و من كتاب له عليه السلام الى أهل البصرة و هو المختار التاسع و العشرون من باب المختار من كتبه و رسائله
و قد كان من انتشار حبلكم و شقاقكم ما لم تغبّوا عنه، فعفوت عن مجرمكم، و رفعت السّيف عن مدبركم، و قبلت من مقبلكم فإن خطت بكم الأمور المردية، و سفه الاراء [الأراء- معا] الجائرة إلى منابذتي و خلافي فها أنذا [أناذا- نسخة] قد قرّبت جيادي و رحلت ركابي. و لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلّا كلقعة لاعق، مع إنّي عارف لذي الطّاعة منكم فضله و لذي النّصيحة حقّه، غير متجاوز متّهما إلى بري ء، و لا ناكثا إلى وفيّ.
المصدر
رواه أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفيّ الكوفيّ المتوفّى 283 ه- ق في كتاب الغارات.
بعث أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام جارية بن قدامة إلى أهل البصرة على ما يأتي تفصيله في المعنى، و كتب معه هذا الكتاب إليهم، و هذا المختار بعض ذلك الكتاب و هذه صورته الكاملة:
من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكنى البصرة من المؤمنين و المسلمين: سلام عليكم أمّا بعد فإنّ اللّه حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البيّنة، و لا يأخذ المذنب عند أوّل وهلة، و لكنّه يقبل التوبة، و يستديم الأناة، و يرضى بالإنابة، ليكون أعظم للحجّة، و أبلغ في المعذرة.
و قد كان من انتشار حبلكم و شقاقكم ما لم تغبّوا عنه فعفوت عن مجرمكم، و رفعت السّيف عن مدبركم، و قبلت من مقبلكم، و أخذت بيعتكم فإن تفوا ببيعتي، و تقبلوا نصيحتى، و تستقيموا على طاعتى، أعمل فيكم بالكتاب و السنّة و قصد الحق و اقيم فيكم سبيل الهدى، فو اللّه ما أعلم أنّ واليا بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله أعلم بذلك منّي و لا أعمل بقولي، أقول قولي هذا صادقا غير ذامّ لمن مضى، و لا متنقص لأعمالهم.
و إن خطت بكم الأهواء المردية، و سفه الاراء الجائرة إلى منابذتي تريدون خلافي فها أنا ذا قد قرّبت جيادي، و رحلت ركابي، و أيم اللّه لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلّا كلعقة لاعق، مع أنّي عارف لذي الطاعة منكم فضله، و لذي النصيحة حقّه، غير متجاوز متّهما إلى بري ء، و لا ناكثا إلى وفيّ.
و إنّي لظانّ أن لا تجعلوا إن شاء اللّه على أنفسكم سبيلا، و قد قدّمت هذا الكتاب إليكم حجّة عليكم و لن أكتب إليكم من بعده كتابا، إن أنتم استغششتم نصيحتي، و نابذتم رسولى حتّى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء اللّه تعالى و السّلام.
اللغة
(الحبل) كناية عن العهد و (الانتشار) كناية عن نقضه. قال الراغب في المفردات: الحبل معروف، قال عزّ و جلّ: «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» و شبّه به من حيث الهيئة حبل الوريد و حبل العاتق و الحبل المستطيل من الرمل و استعير للوصل و لكلّ ما يتوصّل به إلى شي ء، قال عزّ و جلّ: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً» فحبله هو الّذي معه التوصّل به إليه من القرآن و العقل و غير ذلك ممّا إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره، و يقال للعهد: حبل. انتهى.
(لم تغبوا عنه) ذهب الشرّاح و المترجمين إلى أنّ كلمة تغبوا مشتقّة من غبى فهي في الأصل ناقصة اللّام، قال الفاضل الشارح المعتزلي: ما لم تغبوا عنه أى لم تسهوا عنه و لم تغفلوا، يقال: غبت عن الشي ء أغبى غباوة إذا لم يفطن، و غبى الشي ء علىّ كذلك إذا لم تعرفه، و فلان غبىّ على فعيل، أى قليل الفطنة، و قد تغابى، أى تغافل، يقول لهم: قد كان من خروجكم يوم الجمل عن الطاعة و نشركم حبل الجماعة و شقاقكم إلى ما لستم أغبياء عنه فعفوت و رفعت السيف و قبلت التوبة.
انتهى كلامه، و هكذا قد حذا حذوه غيره من الشراح.
قلت: الكلمة مشتقة من الإغباب فهي في الأصل مضاعف، و هي مختار الشريف الرضي، كما في نسخة الّتي قوبلت و صحّحت على نسخته، و قد مرّ ذكرها غير مرّة، و الكلمة المشكولة في تلك النسخة بضمّ التاء و كسر الغين المعجمة و تشديد الباء الموحّدة، قال ابن الأثير في النهاية: و في حديث هشام كتب إليه الجنيد يغبّ عن هلاك المسلمين أى لم يخبره بكثرة من هلك منهم مأخوذ من الغبّ الورد فاستعاره لموضع التقصير في الإعلام بكنه الأمر، و قيل: هو من الغبّة و هي البلغة من العيش. انتهى.
(خطت بكم) أى تجاوزت من الخطو، (المردية): المهلكة، (الجائرة) المائلة عن الحق (المنابذة) المخالفة و المظاهرة للعداوة (فها أنذا) أو فهأنذا، أصلهما فها أناذا.
(جياد) جمع جواد، أى فرس سريع الجرى رائع، (الركاب): الابل، رحل البعير من باب منع أى شدّ على ظهره الرحل، و الرحل مركب للبعير أصغر من القتب، و في منتهى الأرب: رحل البعير رحلا پالان بر نهاد بر شتر.
(اللعقة) بفتح اللّام فعلة للمرّة من اللعق بمعنى اللحس، و في بعض النسخ مشكولة بضمّها كلقمه و هي اسم ما تأخذه في الملعقة أو الأصبع، و القليل ممّا يلعق و لكنّ الاولى مطابقة لمختار الرضي و هي كناية عن قلّة اللّبث، (و لا ناكثا) أى ناقضا لعهده.
الاعراب
(ما لم تغبوا عنه) كلمة ما اسم كان اخّر عن الخبر المقدّم لتوسع الظروف (فهأنذا) جواب إن الشرطية في قوله: فإن خطت (إلى منابذتي) متعلّق بقوله: خطت، اللّام في (لئن ألجأتموني) تسمّى اللّام المؤذنة و الموطّئة أيضا و هي اللّام الداخلة على أداة الشرط و أكثر ما تدخل على إن، سمّيت المؤذنة للإيذان بأنّ الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط سواء كان ذلك القسم مذكورا أو مقدرا، و سمّيت المؤطّئة لأنها وطّأت أى مهّدت الجواب للقسم، و اللّام في لأوقعنّ لام جواب القسم، و جملة: لا يكون يوم الجمل، إلخ، صفة للوقعة.
(غير) منصوب حال بضمير إنّى (متّهما) على صيغة المفعول.
المعنى
قد علمت أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام بعث جارية بن قدامة إلى أهل البصرة و كتب معه هذا الكتاب إليهم قال كاتب الواقدي محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى (ص 56 ج 7 من طبع مصر): جارية بن قدامة السعديّ بن زهير بن الحصين بن رزاح ابن أسعد بن بجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
قال: أخبرنا عبد اللّه بن نمير قال: حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن ابن عمّ له يقال له جارية بن قدامة أنّه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه قل لي قولا ينفعني و أقلل لي لعليّ أعيه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا تغضب، ثمّ أعاده عليه فقال: لا تغضب، حتّى أعاد عليه مرارا كلّ ذلك يقول له: لا تغضب.
قال: و جارية بن قدامة فيمن شهد قتل عمر بن الخطّاب، قال: و كنّا آخر من دخل عليه فسألناه وصيّة و لم يسألها إيّاه أحد قبلنا.
و لجارية بن قدامة أخبار و مشاهد كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بعثه إلى البصرة و بها عبد اللّه بن عامر بن الحضرمى خليفة عبد اللّه بن عامر بن كريز فحاصره في دار سنيبل رجل من بني تميم و كان معاوية بعثه إلى البصرة يبايع له، انتهى كلام ابن سعد.
قلت: كتب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أهل البصرة هذا الكتاب مع جارية في الواقعة الّتي أشار إليها ابن سعد و سيأتي تفصيل ذلك.
قوله عليه السّلام: (و قد كان من انتشار حبلكم- إلى قوله: و قبلت من مقبلكم) لمّا نقض أهل البصرة عهدهم الّذي عاهدوه أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام و نكثوا بيعتهم إيّاه في وقعة الجمل عبّر عن فعلهم هذا بقوله انتشار حبلكم فالحبل كناية عن العهد و الانتشار عن النكث كقوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً (النحل 93)، و قوله عليه السّلام: ما لم تغبّوا عنه أى كنتم عالمين بما فعلتم من نقض عهدكم، ثمّ نبّههم بما فعل بعد ظفره عليهم من الاكرام و الاحسان في إزاء ما أساءوا به بقوله: فعفوت عن مجرمكم و قد مضى ذكر سيرته عليه السّلام في أهل البصرة في شرحنا على المختار الثاني من باب الكتب (ص 93 ج 17) و سيرته عليه السّلام في كلّ موطن لقيه عدوّ في شرحنا على المختار الرابع عشر من ذلك الباب (ص 133 ج 18).
قوله عليه السّلام: (فإن خطت بكم الامور- إلخ) لمّا كان معاوية بعث بعد وقعة الجمل عبد اللّه بن عامر الحضرمىّ إلى البصرة ليبايعهم له و كان سفه آرائهم الجائرة و امورهم المهلكة يجرّ أهلها إلى مخالفة أمير المؤمنين عليه السّلام و نقض عهده ثانيا أخبرهم موعدا بقوله فإن خطت اه، اى إن عدتم إلى الفتنة و نقض العهد بتلك الامور و الاراء من أهل الهوى و الضلال فها أناذا قد استعدت للقتال و الكرّة حتّى قرّبت جيادى و رحلت ركابى و لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لاوقعنّ بكم وقعة أى حربا لا يكون وقعة الجمل بالنسبة إليها في الحقارة و الخفّة إلّا كلحسة لا حس و كأنّ في كلامه عليه السّلام لئن ألجأتموني إشارة إلى العفو عمّا مضى منهم أى إن كنتم إلى الان اتّبعتم تلك الاراء فإن تبتم وعدتم إلى الحقّ عفوت عنكم و إلّا فلا بدّ لى إلّا المسير إليكم فاوقعن بكم كذا و كذا.
قوله عليه السّلام: (مع إنّي عارف- إلخ) أردف كلامه في الإيعاد و التهديد بالتحبيب و التأليف فقال مع إنّي عارف بفضل ذى الطاعة منكم و حق ذي النصيحة منكم لا آخذ متّهما ببري ء، و لا ناكثا بوفيّ.
نعم إنّ من هو سلطان العالم الأرضى و خليفة اللّه فيه و ربّ إنسانىّ فائز بالخواصّ النبويّة فهو يؤتي كلّ ذي حقّ حقّه و لا يتصور فيه أن يتجاوز متّهما إلى بري ء أو ناكثا إلى وفيّ و انما التجاوز من داب أبناء الدّنيا و عبيد الهوى، هذا هو زياد بن أبيه خطب بالبصرة الخطبة المشهورة الّتي تدعى البتراء ذكرها أبو عثمان الجاحظ في البيان و التبيين ج 2 ص 61، و ابن قتيبة في عيون الأخبار ج 2 ص 341، و أبو جعفر الطبري في حوادث سنة 45 من تاريخه، و أبو علي القالي في ذيل الأمالي ص 185 من طبع مصر، و أتى بها صاحب العقد الفريد أيضا.
قال الجاحظ: قال أبو الحسن المدائني و غيره ذكر ذلك عن مسلمة بن محارب و عن أبي بكر الهذلىّ قالا: قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن أبي سفيان و ضمّ إليه خراسان و سجستان فخطب خطبة بتراء لم يحمد اللّه فيها و لم يصلّ على النبيّ.
أما بعد فإنّ الجهالة الجهلاء و الضلالة العمياء و الغىّ الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم و يشتمل عليه حلماؤكم- إلى أن قال: و إنّي لأقسم باللّه لاخذنّ الولىّ بالولىّ (و في نسخة العقد: لاخذن الولىّ بالمولى)، و المقيم بالظّاعن و المقبل بالمدبر، و المطيع بالعاصى، و الصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتّى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، او تستقيم لي قناتكم- إلى آخر الخطبة.
قال: فقام إليه أبو بلال مرداس بن اديّة، و هو يهمس و يقول: أنبأنا اللّه بغير ما قلت، فقال: «وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى » و أنت تزعم أنك تأخذ البرى ء بالسقيم، و المطيع بالعاصى و المقبل بالمدبر فسمعه زياد فقال: إنّا لا نبلغ ما نريد فيك و في أصحابك حتّى نخوض إليكم الباطل خوضا.
و قال الجاحظ في أوّل الجزء الثاني من البيان و التبيين: إنّ خطباء السّلف الطيّب، و أهل البيان من التابعين بإحسان ما زالوا يسمّون الخطبة الّتي لم تبتدء بالتحميد و تستفتح بالتمجيد البتراء، و يسمّون الّتي لم توشّح بالقرآن و تزيّن بالصّلاة على النّبي صلى اللّه عليه و آله الشوهاء.
و أمّا ذكر تفصيل الواقعة فقد أفاد الفاضل الشارح المعتزلي في الجزء الرابع من شرحه على المختار السادس و الخمسين من باب الخطب من النهج أوّله: و لقد كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نقتل آبائنا و أبنائنا و إخواننا و أعمامنا ما يزيدنا ذلك إلّا إيمانا و تسليما إلخ، بقوله: و هذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السّلام في قصة ابن الحضرمي حيث قدم البصرة من قبل معاوية و استنهض أمير المؤمنين أصحابه إلى البصرة فتقاعدوا، قال: قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال الثقفى في كتاب الغارات: حدّثنا محمّد بن يوسف قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الزعفرانى عن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان عن ابن أبي سيف عن يزيد بن حارثة الأزدي عن عمرو ابن محصن أنّ معاوية لما أصاب محمّد بن أبي بكر بمصر و ظهر عليها دعا عبد اللّه بن عامر الحضرمى فقال له: سر إلى البصرة فإنّ جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان و يعظمون قتله و قد قتلوا في الطلب بدمه فهم متودّدون حنقون لما أصابهم ودّوا لو يجدون من يدعوهم و يجمعهم و ينهض بهم في الطلب بدم عثمان و احذر ربيعة و انزل في مضر و تودّد الأزد فإنّ الأزد كلّها معك إلّا قليلا منهم و إنهم إنشاء اللّه غير مخالفيك.
فقال عبد اللّه الحضرمى له: أناسهم في كنانتك و أنا من قد جربت و عدوّ أهل حربك و ظهيرك على قتلة عثمان فوجّهنى إليهم متى شئت، فقال: اخرج غدا إنشاء اللّه، فودّعه و خرج من عنده.
فلمّا كان الليل جلس معاوية و أصحابه يتحدثون فقال لهم معاوية: في أىّ منزل ينزل القمر الليلة فقال: بسعد الذابح، فكره معاوية ذلك و أرسل إليه أن لا تبرح حتّى يأتيك أمرى، فأقام و رأى معاوية أن يكتب إلى عمرو بن العاص و هو يومئذ بمصر عامله عليها يستطلع رأيه في ذلك، فكتب إليه و قد كان تسمّى بامرة المؤمنين بعد يوم صفين و بعد تحكيم الحكمين: من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلام عليك أما بعد فإنّى قد رأيت رأيا هممت بإمضائه و لم يخذلني عنه إلّا استطلاع رأيك فإن يوافقني أحمد اللّه و أمضيه، و إن يخالفني فإنّى أستخير اللّه و أستهديه إنّي نظرت في أمر أهل البصرة فوجدت معظم أهلها لنا وليّا و لعليّ و شيعته عدوا و قد اوقع علمه بهم الواقعة الّتي علمت فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح و لا تريم، و قد علمت أن قتلنا ابن أبي بكر و وقعتنا بأهل مصر قد أطفأت نيران أصحاب علىّ في الافاق و رفعت رءوس أشياعنا أين ما كانوا من البلاد، و قد بلغ من كان بالبصرة على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس و ليس أحد ممّن يرى رأينا أكثر عددا و لا أضرّ خلافا على عليّ من اولئك فقد رأيت أن ابعث إليهم عبد اللّه بن عامر الحضرمى فينزل من مضر و يتودّد الأزد و يحذر ربيعة و يبتغى دم ابن عفان و يذكرهم وقعة علىّ بهم الّتي أهلكت صالحى إخوانهم و آبائهم و أبنائهم فقد رجوت عند ذلك أن يفسد على عليّ و شيعته ذلك الفرج من الأرض و متى يؤتى من خلفهم و أمامهم يضلّ سعيهم و يبطل كيدهم فهذا رأيي فما رأيك فلا تحبس رسولى إلّا قدر مضى الساعة الّتي ينتظر فيها جواب كتابي هذا أرشدنا اللّه و إيّاك و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.
فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية أما بعد فقد بلغنى رسولك و كتابك فقرأته و فهمت رأيك الّذي رأيته فعجبت له و قلت: إنّ الّذي ألقاه في روعك و جعله في نفسك هو الثائر بابن عفّان و الطالب بدمه و انّه لم يك منك و لا منا منذ نهضنا في هذه الحرب و نادينا أهلها و لا رأى الناس رأيا أضرّ على عدوّك و لا أسرّ لوليّك من هذا الأمر الّذي الهمته، فامض رأيك مسدّدا فقد وجهت الصليب الأريب الناصح غير الظنين و السلام.
فلمّا جاءه كتاب عمرو دعا ابن الحضرمي، و قد كان ظنّ حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص أنّ معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى غير ذلك الوجه فقال: يا ابن الحضرمي سر على بركة اللّه إلى أهل البصرة فانزل فى مضر و احذر ربيعة و تودّد الأزد و انع ابن عفّان و ذكّرهم الوقعة الّتي أهلكتهم و منّ لمن سمع و أطاع دينا [دنيا] لا تفنى و أثرة لا تفقدها حتّى يفقدنا أو نفقده.
فودّعه ثمّ خرج من عنده و قد دفع إليه كتابا و أمره إذا قدم أن يقرأه على الناس، قال عمرو بن محصن: فكنت معه حين خرج فلمّا خرجنا سرنا ما شاء اللّه أن نسير فسنح لنا ظبى اعضب عن شمائلنا فنظرت إليه فو اللّه لرأيت الكراهية في وجهه ثمّ مضينا حتّى نزلنا البصرة في بنى تميم فسمع بقدومنا أهل البصرة فجاءنا كلّ من يرى رأى عثمان فاجتمع إلينا رءوس أهلها.
فحمد اللّه ابن الحضرمى و أثنى عليه ثمّ قال: أما بعد ايها الناس فإنّ إمامكم إمام الهدى عثمان بن عفّان قتله علىّ بن أبي طالب ظلما فطلبتم بدمه و قاتلتم من قتله فجزاكم اللّه من أهل مصر خيرا و قد اصيب منكم الملاء الأخيار و قد جاءكم اللّه باخوان لكم لهم بأس يتقى و عدد لا يحصى فلقوا عدوكم الّذي قتلوكم فبلغوا الغاية الّتي أرادوا صابرين و رجعوا و قد نالوا ما طلبوا فما لؤهم و ساعدوهم و تذكروا آثاركم لتشفوا صدوركم من عدوّكم.
فقام إليه الضّحاك بن عبد اللّه الهلالى فقال: قبح اللّه ما جئتنا به و ما دعوتنا إليه جئتنا و اللّه بمثل ما جاء به صاحباك طلحة و الزبير، اتيانا و قد بايعنا عليا و اجتمعنا له فكلمتنا واحدة و نحن على سبيل مستقيم فدعوانا إلى الفرقة و قاما فينا بزخرف القول حتّى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا و ظلما فاقتتلنا على ذلك، و ايم اللّه ما سلمنا من عظيم و بال ذلك و نحن الان مجمعون على بيعة هذا العبد الصالح الّذي أقال العثرة و عفا عن الشي ء [المسي ء] و أخذ بيعة غائبنا و شاهدنا أ فتأمرنا الان أن نختلع أسيافنا من أغمادها ثمّ يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا و تكون له وزيرا و نعدل بهذا الأمر عن عليّ عليه السّلام و اللّه ليوم من الأيّام علىّ مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خير من بلاء معاوية و آل معاوية لو بقوا في الدّنيا، ما الدّنيا باقية.
فقام عبد اللّه بن حازم السلمى فقال للضحّاك: اسكت فلست بأهل أن تتكلّم في أمر العامّة، ثمّ أقبل على ابن الحضرمى فقال: نحن يدك و أنصارك و القول ما قلت و قد فهمنا عنك فادعنا أنّى شئت.
فقال الضّحاك لابن حازم: يا ابن السوداء و اللّه لا يعزّ من نصرت، و لا يذلّ بخذلانك من خذلت، فتشاتما، قال صاحب كتاب الغارات: و الضحّاك هذا هو الّذى يقول:
- يا ايها ذا لسائلى عن نسبىبين ثقيف و هلال منصبى
- امّى اسماء و ضحّاك أبيقال: و هو القائل في بني العبّاس:
- ما ولدت من ناقة لفحلفي جبل نعلمه و سهل
- كستّة من بطن ام الفضلأكرم بها من كهلة و كهل
- عمّ النّبي المصطفى ذى الفضلو خاتم الأنبياء بعد الرسل
قال: فقام عبد الرّحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثمّ التّيمى فقال: عباد اللّه إنا لم ندعكم إلى الاختلاف و الفرقة لا نريد أن تقتلوا و لا تتنابزوا و لكنّا إنما ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم و توازروا إخوانكم الّذين هم على رأيكم، و أن تلموا شعثكم و تصلحوا ذات بينكم فمهلا مهلا و رحمكم اللّه استمعوا لهذا الكتاب و أطيعوا الّذي يقرأ عليكم.
ففضّوا كتاب معاوية و إذا فيه: من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ كتابي هذا عليه من المؤمنين و المسلمين من أهل البصرة: سلام عليكم أمّا بعد فإنّ سفك الدّماء بغير حلّها، و قتل النفوس الّتي حرّم اللّه قتلها هلاك موبق و خسران مبين، لا يقبل اللّه ممّن سفكها صرفا و لا عدلا و قد رأيتم رحمكم اللّه آثار ابن عفان و سيرته و حبّه للعافية و معدلته و سدّه للثغور و إعطاءه في الحقوق و إنصافه للمظلوم و حبّه للضعيف حتّى توثب عليه المتوثبون و تظاهر عليه الظالمون فقتلوه مسلما محرما ظمان صائما لم يسفك فيهم دما، و لم يقتل فيهم أحدا، و لا يطلبونه بضربة سيف و لا سوط، و انما ندعوكم أيّها المسلمون إلى الطلب بدمه، و إلى قتال من قتله، فانا و إيّاكم على أمر هدى واضح، و سبيل مستقيم إنّكم إن جامعتمونا طفئت النائرة و اجتمعت الكلمة و استقام أمر هذه الامّة و أقرّ الظالمون المتوثبون الّذي قتلوا إمامهم بغير حق فاخذوا بجرائرهم و ما قدّمت أيديهم انّ لكم أن أعمل فيكم بالكتاب و ان أعطيتم في السّنة عطائين و لا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا فسارعوا إلى ما تدعون رحمكم اللّه، و قد بعث إليكم رجلا من الصالحين كان من امناء خليفتكم المظلوم ابن عفّان و عمّاله و أعوانه على الهدى و الحق جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن يجيب إلى الحق و يعرفه و ينكر الباطل و يجحده، و السلام عليكم و رحمة اللّه.
قال: و لما قرئ عليهم الكتاب قال معظمهم: سمعنا و أطعنا.
قال: و روى محمّد بن عبد اللّه بن عثمان، عن عليّ بن أبي طالب، عن أبي زهير عن أبي منقر الشيباني قال: قال الأحنف لمّا قرئ عليهم كتاب معاوية: أمّا أنا فلا ناقة لي في هذا و لا جمل و أعتزل أمرهم ذلك، و قال عمرو بن مرحوم من عبد القيس: أيّها النّاس ألزموا طاعتكم و لا تنكثوا بيعتكم فيقع بكم واقعة و تصيبكم قارعة و لا يكن بعدها لكم بقية ألا إنّي قد نصحت لكم و لكن لا تحبّون الناصحين.
قال إبراهيم بن هلال: و روى محمّد بن عبد اللّه عن ابن أبي سيف، عن الأسود بن قيس، عن ثعلبة بن عباد: إنّ الّذي كان سدّد لمعاوية رأيه في تسريح ابن الحضرمي كتاب كتبه إليه عبّاس بن صخّار العبدي، و هو ممّن كان يرى رأى عثمان و يخالف قومه في حبّهم عليّا و نصرتهم إيّاه و كان الكتاب: أما بعد فقد بلغنا و قعتك بأهل مصر الّذين بغوا على إمامهم و قتلوا خليفتهم طمعا و بغيا فقرّت بذلك العيون و شفيت بذلك النفوس و بردت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين و لعدوّه مفارقين و لكم موالين و بك راضين، فان رأيت تبعث إلينا أميرا طيّبا زكيّا ذا عفاف و ديّن إلى الطلب بدم عثمان فعلت فإنّي لا إخال النّاس إلّا مجمعين عليك، و إنّ ابن عبّاس غائب عن المصر و السلام.
قال: فلمّا قرأ معاوية كتابه قال: لا عزمت رأيا سوى ما كتب به إلىّ هذا، و كتب إليه جوابه: أمّا بعد فقد قرأت كتابك فعرفت نصيحتك، و قبلت مشورتك، رحمك اللّه و سدّدك اثبت هداك اللّه على رأيك الرشيد فكأنك بالرجل الّذي سألت قد أتاك و كأنك بالجيش قد أظلّ عليك فسررت و حببت و السّلام.
قال إبراهيم: و حدّثنا محمّد بن عبد اللّه قال: حدّثني عليّ بن أبي سيف عن أبي زهير قال: لما نزل ابن الحضرمي في بني تميم أرسل إلى الرءوس فأتوه فقال لهم: أجيبوني إلى الحق و انصروني على هذا الأمر قال: و إنّ الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد اللّه بن عبّاس و قدم على عليّ عليه السّلام إلى الكوفة يعزّيه عن محمّد بن أبي بكر قال: فقام إليه ابن صخّار فقال: إي و الّذي له أسعى و إيّاه أخشى لننصرنّك بأسيافنا و أيدينا.
و قام المثنى بن مخزمة العبدى فقال: لا و الّذي لا إله إلّا هو لإن لم ترجع إلى مكانك الّذي أقبلت منه لنجاهدنّك بأسيافنا و أيدينا و نبالنا و أسنّة رماحنا نحن ندع ابن عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سيّد المسلمين و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاع و اللّه لا يكون ذلك أبدا حتّى تسير كتيبة و نفلق السيوف بالهام.
فأقبل ابن الحضرمى على صبرة بن شيمان الأزدي فقال: يا صبرة أنت رأس قومك و عظيم من عظماء العرب و أحد الطلبة بدم عثمان رأينا رأيك، و رأيك رأينا و بلاء القوم عندك في نفسك و عشيرتك ما قد ذقت و رأيت فانصرنى و كن من دونى.
فقال له: إن أنت أتيتنى فنزلت في دارى نصرتك و منعتك.
فقال: إنّ أمير المؤمنين معاوية أمرنى أن أترك في قومه من مصر، فقال: اتّبع ما أمرك به، و انصرف من عنده و أقبل الناس إلى ابن الحضرمى و كثر تبعه ففزع لذلك زياد و هاله و هو في دار الإمارة فبعث إلى الحصين بن المنذر و مالك بن مسمع فدعاهما فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أما بعد فإنّكم أنصار أمير المؤمنين و شيعته وثقته و قد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم فأجيرونى حتّى يأتيني أمر أمير المؤمنين و رأيه.
فأما مالك بن مسمع فقال: هذا أمر فيه نظر أرجع إلى من ورائى و أنظر و أستشير و ألقاك.
و أما حصين بن المنذر فقال: نحن فاعلون و لن نخذلك و لن نسلمك، فلم ير زياد من القوم ما يطمئنّ إليه فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال: يا ابن شيمان أنت سيّد قومك و أحد عظماء هذا المصر فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت ذاك، أفلا تجيرنى و تمنعنى و تمنع بيت مال المسلمين فإنّما أنا أمين عليه فقال: بلى إن تحمّلت حتّى تنزل في دارى منعتك، فقال: إنّي فاعل فارتحل ليلا حتّى نزل دار صبرة بن شيمان، و كتب إلى عبد اللّه بن عبّاس و لم يكن معاوية ادعى زيادا بعد، لأنّه إنّما ادّعاه بعد وفاة عليّ عليه السّلام: للأمين عبد اللّه بن عبّاس من زياد بن عبيد سلام عليك أما بعد فإنّ عبد اللّه ابن عامر بن الحضرمى قبل من قبل معاوية حتّى نزل في بني تميم، و نعى ابن عفّان و دعا إلى الحرب فبايعه جلّ أهل البصرة فلمّا رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة ابن شيمان و قومه لنفسي و لبيت مال المسلمين و رحلت من قصر الامارة فنزلت فيهم و انّ الأزد معى، و شيعة أمير المؤمنين من فرسان القبائل يختلف إلىّ، و شيعة عثمان يختلف إلى ابن الحضرمى، و القصر خال منّا و منهم فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه و أعجل إلىّ بالذي ترى أن تكون منه فيه و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.
قال: فرفع ذلك ابن عبّاس إلى عليّ عليه السّلام و شاع في النّاس بالكوفة ما كان ذلك، و كانت بنو تميم و قيس و من يرى رأى عثمان قد أمروا ابن الحضرمي أن يسير إلى قصر الأمارة حين خلاه زياد، فلمّا تهيّأ لذلك و دعا أصحابه ركبت الأزد و بعثت إليه و إليهم إنا و اللّه لا ندعكم تأتون القصر فتنزلون فيه من لا يرضى و من نحن له كارهون حتّى يأتي رجل لنا و لكم رضا فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلّا أن يسيروا إلى القصر، و أبت الأزد إلّا أن يمنعوهم فركب الأحنف فقال لأصحاب ابن الحضرمي: إنّكم و اللّه ما أنتم بأحق بقصر الأمارة من القوم و مالكم أن تؤمر عليهم من يكرهونه فانصرفوا عنهم ففعلوا، ثمّ جاء إلى الأزد فقال: إنّه لم يكن ما تكرهون و لا يؤتي إلّا ما تحبّون فانصرفوا رحمكم اللّه ففعلوا.
قال إبراهيم: و حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أبي سيف عن الكلبي: أنّ ابن الحضرمي لمّا أتى البصرة و دخلها نزل في بني تميم في دار سبيل و دعا بني تميم و اخلاط مضر، فقال زياد لأبى الأسود الدؤلي: أما ترى ما صنعوا أهل البصرة إلى معاوية و ما في الأزد لي مطمع فقال: إن كنت تركتهم لم ينصروك و إن أصبحت فيهم منعوك.
فخرج زياد من ليلته فأتى صبرة بن شيمان الحداني الأزدي فأجاره، و قال له حين أصبح: يا زياد انّه ليس حسنا بنا أن تقيم فينا مختفيا أكثر من يومك هذا، فأعدّ له منبرا و سريرا في مسجد الحدان و جعل له شرطا و صلّى بهم الجمعة في مسجد الحدان، و غلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة و جباها و أجمعت الأزد على زياد فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا معشر الأزد إنّكم كنتم أعدائى فأصبحتم أوليائى، و أولى الناس بي و إنّي لو كنت في بني تميم و ابن الحضرمى فيكم لم أطمع فيه أبدا و أنتم دونه، فلا يطمع ابن الحضرمى فىّ و أنتم دونى، و ليس ابن آكلة الأكباد في بقيّة الأحزاب و أولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين في المهاجرين و الأنصار و قد أصبحت فيكم مضمونا و أمانة مرادّة و قد رأينا وقعتكم يوم الجمل فاصبروا مع الحق صبركم مع الباطل فانّكم لا تحمدون إلّا على النجدة و لا تعذرون على الجبن.
فقام شيمان أبو صبرة و لم يكن شهد يوم الجمل و كان غائبا فقال: يا معشر الأزد ما أبقيت عواقب الجمل عليكم إلّا سوء الذكر و قد كنتم أمس على عليّ فكونوا اليوم له، و اعلموا أنّ إسلامكم ذلّ، و خذلانكم إيّاه عار، و أنتم حىّ مضماركم الصبر، و عاقبتكم الوفاء، فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم و إن استمدّوا معاوية فاستمدّوا عليّا، و إن وادعوكم فوادعوهم.
ثمّ قام صبرة ابنه فقال: يا معشر الأزد إنّا قلنا يوم الجمل نمنع مصرنا و نطيع امنا، فنطلب دم خليفتنا المظلوم فجدّدنا في القتال و أقمنا بعد انهزام الناس حتّى قتل منّا من لا خير فينا بعده، زياد جاركم اليوم و الجار مضمون و لسنا نخاف من علىّ ما نخاف من معاوية فهبوا لنا أنفسكم و امنعوا جاركم أو فابلغوه مأمنه.
فقالت الأزد: إنما نحن لكم تبع فأجيروه، فضحك زياد و قال: يا صبرة أ تخشون أن لا تقوموا لبني تميم فقال صبرة: إن جاءونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة، و إن جاءوا بالحباب جئت أنا و إن كان فيهم شباب كثير، فقال زياد: إنما كنت مازحا.
فلمّا رأت بنو تميم أنّ الأزد قد قامت دون زياد بعثت إليهم أخرجوا صاحبكم و نحن نخرج صاحبنا فأىّ الأميرين غلب عليّ أو معاوية دخلنا في طاعته و لا نهلك عامّتنا.
فبعث إليهم أبو صبرة إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره، و لعمري ما قتل زياد و إخراجه إلّا سوءا و أنّكم لتعلمون أنّا لم نجره إلّا كرما، فالهوا عن هذا.
قال: و روى أبو الكنود أنّ شبث بن ربعي قال لعليّ عليه السّلام: يا أمير المؤمنين ابعث إلى هذا الحىّ من تميم فادعهم إلى طاعتك و لزوم بيعتك و لا تسلّط عليهم أزدعمان البعداء البغضاء فإنّ واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم.
فقال له مخنف بن سليم الأزدي: إنّ البعيد البغيض من عصى اللّه و خالف أمير المؤمنين و هم قومك، و إنّ الحبيب القريب من أطاع اللّه و نصر أمير المؤمنين و هم قومي و أحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة قومك.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: مه تناهوا أيها النّاس و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغى و التهاذى، و لتجمع كلمتكم، و ألزموا دين اللّه الّذي لا يقبل من أحد غيره، و كلمة الإخلاص الّتي هي قوام الدّين، و حجّة اللّه على الكافرين، و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرقين فألّف بينكم بالإسلام فكثرتم و اجتمعتم و تحاببتم فلا تفرّقوا بعد إذ اجتمعتم، و لا تتباغضوا بعد إذ تحاببتم، و إذا رأيتم النّاس و بينهم النائرة و قد تداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسيف حتّى يفزعوا إلى اللّه و إلى كتابه و سنة نبيّه فأما تلك الحميّة من خطرات الشياطين فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا.
ثمّ إنّه عليه السّلام دعى أعين بن صبيعة المجاشعى و قال: يا أعين ألم يبلغك أنّ قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمى بالبصرة يدعون إلى فراقى و شقاقى و يساعدون الضلّال القاسطين عليّ.
فقال: لا تساء يا أمير المؤمنين و لا يكن ما تكره ابعثنى إليهم فأنا لك زعيم بطاعتهم و تفريق جماعتهم و نفى ابن الحضرمى من البصرة أو قتله.
قال: فاخرج الساعة، فخرج من عنده و مضى حتّى قدم البصرة، هذه رواية ابن هلال صاحب كتاب الغارات.
و روى الواقدى أنّ عليّا عليه السّلام استنفر بني تميم أيّاما لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمى و يردّ غادية بني تميم الّذين أجاروه بها فلم يجبه أحد فخاطبهم و قال: أليس من العجب أن ينصرني الأزد و تخذلنى مضر و أعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بى و خلاف تميم البصرة علىّ، و أن استنجد بطائفة منها بشخص إلى إخوانها فيدعوهم إلى الرشاد فإن أجابت و إلّا فالمنابذة و الحرب فكأنّى اخاطب صمّا بكما لا يفقهون حوارا، و لا يجيبون نداء، كلّ هذا جبنا عن البأس و حبّا للحياة لقد كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نقتل آباءنا و أبنائنا- الفصل إلى آخره.
قال: فقام إليه أعين بن صبيعة المجاشعي فقال: أنا إنشاء اللّه أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب و أتكفل لك بقتل ابن الحضرمى أو إخراجه عن البصرة فأمره بالتهيّوء للشخوص، فشخص حتّى قدم البصرة.
قال إبراهيم بن هلال: فلمّا قدمها دخل على زياد و هو بالأزد مقيم فرحّب به و أجلسه إلى جانبه فأخبره بما قال له عليّ عليه السّلام و ما ردّ عليه و ما الّذي عليه رأيه فإنّه يكلمه إذ جاءه كتاب من عليّ عليه السّلام فيه: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى زياد بن عبيد: سلام عليك أمّا بعد فإنّي قد بعثت أعين بن صبيعة ليفرق قومه من ابن الحضرمي فارقب ما يكون منه فإن فعل و بلغ من ذلك ما يظنّ به و كان في ذلك تفريق تلك الأوباش فهو ما تحبّ و إن ترامت الامور بالقوم إلى الشقاق و العصيان فانبذ من أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم فإن ظهرت فهو ما ظننت و إلّا فطاولهم و ماطلهم فكان كتائب المسلمين قد أطلت عليك فقتل اللّه المفسدين الظالمين و نصر المؤمنين المحقّين و السلام.
فلمّا قرأه زياد أقرأه أعين بن صبيعة فقال له: إنّي لأرجو أن يكفى هذا الأمر إن شاء اللّه.
ثمّ خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا قوم على ما ذا تقتلون أنفسكم و تهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار، و إنّي و اللّه ما جئتكم حتّى عبّيت إليكم الجنود فإن تنيبوا إلى الحقّ يقبل منكم و يكفّ عنكم، و إن أبيتم فهو و اللّه استيصالكم و بواركم.
فقالوا: بل نسمع و نطيع، فقال: انهضوا الان على بركة اللّه عزّ و جلّ، فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه و وافقهم عامة يومه يناشدهم اللّه و يقول: يا قوم لا تنكثوا بيعتكم و لا تخلفوا إمامكم، و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، فقد رأيتم و جربتم كيف صنع اللّه بكم عند نكثكم بيعتكم و خلافكم، فكفّوا عنه و لم يكن بينه و بينهم قتال، و هم في ذلك يشتمونه و ينالون منه، فانصرف عنهم و هو منهم منتصف.
فلمّا رأى إلى رحله تبعه عشرة نفر يظنّ النّاس أنهم خوارج فضربوه بأسيافهم و هو على فراشه و لا يظنّ أنّ الّذي كان يكون فخرج يشتدّ عريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه فأراد زياد أن يناهض ابن الحضرمي حين قتل أعين بجماعة من معه من الأزد و غيرهم من شيعة عليّ عليه السّلام فأرسل بنو تميم من الأزد، و اللّه ما غرضنا لجاركم إذ أجرتموه و لا لمال هو له و لا لأحد ليس على رأينا فما تريدون إلى حربنا و إلى جارنا فكان الأزد عند ذلك كرهت قتالهم.
فكتب زياد إلى عليّ عليه السّلام أما بعد يا أمير المؤمنين فإنّ أعين بن صبيعة قدم علينا من قبلك بجدّ و مناصحة و صدق و يقين فجمع إليه من أطاعه من عشيرته فحثّهم على الطاعة و الجماعة، و حذّرهم الخلاف و الفرقة ثمّ نهض بمن أقبل معه إلى من أدبر عنه فوافقهم عامة النهار فهال أهل الخلال تقدمه و تصدع عن ابن الحضرمي كثير ممّن كان يريد نصرته فكان كذلك حتّى أمسى فأتى في رحله فبنيه نفر من هذه الخارجة المارقة فاصيب رحمه اللّه فأردت أن اناهض القوم ابن الحضرمي عند ذلك فحدث أمر قد أمرت صاحب كتابى هذا أن يذكره لأمير المؤمنين و قد رأيت إن رأى أمير المؤمنين ما رأيت أن يبعث إليهم جارية بن قدامة فإنّه نافذ البصيرة و مطاع في العشيرة شديد على عدوّ أمير المؤمنين فإن يقدم يفرّق بينهم بإذن اللّه، و السّلام على أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
فلمّا جاء الكتاب دعا جارية بن قدامة فقال له: يا ابن قدامة تمنع الأزد عاملى و تبيت مالى و تشاقنى مضر و تنابذني و بنا ابتدأها اللّه تعالى بالكرامة و عرفه الهدى و تداعوا إلى المعشر الّذين حادّوا اللّه و رسوله و أرادوا إطفاء نور اللّه سبحانه حتّى علت كلمة اللّه و هلك الكافرون، فقال: يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم و استعن باللّه عليهم، قال: قد بعثتك إليهم و استعنت باللّه عليهم.
قال إبراهيم: فحدثنا محمّد بن عبد اللّه قال: حدثني ابن أبي السيف عن سليمان ابن أبي راشد عن كعب بن قعين قال: خرجت مع جارية من الكوفة إلى البصرة في خمسين رجلا من بنى تميم ما كان فيهم يماني غيري و كنت شديد التشيّع فقلت لجارية: إن شئت كنت معك، و إن شئت ملت إلى قومي، فقال: بل معى فو اللّه لوددت أن الطير و البهائم تنصرنى عليهم فضلا عن الإنس.
قال: و روى كعب بن قعين أنّ عليّا عليه السّلام كتب مع جارية كتابا و قال اقرأه على أصحابك، قال: فمضينا معه فلمّا دخلنا البصرة بدأ بزياد فرحّب به و أجلسه إلى جانبه و ناجاه ساعة و سائله ثمّ خرج فكان أفضل ما أوصاه به أن قال: احذر على نفسك و اتّق أن تلقى ما لقى صاحبك القادم قبلك.
و خرج جارية من عنده فقام في الأزد فقال: جزاكم اللّه من حىّ خيرا، ما أعظم عناءكم، و أحسن بلاءكم، و أطوعكم لأميركم لقد عرفتم الحقّ إذ ضيّعه من أنكره، و دعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه، ثمّ قرأ عليهم و على من كان معه من شيعة علي عليه السّلام و غيرهم كتاب عليّ عليه السّلام فإذا فيه: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابى هذا من ساكنى البصرة من المؤمنين و المسلمين- إلى قوله عليه السّلام: حتّى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء اللّه تعالى و السّلام، كما تقدّم في المصدر.
قال: فلمّا قرئ الكتاب على الناس قام صبرة بن شيمان فقال: سمعنا و أطعنا و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب، و لمن سالم سلم، إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك، و إن أحببت أن ننصرك نصرناك.
و قام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك و نحوه فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه و مضى نحو بني تميم فقام زياد في الأزد فقال: يا معشر الأزد إنّ هؤلاء كانوا أمس سلما فأصبحوا اليوم حربا و إن كنتم حربا فأصبحتم سلما و إنّي و اللّه ما اخترتكم إلّا على التجربة و لا أقمت فيكم إلّا على الأمل فما رضيتم إذ أجرتمونى حتّى نصبتم لي منبرا و سريرا و جعلتم لي شرطا و أعوانا و مناديا و جمعة فما فقدت بحضرتكم شيئا إلّا هذا الدرهم لا اجبه اليوم فإن لا اجبه اليوم اجبه غدا إن شاء اللّه، و اعلموا أنّ حربكم اليوم معاوية أيسر عليكم في الدّنيا و الدّين من حربكم أمس عليّا، و قد قدّم عليكم جارية بن قدامة و إنّما أرسله علىّ ليصدع أمر قومه و اللّه ما هو بالأمير المطاع و لو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين و لكان لي تبعا، و أنتم الهامّة العظمى و الجمرة الحامية فقدّموه إلى قومه فإن اضطرّ إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك.
فقام أبو صبرة بن شيمان فقال: يا زياد إنّي و اللّه لو شهدت قومى يوم الجمل رجوت أن لا يقاتلوا عليّا و قد مضى الأمر بما فيه و هو يوم بيوم و أمر بأمر و اللّه إلى الجزاء بالإحسان أسرع منه إلى الجزاء بالسيّئ و التوبة مع الحقّ و العفو مع الندم و لو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدّماء و استيناف الامور و لكنّها جماعة دماؤها حرام و جروحها قصاص و نحن معك نحبّ ما أحببت.
فعجب زياد من كلامه و قال: ما أظنّ في النّاس مثل هذا.
ثمّ قام صبرة ابنه فقال: إنّا و اللّه ما اصبنا بمصيبة في دين و لا دنيا كما اصبنا أمس يوم الجمل، و إنّا لنرجو اليوم أن يمحص ذلك بطاعة اللّه و طاعة أمير المؤمنين و ما أنت يا زياد فو اللّه ما أدركت أملك فينا، و لا أدركنا ما أملنا فيك دون ردّك إلى دارك و نحن رادّوك إليها غدا إن شاء اللّه تعالى، فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منّا فإنّك إلّا تفعل لم تأت ما يشبهك، و إنّا و اللّه نخاف حرب علىّ في الاخرة ما لا نخاف من حرب معاوية في الدّنيا فقدّم هواك و أخّر هوانا فنحن معك و طوعك.
ثمّ قام خنفر الجمّاني فقال: ايّها الأمير إنّك لو رضيت منّا بما ترضى به من غيرنا لم نرض ذلك لأنفسنا سربنا إلى القوم إن شئت، و أيم اللّه ما لقينا يوما قطّ إلّا اكتفينا بعفونا دون جهدنا إلّا ما كان أمس.
قال إبراهيم: فأمّا جارية فإنّه كلّم قومه فلم يجيبوه و خرج إليهم منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه و أسمعوه، فأرسل إلى زياد و الأزد يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه فسارت الأزد بزياد و خرج إليهم ابن الحضرمى و على خيله عبد اللّه بن حازم السلمى فاقتتلوا ساعة و أقبل شريك بن الأعور الحارثى و كان من شيعة عليّ عليه السّلام و صديقا لجارية بن قدامة فقال ألا اقاتل معك عدوّك فقال: بلى فما لبثوا بني تميم أن هزموهم و اضطرّوهم إلى دار سبيل السعدى فحصروا ابن الحضرمى و حدود مأتي رجل من بني تميم و معهم عبد اللّه بن حازم السلمى فجاءت امّه و هي سوداء حبشيّة اسمها عجلى فنادته فأشرف عليها فقالت يا بنيّ أنزل إلىّ فأبى فكشفت رأسها و أبدت قناعها و سألته النزول فأبى، فقالت: و اللّه لتنزلنّ أو لأتعرين و أهوت بيدها إلى ساقها فلمّا رأى ذلك نزل فذهبت به و أحاط جارية و زياد بالدّار، و قال جارية: علىّ بالنّار فقالت الأزد: لسنا من الحريق بالنّار في شي ء و هم قومك و أنت أعلم.
فحرق جارية الدّار عليهم فهلك ابن الحضرمى في سبعين رجلا أحدهم عبد الرّحمن بن عمير بن عثمان القرشيّ ثمّ التميمىّ، و سمّى جارية منذ ذلك اليوم محرقا، و سارت الأزد بزياد حتّى أوطنوه قصر الإمارة و معه بيت المال، و قالت له: هل بقي علينا من جوارك شي ء قال: لا، قالوا: فبرءنا منه فقال: نعم فانصرفوا عنه.
و كتب زياد إلى أمير المؤمنين عليه السّلام: أما بعد فإنّ جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمى بمن قصره و أعانه من الأزد ففضّه و اضطرّه إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتّى حكم اللّه تعالى بينهما فقتل ابن الحضرمى و أصحابه منهم من أحرق بالنار، و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه، و منهم من قتل بالسيف، و سلم منهم نفر أنابوا و تابوا فصفح عنهم، و بعدا لمن عصى و غوى، و السّلام على أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
فلمّا وصل كتاب زياد قرأه عليّ عليه السّلام النّاس و كان زياد قد أنفذه مع ظبيان ابن عمارة، فسرّ عليّ عليه السّلام بذلك و سرّ أصحابه و أثنى على جارية و على زياد و على الأزد البصرة فقال: إنها أوّل القرى خرابا إمّا غرقا و إمّا حرقا حتّى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة، ثمّ قال لظبيان: أين منزلك منها فقال: مكان كذا، فقال: عليك بضواحيها.
الترجمة
اين نامه ايست كه أمير عليه السّلام بأهل بصره نوشت: از گسيختن رشته پيمان و دشمنى خود آگاهيد، كه من از گناهكارتان درگذشتم و از گريزنده شما شمشير برداشتم، و به پوزش روى آورنده را پذيرفتم، پس اگر كارهاى تباه كننده، و بيخردى انديشه هاى بيجا، شما را به جنگ و خلاف با من براه انداخت، اين منم كه اسبان تازى را هوار كارزارى خود را نزديك گردانيده ام و دم دست آورده ام، و بر شتران سوارى خود پالان نهادم.
و اگر مرا بامدن ناچار كنيد با شما كارى و كارزارى كنم كه جنگ جمل در پيش آن چون ليسيدن ليسنده انگشت خود را پس از خوراك، بيش نباشد، با اين كه به پايه فرمانبردار، و به حقّ نيكخواه شما آشنايم، بدون اين كه از گناهكار درگذرم و بجاى آن بى گناه را بگيرم، و يا از پيمان شكن بگذرم و به آن كه پيمان را بسر برده مؤاخذه كنم.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 354-375)
|