة لم تعد بعد أنتم.
قال نجم الأئمة و يجوز أن يعتذر للخليل بأنّ تلك الاعادة للبعد بينهما
كما اعيد في «فلا تحسبنّهم» بعد قوله «فلا تحسبنّ الّذين يبخلون» و أيضا
قوله «ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون» دليل على أنّ المقدّم «في ها أنتم اولاء» هو
الّذي كان مع اسم الاشارة، و لو كان في صدر الجملة من الأصل لجاز من غير
اسم اشارة ها أنت زيد.
و ما حكى الزمخشري من قولهم ها أن زيدا منطلق، و ها أنا أفعل كذا مما لم
أعثر له على شاهد فالأولى أن نقول ها التنبيه مختصّ باسم الاشارة، و قد
يفصل منه كما مرّ و لم يثبت دخوله في غيره.
و قال نجم الأئمة أيضا و اعلم انّه ليس المراد من قولك ها أنا ذا أفعل
أن تعرّف المخاطب نفسك و أن تعلمه أنت لست غيرك لأنّ هذا محال بل المعنى
فيه و في ها أنت ذا تقول و ها هو ذا يفعل استغراب وقوع مضمون ذلك الفعل
المذكور بعد اسم الاشارة من المتكلّم أو المخاطب أو الغائب كأنّ معنى ها
أنت ذا تقول أو يضربك زيد، أنت هذا الذي أرى من كنّا نتوقّع منه أن لا يقع
منه أو عليه مثل هذا الغريب ثمّ بيّنت بقولك تقول و قولك يضربك زيد الّذي
استغربته و لم تتوقّعه.
قال تعالى ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ فالجملة بعد اسم الاشارة لازمة لبيان الحال المستغربة و لا محلّ لها إذ هي مستأنفة.
و قوله: و هم خلالكم يسومونكم جملة هم يسومون مبتدأ و خبر في محلّ
النّصب على الحال و خلالكم ظرف مستقرّ حال من مفعول يسومون قدّمت على ذيها
للتوسّع.
المعنى
اعلم أنّ المستفاد من شرح المعتزلي أنّ هذا الكلام قاله عليه السّلام
أوّل مسير طلحة و الزبير إلى البصرة (بعد ما بويع بالخلافة و قد قال له قوم
من الصحابة لو عاقبت قوما ممّن أجلب و أعان على) قتل (عثمان) لكان حسنا
لما فيه من قطع عذر الناكثين اذ عمدة متمسّكهم في النكت كان المطالبة بدم
عثمان (فقال عليه السّلام:) معتذرا عمّا اشير عليه (يا إخوتاه) إنّي على
غزارة علمى (لست أجهل ما تعلمون) بل أعلم ما كان و ما هو كائن و ما يكون (و
لكن كيف لي بقوّة) على القصاص و الانتقام (و القوم المجلبون) المجتمعون
المتألّبون (على حدّ شوكتهم) أى على غاية شوكتهم أو مع كونهم مجدّين في
الشوكة مبالغين في شدّة البأس (يملكوننا و لا نملكهم) أى هم مسلّطون علينا و
لسنا مسلّطين عليهم و صدقه عليه السّلام في هذا الجواب ظاهر لأنّ أكثر أهل
المدينة كانوا من المجلبين عليه، و كان من أهل مصر و من الكوفة و غيرهم
خلق عظيم، حضروا من بلادهم و قطعوا المسافة البعيدة لذلك، و انضمّ إليه
أعراب البادية و عبيد المدينة، و ثاروا ثورة واحدة فكانوا على غاية الشوكة و
لذلك اعتذر عليه السّلام بعدم التمكّن و القوّة.
و قد روى أنّه عليه السّلام جمع النّاس و وعظهم ثمّ قال لتقم قتلة عثمان
فقام النّاس بأسرهم إلّا القليل و كان ذلك الفعل استشهادا منه على صدق
قوله، و نبّه أيضا على صدقه عليه السّلام باحالة المشيرين عليه إحالة
معاينة و باشارة حضوريّة إلى كثرة المجلبين و شدّتهم فقال عليه السّلام: (و
ها هم هؤلاء قد ثارت) و هاجت (معهم عبدانكم و التفّت) و انضمّت (إليهم
أعرابكم و هم خلالكم) أى بينكم غير متباعدين عنكم (يسومونكم ما شاءوا) كيف
شاءوا ليس لهم رادع و لا دافع (و هل ترون) و الحال هذه (موضعا لقدرة على شي
ء تريدونه).
|