و ذلك إذا قلصت حربكم، و شمّرت عن ساق، و ضاقت الدّنيا عليكم ضيقا، تستطيلون أيام البلاء عليكم، حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم، إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت، و إذا أدبرت نبّهت، ينكرن مقبلات، و يعرفن مدبرات، يحمن حوم الرّياح، يصبن بلدا، و يخطين بلدا.
اللغه
(إذا قلصت حربكم) بتخفيف اللّام من باب ضرب أى كثرت و تزايدت، و في المصباح قلصت شفته انزوت و قلص الثوب انزوى بعد غسله، و في بعض النسخ عن حربكم، و في بعض النسخ بالتشديد أى انضمّت و اجتمعت و (شبّهت) بالبناء على المعلوم اى جعلت أنفسها شبيهة بالحقّ أو على المجهول أى أشكل أمرها و التبس على الناس و (نبهته) من النوم أيقظته و (حام) الطائر حول الماء إذا دار و طاف لينزل عليه و (يخطين) من الخطو و هو المشى
الاعراب
الحرب مؤنث سماعي و لذا انّث الفعل المسند إليه، و مفعول شمّرت محذوف أيضا، و ضاقت عطف على شمرت، و جملة تستطيلون حال من المجرور في عليكم، و جملة ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات بدل كلّ من جملة إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت كما في قوله تعالى: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ.
و جملة يحمن منصوب المحلّ على الحال
المعنى
(و ذلك إذا قلصت حربكم) أى إطراق السائلين و فشل المسئولين إذا تزايدت حربكم و كثرت أو انضمّت و اجتمعت، و هو كناية عن شدّتها و صعوبتها، لأنّ الجيوش إذا اجتمعت كلها و اصطدم الفيلقان كان الأمر أصعب و أشدّ من أن تتفرّق و يحارب كلّ كتيبة كتيبة اخرى في بلاد متباعدة، و من روى قلصت عن حربكم فالمراد إذا انكشفت كرائه الامور و حوازب الخطوب عن حربكم. (و شمّرت عن ساق) أى شمّرت الحرب و رفعت السّاتر عن ساقها و هو كناية عن اشتدادها و التحامها على سبيل الاستعارة، و الغرض تشبيه الحرب بالمجد في أمر الساعي فيه، فانّ الانسان أذا جدّ في السّعي شمّر عن ساقه و دفع ثوبه لئلّا يعوقه و يمنعه، و ربما قيل بأنه جار على الحقيقة، و معنى السّاق الشدّة، أى كشفت عن شدّة و مشقّة و به فسّر قوله سبحانه: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ.
(و ضاقت الدّنيا عليكم ضيقا) بطروق الخطوب و ابتلاء المصائب حالكونكم (تستطيلون أيام البلاء عليكم) و ذلك لأنّ أيام البلاء تكون في نظر الانسان طويلة و أيام السعة و الرّخاء قصيرة قال الشاعر:
- فأيّام الهموم مقصّصاتو أيّام السّرور تطير طيرا
(حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم) يحتمل أن يكون المراد ببقية الأبرار أولادهم و إن لم يكونوا أبرارا في أنفسهم إن كان إشارة إلى ظهور دولة بني العباس إلّا أنّ الأظهر أنّ المراد هو ظهور الدّولة الحقّة القائميّة عجّل اللّه له الفرج و أقرّ اللّه عيون مواليه بظهوره عليه السّلام.
(إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت) أى جعلت نفسها أى الامور الباطنة شبيهة بالحقّ، أو أشكل أمرها و التبس على الناس (و إذا أدبرت نبهت) أى أيقظت القوم من نوم الجهالة و ظهرت بطلانها عليهم، ألا ترى أنّ الناس كانوا في بدو فتنة الجمل و النهروان في حيرة و اشتباه لا يدرون أنّ الحقّ في أيّ الجانبين، فلمّا انقضت الحرب و وضعت أوزارها ارتفع الاشتباه و تميّز الحقّ من الباطل و انتبه القوم من جهالتهم. و أكد عليه السّلام هذا المعنى بقوله (ينكرن مقبلات) أى لا يعرف حالهنّ في حالة اقبالها (و يعرفن مدبرات) ثمّ وصفها بأنّها (يحمن حوم الرّياح) أى يطفن مثل طواف الرّياح (يصبن بلدا و يخطين بلدا).
تنبيهان الاول
قد قلنا إنّ قوله عليه السّلام: سلوني قبل أن تفقدوني كلام ما زال عليه السّلام يقول حتى أنه عليه السّلام كان يقوله بعد ما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه و قبل وفاته بيوم كما مرّ في شرح الكلام التاسع و الستين، و نكتة ذلك أنّ اللّازم على امام الزّمان أن يبذل فيوضاته للمواد القابلة بقدر الامكان.
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
روى الصدوق فى التّوحيد قال: حدثّنا أحمد بن الحسن القطان و عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطان قال: حدّثنا محمد بن العبّاس قال: حدّثنى محمد بن أبى السّرى قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس عن سعد الكناني عن الأصبغ بن نباته قال: لما جلس عليّ عليه السّلام على الخلافة و بايعه النّاس خرج إلى المسجد متعمّما بعمامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا بسا بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متنعّلا نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متقلّدا سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصعد إلى المنبر فجلس عليه متمكنا ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه.
ثمّ قال: يا معشر النّاس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط«» العلم هذا لعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، هذا ما زقّني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم زقّا زقّا، سلوني فانّ عندي علم الأوّلين و الآخرين، أم و اللّه لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التّوراة بتوراتهم حتّى تنطق التّوراة فتقول: صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه في، و أفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتّى ينطق القرآن فيقول: صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا فهل فيكم أحد يعلم ما انزل فيه، و لو لا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة و هي هذه الآية: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني فو الّذي فلق الحبّة، و برء النّسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أو في نهار أنزلت مكّيها، و مدنيّها، سفريها، و حضريها، ناسخها، و منسوخها، محكمها، و متشابهها، و تأويلها، و تنزيلها، لأخبرتكم.
فقام إليه رجل يقال له: ذعلب و كان ذرب«» اللّسان بليغا في الخطب شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلته اليوم لكم في مسألتي إيّاه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك قال: و يلك يا ذعلب لم أكن بالّذي أعبد ربّا لم أره، قال: كيف رأيته صفه لنا، قال عليه السّلام: و يلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقايق الايمان، و يلك يا ذعلب إنّ ربّي لا يوصف بالبعد و لا بالحركة و لا بالسّكون و لا بقيام قيام انتصاب و لا بمجي ء و لا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللّطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمحسّة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كلّ شي ء فلا يقال شي ء فوقه، و امام كلّ شي ء فلا يقال له امام، داخل في الأشياء لا كشي ء في شي ء داخل، و خارج منها لا كشي ء من شي ء خارج، فخرّ ذعلب مغشيا عليه ثمّ قال: تاللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب و اللّه لا عدت إلى مثلها. ثمّ قال عليه السّلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبيّ قال عليه السّلام: بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث إليهم رسولا حتّى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيها الملك دنّست علينا ديننا و أهلكته فاخرج نطهرّك و نقيم عليك الحدّ، و قال لهم: اجتمعوا و اسمعوا كلامي فان يكن لي مخرج ممّا ارتكبت و إلّا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أنّ اللّه لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و أمّنا حوّا قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أ فليس قد زوّج بنيه بناته و بناته من بنيه قالوا: صدقت هذا هو الدّين فتعاقدوا على ذلك فمحا اللّه تعالى ما في صدورهم من العلم و رفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النّار بلا حساب، و المنافقون أشدّ حالا منهم قال الأشعث: و اللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب و اللّه لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني: فقام رجل من أقصى المسجد متوكّئا على عصاه فلم يزل يتخطأ النّاس حتّى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلّني على عمل إذا أنا عملت نجاني اللّه من النّار.
قال له: اسمع يا هذا ثمّ افهم، ثمّ استيقن، قامت الدّنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، و بغنيّ لا يبخل بما له على أهل دين اللّه، و بفقير صابر، فاذا كتم العالم علمه و بخل الغني بما له و لم يصبر الفقير فعندها الويل و الثبور، و عندها يعرف العارفون أنّ الدّار قد رجعت إلى بديّها أى الكفر بعد الإيمان.
أيّها السّائل فلا تغترن بكثرة المساجد و جماعة أقوام أجسادهم مجتمعة و قلوبهم شتّى إنّما النّاس ثلاثة: زاهد، و راغب، و صابر، فاما الزاهد فلا يفرح بشي ء من الدّنيا أتاه و لا يحزن منها على شي ء فاته فاما الصابر فيتمناها بقلبه فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها و أما الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام، قال له يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزّمان قال: ينظر إلى ما أوجب اللّه عليه من حقّ فيتولّاه و ينظر إلى ما خالفه فيتبرّء منه و إن كان حميما قريبا قال: صدقت و اللّه يا أمير المؤمنين، ثمّ غاب الرّجل فلم نره فطلبه الناس فلم يجدوه فتبسم عليّ عليه السّلام على المنبر ثمّ قال: مالكم هذا أخي الخضر عليه السّلام.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فلم يقم إليه أحد فحمد اللّه و أثنا عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ قال عليه السّلام للحسن: يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون إنّ الحسن بن عليّ لا يحسن شيئا، قال الحسن عليه السّلام: يا أبه كيف أصعد و أتكلّم و أنت في النّاس تسمع و ترى قال له: بأبي و أمّي اوارى نفسي عنك و اسمع و أرى و لا تراني، فصعد الحسن عليه السّلام المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة موجزة ثمّ قال: أيّها النّاس سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنا مدينة العلم و عليّ بابها و هل تدخل المدينة إلّا من بابها ثمّ نزل، فوثب إليه عليّ عليه السّلام فحمله و ضمّه إلى صدره ثمّ قال للحسين: يا بنيّ قم فاصعد المنبر و تكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدى فيقولون إنّ الحسين بن عليّ لا يبصر شيئا و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك فصعد الحسين عليه السّلام المنبر فحمد اللّه و أثنا عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة موجزة ثمّ قال: معاشر النّاس سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول: إنّ عليّا هو مدينة هدى فمن دخلها نجى و من تخلّف عنها هلك، فوثب إليه عليّ عليه السّلام فضمّه إلى صدره و قبّله ثمّ قال: معاشر النّاس اشهدوا أنهما فرخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وديعته التي استودعنيها و أنا أستودعكموها، معاشر الناس و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سائلكم عنهما.
الثاني
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام متضمّن للتنبيه على علمه بالأخبار الغيبية و الوقايع الآتية و ما يكون بعده إلى يوم القيامة و قد تقدّم في شرح الكلام السادس و الخمسين شطر من تلك الوقايع و الأخبار.
و قال الشارح المعتزلي في شرح هذا الفصل: اعلم أنّه قد أقسم في هذا الفصل باللّه الذي نفسه بيده انّهم لا يسألون عن أمر يحدث بينهم و بين القيامة إلّا أخبرهم به و أنّه ما من طائفة من الناس تهتدى بها مأئة و تضلّ بها مأئة إلّا و هو مخبر لهم إن سألوه برعاتها و قائديها و سائقيها و مواضع نزول ركابها و خيولها و من يقتل منها قتلا و من يموت منها موتا، و هذه الدّعوى منه عليه السّلام ليست ادّعاء الرّبوبية و لا ادّعاء النبوّة و لكنه كان يقول إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخبره بذلك.
و لقد امتحنّا اخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدّعوى المذكورة.
كإخباره عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب لحيته، و إخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السّلام و ما قاله في كربلا حيث مرّ بها، و إخباره بملك معاوية الأمر من بعده، و إخباره عن الحجّاج و عن يوسف بن عمر، و ما أخبره من أمر الخوارج بالنهروان، و ما قدّمه إلى أصحابه من اخباره بقتل من يقتل منهم و صلب من يصلب و إخباره بقتال النّاكثين و القاسطين و المارقين، و اخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص عليه السّلام إلى البصرة لحرب أهلها، و إخباره عن عبد اللّه بن الزّبير و قوله عليه السّلام فيه: خبّ ضبّ«» يروم أمراو لا يدركه ينصب حبالة الدّين لاصطياد الدّنيا«» و هو بعد مصلوب قريش.
و كإخباره عن هلاك البصرة بالغرق و هلاكها تارة اخرى بالزنج و هو الذى صحفه قوم فقالوا بالرّيح، و كإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر«» و الداعى و غيرهما في قوله عليه السّلام: و إنّ لآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالطالقان لكنزا سيظهره اللّه إذا شاء دعاة حتّى تقوم بإذن اللّه فتدعو إلى دين اللّه.
و كإخباره عن ظهور الرّايات السود من خراسان و تنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببنى رزيق بتقديم المهملة و هم آل مصعب منهم طاهر بن الحسين و إسحاق ابن إبراهيم و كانوا هم و سلفهم دعاة الدّولة العباسيّة، و كإخباره عن مقتل النّفس الزّكيّة«» بالمدينة و قوله عليه السّلام: انه يقتل عنده احجار الزيت، و كقوله عن أخيه إبراهيم المقتول يقتل بعد أن يظهر و يقهر بعد أن يقهر، و قوله عليه السّلام فيه أيضا يأتيه سهم عزب«» يكون فيه منيته فيا بؤس للرامي شلّت يده و وهن عضده.
و كإخباره عن قتلى فخّ و قوله عليه السّلام فيهم: هم خير أهل الأرض، أو من خير أهل الأرض و كإخباره عن المملكة العلويّة«» بالغرب و تصريحه بذكر كتائته«» و هم الذين نصروا أبا عبد اللّه الدّاعي المعلّم، و كقوله يشير إلى عبيد اللّه المهدى، و هو أوّلهم: ثمّ يظهر صاحب القيروان«» الغضّ البضّ«» ذو النسب المحض المنتجب من سلالة ذى البداء المسجّى بالرّدا، و كان عبيد اللّه المهدى مترفا مشربا رخص البدن تار الأطراف«»
و ذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السّلام لأنّ أباه أبا عبد اللّه جعفرا عليه السّلام سجّاه برداه لمّا مات و ادخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته و تزول عنهم الشبهة«» في أمره.
و كإخباره عن بني بويه و قوله عليه السّلام فيهم: و يخرج من ديلمان بنو الصياد، و كقوله فيهم: ثمّ يستشرى أمرهم حتّى يملكوا الزوراء و يخلعوا الخلفاء إشارة إليهم و كان أبوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو و عياله بثمنه فأخرج اللّه تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة«» و نشر ذريتهم حتّى ضربت الأمثال بملكهم و كقوله عليه السّلام فيهم: و المترف بن الأجذم تقتله ابن عمه على دجلة،، و هو إشارة إلى عز الدّولة بختيار بن معزّ الدولة أبي الحسين و كان معزّ الدّولة أقطع اليد قطعت يده في الحرب و كان ابنه عزّ الدولة بختيار مترفا صاحب لهو و شرب، قتله عضد الدّولة فنّا خسرو ابن عمه بقصر الجصّ على دجلة في الحرب و سلبه ملكه، فأمّا خلعهم للخلفاء فانّ معز الدّولة خلع المستكفى و رتب عوضه المطيع، و بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدّولة خلع الطائع و رتّب عوضه القادر و كانت مدّة ملكهم كما أخبر به عليه السّلام.
و كإخباره لعبد اللّه بن العباس (ره) عن انتقال الأمر إلى أولاده، فان عليّ بن عبد اللّه لمّا ولد أخرجه أبوه عبد اللّه إلى عليّ عليه السّلام فأخذه و تفل في فيه و حنّكه بتمرة قد لاكها و دفعه إليه و قال: خذ إليك أبا الأملاك هكذا الرواية الصحيحة و هي التي ذكرها أبو العباس المبرّد في الكامل و ليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة و لا منقولة من كتاب معتمد عليه.
و كم له عليه السّلام من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى ممّا لو أردنا استقصائه لكسرنا له كراريس كثيرة و كتب السّير يشتمل عليها مشروحة
|