126 وَ قَالَ ع: وَ قَدْ رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقُبُورِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ- يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ- وَ الْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَ الْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ- يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ- يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ- أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ وَ نَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ- أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ وَ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ- وَ أَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ- هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ- ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ- أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ- لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى الفرط المتقدمون- و قد ذكرنا من كلام عمر ما يناسب هذا الكلام- لما ظعن في القبور و عاد إلى أصحابه أحمر الوجه- ظاهر العروق- قال قد وقفت على قبور الأحبة فناديتها الحديث- إلى آخره فقيل له فهل أجابتك قال نعم- قالت إن خير الزاد التقوى- . و قد جاء في حديث القبور و مخاطبتها و حديث الأموات- و ما يتعلق بذلك شي ء كثير يتجاوز الإحصاء- .
و في وصية النبي ص أبا ذر رضي الله عنه زر القبور تذكر بها الآخرة و لا تزرها ليلا- و غسل الموتى يتحرك قلبك فإن الجسد الخاوي عظة بليغة- و صل على الموتى فإن ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله
- وجد على قبر مكتوبا-
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى و أنت رقيب
تزيد بلى في كل يوم و ليلة
و تنسى كما تبلى و أنت حبيب
و قال الحسن ع مات صديق لنا صالح فدفناه و مددنا على القبر ثوبا- فجاء صلة بن أشيم فرفع طرف الثوب و نادى يا فلان-
إن تنج منها تنج من ذي عظيمة و إلا فإني لا إخالك ناجيا
و في الحديث المرفوع أنه ع كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات- و رئي عليه كآبة ظاهرة و أكثر حديث النفس
- . سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة من هذا فقال أنت- فإن كرهت فأنا- .
سمع الحسن ع امرأة تبكي خلف جنازة- و تقول يا أبتاه مثل يومك لم أره- فقال بل أبوك مثل يومه لم يره
- . و كان مكحول إذا رأى جنازة قال- اغد فإنا رائحون- . و قال ابن شوذب اطلعت امرأة صالحة في لحد- فقالت لامرأة معها هذا كندوج العمل يعني خزانته- و كانت تعطيها الشي ء بعد الشي ء تأمرها أن تتصدق به- فتقول اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل- .
شاعر-
أ جازعة ردينة أن أتاها نعيي أم يكون لها اصطبار
إذا ما أهل قبري ودعوني
و راحوا و الأكف بها غبار
و غودر أعظمي في لحد قبر تراوحه الجنائب و القطار
تهب الريح فوق محط قبري
و يرعى حوله اللهق النوار
مقيم لا يكلمني صديق بقفر لا أزور و لا أزار
فذاك النأي لا الهجران حولا
و حولا ثم تجتمع الديار
- . و قال آخر-
كأني بإخواني على حافتي قبري يهيلونه فوقي و أدمعهم تجري
فيا أيها المذري علي دموعه
ستعرض في يومين عني و عن ذكري
عفا الله عني يوم أترك ثاويا أزار فلا أدري و أجفي فلا أدري
و جاء في الحديث المرفوع ما رأيت منظرا إلا و القبر أفظع منه
و في الحديث أيضا القبر أول منزل من منازل الآخرة- فمن نجا منه فما بعده أيسر- و من لم ينج منه فما بعده شر منه
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 322-324)
|