المختار الخامس و الثلاثون و من كتاب له عليه السلام الى عبد اللّه بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبى بكر.
أمّا بعد، فإنّ مصر قد افتتحت، و محمّد ابن أبي بكر «رحمه اللّه» قد استشهد، فعند اللّه نحتسبه ولدا ناصحا، و عاملا كادحا، و سيفا قاطعا، و ركنا دافعا، و قد كنت حثثت النّاس على لحاقه، و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة، و دعوتهم سرّا و جهرا، و عودا و بدءا، فمنهم الاتي كارها، و منهم المعتلّ كاذبا، و منهم القاعد خاذلا. أسأل اللّه أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا، فو اللّه لو لا طمعي عند لقائي عدويّ في الشّهادة، و توطيني نفسي على المنيّة، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا، و لا التقى بهم أبدا.
اللغة
(نحتسبه): يقال: احتسب ولده إذا مات كبيرا، و افترط ولده إذا مات صغيرا، و يقال: احتسبت كذا عند اللّه أى طلبت به الحسبة بكسر الحاء و هي الأجر (الشهادة): القتل في سبيل اللّه، و استشهد كأنه استحضر إلى اللّه (كادحا): مجدّا في الأمر، (حنثت): أمرتهم أكيدا.
الاعراب
فعند اللّه: ظرف متعلّق بقوله «نحتسبه»، ولدا: بدل من ضمير نحتسبه قال ابن ميثم: و ولدا و عاملا و سيفا و ركنا أحوال، و فيه غموض و الأظهر أنّ عاملا و ما بعده نعوت لقوله ولدا، الوقعة: اللّام فيه للعهد: أي وقعة قتل محمّد بن أبي بكر سرا: بدل من المفعول المطلق و هو دعاء و قد حذف.
المعنى
بعث عليه السّلام بهذا المكتوب إلى عبد اللّه بن العبّاس و هو يومئذ عامله على البصرة و هي أيضا ثغر من الثغور الهامة و متاخم للشام من وجه يطمع معاوية في التسلّط عليها لكونها ثالث ثلاثة من المعسكرات الإسلاميّة العظمى، و هى: مصر، و الكوفة، و البصرة.
و يعلم معاوية أنّ في البصرة اناس يكرهون عليّا عليه السّلام بعد وقعة الجمل لقتل كثير منهم في هذه الوقعة فلا يخلو صدورهم من حبّ الانتقام عن عليّ عليه السّلام و قد ولى عليها ابن عبّاس لشرفه و علمه و اعتماده عليه و كان أحد أركان حكومته و ينبغي إعلامه بما وقع في الحكومة من الامور الهامّة و فتح مصر.
و قتل محمّد بن أبي بكر من أهمّ ما وقع في حكومته عليه السّلام لأنّ مصر أحد الأركان الثلاثة في البلاد الإسلاميّة، و محمّد بن أبي بكر من الرجال الأفذاذ و ابن أوّل الخلفاء في الحكومة الإسلامية، فكان قتله و هتك حرمته من أنكى الرّزايا في المجتمع الإسلامي، هذا.
مع الايماء إلى ابن عبّاس بشدّة صولة الأعداء و عدم رعايتهم أى حرمة و أيّ شخصيّة ليكون يقظا في حوزة حكومته مدبّرا في ردّ كيد الأعداء، فإنّ حوزة حكومته و هي البصرة مطمح نظر معاوية و أعوانه الطّغاة.
و يتلظّى لهبات قلبه الكئيب من خلال سطور هذا الكتاب، فقد أصابه جراحات عميقة لا تندمل من موت الأشتر الّذي كان يمينه القاطعة في دفع أعدائه و لم يتسلّى عنه حتّى ورد عليه خبر فتح مصر و قتل محمّد بن أبى بكر الّذى يكون قرّة عينه في العالم الإسلامي و ناصره المخلص الوحيد من أبناء الخلفاء الماضين فكان إطاعته له عليه السّلام حجّة قاطعة له تجاه مخالفيه و لعلّه وصفه في كلامه بالسيّف القاطع بهذا الاعتبار و من الوجهة السّياسيّة كتوصيفه بأنّه كان ركنا دافعا.
و كان فوت الأشتر و محمّد بن أبي بكر نكاية من جهتين: 1- أنّ الأشتر اغتيل و مات بالسّمّ المدسوس من قبل جواسيس معاوية فعظم فوته عليه حيث إنّه لو كان قتل في الحرب كان مصيبته أخفّ.
2- حيث إنّ محمّدا اخذ و قتل صبرا و احرق جثمانه بأشدّ الإحراق و أفظعه و لو كان قتل في الحرب و الضّرب كان مصابه أخفّ.
و انضمّ إلى هذين المصيبتين الكبريين عصيان أصحابه، فصار عليه السّلام آيسا من الحكومة على المسلمين و كارها من الحياة حتّى يسأل اللّه الفرج و الخلاص من هذا الأناس، و هل أراد عليه السّلام بالفرج العاجل إلّا الموت فيا للّه من مصيبة ما أعظمها و أفجعها.
الترجمة
نامه اى كه پس از كشته سدن محمّد بن أبي بكر به عبداللّه بن عباس نگاشته: أمّا بعد، براستى كه مصر بدست دشمنان گشوده و تصرف شد و محمّد بن أبي بكر- كه خدايش رحمت كناد- بدرجه شهادت رسيد، من او را بحساب خدا مى گذارم بحساب فرزندى خير خواه و كارگزارى كوشا و رنج كش، و شمشيرى برنده و گذرا و پشتيبانى در دفع أعداء، من محقّقا مردم را ترغيب و وادار نمودم كه وى را دريابند و به آنها فرمان دادم تا حادثه واقع نشده بفرياد او برسند، آشكارا و نهان و از آغاز تا انجام از آنها دعوت كردم.
يك دسته بنا خواه حاضر شدند و يك دسته آنها عذرهاى دروغين آوردند و يك دسته شان تقاعد كردند و ترك يارى نمودند.
من از خدا خواهانم كه راه خلاص نزديكى از دست اين مردم برايم مقرّر سازد، بخدا سوگند اگر اين آرزو نبودم كه در برخورد با دشمن سعادت شهادت يابم و عزم بر مرگ نداشتم دوست داشتم يك روز هم با اين مردم بسر نبرم و هرگز با آنها روى در رو نشوم.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 54-57)
|