المختار السابع و الخمسون
كتبه الى أهل الامصار، يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين.
و كان بدء أمرنا أنّا التقينا [و] القوم من أهل الشّام، و الظّاهر أنّ ربّنا واحد، و نبيّنا واحد، و دعوتنا في الإسلام واحدة، و لا نستزيدهم في الإيمان باللّه و التّصديق برسوله و لا يستزيدوننا [و] الأمر واحد إلّا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، و نحن منه براء فقلنا: تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم بإطفاء النّائرة و تسكين العامّة، حتّى يشتدّ الأمر و يستجمع، فنقوى على وضع الحقّ في مواضعه، فقالوا: بل نداويه بالمكابرة، فأبوا حتّى جنحت الحرب و ركدت، و وقدت نيرانها و حمست [حمشت ]، فلمّا ضرّستنا و إيّاهم، و وضعت مخالبها فينا و فيهم، أجابوا عند ذلك إلى الّذي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، و سارعناهم إلى ما طلبوا حتّى استبانت عليهم الحجّة، و انقطعت منهم المعذرة، فمن تمّ على ذلك منهم فهو الّذي أنقذه اللّه من الهلكة، و من لجّ و تمادى فهو الرّاكس الّذي ران اللّه [رين ] على قلبه، و صارت دائرة السّوء على رأسه.
اللغة
(بدء) الأمر: أوّله و بدى ء بمعنى مبتدأ، (النائرة): فاعلة من النار، أى العداوة، (جنحت): أقبلت، (ركدت): ثبتت، (حمست): اشتدّت، حمشت: التهبت غضبا، (ضرّست): عضّتنا بأضراسها، يقال: ضرّ سهم الدهر أى اشتدّ عليهم، (المخالب) جمع مخلب و هو من الطير بمنزلة الظفر للانسان، (أنقذه): خلّصه، (التمادي) في الشي ء: الاقامة عليه و طلب الغاية منه، (الركس): ردّ الشي ء مقلوبا، (ران) غلب و غطّى.
الاعراب
أنّا: بالفتح مع اسمه و خبره تأوّل بالمصدر و خبر لقوله «بدء أمرنا» القوم: بالرفع، قال ابن ميثم: عطف على الضمير في التقينا، و قال الشارح المعتزلي: «التقينا و القوم» كما قال: قلت إذ أقبلت و زهر تهادى، و من لم يروها بالواو فقد استراح من التكلّف.
أقول: الظاهر أنّ التكلّف في العطف على الضمير المرفوع المتّصل من دون إعادة المنفصل و مع حذف الواو ينصب القوم مفعولا، منه براء: تقول العرب: أنا براء و نحن براء، الذكر و الانثى و المفرد و الجمع فيه واحد، و تأويله ذو براء- مجمع البيان- و هو خبر نحن، نداو: مجزوم في جواب الأمر، اليوم: ظرف متعلّق بقوله «نداو» كقوله باطفاء النائرة.
المعنى
قد تصدّى عليه السّلام في كتابه هذا إلى بلاغ رسمي لعموم المسلمين في الأمصار و البلاد الشاسعة يبيّن فيه ما آل إليه زحفه بالجيوش المسلمين إلى الشام لدفع بغي معاوية و صدّه عن الهجوم بالبلاد و تعرّضه للعيث و الفساد، و أشار بقوله (و الظاهر أنّ ربّنا واحد) إلى موادّ الموافقة بين الفريقين المسلمين و الطائفتين اللتين اقتتلا.
و حصّر مادّة الخلاف في أمر واحد و هو دم عثمان حيث إنّ مقاتلة أهل الشام يتشبّثون بمطالبته من أهل الكوفة و خصوصا من علي عليه السّلام، و قد برّأ عليه السّلام كلّ المقاتلة الكوفيّين من دم عثمان مع أنّ فيهم من ينسب إليه بجمع الجموع عليه كالأشتر النخعي- رحمه اللّه- أو المباشرة بالهجوم عليه في داره كعمّار بن ياسر فحكمه عليه السّلام بهذه البراءة العامّة لوجهين: 1- أنّه قتل حقّا لا ظلما، لقيامه في زعامته على خلاف مصالح الامّة الاسلاميّة و انحرافه عن سنن الشريعة، و نقضه للقوانين الثابتة في الكتاب و السنّة، و إحداثه البدعة و الفتنة، و ليس على قاتله دية و لا قود، فكلّهم براء من قتله، و لا يجوز مطالبتهم به، و قد ورد مطاعن عثمان في السير المتقنة بما لا مزيد عليها.
2- أنّ المباشر لقتل عثمان غير داخل في جيشه و غير معلوم عندهم، و القصاص و الدية إنّما يتعلّقان بالمباشر و هو مفقود، فهم براء منه.
و قد بيّن عليه السّلام اقتراحه لأهل الشام و هو ترك العداوة و الشحناء و الخصومة و اللجاج في الوقت الحاضر ليتحقّق الوحدة الاسلاميّة و يسكن فورة نفوس العوام و ثورتهم الّتي أثارها معاوية بدهائه و خداعه، فاشتدّ الحكومة الاسلاميّة في ظلّ الوحدة و الوئام و تتجمّع القوى في جميع الثغور و من كلّ الأنام لتداوي ما لا يدرك، و ما هو ما لا يدرك قد فسّره الشارح المعتزلي بالتمكّن من قتلة عثمان و القصاص منهم، فقال «ص 142 ج 17 ط مصر»: قلنا لهم: تعالوا فلنطفئ هذه النائرة الان بوضع الحرب إلى أن تتمهّد قاعدتي في الخلافة و تزول هذه الشوائب الّتي تكدّر علىّ الأمر، و يكون للناس جماعة ترجع إليها، و بعد ذلك أتمكّن من قتلة عثمان بأعيانهم فأقتصّ منهم.
أقول: و فيه نظر من وجهين: 1- أنّه عليه السّلام لا يدعو إلى معالجة قضيّة قتل عثمان بتعقيب قتلته، لأنّه غرّر بنفسه حتّى قتل في غوغاء من المسلمين لا يدرى من قتله.
2- لا معنى للاقتصاص من جمع في قتل رجل واحد فانّه لا يقتل قصاصا للواحد إلّا واحدا إذا ثبت أنّه قاتل وحده و لو اشترك جمع في قتل واحد لا يقتصّ منهم جميعا.
و قال ابن ميثم: و الباء في قوله (بإطفاء النائرة) متعلّق بقوله (نداوي ما لا يدرك) أى ما لا يمكن تلا فيه بعد وقوع الحرب و لا يستدرك من القتل و هلاك المسلمين.
أقول: و له وجه، و الأوجه أنّ المقصود من «ما لا يدرك» الاتّفاق العامّ و التامّ بين المسلمين في نشر الاسلام و بثّ دعايته، فانّه لو لا خلاف معاوية معه لم يلبث الاسلام أعواما قلائل حتّى يستولي على كلّ البلدان و يهتدي في ظلّ تعليماته العالية جميع بني الانسان، فانّ أكثر الخلق الّذين بلغ إليهم تعليمات الاسلام و نشرت في بيئتهم إنّما أسلموا طوعا لما أدركوا من أنّه يهدي للّتي أقوم هي لتربية الاسلام العليا و طريقته الوسطى.
فلو لا تسلّط بني اميّة على الحكومة الاسلاميّة و تكديرهم قوانينه النيّرة العادلة الكافلة لصلاح بني الانسان مادّة و معنا لساد الاسلام في كافّة البلدان و شملت هدايته جميع أبناء الانسان فينال البشر بالتقدّم و الازدهار من القرون الاولى الاسلاميّة.
و لكن أجاب أهل الشام باغواء معاوية بما لخّصه عليه السّلام في قوله (فقالوا: بل نداويه بالمكابرة) أي طلب الكبر و السلطنة، فيعلم كلّ أحد أنّ هدف معاوية من القيام بطلب دم عثمان ليس إلّا طلب الرياسة و التسلّط على الأنام فأثار الحرب الشعواء حتّى دارت عليه الدائرة فتشبّث بمكيدة عمرو بن العاص إلى دهاء اخرى و اعترف باقتراح علي عليه السّلام.
فأجاب إلى ما دعاه إليه من الرجوع إلى حكم القرآن، و قال عليه السّلام (و سارعناهم إلى ما طلبوا)، قال المعتزلي في شرحه «ص 143 ج 17 ط مصر»: كلمة فصيحة، و هى تعدية الفعل اللازم، كأنّها لمّا كانت في معنى المسابقة و المسابقة متعدّية عدّي المسارعة.
أقول: و هذا ما عبّر عنه ابن هشام في المغني بالتضمين و جاء له بشواهد كثيرة منها قول الشاعر:
- هنّ الحرائر لا ربّات أخمرةسود المحاجر لا يقرأن بالسور
و قد علّل عليه السّلام إجابته إلى ذلك بايجاد محيط سالم يمكن فيه التفاهم و بيان الحجّة على الحقّ فانّ المحيط الموبوء الحربي مثار التعصّب و الغضب المانعين عن استماع دليل الخصم و التفاهم معه فلا يتمّ الحجّة عليه خصوصا مع ما نشره معاوية فيهم من الأكاذيب و الاتّهامات الفارغة فحتّى في كلامه عليه السّلام للتعليل و ما بعدها في معنى المضارع و المقصود أنّ هدف الهدنة إتمام الحجّة على من خدعهم معاوية و عمرو بن العاص من أهل الشام، و استنتج منه أنّ من انقاد لحكم القرآن بعد ذلك أنقذه اللّه من الهلكة و العقاب و من لجّ و تمادى في غيّه فهو الراكس الّذي ران اللّه على قلبه و لم تنفع الحجّة الواضحه له.
قال الشارح المعتزلي: قال قوم: الراكس هنا بمعنى المركوس، فهو مقلوب فاعل بمعنى مفعول، كقوله تعالى «فهو في عيشة راضية 7- القارعة» أى مرضيّة، و عندي أنّ اللفظة على بابها، يعني أنّ من لجّ فقد ركس نفسه فهو الراكس و هو المركوس- إلى أن قال: و ران على قلبه أى ران هو على قلبه كما قلنا في الراكس، و لا يجوز أن يكون الفاعل و هو اللّه محذوفا، لأنّ الفاعل لا يحذف- انتهى.
و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قاله ابن ميثم في قوله (فمن تمّ على ذلك) أى على الرضا بالصلح و تحكيم كتاب اللّه و هم أكثر أهل الشام و أكثر أصحابه عليه السّلام و الّذين لجّوا في التمادي فهم الخوارج الّذين لجّوا في الحرب و اعتزلوه- إلخ.
و في كلامه وجوه من النظر: 1- كيف حكم أمير المؤمنين عليه السّلام على أهل الشام بأنّه أنقذهم اللّه من الهلكة و ظاهر الهلكة العذاب الاخروي لا النجاة من الحرب و النيل بالحياة الدنيويّة.
2- أنّ صدور هذا البلاغ كان بعد الهدنة و قبل تحكيم أمر الخوارج و ظهور خلافهم عليه كما هو الظاهر.
3- أنّ صريح قوله عليه السّلام «حتّى استبانت عليهم الحجّة- إلخ» راجع إلى أهل الشام و لا ربط له بالخوارج الّذين كانوا معه و جاهدوا حقّ الجهاد قبل ارتدادهم عنه.
4- أنّ قوله (و من لجّ و تمادى) يدلّ على أنّ المقصود من كلامه المخالفين معه قبل الهدنة و حين الحرب و لا ينطبق على الخوارج، و الحاصل أنّ غرضه عليه السّلام بيان هدف قبول الهدنة و الرجوع إلى حكم اللّه تعالى لإتمام الحجّة على أهل الشام ببيان الأدلّة على حقّيّته و بطلان مكائد معاوية و خواصّه كما هو وظيفة القائم بالارشاد و الهداية ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة، فكلامه عليه السّلام في حكم قضيّة كلّيّة و لا نظر له إلى تحقّق المصاديق الخارجيّة كما زعمه ابن ميثم عليه الرحمة.
الترجمة
از نامه ايست كه بأهالي شهرها نوشت و آنچه در صفين ميان او و مخالفانش انجام يافت گزارش فرمود: آغاز كار ما اين بود كه با مردم شام برخورد كرديم، و ظاهر حال اين بود كه پروردگار و معبود ما يكى است و پيغمبر ما يكى است، و در دعوت بمسلمانى هم آهنگيم، و ما از آنها در ايمان بخدا و تصديق بفرستاده او فزونى نخواستيم، و آنها هم در اين باره از ما فزونى نخواستند، و وضع ما در همه جهت يكى بود و فقط مورد اختلاف خونخواهى براى عثمان بود، در صورتى كه ما از خون عثمان پاك بوديم و بدان آلوده نبوديم.
ما پيشنهاد كرديم: بيائيد تا در باره آنچه بدست نداريم امروز چاره جوئى كنيم بوسيله خاموش كردن آتش شورش و جوشش دشمنى ميان خود و شماها و بكمك آرام كردن افكار پريشان توده مردم مسلمان تا آنكه كار اسلام محكم گردد و جماعت اسلام بى مخالفت پابرجا شود و ما نيرو گيريم تا هر حقّى را بجاى خودش بر قرار داريم.
آنها در پاسخ گفتند: ما با زورآزمائى وضع موجود را معالجه مى كنيم، و سر از پيشنهاد ما بر گردانيدند و پافشارى كردند تا جنگ سر در آورد و پر در آورد و پاى بر جا شد و آتش سوزانش شعله ور و تيز گرديد.
و چون دندانش بر كالبد ما و آنها فرو شد و چنگال در تن ما و آنها انداخت بناچار بهمان پيشنهادى كه ما با آنها داشتيم پاسخ مثبت دادند و بحكم قرآن رضا شدند، و ما هم با شتاب آنچه را خواستند پذيرفتيم براى آنكه حجّت حق بر آنها آشكار شود و عذر جهالت و شبهه آنها قطع گردد، تا هر كس بر اين مطلب پائيد و بدرستى آنرا پذيرفت همان كس باشد كه خداوندش از هلاكت و نابودى و عذاب نجات داده، و هر كس لجبازى كرد و بناحق إصرار ورزيد و آنرا كش داد همان باشد كه خود را نگونسار كرده هم آنكه خدايش بر دل مهر زده و پرده كشيده و بد آمد و شكست معنوي بر سر او چرخيده و گرفتارش كرده است.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 338-345)
|