204- كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع و العطش [و الظمّأ- خ ل ]، و كم من قائم ليس له من قيامه إلّا السّهر و العناء، حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم. إنّما مدح نوم الأكياس و إفطارهم، لأنّ الكيّس هو الذي يستعمل ذكاه و فطنته في طريق الخير و على الوجه المرضيّ للشارع، و يضع كلّ شي ء موضعه، و من كان كذلك كان نومه و إفطاره و جميع تصرّفاته في عباداته موضعة موضعها من رضاء اللّه و محبّته بخلاف الجاهلين باللّه و بشرائط العبادة، فإنّ نصيبهم من الصيام و القيام ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام.
قال تعالى: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ. تَصْلى ناراً حامِيَةً و ورد: ربّ تال القرآن، و القرآن يلعنه. 205- كم من أكلة منعت (تمنع- خ ل) أكلات هذا حقّ- و قد أخذ هذا المعنى بلفظه الحريريّ، فقال في المقامات: ربّ أكلة هاضت الآكل، و منعته مآكل. و أخذه ابن العلّاف الشاعر فقال في سنّوره الذي يرثيه:
أردت أن تأكل الفراخ و لا يأكلك الدهر أكل مضطهد
يا من لذيذ الفراخ أوقعه
ويحك هلّا قنعت بالغدد
كم أكلة خامرت حشا شره فأخرجت روحه من الجسد
و العرب تعيّر بكثرة الأكل، و تعيب بالجشع و الشره و النهم، و قد كان فيها قوم موصوفون بكثرة الأكل، منهم معاوية، كان يأكل حتّى يستلقي و يقول: يا غلام، ارفع فلأنّي و اللّه ما شبعت و لكن مللت.
قال الشاعر:
و صاحب لي بطنه كالهاوية كأنّ في أمعائه معاويه
و كان عبيد اللّه بن زياد يأكل في اليوم خمس أكلات أخراهنّ خيبة () بعسل، و يوضح بين يديه بعد أن يفرغ الطعام عناق أو جدي فيأتي عليه وحده. و كان سليمان بن عبد الملك المصيبة العظمى في الأكل. حكي أنّه دخل الحمّام فأطال، ثمّ خرج فأكل ثلاثين خروفا بثمانين رغيفا، ثمّ قعد على المائدة فأكل مع الناس كأنّه لم يأكل شيئا. و نوادر آثاره في الأكل كثيرة.
و كان الحجّاج و هلال بن أشعر المازنيّ و هلال بن أبي بردة و عنبسة و ميسرة الرأس موصوفين بكثرة الأكل و لهم نوادر أوردها ابن أبي الحديد في الشرح. و كان أبو الحسن العلّاف والد أبي بكر العلّاف الشاعر المحدّث أكولا، دخل يوما على الوزير أبي بكر محمّد المهلبيّ، فأمر الوزير أن يؤخذ حماره فيذبح و يطبخ بماء و ملح، ثمّ قدّم له على مائدة الوزير، فأكل و هو يظنّه لحم البقر، و يستطيبه حتّى أتى عليه، فلمّا خرج ليركب طلب الحمار، فقيل له: في جوفك. و كان أبو العالية أكولا، نذرت امرأة حامل إن أتت بذكر تشبع أبا العالية خبيصا، فولدت غلاما، فأحضرته، فأكل جفان خبيصا، ثمّ أمسك، و خرج، فقيل له: إنّها كانت نذرت أن تشبعك، فقال: و اللّه لو علمت ما شبعت إلى الليل.
( شرح حکم نهج البلاغه شیخ عباس قمی، ص169)
|