المختار الثالث و الخمسون
و من كتاب له عليه السلام الى طلحة و الزبير، مع عمران بن الحصين الخزاعى، ذكره أبو جعفر الاسكافى في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام أمّا بعد، فقد علمتما و إن كتمتما أنّي لم أرد النّاس حتّى أرادوني، و لم أبايعهم حتّى بايعوني، و إنّكما ممّن أرادني و بايعني، و إنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب، و لا لعرض حاضر، فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا و توبا إلى اللّه من قريب، و إن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السّبيل بإظهار كما الطّاعة و إسرار كما المعصية، و لعمري ما كنتما بأحقّ المهاجرين بالتّقيّة و الكتمان، و إنّ دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقرار كما به.
و قد زعمتما أنّي قتلت عثمان، فبيني و بينكما من تخلّف عنّي و عنكما من أهل المدينة، ثمّ يلزم كلّ امرى ء بقدر ما احتمل، فارجعا أيّها الشّيخان عن رأيكما، فإنّ الان أعظم أمر كما العار من قبل أن يجتمع العار و النّار، و السّلام.
الاعراب
إن كتمتما: لفظة إن وصليّة، أنى لم أرد قائم مقام مفعولي علم، و أنكما ممّن أرادني: عطف على أني لم أرد، و كذلك قوله: و أنّ العامّة، طائعين حال من ضمير في كنتما، السّبيل مفعول أوّل لقوله جعلتما ولي ظرف مستقرّ و هو مفعوله الثاني و عليكما متعلّق بقوله السّبيل، باظهار كما الباء للسببيّة و إظهار مصدر مضاف إلى الفاعل، بالتقية متعلّق بقوله: بأحقّ.
المعنى
قال ابن ميثم: خزاعة قبيلة من الأزد، و قيل: الاسكاف منسوب إلى اسكاف رستاق كبير بين النهروان و البصرة، و كتاب المقامات الّذي صنّفه الشّيخ المذكور في مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام.
قال الشارح المعتزلي: عمران بن الحصين بن عبد بن خلف، و سرد نسبه إلى كعب بن عمرو الخزاعي، يكنّى أبا بجيد بابنه بجيد بن عمران، أسلم هو و أبو هريرة عام خيبر، و كان من فضلاء الصّحابة و فقهائهم... و قال محمّد بن سيرين: أفضل من في البصرة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمران بن الحصين... و أمّا أبو جعفر الإسكافي- و هو شيخنا محمّد بن عبد اللّه الإسكافي- عدّه قاضي القضاة في الطّبقة السّابعة من طبقات المعتزلة- إلى أن قال: و قال: كان أبو جعفر فاضلا عالما، و صنّف سبعين كتابا في علم الكلام و هو الّذي نقض كتاب «العثمانيّة» على أبي عثمان الجاحظ في حياته- إلى أن قال: و كان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد، و يبالغ في ذلك، و كان علويّ الرّأى، محقّقا مصنّفا قليل العصبيّة.
أقول: خزاعة من القبائل الساكنة حول مكّة المكرّمة الموالية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى قبل نشر الإسلام و قبل أن أسلموا، و قد نصروه و أيدوه في مواقف هامّة و سيّدهم بديل بن ورقاء الخزاعي المشهور و هو أحد الممثّلين لأهل مكّة المشركين في قضية حديبيّة.
فمن تلك المواقف ورودهم في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في معاهدة صلح الحديبيّة و قبولهم حمايته و اعتمادهم به تجاه قريش.
و منها ردعهم أبا سفيان و جنده من الهجوم ثانيا إلى المدينة بعد الرّحيل من احد و إصابة المسلمين بأكثر من سبعين قتيلا و جرحى كثيرة، فقد روى أنّه لما بلغ إلى الرّوحاء ندم من تركه الزحف بقيّة المسلمين في المدينة و عزم على الرجوع فلحقه عير خزاعة الرّاحلة من المدينة فاستخبرهم عن المسلمين فأجابوه بانّه قد رحلوا ورائكم بجيش كثير سوّد الأرض يسرعون في اللّقاء معكم و استيصالكم فخاف و لم يرجع.
و الظّاهر أنّ هذا الكتاب صدر منه عليه السّلام في ضمن المراجعات و الاحتجاجات المتبادلة بينه و بين طلحة و الزّبير في جبهة الجمل، و كان أحد مجاهيده الّتي توسّل بها لإخماد هذه الثّورة الحادّة قبل اشتغال الحرب الهائلة الهدّامة و نبّه فيه على أن نفوذ الامامة و هي الرّياسة العامّة يحتاج إلى بيعة الامّة عن الرّضا و طيب النّفس فانّ الإمامة تحتاج إلى صلاحيّة روحيّة و معنويّة في نفس الإمام تعتمد على العصمة عند الإماميّة و لا طريق إلى إثباتها إلّا النّص الصادر عن المعصوم نبيّا كان أم إماما منصوصا فيعتمد على دلالة من اللّه إليها، و لكن نفوذها في الامّة بحيث يتصدّى الإمام لإجراء الامور يحتاج إلى بيعتهم عن طيب النّفس.
و هذا معنا التمكّن الّذي أشار إليه المحقق الطّوسى في تجريده بقوله «وجوده لطف و تصرّفه لطف آخر و عدمه منّا» أى عدم تمكّننا و بيعتنا مع الامام فوّت عنّا تصرّف الامام في الامور و إجرائها كما ينبغي.
و أشار عليه السّلام إلى ما يسقط اعتبار البيعة و هو أمران: 1- (و إنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب) يعني أنّ البيعة الصادرة عن قهر الناس بارعابهم و تخويفهم لا تنعقد، لأنّ الإكراه مبطل للمعاهدات عقدا كانت أم إيقاعا و البيعة من أهمّ العقود بين الرعيّة و الامام فلا تنعقد مع الاكراه.
2- (و لا لعرض حاضر) قال الشارح المعتزلي «ص 123 ج 17 ط مصر»: «أى مال موجود فرّقته بينهم» و هو المعبّر عنه بابتياع الرأي، فالبيعة الحاصلة بابتياع آراء من بايع إلى حيث يخلّ بالأكثريّة اللازمة يسقط البيعة عن الاعتبار، فأثبت عليه السّلام صحّة بيعته بأنّها صادرة عن عامّة الناس بالرضا و طيب النفس فيلزم عليهما التسليم و الطاعة و الانقياد.
ثمّ أقام عليهما الحجّة بأنّهما بايعا معه فيلزم عليهما الوفاء بها و الرجوع عن الخلاف و التوبة إلى اللّه فورا فانّها واجبة على العاصي فورا، فان زعما أنّهما كارهان لبيعته و لم تصدر عن الرضا و طيب النفس فاعترض عليهما بوجوه: 1- أنّ الكراهة غير مبطلة للعقود، لأنّ مجرّد الكراهة الباطنيّة لا تضرّ بصحّة العقد الصادر عن الرضا الانشائي بداعي المنافع المقصودة منه كالمريض يشتري الدواء و هو كاره له بداعي معالجة مرضه، و كالمضطرّ في شراء الحوائج فانّه كاره قلبا فالمبطل للعقد هو الاكراه الّذي يسلب قدرة المكره لا الكراهة الباطنيّة.
2- أنّ ظاهر بيعتكما الرضا و طيب النفس، فدعوى الكراهة مردودة لأنّها كالانكار بعد الإقرار، فقال عليه السّلام (فقد جعلتما لي عليكما السلطان بإظهار كما الطاعة).
3- أنّكما تعترفان بالنفاق، و إظهار النفاق موجب للعقوبة و إن كان المستتر منه يحال إلى اللّه تعالى فيعاقب عليه في الاخرة، و أشار إليه بقوله (و إسرار كما المعصية).
ثمّ تعرّض لجواب ما يمكن أن يحتجّوا به في المقام و هو التقيّة فقال عليه السّلام ليس المقام مقام التقيّة لأنّها في معرض الخوف من إظهار العقيدة و أنتما من المهاجرين الّذين لا يخافون في المقام مع أنّه عليه السّلام لم يتعرّض لمن تخلّف عن بيعته بأدنى تعقيب و أذى كما أشار إليه بعد ذلك في قطع عذرهما و ما تمسّكا به من اتّهامه عليه السّلام بقتل عثمان، فقال.
(و قد زعمتما أنّي قتلت عثمان، فبيني و بينكما من تخلّف عنّي و عنكما من أهل المدينة) أمثال: محمّد بن مسلمة و اسامة بن زيد، و عبد اللّه بن عمر،- فاتّخذهم شهودا على من شرك في قتل عثمان و دعا إليه.
قال في الشرح المعتزلي: و أهل المدينة يعلمون أنّ طلحة كان هو الجملة و التفصيل في أمره و حصره و قتله، و كان الزبير مساعدا له على ذلك و إن لم يكن مكاشفا مكاشفة طلحة- انتهى.
و قد أشار في قوله (من قبل أن يجتمع العار و النار) إلى قتل طلحة و الزبير في هذه الحرب، و نلفت نظر القرّاء إلى أنّ طلحة و الزبير من أكابر الصحابة المهاجرين الّذين آمنوا في السنين الاولى من البعثة و في عصر غربة الاسلام بدعوة أبي بكر و هم عدّة، كما في سيرة ابن هشام «ص 158 ج 1 ط مصر»: فلمّا أسلم أبو بكر «رض» أظهر إسلامه و دعا إليه- إلى أن قال- فأسلم بدعائه في ما بلغني عثمان بن عفّان «و سرد نسبه» و الزبير بن العوّام «و سرد نسبه» و عبد الرحمن ابن عوف «و سرد نسبه» و سعد بن أبي وقّاص «و سرد نسبه» و طلحة بن عبيد- اللّه «و سرد نسبه»- انتهى.
و كان أثر نفس أبي بكر نفث النفاق في هؤلاء فخرج كلّهم من أعداء علىّ أمير المؤمنين و من رءوس أهل النفاق و الخلاف مع أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الدليل عليه إقبالهم على الدنيا و جمع الأموال الطائلة و النزة إلى الرياسة و الجاه كما يظهر من الأخبار الصحيحة.
الترجمة
از يك نامه اى كه به طلحه و زبير نگاشته و با عمران بن حصين گسيل داشته أبو جعفر إسكافي آنرا در كتاب مقامات خود كه در مناقب أمير المؤمنين نوشته است يادآور شده.
أمّا بعد، شما هر دو بخوبى مى دانيد- گر چه نهان مى سازيد- كه من مردم را نخواستم تا مرا خواستند، و دست بيعت بدانها دراز نكردم تا آنها دست براى بيعت من دراز كردند، و شما هر دو از كسانى هستيد كه مرا خواستيد و با من بيعت كرديد، و راستش اين است كه عموم مردم بزور و قهر با من بيعت نكردند و براى طمع در عرض موجودى كه به آنها پرداخت شده باشد بيعت نكردند، بلكه از روى رضا و رغبت دست بيعت بمن دادند.
اگر شما بدلخواه با من بيعت كرديد اكنون از خلاف خود بر گرديد و فورا بدرگاه خدا توبه كنيد، و اگر از روى بى ميلى و ناخواهى با من بيعت كرديد اين بيعت بگردن شما ثابت شده و خود دليل محكوميّت خود را به من سپرديد كه إظهار إطاعت كرديد و نافرمانى را در دل نهفتيد، بجان خودم قسم شما از سائر مهاجران سزاوارتر به تقيّه و كتمان عقيده نبوديد، كناره گيري شما از اين كار پيش از ورود در آن براستى براى شما رواتر بود از مخالفت با آن پس از اعتراف و إقرار بدان.
شما را گمان اين است كه من عثمان را كشتم، همه آنها كه در مدينه از من و شما هر دو طرف كناره گيرى كردند و از حادثه قتل عثمان بخوبى آگاهند ميان من و شما حكم باشند تا هر كس باندازه اى كه متحمّل انجام اين حادثه شده است مسئول باشد، اى دو تن پير مرد كهنسال و رهبر اسلامى از رأى و نظر خود بر گرديد و بسوى حق گرائيد، زيرا اكنون بزرگترين نكوهشى كه بر شما است همان ننگ كناره گيرى از جبهه نبرد است، و پيشگيرى كنيد از اين كه اين ننگ با شكنجه دوزخ توأم گردد.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 324-329)
|