منها في ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حتّى أورى قبسا لقابس، و أنار علما لحابس، فهو أمينك المأمون، و شهيدك يوم الدّين، و بعيثك نعمة، و رسولك بالحقّ رحمة، أللّهمّ اقسم له مقسما من عدلك، و اجزه مضاعفات الخير من فضلك، أللّهمّ أعل على بناء البانين بنائه، و أكرم لديك نزله، و شرّف منزلته، و آته الوسيلة، و أعطه السّناء و الفضيله، و احشرنا في زمرته غير خزايا و لا نادمين، و لا ناكبين، و لا ناكثين، و لا ضآلّين، و لا مضلّين، و لا مفتونين.
قال السيّد (ره) و قد مضى هذا الكلام فيما تقدّم إلّا أنا كرّرناه ههنا لما في الرّوايتين من الاختلاف.
اللغه
(القبس) الشعلة و (أورى) اشعل و (العلم) محرّكة المنار و الجبل و نحوهما مما يرشد به إلى الطريق و (الحابس) الواقف بالمكان و (النزل) بضمّتين ما يهيّأ للنّزيل من الطعام و (السناء) الرّفعة و (الزّمرة) الجماعة من النّاس (و خزى) خزيا من باب علم ذلّ و هان، و خزايا جمع خزيان مثل حيران و حيارى و غير ان و غيارى.
الاعراب
قبسا بالنصب مفعول أورى أى أورى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبسا و لا يجوز جعله حالا من فاعل أورى إذ لم يسمع أورى إلّا متعدّيا يقال: ورى الزند كوعى خرجت ناره و أوريته و ورّيته بالتضعيف أخرجت ناره، و علما منصوب على المفعول أيضا و يحتمل الحال لأنّ أنار يستعمل متعدّيا و لازما.
قال الفيومى: النور الضّوء و هو خلاف الظلمة و الجمع أنوار، و أنار الصبّح أثارة أضاء و نوّر تنويرا و استنار استنارة كلّها لازمة بمعنى، و نار الشي ء ينور نيارا بالكسر أضاء أيضا فهو نيّر و هذا يتعدّى بالهمزة و التضعيف انتهى.
المعنى
و أما الفصل الثاني
المسوق لبيان تمجيد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تعظيمه فهو ما أشار إليه السّيد بقوله (منها فى ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى أورى قبسا لقابس) أى أظهر نور الحقّ و أخرج شعلة الهداية للطالبين المهتدين (و أنار علما لحابس) أصل إنارة العلم للحابس أن يوقد عليه النار و يستنار ليهتدى به الضّال الحابس أى الذي حبس ناقته و وقف لا يدرى كيف يهتدى المنهج، و استعاره هنا لاظهاره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنور الهداية ليهتدى بها من حبسته ظلمة الحيرة و الشبهة عن سلوك سبيل الحقّ.
و المراد بأنوار الهداية المعجزات الباهرة و الأدلّة القاهرة من الكتاب و السنّة، و يحتمل أن يكون العلم مستعارا لأئمة الدين و الانارة كناية عن النصّ عليهم بالامامة (فهو أمينك المأمون) على أداء رسالاتك (و شهيدك يوم الدّين) على مخلوقاتك و قد تقدّم تحقيق هذه الشهادة في شرح الخطبة الحادية و السّبعين (و بعيثك نعمة) أى مبعوثك إلى الخلق نعمة عليهم بهدايتهم به إلى جنّتك (و رسولك بالحقّ رحمة) لعبادك أن يقعوا في مهاوى الهلاك بسخطك كما قال عزّ من قائل: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ثمّ دعا في حقّه صلوات اللّه عليه و آله بقوله: (اللّهمّ اقسم له مقسما من عدلك) أي قسمة و حظّا و نصيبا هو مقتضى عدلك، و هو أن يبلغ نفسه النفيس الذي هو محلّ الرّسالة أقصى مراتب القرب و الوصول بماله من الاستعداد و القابلية و الكمالات النفسانية التي جعلته قابلا لذلك.
و لما دعا له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يستحقه زاد على ذلك فدعا له بقوله (و اجزه مضاعفات الخير من فضلك) و سأل بذلك أن يتفضّل عليه بزيادة من فضله فيضاعف له الخير بمقتضى فضله و كرمه.
(اللّهمّ واعل على بناء البانين بنائه) و المراد به إمّا إعلاء ما بناه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الشريعة و شيّده من الدّين على ساير ما شيّده الأنبياء و بنوه من الشرائع و الدّين، و إمّا إعلاء ما بناه لنفسه من مراتب الكمال و درجات العزّ و الجلال، و على التقديرين فلفظ البناء استعارة و الاعلاء ترشيح.
(و أكرم لديك نزله) استعار عليه السّلام لفظ النزل لما هيّأه اللّه سبحانه في حقّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الثواب الجزيل و الأجر الجميل (و شرّف عندك منزله) في حظيرة القدس (و آته الوسيلة) و هو امتثال لما طلبه من امته بقوله: سلوا اللّه لي الوسيلة.
قال الشارح البحراني: دعا عليه السّلام أن يؤتيه ما يتوسّل به إليه و يقرّبه منه و هو أن يكمل استعداده لما هو أتمّ القوّة على الوصول إليه. أقول: و ليس بشي ء، بل المراد بها ما ورد في الأخبار من أنها أعلا درجة في الجنّة لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حصر الفرس الجواد مأئة عام، و هى ما بين مرقاة جوهر إلى مرقات ياقوت إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضّة، فيؤتى بها يوم القيامة حتّى تنصب مع درجة النّبيّين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقى يومئذ نبي و لا صدّيق و لا شهيد إلّا قال: طوبى لمن كان هذه الدرجة درجته (و اعطه السّناء) أى الرفعة (و الفضيلة).
ثمّ دعا عليه السّلام لنفسه. و لصالحي المؤمنين بقوله: (و احشرنا في زمرته) و جماعته (غير خزايا) و خجلين بمعصية اللّه (و لا نادمين) على التفريط في جنب اللّه (و لا ناكبين) منحرفين عن سبيل اللّه (و لا ناكثين) ناقضين لعهد«» اللّه (و لا ضاليّن) عن سواء السبيل (و لا مفتونين) باللغو و الأباطيل.
و اعلم أنّ هذا الفصل أعنى الفصل الثاني من هذا الكلام قد مضى روايته من السّيد (ره) في الكتاب و هي الخطبة الحادية و السّبعون إلّا أنّه (ره) كرّره ههنا لما في الروايتين من الاختلاف و بالمراجعة إليهما يعرف مواقعه، و قد قدّمنا في شرح ما سبق نكات بديعة و فوائد نافعة من أراد الانتفاع فليراجع إليه.
و هنا لطيفة يعجبني ايرادها في المقام
و هي أنّ الشارح المعتزلي قال بعد الفراغ من شرح هذا الفصل من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: قلت: سألت النقيب أبا جعفر و كان منصفا بعيدا عن الهوى و العصبيّة عن هذا الموضع فقلت له: و قد وقفت على كلام الصحابة و خطبهم فلم أر فيهم من يعظّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تعظيم هذا الرّجل و لا يدعو كدعائه، فإنا قد وقفنا من نهج البلاغة و من غيره على فصول كثيرة مناسبة لهذا الفصل تدلّ على إجلال عظيم و تبجيل شديد منه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال: و من أين لغيره من الصحابة كلام مدوّن لتعلم منه كيفيّة ذكرهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هل وجد لهم إلّا كلمات متبدّدة لا طائل تحتها.
ثمّ قال: إنّ عليّا عليه السّلام كان قوىّ الايمان برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التّصديق له، ثابت اليقين قاطعا بالأمر متحققا له، و كان مع ذلك يحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنسبته منه و تربيته له و اختصاصه به من دون الصّحابة و بعد فشرفه له لأنّهما نفس واحدة في جسمين الأب واحد، و الدّار واحدة، و الأخلاق مناسبة، فاذا عظّمه فقد عظّم نفسه، و إذا دعا إليه فقد دعا إلى نفسه، و لقد كان يودّ أن تطبق دعوة الاسلام مشارق الأرض و مغاربها، لأنّ جمال ذلك لا حق به و عائد إليه، فكيف لا يعظّمه و يبجّله و يجتهد في أعلاء كلمته قال الشّارح فقلت له: قد كنت اليوم أنا و جعفر بن مكى الشاعر نتجاري هذا الحديث.
فقال جعفر: لم ينصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحد نصرة أبي طالب و بنيه له أمّا أبو طالب عليه السّلام فكفّله و ربّاه ثمّ حماه من قريش عند إظهار الدّعوة بعد إصفاقهم و إطباقهم على قتله، و أمّا ابنه جعفر فهاجر بجماعة من المسلمين إلى حبشة فنشر دعوته بها، و أمّا عليّ عليه السّلام فانّه أقام عماد الملّة بالمدينة.
ثمّ لم يمن أحد من القتل و الهواء و التشريد بما منى به بنو أبي طالب أمّا جعفر فقتل يوم بموتة، و أما عليّ عليه السّلام فقتل بالكوفة بعد أن شرب نقيع الحنظل و تمنّى الموت، و لو تأخّر قتل ابن ملجم له لمات أسفا و كمدا، ثمّ قتل ابناه بالسمّ و السّيف و قتل بنوه الباقون مع أخيهم بالطّف و حملت نسائهم على الأقطاب سبايا إلى الشام و لقيت ذرّيتهم و أخلافهم بعد ذلك من القتل و الهوان و الصلب و التشريد في البلاد و الحبس و الضرب ما لا يحيط الوصف بكنهه، فأىّ خير أصاب هذا البيت من نصرته و محبّته و تعظيمه بالقول و الفعل فقال و أصاب فيما قال: فهلّا قلت: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
ثمّ قال إنّ اللّه زوى الدّنيا عن صالحي عباده و أهل الاخلاص له لأنّه لم يرها ثمنا لعبادتهم و لا كفوا لاخلاصهم و أرجا جزائهم إلى دار أخرى غير هذه الدّار في مثلها فليتنافس المتنافسون.
أقول: للّه درّ النّقيب فلقد أبدع في الكلام و أصاب في الجواب و راعى الانصاف و جانب الاعتساف و أفصح عن الحقّ و أبان الصّدق إلّا أنّه لا يكاد ينقضي عجبى منه و من مثله انه مع هذا الفضل و الذّكاء كيف تشبّث بأذيال المتخلّفين و لم يتمسّك بالعروة الوثقى و الحبل المتين، فانّ محصّل ما ذكره يرجع إلى وجوه: الأوّل أنّ غيره عليه السّلام من الصّحابة لم يوجد لهم كلام منظم و لا بيان منتظم حتّى يعرف منه كيفيّة تعظيمهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تبجليهم له و لا بدّ أن يكون سرّ ذلك إمّا قلّة معرفتهم بأساس البلاغة أو وهن اعتقادهم في أمر الرّسالة و زعمهم أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشر مثلهم يأكل الطعام و يمشى في الأسواق، و مثل ذلك لا يستحقّ بهذا التبجيل و الاكرام و التوقير و الاعظام.
الثاني أنّ صدور أمثال هذا الكلام من أمير المؤمنين عليه السّلام كان من قوّة الايمان و الايقان و شدّة التحقيق و التصديق و القطع و اليقين الذى كان له عليه السّلام في أمر الرسالة و هو بظاهره يفيد أنّ غيره عليه السّلام لم يكن لهم هذا القطع و اليقين و لا لهم معرفة تلك المعرفة و كانوا يظنّونه ظنّا و ما هم بمعتقدين، و مع ذلك كيف يجوز ترجيحهم عليه و تقديمهم و تأخيره و تعظيمهم و تحقيره، و من المعلوم أنّ الخلافة هو النيابة و النائب كلّما كان أشدّ معرفة بمراتب المنوب عنه و آكد يقينا بشئوناته كان قيامه بوظايف النيابة و إتيانه بمطلوب المنوب عنه و مقاصده أكمل و أتمّ، و لو لم يكن له معرفة بها فكيف يقوم بالأمر و يتصرّف فيه.
الثّالث أنّه كان يحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان له نسبة مخصوصة إليه و اختصاص خاصّ به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يكن لساير الصحابة ذلك الاختصاص و النسبة و المحبّة أقول: و بعد الاعتراف بذلك كيف يجوز القول بخلافة غيره فانّ التجربة و الوجدان شاهدان على أنّ المراد إذا نزلت به داهية أو وقع في بلية أو دنا أجله يفوّض أمره إلى خاصّته و بطانته و يوصي إليه وصيّته و لا يقدّم الأجانب على الأقارب و الأباعد على الخواصّ.
الرّابع أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمنزلة نفس واحدة، و هو كذلك فقد شهدت به آية المباهلة، و هى تدلّ على منتهى كماله عليه السّلام و فضله و شرفه و بلوغه في ذلك الغاية و تقدّمه فيه على الكلّ حيث جعله سبحانه بمنزلة نفس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مع ذلك كلّه كيف جاز ترجيح غيره عليه.
أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
و قوله و لقد كان عليه السّلام يودّ أن يطبق دعوة الاسلام مشارق الأرض و مغاربها.
أقول: فلقد كان كذلك و أما غيره فلقد كانوا يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. هذا و أمّا ما رواه من جعفر بن مكى في المذاكرة التي كانت بينه و بينه من أنه لم ينصر أحد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصرة أبي طالب عليه السّلام و بنيه و أنّه ما ابتلى أحد فيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمثل ما ابتلى فيه هؤلاء فهو كما قال إلّا أنه غلط في قوله و أىّ خير أصاب هذا البيت من نصرته و محبّته و تعظيمه بالقول و الفعل.
أما أوّلا فلأنه ليس لأمثال هؤلاء الجهال أن يتفوّهوا بمثل هذا الكلام الدال على ابداء المغايره بين البيتين و المجانبة بين الجسمين الذين هما بمنزلة نفس واحدة حسبما قدّمناه.
و أما ثانيا فلأنه كما قال النّقيب ليس لآل أبي طالب عليه السّلام منّة في ذلك على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل المنّة للّه و لرسوله على جميع الخلايق.
و أما ثالثا فلأنه لم يكن غرض آل أبي طالب فيما فعلوا من الموازرة و النصرة و الحماية للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الجهاد بين يديه به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده جلب المنفعة و طلب الخير و إنما كان قصدهم إحياء السنّة و إعلاء لواء الشريعة و إقامة اعماد الاسلام و الملة، طلبا لرضوان الحقّ، و حبا له و وفاء بعهده، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ و قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الآية و قوله: صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لاعطين الراية غدا رجلا يحبّ اللّه، الحديث».
و أمّا رابعا فلأنّ قوله و أىّ خير أصاب آه.
إن أراد به خير الدنيا ففيه أنّ القنيات الدّنيوية و زخارفها و زبرجها إنّما لها وقع في نظر أهلها لا في نظرهم و إنّما هى عندهم بجميع ما فيها أهون و أزهد من عراق«» خنزير في يد مجذوم.
و إن أراد خير الآخرة فأقول: و أىّ خير أعظم من أنّ هذا البيت كان تالى بيت الرسالة، فقد جعل اللّه الرسالة في بيت عبد اللّه و الخلافة في بيت أبي طالب و أتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جوامع الكلم، و عليّا عليه السّلام جوامع الكلام، و جعله مدينة العلم و الحكمة، و جعل عليّا عليه السّلام بابها و جعله منه بمنزلة هارون من موسى عليه السّلام، و جعله و أولاده شهداء دار الفناء و شفعاء دار البقاء و صار نعمة اللّه على الأبرار و نقمته على الفجار، و فوّض إليه سقاية الكوثر و قسمة الجنّة و النّار و جعله حامل لواء الحمد و أمين مفاتيح الجنّة. ففي كشف الغمّة من أمالي الطوسى عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أعطانى اللّه تبارك و تعالى خمسا و أعطا عليّا خمسا: أعطاني جوامع الكلم و أعطى عليّا جوامع العلم، و جعلني نبيّا و جعله وصيّا، و أعطاني الكوثر و أعطاه السّلسبيل، و أعطاني الوحي و أعطاه الالهام، و أسرا بي إليه و فتح له أبواب السماء و الحجب حتّى نظر إلىّ و نظرت إليه.
إلى غير هذه مما روته الخاصة و العامّة و اللّه وليّ التوفيق.
تكملة
الفصل الأوّل من فصلى هذا الفصل من هذه الخطبة مرويّ في الكافي بطريق آخر أحببت إيراده قال: روى عليّ بن إبراهيم عن أبيه و محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى و عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب عن يعقوب بن السراج عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام، و بأسانيد مختلفة عن الأصبغ بن نباته قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السّلام في داره أو قال في القصر و نحن مجتمعون ثمّ أمر صلوات اللّه عليه فكتب في كتاب و قرء على النّاس.
و روى غيره أنّ ابن الكوّا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن صفة الاسلام و الايمان و الكفر و النفاق فقال عليه السّلام: أما بعد فانّ اللّه تبارك و تعالى شرع الاسلام و سهل شرايعه لمن ورده و أعزّ أركانه لمن حاربه و جعله عزّا لمن توّلاه و سلما لمن دخله و هدى لمن ائتمّ به و زينة لمن تجلّله و عذرا لمن انتحله و عروة لمن اعتصم به و حبلا لمن استمسك به و برهانا لمن تكلّم به و نورا لمن استضاء به و شاهدا لمن خاصم به و فلجا لمن حاجّ به و علما لمن وعاه و حديثا لمن درى و حكما لمن قضى و حلما لمن حرب و لباسا لمن تدبّر و فهما لمن تفطن و يقينا لمن عقل و بصيرة لمن عزم و آية لمن توسّم و عبرة لمن اتعظ و نجاة لمن صدّق و تؤدة لمن أصلح و زلفى لمن أقرب وثقة لمن توكّل و رخاء لمن فوض و سبقة لمن أحسن و خيرا لمن سارع و جنة لمن صبر و لباسا لمن اتّقى و ظهيرا لمن رشد و كهفا لمن آمن و أمنة لمن أسلم و روحا لمن صدق و غنى لمن قنع.
فذلك الحقّ سبيله الهدى و ما ثرته المجد و صفته الحسنى فهو أبلج المنهاج مشرق المنار زاكي المصباح رفيع الغاية يسير المضمار جامع الحلبة سريع السبقة أليم النقمة كامل العدة كريم الفرسان.
فالايمان منهاجه و الصّالحات مناره و الفقه مصابيحه و الدنيا مضماره و الموت غايته و القيامة حلبته و الجنّة سبقته و النّار نقمته و التّقوى عدّته و المحسنون فرسانه.
فبالايمان يستدلّ على الصّالحات و بالصّالحات تعمر الفقه و بالفقه يرهب الموت و بالموت تختم الدّنيا و بالدّنيا تجوز القيامة و بالقيامة تزلف الجنّة و الجنّة حسرة أهل النّار و النّار موعظة للمتقين و التّقوى سنخ الايمان.
|