(الاملاق) الافتقار قال تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ و (الاستماحة) طلب المنح هو كالامتياح الاعطاء و (البرّ) الحنطة.
و (الصّاع) أربعة أمداد كلّ مدّ رطل و ثلث و الرطل اثنتا عشرة أوقية و الاوقية إستار و ثلثا إستار، و الاستار أربعة مثاقيل و نصف، و المثقال درهم و ثلاثة اسباع درهم و في مجمع البحرين في الحديث كان يغتسل بالصّاع و يتوضّأ بالمدّ قال بعض شرّاح الحديث الصّاع ألف و مأئة و سبعون درهما و ثمانمائة و تسعة عشر مثقالا و (العظلم) وزان زبرج شي ء يصبغ به قيل هو النيل و قيل الوسمة و ربّما يقال: اللّيل المظلم و (القياد) بالكسر ما يقاد به و (الميسم) بكسر الميم و فتح السّين آلة الوسم و (الثكل) بالضمّ و بالتحريك أيضا فقدان الحبيب أو الولد و ثكله من باب فرح فهى ثاكل و ثكلانة القليلة و الثّواكل النّساء الفاقدات لأولادها و (أنّ) يانّ أنّا و أنينا تأوّه و (الطّارق) هو الاتي باللّيل و سمى طارقا لاحتياجه إلى طرق الباب بالمطرقة و (شنأه) من باب منع و سمع شنئا بتثليث الأوّل و شنأته أبغضته و (هبلته) أمّه من باب فرح ثكلته و (الهبول) بفتح الهاء التي لا يبقى لها ولد من النساء.
و (خبط) الشّيطان فلانا مسّه بأذى كتخبّطه و خبط زيدا و اختبطه سأله
المعروف من غير أصرة أى قرابة و رحم و سابقة بينهما و (الهجر) الهذيان و (الجلب) و الجلبة بالضمّ القشرة الّتي تعلو الجرح عند البرء و (قضم) قضما من باب سمع اكل بأطراف أسنانه أو أكل يابسا و (السّبات) وزان غراب النّوم أو خفيّة أو ابتداؤه في الرّأس حتّى يبلغ القلب.
و كيف أظلم، استفهام إنكارىّ على حدّ قوله تعالى أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ فيكون ما بعد الاستفهام غير واقع و مدّعيه كاذبا و مؤكّدا و مردّدا أيضا حالان مؤكّدتان على حدّ قوله تعالى وَلَّى مُدْبِراً و قوله عليه السّلام أتئنّ من حديدة استفهام للتّقرير أو التقريع و كذلك قوله: أ مختبط أم ذو جنّة آه
ثمّ اكّد عليه السّلام براءة ساحته من الظلم باقتصاص قصّته مع أخيه عقيل فقال مؤكّداً بالقسم البارّ (و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق) أى افتقر و صار ملقا ضعيفا (حتّى استماحنى) أى طلب منّى السّماحة و الجود و أن أعطيه (من برّكم صاعا) و قد مضى مقداره في بيان اللّغة (و رأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان) أى مغبّر الرّؤوس متغيّر الألوان (من) شدّة (فقرهم) و ضرّهم (كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم) فانّ من نحل جسمه من الجوع يضرب لونه إلى السّواد كما أنّ البادن بعكس ذلك.
(و عادوني) أى العقيل (مؤكّداً) للاستماحة (و كرّر علىّ القول مردّدا) و بعد ما أصرّ على سؤاله (فأصغيت إليه سمعي) أى أملتها نحوه (فظنّ أنّي أبيعه ديني) و أخون في بيت مال المسلمين (و أتّبع قياده) أى أطيعه و أنقاد له قال الشّارح البحراني: قياده ما يقوده به من الاستعطاف و الرّحم، و في بعض النّسخ اتّبع بصيغة الغيبة قال العلامة المحدّث المجلسيّ: فلعلّه إشارة إلى ذهابه إلى معاوية، انتهى و الأوّل أولى و أنسب بالسّياق.
و قوله عليه السّلام (مفارقا طريقتي) أى العدل و الاسوة (فأحميت له حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها) و ينزجر و يذكر نار الاخرة (ف) لمّا مسّته حرارة الحديدة (ضجّ ضجيج ذى دنف) أى مرض مولم (من ألمها و كاد أن يحترق من ميسمها) أى من أثرها في يده (فقلت له ثكلتك الثّواكل) أى النّساء النّادبات (يا عقيل أتئنّ) و تضجّ (من حديدة أحماها إنسانها للعبه).
قال الشّارح المعتزلي: لم يقل إنسان لأنّه يريد أن يقابل هذه اللّفظة بقوله جبّارها و المراد باللّعب خلاف الجدّ في الاحماء النّاشي من الغضب و لذلك
قابله بالغضب في قوله عليه السّلام (و تجرّني إلى نار سجّرها) أى أوقدها (جبارها لغضبه أتئنّ من الأذى) أذى نار الدّنيا (و لا أئنّ من لظى) نزّاعة للشّوى أى إذا كنت تئنّ من أذى نار الدّنيا و ألمها على ضعفها و حقارتها فكيف لا أئنّ من نار الاخرة الّتي وقودها النّاس و الحجارة على شدّتها و قوّتها.
و محصّل غرضه من ذكر قصّة عقيل التّنبيه على غاية مراعاته للعدل و تجنّبه عن الظلم و محافظته على بيت مال المسلمين، فانّ من منع أخاه على شدّة فاقته و فاقة عياله مع قرابتهم القريبة و الرّحم الماسّة و كونهم من جملة ذوى الحقوق في بيت المال من أن يعطيه منه شيئا يسيرا من الطعام و هو الصاع من البرّ لمحض الاحتياط في الدّين و ملاحظة حقوق المسلمين، و خوفا من شبهة الظلم، فأبعد من أن يحوم حوم الظلم ثمّ أبعد.
قال الشارح المعتزلي: سأل معاوية عقيلا عن قصّة الحديدة المحماة المذكورة قال: أصابتنى مخمصة شديدة فسألته عليه السّلام فلم تند صفاته، فجمعت صبياني فجئت بهم إليه و البؤس و الضرّ ظاهران عليهم، فقال عليه السّلام: ائتنى عشيّة لأدفع إليك شيئا فجئته يقودني أحد ولدى، فأمره بالتّنحّى ثمّ قال عليه السّلام: ألافدونك، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع، أظنّها صرّة فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا، فلمّا قبضتها نبذتها و خرت كما يخور الثّور تحت يد جازره فقال: ثكلتك أمّك هذا من حديدة أوقدت لها نار الدّنيا، فكيف بك و بى غدا إن سلكنا في سلاسل جهنّم ثمّ قرء: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ثمّ قال عليه السّلام: ليس عندى فوق حقّك الّذى فرضه اللّه لك إلّا ما ترى فانصرف إلى أهلك، فجعل معاوية يتعجّب و يقول: هيهات هيهات النّساء أن يلدن بمثله.
و في البحار من مناقب ابن شهر آشوب من جمل أنساب الأشراف قال: و قدم عليه عليه السّلام عقيل فقال للحسن: اكس عمّك، فكساه قميصا من قمصه و رداءة من أرديته، فلمّا حضر العشاء فاذا هو خبز و ملح فقال عقيل: ليس إلّا ما أرى فقال عليه السّلام: أو ليس هذا من نعمة اللّه و له الحمد كثيرا، فقال: اعطنى ما اقضي به ديني و عجّل سراحى حتّى أرحل عنك، قال عليه السّلام: فكم دينك يا أبا يزيد قال: مأئة ألف درهم، قال عليه السّلام: لا و اللّه ما هي عندى و لا أملكها و لكن اصبر حتّى يخرج عطائى فاواسيكه و لولا أنّه لابدّ للعيال من شي ء لأعطيتك كلّه، فقال عقيل: بيت المال في يدك و أنت تسوّفني إلى عطائك و كم عطاؤك و ما عساه يكون و لو أعطيتنيه كلّه فقال عليه السّلام: ما أنا و أنت فيه إلّا بمنزلة رجل من المسلمين و كانا يتكلّمان فوق قصر الامارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال عليّ عليه السّلام: إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله و خذ ما فيه قال: و ما في هذه الصناديق قال عليه السّلام: فيها أموال التجار، قال أ تأمرني أن اكسر صناديق قوم قد توكّلوا على اللّه و جعلوا فيها أموالهم، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام أ تأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم و قد توكّلوا على اللّه و أقفلوا عليها و إن شئت أخذت سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعا إلى الحيرة فانّ بها تجارا مياسير فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله، فقال: أو سارقا جئت قال عليه السّلام: نسرق من واحد خير من أن يسرق من المسلمين جميعا، قال له: أو تأذن لي أن أخرج إلى معاوية فقال عليه الصلاة و السلام له: قد أذنت لك، قال: فأعنّي على سفرى هذا، فقال عليه السّلام: يا حسن اعط عمّك أربعمائة درهم، فخرج عقيل و هو يقول:
- سيغنيني الذى أغناك عنّىو يقضى ديننا ربّ قريب
و ذكر عمرو بن العلاء أنّ عقيلا لمّا سأل عطاءه من بيت المال قال له أمير المؤمنين عليه السّلام: تقيم إلى يوم الجمعة فأقام، فلمّا صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام الجمعة قال لعقيل: ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين قال: بئس الرّجل ذاك قال عليه السّلام: فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء و أعطيك.
و فيه من المناقب أيضا قال: سمعت مذاكرة من الشّيوخ أنّه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال فطفى السراج و جلس في ضوء القمر و لم يستحلّ أن يجلس في الضوء بغير استحقاق، هذا (و أعجب من ذلك) أى ممّا ذكرته من قصّة عقيل قصّة الأشعث بن قيس الكندى و تقرّبه إلىّ بالهدية الّتي كانت رشوة في الحقيقة استمالة لى و تخديعا إيّاى. فانّه كما قال الشارح المعتزلي: كان أهدى له نوعا من الحلواء تأنق فيه و كان يبغض الأشعث لأنّ الأشعث كان يبغضه، و ظنّ الأشعث أنه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوى كان في نفس الأشعث و كان عليه السّلام يتفطّن لذلك و يعلمه، و لذلك ردّ هدّيته و لولا ذلك لقبلها كما نبّه عليه السّلام على ذلك بقوله: (طارق طرقنا) أى أتى إلينا ليلا (بملفوفة) أى بهدّية على زعم الطارق بها لفّها و غطاها (في وعائها و معجونة شنئتها) أى أبغضتها و نفرت عنها لما علمت من الطارق بها (كأنّما عجنت بريق حيّة أو قيئها) أى بالسمّ القاتل الموجب لغاية البخل و النفرة (فقلت أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك) أى كلّ منها (محرّم علينا أهل البيت).
قال الشارح المعتزلي: الصلة العطية لا يراد بها الاخرة بل يراد بها وصلة إلى الموصول و أكثر ما تفعل للذكر و الصّيت و الزكاة هي ما تجب في النّصاب من المال، و الصدقة ههنا هي صدقة التطوع.
فان قلت: كيف قال فذلك محرّم علينا أهل البيت و إنّما يحرم عليهم الزّكاة الواجبة خاصّة و لا يحرم عليهم الصدقة التطوع و لا قبول الصلاة.
قلت: أراد بقوله أهل البيت الأشخاص الخمسة و هم محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فهؤلاء خاصّة دون غيرهم من بني هاشم يحرم عليهم قبول الصدقة و الصلاة، انتهى ملخصا.
أقول: أمّا الصلاة فلم يقل أحد بحرمتها عليهم عليهم السّلام و لا على غيرهم من الهاشميّين، و أمّا الصدقة المندوبة فكذلك على مذهب المشهور من أصحابنا، فلا بدّ في رفع الاشكال من جعل المشار إليه بقوله فذلك أحد الأخيرين أعنى الزّكاة و الصدقة أو الصدقة المستحبّة مع البناء على مذهب بعض الأصحاب من تحريمها عليهم أيضا و جعل المراد بالصدقة الكفّارات الواجبة.
و يؤيّد ذلك أعنى كون الاشارة إلي أحد الأخيرين فقط جواب الأشعث بقوله: لا ذا و لا ذاك، حيث نفي الاثنين من الثلاث دون الثلاث جميعا، فيكون قوله: و لكنّها هدّية بمعنى أنّها صلة.
و على كون المشار إليه جميع الثلاث فاللّازم حمل الصّلة على ما كان
على وجه المصانعة و الرّشوة، و على كون المراد بالصدقة صدقة التّطوع و البناء على مذهب المشهور فلا بدّ من ارتكاب المجاز في التّحريم، و حمل قوله عليه السّلام: محرّم على ما يعمّ الكراهة و الحرمة المصطلحة، فافهم جيّدا.
(فقال لا ذا و لا ذاك و لكنّها هدّية) و إنّما قال ذلك لكونه عارفا بأنّه عليه السّلام كان يقبل الهدايا و لا يشمئزّ منها إلّا أنّه عليه السّلام لمّا عرف فساد غرضه فيها اعترض عليه و أجابه بقوله (فقلت هبلتك الهبول) أى ثكلتك أمّك (أعن دين اللّه أتيتنى لتخدعنى أ مختبط) أنت (أم ذو جنّة أم تهجر) الاستفهام إنكارىّ و الغرض منه توبيخ الأشعث و تقريعه على ما أتى به من الهدية و التّعريض عليه بأنّ إتيانه بها مع ما أضمر من سوء النيّة يشبه فعل صاحب الخبط و الجنون و الهذيان قال الشارح المعتزلي: المختبط المصروع من غلبة الاخلاط السّوداء أو غيرها عليه و ذو الجنّة من به مسّ من الشيطان، و الّذي يهجر هو الّذي يهذى في مرض ليس بصرع كالمبرسم و نحوه، انتهى.
أقول: إن أراد أنّ المختبط قسيم ذى الجنّة يعنى خصوص المصروع من غير مسّ الشيطان فيردّه قوله تعالى لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ و إن أراد كونه أعمّ منه فلا بأس به لكن الأظهر أن يكون مراده عليه السّلام به كونه ذا خبط أى طالب معروف من غير سابقة و لا قرابة أو أنّه ذو خبط أى حركة على غير النّحو الطبيعى كخبط العشواء ثمّ شدّد النّكير على الطارق و أبطل ما كان في خلده من إمكان إقدامه عليه السّلام على الظلم و المعصية بوسيلة الهدية و دقّ عليه السّلام خيشومه بقارعة الخيبة فقال (و اللّه) الكريم و إنّه لقسم لو تعلمون عظيم (لو أعطيت الأقاليم السبعة) و بقاع الأرضين (بما تحت أفلاكها على أن أعصى اللّه) طرفة عين و أقدم على الظلم و لو (في) حقّ (نملة) هى أضعف مخلوق (أسلبها جلب شعيرة) و قشرها (ما فعلته) و هذا دليل على كمال عدله عليه السّلام و بلوغه فيه الغاية القصوى الّتي لا يتصوّر ما فوقها.
و لمّا نبّه على نزاهته من الظلم و كان منشأ الظلم كساير المعاصى هو
حبّها لكونها رأس كلّ خطيئة أردفه بالتنبيه على غاية زهده فيها و طهارة لوح نفسه من دنس حبّها فقال (و إنّ دنياكم عندى لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها) و تكسرها (ما لعلىّ و لنعيم يفنى و لذّة لا تبقى) إنكار لميل نفسه إلى نعيم الدّنيا و لذّاتها الفانية، يعني أنّ حال علىّ ينافي رغبته إلى تلك اللّذات.
(نعوذ باللّه من سبات العقل) أى نومه و غفلته عن ادراك مفاسد تلك اللّذات و ما يترتّب عليها من المخازى و الهلكات (و قبح الزّلل) و الضّلال عن الصّراط المستقيم النّاشي من الرّكون إلى الدنيا و الرّغبة إلى نعيمها (و به نستعين) في النّجاة من تلك الورطاة و في جميع الحالات.
قال كاشف الغمّة و لنعم ما قال: و اعلم أنّ أنواع العبادة كثيرة، و هى متوقّفة على قوّة اليقين باللّه تعالى و ما عنده و ما أعدّه لأوليائه في دار الجزاء، و على شدّة الخوف من اللّه تعالى و أليم عقابه، و علىّ عليه السّلام القائل: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، فشدّة يقينه دالّة على قوّة دينه و رجاحة موازينه، و قد تظاهرت الرّوايات أنّه لم يكن نوع من أنواع العبادة و الزّهد و الورع إلّا و حظه عليه السّلام منه وافر الأقسام، و نصيبه منه تامّ بل زايد على التّمام، و ما اجتمع الأصحاب على خير إلّا كانت له رتبة الامام، و لا ارتقوا قبّة مجد إلّا و له ذروة الغارب و قلّة السّنام، و لا احتكموا في قضيّة شرف إلّا و ألقوا إليه أزمة الأحكام.
و روى الحافظ أبو نعيم بسنده في حليته أنّ النبّيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يا عليّ إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى اللّه منها هي زينة الأبرار عند اللّه تعالى: الزّهد في الدّنيا فجعلك لا ترزء من الدّنيا شيئا و لا ترزء منك الدّنيا شيئا أى لا تنقص منها و لا تنقص منك.
و قد أورده صاحب كفاية الطالب أبسط من هذا قال: سمعت أبا مريم السلولي يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى اللّه منها: الزهد في الدّنيا فجعلك لا تنال من الدّنيا شيئا و لا تنال الدّنيا منك شيئا، و وهب لك حبّ المساكين فرضوا بك إماما و رضيت بهم أتباعا فطوبى لمن أحبّك و صدق فيك و ويل لمن أبغضك و كذب عليك، فأما الذين أحبّوك و صدقوا فيك، فهم جيرانك في دارك و رفقاؤك في قصرك و أما الذين أبغضوك و كذبوا عليك فحقّ على اللّه أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة، و ذكره ابن مردويه في مناقبه.
فقد ثبت لعليّ عليه السّلام الزّهد بشهادة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له بذلك، و لا يصحّ الزّهد في الشي ء إلّا بعد معرفته و العلم به و عليّ عليه السّلام عرف الدّنيا بعينها و تبرّجت له فلم يحفل بزينتها لشينها و تحقق زوالها، فعاف وصالها و تبين انتقالها، فصرم حبالها و استبان قبح عواقبها و كدر مشار بها فألقى حبلها على غاربها و تركها لطالبها و تيقّن بؤسها و ضررها فطلّقها ثلاثا و هجرها، و عصاها إذ أمرته فعصته إذ أمرها و علمت أنه ليس من رجالها و لا من ذوى الرّغبة في جاهها و مالها و لا ممّن تقوده في حبالها و تورده موارد وبالها، فصاحبته هدنة على دخن، و ابتلته بأنواع المحن و جرت في معاداته على سنن، و غالته بعده في ابنيه الحسين و الحسن، و هو صلّى اللّه عليه لا يزداد على شدّة للأواء إلّا صبرا، و لا على تظاهر الأعداء إلّا حمدا للّه تعالى و شكرا، آخذا بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يحول عنها مقتفيا لاثاره لا يفارقها، واطئا لعقبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يجاوزها حتّى نقله اللّه تعالى إلى جواره و اختار له دارا خيرا من داره فمضى محمود الأثر، مشكور الورد و الصدر، مستبدلا بدار الصّفاء من دار الكدر، قد لقى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بوجه لم يشوهه التبديل، و قلب لم تزدهه الأباطيل.
تكملة
هذا الكلام له عليه السّلام رواه المحدّث العلامة المجلسىّ قدّس سرّه في المجلّد التاسع و المجلّد السابع عشر من البحار من الأمالي عن علىّ بن أحمد الدّقاق عن محمّد بن الحسن الطّارى عن محمّد بن الحسين الخشاب عن محمّد بن محسن عن المفضّل ابن عمر عن الصّادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن أبيه عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه ما دنياكم عندى إلّا كسفر على منهل حلّوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا و لا لذاذتها في عيني إلّا كحميم أشربه غساقا و علقم أتجرّعه زعاقا و سمّ أفعاة أسقاه دهاقا و قلادة من نار اوهقها خناقا، و لقد رقعت مدرعتى هذه حتّى استحييت من راقعها و قال لي: اقذف بها قذف الاتن لا يرتضيها ليراقعها، فقلت له: اعزب عنى فعند الصباح يحمد القوم السرى و ينجلي عنا غيابات الكرى، و لو شئت لتسربلت بالعبقرى المنقوش من ديباجكم و لأكلت لباب البرّ بصدور دجاجكم و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم، و لكنّى أصدق اللّه جلّت عظمته حيث يقول: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ.
فكيف استطيع المصير على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها و لو اعتصمت نفس بقلّة لأنضجها وهج النار فى قلّتها، و أيّما خير لعلىّ أن يكون عند ذى العرش مقرّبا أو يكون فى لظى خسيئا مبعدا مسخوطا عليه بجرمه مكذّبا و اللّه لأن أبيت على حسك السعدان مرقدا و تحتى أطمار على سفاها ممدّدا، أو اجرّ فى أغلالى مصفدا، أحبّ إلىّ من أن ألقى فى القيامة محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خائنا فى ذى يتمة اظلمه بفلسه متعمدا و لم أظلم اليتيم و غير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها و يمتدّ في أطباق الثرى حلولها، و إن عاشت رويدا فبذى العرش نزولها.
معاشر شيعتي احذروا فقد عضّتكم الدّنيا بأنيابها، تختطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها، و هذه مطايا الرّحيل قد أنيخت لركابها إلّا أنّ الحديث ذو شجون فلا يقولنّ قائلكم إنّ كلام علىّ متناقض، لأنّ الكلام عارض.
و لقد بلغني أنّ رجلا من قطّان المداين تبع بعد الحنيفيّة علوجه، و لبس من نالة دهقانه منسوجه، و تصمخ بمسك هذه النّوافج صباحه، و تبخّر عود الهند رواحه، و حوله ريحان حديقة يشم تفّاحه، و قد مدّ له مفروشات الرّوم على سرره، تعسا له بعد ما ناهز السّبعين من عمره و حوله شيخ يدبّ على أرضه من هرمه و ذا يتمة تضوّر من ضرّه و من قرمه، فما واساهم بفاضلات من علقمه لئن أمكننى اللّه منه لأخضمنّه خضم البرّ، و لاقيمنّ عليه حدّ المرتدّ، و لأضربنّه الثمانين بعد حدّ و لأسدنّ من جهله كلّ مسدّ، تعسا له أفلا شعر أفلا صوف أفلا وبر أفلا رغيف قفار الليل افطار معدم أفلا عبرة على خدّ في ظلمة ليالي تنحدر و لو كان مؤمنا لاتّسقت له الحجّة إذا ضيّع ما لا يملك.
و اللّه لقد رأيت عقيلا أخى و قد أملق حتّى استماحنى من برّكم صاعه، و عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه، و يكاد يلوى ثالث أيّامه خامصا ما استطاعه و رأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم كأنّما اشمأزّت وجوههم من قرّهم، فلمّا عاودني في قوله و كرّره أصغيت إليه سمعى فغرّه، و ظنّني اوتغ دينى فاتّبع ما سرّه أحميت له حديدة ينزجر إذ لا يستطيع منها دنوّا و لا يصبر، ثمّ أدنيتها من جسمه فضجّ من ألمه ضجيج ذى دنف يئنّ من سقمه، و كاد يسبّنى سفها من كظمه، و لحرقة في لظى أضناله من عدمه فقلت له: ثكلتك الثّواكل يا عقيل أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، و تجرّني إلى نار سجّرها جبّارها من غضبه، أتئنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى.
و اللّه لو سقطت المكافاة عن الامم و تركت في مضاجعها باليات الرّمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنسخ فصبرا على دنيا تمرّ بلاء وائها كليلة بأحلامها تنسلخ، كم بين نفس فى خيامها ناعمة و بين أثيم في جحيم يصطرخ فلا تعجب من هذا.
و أعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها و معجونة بسطها في إنائها فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة و كلّ ذلك يحرم علينا أهل بيت النّبوة و عوضنا منه خمس ذى القربى في الكتاب و السنّة، فقال لي: لا ذاك و لا ذاك و لكنّه هديّة فقلت له: ثكلتك الثّواكل أفعن دين اللّه تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم، و خبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم، أ مختبط أم ذو جنّة أم تهجر أ ليست النّفوس عن مثقال حبّة من خردل مسئولة، فما ذا أقول في معجونة اتزقمها معمولة و اللّه لو اعطيت الأقاليم السّبعة بما تحت أفلاكها و استرق لي قطانها مذعنة بأملاكهاعلى أن أعصى اللّه في نملة أسلبها شعيرة فألوكها ما قبلت و لا أردت، و لدنياكم أهون عندى من ورقة في فم جرادة تقضمها و أقذر عندى من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها، و أمرّ على فؤادى من حنظلة يلوكها ذو سقم فيشتمها «فيبشمها» فكيف أقبل ملفوفات عكمتها في طيّها و معجونة كأنّها عجنت بريق حيّة أو فيئها.
اللّهم انّي نفرت عنها نفار المهرة من كيّها أريه السّها و يريني القمر.
أ أمتنع من وبرة من قلوصها ساقطه، و أبتلع إبلا في مبركها رابطة، أدبيب العقارب من و كرها ألتقط، أم قواتل الرّقش في مبيتي ارتبط، فدعوني أكتفى من دنياكم بملحى و أقراصى، فبتقوى اللّه أرجو خلاصى ما لعلىّ و نعيم يفنى و لذّة تنحتها المعاصي سالقى و شيعتي ربّنا بعيون ساهرة و بطون خماص ليمحّص اللّه الّذين آمنوا و يمحق الكافرين، و نعوذ باللّه من سيّات الأعمال، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين
بيان
ما يحتاج الى التّوضيح و البيان من غربب ألفاظ هذه الرواية الّتي لم تتقدّم فى رواية الرضيّ فنقول و باللّه التّوفيق: «الحميم» الماء الحارّ الشّديد الحرارة يسقى منه أهل النّار و عن ابن عبّاس لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها «و الغسّاق» بالتّخفيف و التّشديد ما يسيل من صديد أهل النّار و غسالتهم أو ما يسيل من دموعهم و «العلقم» شجر مرّ و يقال للحنظل و لكلّ شي ء مرّ: علقم.
و السم «الزّعاق» وزان غراب هو الّذى يقتل سريعا، و الماء الزّعاق الملح الغليظ لا يطاق شربه و «الدّهاق» وزان كتاب الممتلى و «الوهق» بالتحريك و يسكن الحبل يرى به في انشوطة فيؤخذ به الدابة و الانسان و «المدرعة» القميص و قوله «قذف الاتن» هو بضمتين جمع الاتان و هي الحمارة و التّشبيه بقذفها لكونها أشدّ امتناعا للحمل من غيرها أو لكونها أكثر قذفا لجلّها، و «غيابات الكرى» بالضم جمع غيابة و غيابة كلّ شي ء ما سترك منه و منه غيابات الجبّ، و قال الجوهرى الغيابة كلّ شي ء تظلّ الانسان فوق رأسه مثل السّحابة و الغبرة و الظلمة و نحو ذلك، و في بعض النسخ علالات الكرى بالضمّ أيضا جمع علالة بقية كلّشي ء و الكرى النعاس و النّوم أى من يسرى باللّيل يعرضه في اليوم النّعاس لكنّه ينجلي منه بعد النوم فكذلك يذهب مشقة الطاعات بعد الموت هكذا قال العلامة المجلسيّ قدّس سره و قال الميداني «عند الصباح يحمد القوم السرى» يضرب للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة و «العبقرى» الدّيباج و قيل البسط الوشية.
و قوله «و لو اعتصمت نفس بقلة» أى بعد قذف الشررة لو التجأت نفس إلى رأس جبل لا نضج تلك النفس «و هج النّار» بسكون الهاء أى اتقادها و حرّها و الضمير «فى قلّتها» راجع إلى النّفس و الاضافة للملابسة «و الخسي ء» الصاغر و المبعد و «الأطمار» جمع طمر بالكسر و هو الثوب الخلق البالى و «السّفا» التراب الذي تسفيه الرّيح و كلّ شجر له شوك و ضمير سفاها راجع إلى الأرض بقرينة المقام.
و قوله «رويدا» أى قليلا و «الذّئاب» جمع الذّئب و الضمير راجع إلى الدّنيا أى كما تختطف الذئاب في الدّنيا و «الشّجون» الطرق و يقال الحديث ذو شجون اى يدخل بعضه في بعض قال العلامة المجلسىّ قدّس سرّه: و المراد بالتّناقض هنا عدم التناسب.
و قوله «إنّ رجلا من قطان المداين» قال المجلسىّ: يحتمل أن يكون مراده به معاوية بل هو الظاهر، فالمداين جمع المدينة لا النّاحية الموسومة بذلك، و المراد بعلوجه آباؤه الكفرة شبّههم في كفرهم بالعلوج و هو جمع علج بالكسر الرّجل من كفّار العجم هكذا في القاموس و «النّالة» جمع النّائل و هو العطاء كالقادة و القائد و «الدّهقان» بالضمّ و الكسر القوى على التصرّف مع عدّة و رئيس الاقليم معرّب، و الضّمير في «منسوجه» راجع إلى الدّهقان قال المجلسيّ قدّس سرّه أو راجع إلى النّالة بتأويل أي ليس من عطايا دهقانه أو ممّا أصاب و أخذ منه ما نسجه الدهقان أو ما كان منسوجا من عطاياه.
و «تضمّخ» بالطّيب تلطخ به و «النّوافج» جمع نافجة معرّب نافة و «دبّ» الشيخ دبيبا مشى مشيا رويدا و الضمير فى «أرضه» إما راجع إلى
الشيخ أو إلى الرجل و «تضوّر» فلان من شدة الحمّى أى تلوّى و صاح و تقلّب ظهرا لبطن و «الضّرّ» بالضمّ سوء الحال و «القرم» شدّة شهوة اللحم و «العلقم» الحنظل و كلّشي ء مرّ، و إنّما شبّه ما يأكله من الحرام بالعلقم لسوء عاقبته و كثيرا ما يشبه الحرام في العرف بسمّ الحيّة و الحنظل.
و «الخضم» الأكل بأقصى الأضراس «و إقامة حدّ المرتدّ عليه» لانكاره بعض الضّروريات كما يشعر به ما تقدّم من قوله: و تبع بعد الحنيفية علوجه، أو استحلاله دماء المسلمين إن كان المراد بالرّجل معاوية حسبما اشرنا إليه و «ضرب الثمانين» لشرب الخمر أو قذف المحصنة.
و قوله «و لأسدّن من جهله كلّ مسدّ» قال المجلسيّ قدّس سرّه: كناية عن إتمام الحجّة و قطع أعذاره أو تضييق الأمر عليه، و قوله «أفلا رغيف» بالرفع و يجوز في مثله الرّفع و النّصب و البناء على الفتح و «القفار» بالفتح ما لا ادام معه من الخبز و أضيف إلى اللّيل و هو صفة للرّغيف و «إفطار معدم» بدل من رغيف، و في بعض النسخ قفارا بالنّصب على الحال لليل إفطار معدم باللّام الجارّة و إضافة ليل إلى الافطار المضاف إلى المعدم أى الفقير.
و «الاتّساق» الانتظام و «الوسق» ستّون صاعا و قوله «يكاد يلوى ثالث أيامه» لعلّه من لويت الحبل فتلته أى يلتفّ إحدى رجليه بالأخرى من شدّة جوعه و قوله «خامصا ما استطاعه» أى جائعا ما كان قادرا على الجوع و «القرّ» بالضمّ البرد و «عاوده» في مسألة مسألة مرّة بعد اخرى و «اوتغ» بالتاء المثناة و الغين المعجمة من الوتغ بالتحريك و هو الهلاك و «السّفه» الجهل و خفة الحلم.
و قوله «من كظمه» أى من قلّة كظمه للغيظ و قوله «لحرقة» عطف على قوله سفها، و لمّا لم يكن الحرقة مثل السّفه من فعل الساب أتى باللّام للتعليل و «أضنا» أفعل من أضناه المرض أثقله من ضنى ضنا من باب رضي أى مرض مرضا ملازما حتّى أشرف على الموت أى كاد يسبّني لحرقة كانت أمرض له من فقره الذى كان به و يحتمل أن يكون الواو في و لحرقة للقسم و اللام فيها بالفتح أى و اللّه لحرقة في نار جهنّم أو في هذه الحديدة المحماة أمرض له من عدمه.
و قوله «من مقت رقيب» الظاهر أنّ المراد بالرّقيب هنا هو اللّه تعالى لأنّه من جملة أسمائه الحسنى و في الكتاب العزيز- فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم و أنت على كلّ شي ء شهيد- و جملة «تنسخ» صفة أو حال من فاضحات أو من الأوزار قال تعالى- إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون- أى نثبت ما كنتم تعملون أو نأخذ نسخته، و قوله «فصبرا» الفاء للتفريع أى فاصبروا صبرا على دنيا تمرّ مع شدّتها مثل ليلة تنسلخ و تمضى مع أضغاث أحلامها، و قوله «كم بين نفس» الاستفهام للتعجّب و الضمير في «خيامها» راجع إلى الجنة المعلومة بقرينة المقام و «الاصطراخ» الصياح الشديد.
و قوله «بلا صنع منا» قال العلامة المجلسيّ قدّس سرّه حال من مفعول أعجب أى اعجب مما صدر من طارق منّا من غير أن يكون منّا فيما فعله مدخل و «زملها» أى لفّها و قوله «أم نذر» لعلّ المراد كفارة النذر و «الزّقم» اللقم الشديد و الشرب المفرط و الضمير في «املاكها» راجع إلى القطان أى معتقدة بأنى أملكها، و يحتمل رجوعه إلى الأقاليم أى مذعنة بأنى أملك الأقاليم و ليس لهم فيها حقّ.
و «اللّوك» العلك و هو دون المضغ قال العلّامة المجلسيّ قدّس سرّه و قبحه يدلّ على قبح العلك بطريق أولى و على قبح السلب أيضا بغير انتفاع بطريق أولى لأنّ النفس قد تنازع السلب فى صورة الانتفاع بخلاف غيرها كما قيل.
و «العراقة» بالضمّ العظم إذا أكل لحمه و الضمير في «بها» راجع الى العراقة و في «أجذمها» إلى الدّنيا أو العراقة بأدنى الملابسة، و في هذه الفقرة من المبالغات في التنفّر و النكير ما لا يتصوّر فوقها، و كذا في الحنظلة التي مضغهاذو السقم فيشتمها أى يسبّها نفرة عنها و قال المجلسىّ أى لفظها بغضا و عداوة لها فلفظه مع اختلال ذائقته يدلّ على كمال مرارته و ملفوظه أقذر من ملفوظ غيره لمرارة فيه و لتوهّم سراية مرضه أيضا، انتهى.
أقول: لا دلالة في شتمها على لفظها كما فى نسخة البحار، و يحتمل أن يكون يشتمها من تحريف النساخ و يكون الأصل يسمها أى يأكلها على مرارتها مأخوذا من المسمّ وزان مسنّ و هو الذى يأكل ما قدر عليه كما فى القاموس و لعلّ قوله: على فؤادى يؤيّد ذلك فانّ ذا السّقم إذا ابتلع الحنظلة يؤثّر مرارتها في باطنه و يفسد معدته و امعائه، و التخصيص بذى السّقم لأن صحيح المزاج لا يلوك الحنظلة و لا يلقمها.
و «عكمت» المتاع شددته بثوب و المراد بالطى ما يطوى فيه الشي ء أى المطوى على الشي ء و «المهر» ولد الفرس.
و قوله «أريه السّها و يريني القمر» قال المجلسىّ أى انّى فى وفور العلم و دقّة النّظر ارى الناس خفايا الامور و هم يعاملون معى معاملة من يخفى عليه أوضح الامور عند إرادة مخادعتى قال الزّمخشري فى مستقصى الأمثال: اريها السّها و ترينى القمر، السّها كوكب صغير خفىّ فى بنات النعش و أصله أنّ رجلا كان يكلّم امرأة بالخفى الغامض من الكلام و هى تكلّمه بالواضح البين، فضرب السها و القمر مثلا لكلامه و كلامها يضرب لمن اقترح على صاحبه شيئا فأجابه بخلاف مراده قال الكميت:
- شكونا إليه خراب السوادفحرّم علينا لحوم البقر
- فكنّا كما كان من قبلناأريها السها و ترينى القمر
الضمير فى إليه راجع إلى الحجاج بن يوسف شكى إليه أهل السواد خراب السواد و ثقل الخراج فقال: حرمت عليكم ذبح الثيران، أراد بذلك أنها إذا لم تذبح كثرت و اذا كثرت كثرت العمارة و خفّ الخراج، انتهى.
و قوله «أ امتنع اه» الاستفهام للتعجّب أو الانكار أى انّى لكمال زهدى أمتنع
من أحد وبرة ساقطة من ناقة فكيف أبتلع إبلا رابطة فى مربطها لملاكها و «القلوص» الشابة من النوق و قيل القلوص بفتح القاف من الابل الباقية من السير خصّها بالذكر لأنّ الوبر الساقط من الابل حين السير أهون عند صاحبها من السّاقط من الرابطة و منه يظهر فايدة قيد الرّبط في الأخير.
و قوله «ادبيب العقارب من وكرها التقط» قال الجوهرى: كلّما مشى على وجه الأرض دابّة و دبيب أى ألتقط العقارب الكبيرة التي تدبّ من وكرها أى جحرها مجازا فانّها إذا أريد أخذها من جحرها كان أشدّ لذعا شبّه عليه السّلام بها الأموال المحرّمة المنتزعة من محالها لما يترتّب على أخذها من الهلكات الاخروية.
و قال بعض الأفاضل: الدّبيب مصدر دبّ من باب ضرب إذا مشى، و هو مفعول التقط و في الكلام مجاز يقال: دبّ عقارب فلان علينا أى طعن في عرضنا، فالمقصود أ أجعل عرضى فى عرضة طعن الناس طعنا صادقا لا افتراء فيه و كان طعنهم صدقا و ناشيا عن وكره و محلّه لأنّ أخذ الرّشوة الملفوفات إذا صدر عن التارك لجميع الدّنيا للاحتراز عن معصيته فى نملة من السفاهة بحيث لا يخفى، انتهى.
و «الرّقش» بالضمّ جمع الرّقشاء و هي الأفعي سمّيت بذلك لترقيش في ظهرها و هي خطوط و نقط و «الارتباط» شدّ الفرس و نحوه للانتفاع به، و قوله «تنحتها المعاصي» هو من النّحت برى النّبل و نحوه استعارة و في بعض النسخ تنتجها أى تفيدها و تثمرها و باللّه التوفيق.
|