و قام إليه رجل فقال أخبرنا عن الفتنة و هل سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال عليه السّلام: لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله:- الم أ حسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون- علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا، فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الفتنة الّتي أخبرك اللّه بها فقال: يا عليّ إنّ أمّتي سيفتنون من بعدي، فقلت: يا رسول اللّه أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين و حيزت عنّي الشّهادة فشقّ ذلك عليّ فقلت لي: أبشر فإنّ الشّهادة من ورائك، فقال لي: إنّ ذلك لكذلك فكيف صبرك إذا فقلت: يا رسول اللّه ليس هذا من مواطن الصّبر و لكن من مواطن البشرى و الشكر، و قال يا عليّ: إنّ الأمّة سيفتنون بعدي بأموالهم، و يمنّون بدينهم على ربّهم، و يتمنّون رحمته، و يأمنون سطوته، و يستحلوّن حرامه بالشّبهات الكاذبة، و الأهواء السّاهية، فيستحلوّن الخمر بالنّبيذ، و السّحت بالهديّة، و الرّبا بالبيع، فقلت: يا رسول اللّه فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال: بمنزلة فتنة.
الاعراب
قال في الكشّاف: الحسبان لا يصحّ تعلّقه بمعانى المفرد و لكن بمضامين الجمل، ألا ترى أنّك لو قلت حسبت زيدا و ظننت الفرس لم يكن شيئا حتّى تقول حسبت زيدا عالما و ظننت الفرس جوادا، لأنّ قولك زيد عالم أو الفرس جواد كلام دالّ على مضمون فأردت الأخبار عن ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظنّ لا اليقين، فلم تجد بدّا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه من ذكر شطرى الجملة مدخلا عليهما فعل الحسبان حتّى يتمّ لك غرضك. فان قلت: فأين الكلام الدّالّ على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية قلت: هو قوله: أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون، و ذلك لأنّ تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا فالتّرك أوّل مفعولي حسب، و لقولهم آمنّا هو الخبر، و انا غير مفتونين فتتمّة التّرك لأنّه من التّرك الّذي هو بمعنى التّصيير كقوله: فتركته جزر السّباع ينشنه، ألا ترى أنّك قبل المجي ء بالحسبان تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا على تقدير حاصل و مستقرّ قبل اللّام فان قلت: أن يقولوا هو علّة قولهم غير مفتونين فكيف يصحّ أن يكون خبر مبتدأ قلت كما تقول: خروجه لمخافة الشرّ و ضربه للتّأديب، و قد كان التأديب و المخافة في قولك خرجت مخافة الشّر و ضربته تأديبا تعليلين و تقول أيضا: حسبت خروجه لمخافة الشرّ و ظننت ضربه للتأديب، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ و خبرا.
و الهمزة في قوله عليه السّلام: أو ليس قد قلت، للاستفهام التّقريرى كما في قوله تعالى: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ و المقصود به حمل المخاطب على الاقرار بما دخله النّفى
المعنى
قال السّيّد (ره) (و قام إليه رجل فقال أخبرنا عن الفتنة) الظّاهر أنّ الّلام فيها للعهد و تكون الاشارة بها إلى فتنة معهودة سبق ذكرها في كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في الكتاب العزيز في الآية الآتية وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» و غيرهما، و الفتنة تكون لمعان شتّى من الابتلاء و الامتحان و الاضلال و العذاب و الفضيحة و الكفر و الاثم و اختلاف النّاس في الآراء و نحوها.
و لمّا كان خطابه عليه السّلام بذلك الكلام لأهل البصرة حسبما نبّه السّيّد في عنوان خطبه 156 نهج البلاغه بخش 4ه فبقرينة مساق الكلام يحتمل أن يكون استخبار السّائل عن موضوع خطبه 156 نهج البلاغه بخش 4 الفتنة ليفهم أنّ فتنة أهل البصرة هل هى داخلة في الفتنة الّتي أخبر اللّه بها و رسوله، و أن يكون عن حكمها.
و يشعر بالأوّل جوابه للسّائل بما ينقله عن رسول اللّه من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ امّتي صيفتنون من بعدي، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا: يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بعدي.
و يشعر بالثّاني آخر كلامه عليه السّلام أعني قوله: فقلت يا رسول اللّه فبأيّ المنازل انزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال: بمنزلة فتنة.
فعلى الاحتمال الأوّل يكون معنى قوله (و هل سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) هل سألت عن معنيها ليتبيّن المراد بها.
و على الاحتمال الثّاني فالمعنى هل سألت عن حكمها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليعلم أنّ المفتونين مرتدّون أم لا (فقال عليه السّلام) في جواب المستخبر.
(لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ قال في الكشّاف في تفسير الآية: الفتنة الامتحان بشدايد التّكاليف من مفارقة الأوطان و مجاهدة الأعداء و ساير الطّاعات الشّاقّة و هجر الشّهوات و الملاذّ، و بالفقر و القحط و أنواع المصائب في الأنفس و الأموال، و بمصابرة الكفار على اذاهم و كيدهم و ضرارهم، و المعنى أحسب الّذين أجروا كلمة الشّهادة على ألسنتهم و أظهروا القول بالايمان أنّهم يتركون لذلك غير ممتحنين، بل يمتحنهم اللّه بأنواع المحن و ضروب البلا حتّى يبلو صبرهم و ثبات أقدامهم و صحّة عقايدهم و خلوص نيّاتهم ليتميّز المخلص من غير المخلص و الرّاسخ في الدّين من المضطرب و المتمكّن من العابد على حرف، انتهى.
أقول: و بنحو ذلك فسّره غير واحد من علماء التّفسير، و محصّله أنّ المراد بالفتنة الامتحان و الابتلاء في النّفس و المال.
و رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: معنى يفتنون يبتلون في أنفسهم و أموالهم، و المستفاد من غير واحد من الأخبار الآتية أنّ المراد بها خصوص الامتحان بالولاية، و اليه يرجع ما أجاب به أمير المؤمنين عليه السّلام هنا للسائل المستخبر، و لا تنافي بين المعنيين إذ الأوّل تنزيله و الثاني تأويله و لا غبار عليه و إنّما الاشكال في قوله (علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا) لظهور أنّ الآية لا دلالة فيها على عدم نزول الفتنة بهم مع كون الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهم فمن أين علم أمير المؤمنين عليه السّلام ذلك، و قد تنبّه لذلك الشّارح المعتزلي و أجاب عنه بما لا يعبأ به حيث قال: فان قلت: فلم قال عليه السّلام علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا. قلت: لقوله تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ» آه و أنت خبير بما فيه.
أمّا أوّلا فلأنّ هذا الجواب كما ترى مبنيّ على جعل الفتنة في الآية بمعنى العذاب، و قد علمت أنّ كلام أمير المؤمنين في هذا المقام ناظر إلى كونها بمعنى الامتحان بالولاية و التنافي بين المعنيين ظاهر.
و أمّا ثانيا فلأنّا بعد الغضّ عمّا ذكرنا نقول إنّ قوله: علمت، جواب لما و هو يفيد أنّ منشأ علمه بعدم نزول الفتنة هو قوله: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الآية، لا قوله: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ، و العلم بعدم نزول العذاب من الآية الثّانية لا يلازم حصول العلم من الآية الأولى على ما هو مقتضى ظاهر كلامه عليه السّلام.
و الّذي عندي في رفع ذلك الاشكال أنّه عليه السّلام علم ذلك حين نزول الآية باعلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد روى في الصّافي عنه عليه السّلام أنّه لما نزلت هذه الآية قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بدّ من فتنة تبتلى به الأمّة بعد نبيّها ليتعيّن الصّادق من الكاذب، لأنّ الوحى قد انقطع و بقى السّيف و افتراق الكلمة إلى يوم القيامة.
فانّ هذه الرّواية ككثير من الرّوايات الآتية صريحة في أنّ نزول الفتنة إنّما يكون بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فحصل بذلك العلم له عليه السّلام بأنّها لا تنزل مع كونه بين أظهرهم.
و لمّا كان ذلك الاخبار من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نزول الآية صحّ بذلك الاعتبار قوله عليه السّلام: لمّا أنزل اللّه قوله الم آه علمت إلى قوله (فقلت يا رسول اللّه ما هذه الفتنة التيّ أخبرك اللّه بها فقال يا عليّ انّ امّتى سيفتنون من بعدى) و هذا الجواب من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له عليه السّلام و إن كان مجملا لم يصرّح فيه بانّ افتتان الامّة بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما ذا إلّا أنّه عليه السّلام قد فهم منه أنّ مراده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منه الافتتان به عليه السّلام و امتحانهم بولايته.
و فهمه عليه السّلام ذلك منه إمّا من باب سرّ الحبيب مع الحبيب أو بقرينة تصريحه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم به في غيره، فقد روى في غاية المرام عن ابن شهر اشوب عن أبي طالب الهروي باسناده عن علقمة و أبي أيّوب أنّه لمّا نزل ألم أحسب النّاس الآيات، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار: إنّه سيكون من بعدى هناة حتّى يختلف السّيف فيما بينهم و حتّى يقتل بعضهم بعضا و حتّى يتبرّء بعضهم من بعض، فاذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب، فان سلك النّاس كلّهم واديا فاسلك وادى علىّ و خلّ عن النّاس، يا عمّار إنّ عليّا لا يردّك عن هدى و لا يردّك إلى ردى، يا عمّار طاعة علىّ طاعتي و طاعتي طاعة اللّه.
و فيه عنه من طريق العامّة أيضا في قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ قال عليّ عليه السّلام يا رسول اللّه ما هذه الفتنة قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ بك و أنك المخاصم فأعدّ للخصومة.
و فيه عن محمّد بن العباس مسندا عن الحسين بن عليّ عن أبيه صلوات اللّه عليهم أجمعين قال: لما نزلت: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الآية قال: قلت يا رسول اللّه ما هذه قال: يا على إنّك مبتلى بك و أنت مخاصم فأعدّ للخصومة.
و عن محمّد بن العباس قال: حدّثنا أحمد بن هودة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد اللّه بن حماد عن سماعة بن مهران قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات ليلة في المسجد، فلمّا كان قرب الصّبح دخل أمير المؤمنين عليه السّلام فناداه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال يا عليّ، فقال: لبيّك قال: هلمّ إليّ، فلمّا دنى منه قال: يا عليّ بت اللّيلة حيث تراني و قد سألت ربّي ألف حاجة فقضيها لي و سألت لك ربّي أن يجمع لك امّتى من بعدي فأبى عليّ ربّي فقال: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. و هذه الرّوايات و ما بمعناها«» ممّا لم نوردها خوف الاطالة كما ترى صريحة في الدلالة على أنّ الافتتان بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما هو بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام فهى رافعة للاجمال في الجواب المرويّ في المتن مبنيّة لكون مراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله: إنّ امّتي سيفتنون من بعدي افتتانهم بها و امتحانهم به عليه السّلام.
و لمّا كان ذلك مبعدا لما كان ينتظره عليه السّلام و يرجوه من شهادته الّتي بشرّ بها النبيّ و موهما لعدم تنجّز ما بشّر به و مفيدا لعدم حصوله في زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حال حياته و كان فيه خوف فوت المطلوب لا جرم أعاد عليه السّلام السّؤال تحصيلا لاطمينان القلب كما سأل إبراهيم ربّه بقوله: كيف تحيى الموتى فقال عليه السّلام (فقلت أ و ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين و حيزت) أى منعت (عنّي الشهادة فشقّ ذلك علىّ فقلت لي: ابشر فانّ الشّهادة من ورائك فقال لي: إنّ ذلك كذلك) يعني أنّ الشهادة واقعة لا محالة و إن لم تكن في زماني و في مجاهداتك الّتي بين يديّ، هذا.
و يجوز أن تكون الهمزة في قوله: أو ليس قد قلت، لم يرد بها الاستفهام و التقرير، بل المراد بها الاستبطاء نظير ما قاله علماء البيان في مثل: كم دعوتك من أنّ الغرض به ليس السؤال و الاستفهام، بل المراد الاستبطاء و هو الوصف بالبطوء أى عدّ المتكلم المخاطب بطيئا في اجابة الدّعوة، و الغرض من الكلام الشّكاية عن بطوء الاجابة و الحثّ عليها.
و معنى الاستبطاء فيما نحن فيه وصف ما قاله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما بشّر به من الشهادة بالبطوء و الشّكاية من تأخيره فانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما أخبر بأنّ الامة سيفتنون بعده أحبّ عليه السّلام أن لا يبقى إلى زمان تلك الفتنة فقال ذلك الكلام استبطاء للشهادة فافهم جيدا. ثمّ أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الابانة عن علوّ همّته عليه السّلام و الافصاح عن ثبات قدمه في جنب اللّه فقال (فكيف صبرك إذا) يعني إذا ظفرت بالشهادة (فقلت يا رسول اللّه ليس هذا من مواطن الصّبر و لكن من مواطن البشرى و الشّكر) يعني أنّ الصبر عبارة عن تحمل المشاقّ و المكروه و هو إنّما يتصوّر في حقّ المحجوبين عن اللّه المنهمكين في لذّات الدّنيا و الغافلين عن لذّات الآخرة، فانهم يكرهون الموت و يفرّون منه و يحذرون من الشّهادة، و أمّا أولياء الدّين و أهل الحقّ و اليقين فغاية غرضهم الخروج من هذه القرية الظّالم أهلها و الفوز بلقاء الحقّ و النّيل إلى رضوانه فالموت لمّا كان وسيلة للوصول إليه فهو أحبّ إليهم من كلّ شي ء، و لذلك كان عليه السّلام يقول غير مرّة: و اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، و لمّا كان حصول الموت بالقتل و الشّهادة من أعظم القربات و أفضل الطّاعات كانوا مستبشرين به و شاكرين على وصول تلك النعمة العظيمة، و إليه ينظر قوله عليه السّلام في الكلام المأة و الثّانية و العشرين، إنّ أكرم الموت القتل و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون علىّ من ميتة على فراش.
ثمّ عاد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد الاشارة إجمالا إلى افتتان الامة من بعده إلى شرح حال المفتونين و بيان أوصافهم تفصيلا (و قال يا عليّ إنّ الامّة سيفتنون بعدي بأموالهم) أى بقلّتها و كثرتها و باكتسابها من حلال أو حرام و بصرفها في مصارف الخير أو الشّر و باخراج الحقوق الواجبة منها و البخل بها و غير ذلك من طرق الامتحان (و يمنّون بدينهم على ربهم) كما منّ من قبلهم بذلك على ما حكى اللّه عنهم بقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ (و يتمنّون رحمته و يأمنون سطوته) الأمن من سخط اللّه سبحانه كالإياس من رحمته من الكباير الموبقة، و أمّا تمنّى الرّحمة مع عدم المبالاة في الدّين فهو من صفة الجاهلين و قد روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هويها و تمنّي على اللّه.
(و يستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة و الأهواء السّاهية) أى الغافلة و وصف الأهواء بها للمبالغة كما في قولهم: شعر شاعر، فانّ اتّباع الهوى لما كان موجبا للغفلة عن الحقّ صحّ اتّصافه به، و المراد أنّ استحلالهم للحرام بسبب متابعتهم لهوى أنفسهم الصّاد لهم عن الحقّ و الشّاغل بهم إلى الدّنيا.
روى أبو حمزة عن أبي جعفر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقول اللّه عزّ و جلّ: و عزّتي و جلالي و كبريائي و نورى و علوّي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواى إلّا شتّت عليه أمره و لبّست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم اوته منها إلّا ما قدرت له و عزّتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوّي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواى على هواه إلّا استحفظته ملائكتى، و كفّلت السّماوات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر، و أتته الدّنيا و هى راغمة.
و أشار إلى تفصيل ما يستحلّونه من المحرّمات بقوله (فيستحلّون الخمر بالنّبيذ) الغالب في الخمر إطلاقه على الشّراب المتّخذ من العنب، و في النّبيذ استعمله في الشّراب المتّخذ من التّمر، و من ذلك نشأت شبهتهم حيث زعموا أنّ النّبيذ ليس بخمر فحكموا بحلّيته أى حلّية النّبيذ بتوهّم اختصاص الحرمة بالخمر فأوجب ذلك استحلالهم للخمر من حيث لا يشعرون.
و قد ذمهم عليه السّلام على ذلك تنبيها على فساد ما زعموه و هو كذلك.«» أما اولا فلمنع خروج النّبيذ من موضع الخمر، لأنّ الخمر عبارة عن كلّ ما يخمر العقل أى يستره و يغطّيه، فيشمل النّبيذ و غيره و إن كان استعماله في العصير العنبى اكثر.
و يدلّ عليه ما رواه في الوسايل عن الكليني بسنده عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النّقيع من الزّبيب و البتع من العسل، و المرز من الشّعير، و النّبيذ من التّمر.
و عن الكليني عن عامر بن السمط عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: الخمر من خمسة أشياء: من التمر، و الزبيب، و الحنطة، و الشّعير، و العسل. و فيه أيضا عن ابن الشّيخ في أماليه باسناده عن النّعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أيّها النّاس إنّ من العنب خمرا، و إنّ من الزبيب خمرا و إنّ من التّمر خمرا، و إنّ من الشّعير خمرا، ألا أيّها النّاس أنهاكم عن كلّ مسكر.
و أما ثانيا فلمنع اختصاص حكم الحرمة بخصوص الخمر بعد تسليم عدم شموله للنّبيذ حقيقة، و ذلك لتعلّق الحكم بكلّ مسكر كما مرّ في الرّواية آنفا.
و مثله ما رواه في الوسايل عن الكلينيّ عن عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام و كلّ مسكر خمر.
و فيه عن عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية، أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشّراب إذا أخمر فهو خمر و ما أسكر كثيره فقليله حرام و ذلك إنّ أبا بكر شرب قبل أن يحرم الخمر فسكر إلى أن قال فأنزل اللّه تحريمها بعد ذلك و إنّما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر و التّمر، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقعد في المسجد ثمّ دعا بآنيتهم الّتى كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلّها، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هذه كلّها خمر حرّمها اللّه فكان أكثر شي ء أكفى في ذلك اليوم الفضيخ و لم أعلم اكفى يومئذ من خمر العنب شي ء إلّا إناء واحد كان فيه زبيب و تمر جميعا، فأمّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذ بالمدينة شي ء، و حرّم اللّه الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شرائها و الانتفاع بها، هذا.
و يدلّ على حرمة النّبيذ بخصوصه ما رواه في الوسايل عن الكلينيّ باسناده عن خضر الصّيرفي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من شرب النّبيذ على أنّه حلال خلد في النّار، و من شربه على أنّه حرام عذّب في النّار.
و عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن عليّ عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لو أنّ رجلا كحل عينيه بميل من نبيذ كان حقّا على اللّه عزّ و جلّ أن يكحله بميل من نار. و فيه عن الشّيخ باسناده عن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يكون مسلما عارفا إلّا أنّه يشرب العسكر هذا النّبيذ، فقال لي: يا عمّار إن مات فلا تصلّ عليه.
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناها كفاية.
(و) يستحلّون (السّحت بالهدية) السّحت الحرام و كلّ ما لا يحلّ كسبه، و في مجمع البحرين عن عليّ عليه السّلام هو الرّشوة في الحكم و مهر البغى و كسب الحجام و عسب الفحل و ثمن الكلب و ثمن الخمر و ثمن الميتة.
و الظّاهر أنّ المراد به هنا خصوص الرّشوة كما فسّره بها الصّادق عليه السّلام فيما رواه في الوسايل عن الشّيخ باسناده عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان عن يزيد بن فرقد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السّحت فقال: هو الرّشاء في الحكم.
و المقصود أنّهم يأخذون الرّشوة إذا اهديت إليهم و يستحلّونها بزعم أنّها هديّة قال الفاضل النّراقي: الفرق بين الرّشوة و الهديّة أنّ الأولى هى المال المبذول للقاضي للتوسّل به إلى الحكم ابتداء أو إرشادا، و الثّانية هى العطيّة المطلقة أو لغرض آخر نحو التّودّد و التّقرّب إليه أو إلى اللّه، و الحاصل أنّ كلّ مال مبذول للشّخص للتّوسّل به إلى فعل صادر منه و لو مجرّد الكفّ عن شرّه لسانا أو يدا أو نحوهما فهو الرّشوة، و لا فرق في الفعل الذي هو غاية البذل أن يكون فعلا حاضرا أو متوقّعا كان يبذل للقاضي لأجل أنّه لو حصل له خصم يحكم للباذل و ان لم يكن له بالفعل خصم حاضر و لا خصومة حاضرة، و كلّ مبذول لا لغرض يفعله المبذول له بل لمجرّد التقرّب أو التودّد إليه أو يصفة محمودة أو كمال فيه فهو هدية و إن كان الغرض من التودّد و التقرّب الاحتفاظ من شرّ شخص آخر أو التّوسل إلى فعل شخص آخر يوجبه التقرّب و التودّد إليه.
و قد يستعمل لفظ أحدهما في معنى الآخر تجوّزا فما كان من الأوّل فان كان الفعل المقصود الحكم فهو حرام مطلقا سواء كان الحكم لخصومة حاضرة أو فرضيّة، و لذا حكموا بحرمة الهديّة الغير المعهودة قبل القضاء، لأنه قرينة على أنّ المقصود منه الحكم و لو فرضا و هو كذلك لصدق اسم الرّشوة عرفا فيشمله إطلاقاتها و عليه يحمل إطلاق ما ورد من طريق العامّة و الخاصّة كما في أمالي الشيخ أنّ هدايا العمّال كما في بعضها أو هديّة الامراء كما في بعض آخر غلول أو سحت و يدلّ عليه أيضا رواية أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا يقال له اللّثة على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم و هذا اهدى لى، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول: هذا لكم و هذا اهدى لي فهلّا جلس في قعب بيته أو في بيت اللّه ينظر ليهدى أم لا، و الّذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلّا جاء يوم القيامة يحمل على رقبته، الحديث.
و إن كان غير الحكم فان كان أمرا محرّما فهو أيضا كرشوة الحكم محرّم لكونه إعانة على الاثم و اتّباعا للهوى، و ان لم يكن محرّما فلا يحرم للأصل و اختصاص الأخبار المتقدّمة برشوة الحكم، و ما كان من الثاني لا يحرم.
(و) يستحلّون (الرّبا بالبيع) الرّبا لغة هو الزّيادة و شرعا هو الزّيادة على رأس المال من أحد المتساويين جنسا ممّا يكال أو يوزن، و المراد أنهم يأخذون الزّيادة بواسطة البيع أى يجعلون المبايعة وسيلة إلى أخذ تلك الزيادة و يزعمون حليّتها لأجل أنّها معاملة بتراضى الطرفين أو أنهم يستحلّون الرّبا بقياسه على البيع كما كان عليه بناء أهل الجاهليّة على ما أخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.
قال الشيخ الطبرسيّ أى ذلك العقاب لهم بسبب قولهم إنّما البيع الّذي لا ربا فيه مثل البيع الّذي فيه الرّبا.
قال ابن عباس: كان الرّجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له: زدني في الأجل و أزيدك في المال، فيتراضيان عليه و يعملان به، فاذا قيل لهم هذا ربا قالوا: هما سواء، يعنون بذلك أنّ الزّيادة في الثمن حال البيع و الزّيادة فيه بسبب الأجل عند حلّ الدّين سواء، فذمّهم اللّه به و الحق الوعيد بهم و خطاهم في ذلك لقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا و قال الفخر الرازي: اعلم أنّ الرّبا قسمان: ربا النسيئة و ربا الفضل أمّا ربا النّسيئة فهو الأمر الّذي كان متعارفا مشهورا في الجاهليّة، و ذلك أنّهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كلّ شهر قدرا معيّنا و يكون رأس المال باقيا، ثمّ إذا حلّ الدّين طالبوا المديون برأس المال، فاذا تعذر عليه الأداء زادوا في الحقّ و الأجل، فهذا هو الرّبا الّذي كانوا في الجاهليّة يتعاملون به، و أمّا ربا النّقد فهو أن يباع منّ من الحنطة بمنوين منها و ما أشبه ذلك.
أما قوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ففيه مسائل: المسألة الاولى القوم كانوا في تحليل الرّبا على هذه الشّبهة، و هى أنّ من اشترى ثوبا بعشرة ثمّ باعه بأحد عشر فهذا حلال فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر يجب أن يكون حلالا، لأنّه لا فرق في العقل بين الأمرين فهذا في ربا النقد و أمّا في ربا النّسيئة فكذلك أيضا لأنّه لو باع الثوب الّذي يساوي عشرة في الحال بأحد عشر إلى شهر جاز، فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر إلى شهر وجب أن يجوز، لأنّه لا فرق في العقل بين الصّورتين، و ذلك لأنّه إنّما جاز هنا لأنّه حصل التّراضى فيه من الجانبين فكذا ههنا لمّا حصل التّراضي من الجانبين وجب أن يجوز أيضا، فالبياعات إنّما شرعت لدفع الحاجات و لعلّ الانسان أن يكون صفر اليد في الحال شديد الحاجة و يكون له في المستقبل من الزّمان أموال كثيرة فاذا لم يجز الرّبا لم يعطه ربّ المال شيئا فيبقى الانسان في الشّدة و الحاجة أمّا بتقدير جواز الرّبا فيعطيه ربّ المال طمعا في الزّيادة و المديون يردّه عند وجدان المال مع الزّيادة و إعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال، فهذا يقتضى حلّ الرّبا كما حكمنا بحلّ ساير البياعات لأجل دفع الحاجة فهذا هو شبهة القوم و اللّه تعالى أجاب عنه بحرف واحد و هو قوله: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.
و وجه الجواب أنّ ما ذكرتم معارضة للنّص بالقياس و هو من عمل إبليس فانّه تعالى لمّا أمره بالسّجود لآدم عليه السّلام عارض النّص بالقياس فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، و ذكر الفرق بين البابين فقال: من باع ثوبا يساوى العشرة بالعشرين فقد جعل ذات الثوب مقابلا بالعشرين، فلمّا حصل التّراضي على هذا التّقابل صار كلّ واحد منهما مقابلا للآخر في الماليّة عندهما فلم يكن أخذ من صاحبه شيئا بغير عوض، أمّا إذا باع العشرة بالعشرين فقد أخذ العشرة الزّايدة من غير عوض.
و لا يمكن أن يقال إنّ عوضه هو الامهال في المدّة، لأنّ الامهال ليس مالا أو شيئا يشار إليه حتّى يجعله عوضا من العشرة الزّايدة، فظهر الفرق بين الصّورتين إلى أن قال: المسألة الثالثة في الآية سؤال، و هو أنّه لم لم يقل إنّما الرّبا مثل البيع و ذلك لأنّ حلّ البيع متّفق عليه فهم أرادوا أن يقيسوا عليه الرّبا، و من حقّ القياس أن يشبه محلّ الخلاف بمحلّ الوفاق، فكان نظم الآية أن يقال إنّما الرّبا مثل البيع في الحكمة في قلب هذه القضيّة فقال إنّما البيع مثل الرّبا و الجواب أنّه لم يكن مقصود القوم أن يتمسّكوا بنظم القياس، بل كان غرضهم أنّ الرّبا و البيع متماثلان من جميع الوجوه المطلوبة فكيف يجوز تخصيص أحد المثلين بالحلّ و الثّاني بالحرمة، و على هذا التّقدير فايّهما قدّم أو أخّر جاز، هذا.
و قال الرازى و ذكروا في سبب تحريم الرّبا وجوها: أحدها الرّبا يقتضى أخذ مال الانسان من غير عوض لأنّ من يبيع الدّرهم بالدّرهمين نقدا أو نسية فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، و مال الانسان متعلّق حاجته و له حرمة عظيمة.
فان قيل: لم لا يجوز أن يكون إبقاء رأس المال في يده مدّة مديدة عوضا عن الدّرهم الزّايد، و ذلك لأنّ رأس المال لو بقى في يده هذه المدّة لكان يمكن المالك أن يتّجر فيه و يستفيد بسبب تلك التّجارة ربحا، فلمّا تركه في يد المديون و انتفع به المديون لم يبعد أن يدفع إلى ربّ المال ذلك الدّرهم الزّايد عوضا عن انتفاعه بماله. قلنا: إنّ هذا الانتفاع الّذي ذكرتم أمر موهوم لا ينفكّ عن نوع ضرر موهوم قد يحصل و قد لا يحصل، و اخذ الدراهم الزائدة أمر متيقّن فتفويت المتيقّن لأجل الأمر الموهوم لا ينفكّ عن نوع ضرر و ثانيها قال بعضهم: اللّه تعالى إنّما حرّم الرّبا من حيث إنّه يمنع النّاس عن الاشتغال بالمكاسب، و ذلك لأنّ صاحب الدّرهم إذا تمكّن بواسطة عقد الرّبا من تحصيل الدّرهم الزائد نقدا كان أو نسية خفّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمّل مشقّة الكسب و التّجارة و الصّناعات الشّاقة، و ذلك يفضى إلى انقطاع منافع الخلق و من المعلوم أنّ مصالح العالم لا تنتظم إلّا بالتجارات و الحرف و الصّناعات و العمارات و ثالثها قيل: السّبب في تحريم عقد الرّبا إنّه يفضى إلى انقطاع المعروف بين النّاس من القرض، لأنّ الرّبا إذا حرم طابت النّفوس بقرض الدّرهم و استرجاع مثله، و لو حلّ الرّبا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدّرهم بدرهمين، فيفضى ذلك إلى انقطاع المواساة و المعروف و الاحسان.
أقول: و هذا الوجه الأخير هو المروىّ عن الصّادق عليه السّلام قال: إنّما شدّد اللّه في تحريم الرّبا لئلّا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف قرضا و رفدا.
قال بعض العارفين: آكل الرّبا أسوء حالا من جميع مرتكبى الكبائر، فانّ كل مكتسب له توكّل ما في كسبه قليلا كان أو كثيرا كالتّاجر و الزارع و المحترف لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم و لم يتعيّن لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة كما قال رسول اللّه: أبي اللّه أن يرزق المؤمن إلّا من حيث لا يعلم، و أمّا آكل الربا فقد عيّن مكسبه و رزقه و هو محجوب عن ربّه بنفسه و عن رزقه بتعيّنه لا توكل له أصلا، فوكّله اللّه إلى نفسه و عقله و أخرجه من حفظه و كلائته فاحتفظته الجنّ و خبلته فيقوم يوم القيامة و لا رابطة بينه و بين اللّه عزّ و جلّ كساير النّاس المرتبطين به بالتّوكل، فيكون كالمصروع الّذي مسّه الشّيطان فتخبّطه لا يهتدى إلى مقصد، هذا.
و الأخبار في عقاب الرّبا كثيرة جدّا منها ما في الصّافي عن الكافي عن الصّادق عليه السّلام درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم، و زاد في الفقيه و التّهذيب مثل خالة و عمّة، و زاد القمّي في بيت اللّه الحرام، و قال: الرّبا سبعون جزء أيسره مثل أن ينكح الرّجل امّه في بيت اللّه الحرام.
و عن الفقيه و التهذيب عن أمير المؤمنين عليه السّلام لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرّبا و آكله و بايعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه.
ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما بيّن لأمير المؤمنين عليه السّلام أوصاف المفتونين فأعاد عليه السّلام السؤال و قال (فقلت يا رسول اللّه فبأىّ المنازل أنزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال بمنزلة فتنة) و ذلك لبقائهم على الاقرار بالشهادتين و ان ارتكبوا من المحارم ما ارتكبوا لشبه غطت على أعين أبصارهم، فلا يجرى عليهم في الظاهر أحكام الكفر و إن كانوا باطنا من أخبث الكفار.
تنبيهات
- الاول
قال الشارحان المعتزلي و البحراني: إنّ هذا الخبر الذي رواه أمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد رواه كثير من المحدّثين عنه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علىّ جهاد المشركين قال عليه السّلام فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الفتنة التي كتب علىّ فيها الجهاد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا اللّه، و أنّي رسول اللّه و هم مخالفون للسنّة، فقلت: يا رسول اللّه فعلى م أقاتلهم و هم يشهدون كما أشهد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: على الاحداث في الدّين و مخالفة الأمر، فقلت: يا رسول اللّه إنّك كنت وعدتنى بالشهادة فاسأل اللّه أن يعجّلها لي بين يديك، قال: فمن يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين أما أنّى وعدتك بالشهادة و ستشهد تضرب على هذا فتخضب هذه فكيف صبرك إذا فقلت يا رسول اللّه ليس ذا بموطن صبر هذا موطن شكر، قال: أجل أصبت فأعدّ للخصومة فانك مخاصم، فقلت: يا رسول اللّه لو بيّنت لي قليلا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ امّتي ستفتن من بعدى فتتأوّل القرآن، و تعمل بالرّأى، و تستحلّ الخمر بالنبيذ، و السحت بالهديّة و الرّبا بالبيع، و تحرّف الكلم عن مواضعه، و تغلب كلمة الضّلال فكن جليس بيتك حتّى تقلّدها، فاذا قلّدتها، جاشت عليك الصّدور، و قلبت لك الامور، فقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثّانية دون حالهم الاولى، فقلت: يا رسول اللّه فبأىّ المنازل انزل هؤلاء المفتونين أ بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردّة فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت يا رسول اللّه أ يدركهم العدل منّا أم من غيرنا قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بل منّا، بنا فتح اللّه و بنا يختم، و بنا ألّف اللّه بين القلوب بعد الشّرك، فقلت: الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله.
بيان
قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كن جليس بيتك هكذا في نسخة الشّارح المعتزلي فعيل بمعنى فاعل أى كن من يجالس بيتك، و في نسخة البحراني حلس بيتك بالحاء المهملة وزان حبر قال في مجمع البحرين: في الخبر كونوا أحلاس بيوتكم، الحلس بالكسر كساء يوضع على ظهر البعير تحت البرذعة، و هذا هو الأصل، و المعنى الزموا بيوتكم لزوم الاحلاس و لا تخرجوا منها فتقعوا في الفتنة، و الضّمير في تقلّدها و قلّدتها على البناء للمفعول فيهما راجع إلى الخلافة، و التّقليد مأخوذ من عقد القلادة على الاستعارة و تقليدهم اطاعتهم و ترك الفساد، و جاش القدر بالهمز و غيره غلا، و قلبت لك الامور أى دبّروا أنواع المكائد و الحيل.
الثاني
قال الشّارح المعتزلي: في قوله عليه السّلام: بل بمنزلة فتنة، تصديق لمذهبنا في أهل البغى و أنّهم لم يدخلوا في الكفر بالكلّية، بل هم فسّاق، و الفاسق عندنا في منزلة بين المنزلتين خرج من الايمان و لم يدخل في الكفر، انتهى.
اقول: قد علمت تحقيق الكلام في حكم البغاة و الخوارج في شرح
الخطبة الثّالثة و الثّلاثين و ظهر لك هناك أنّهم محكومون بكفرهم باطنا و إن يجرى عليهم في الظّاهر أحكام الاسلام، و لقد ظفرت حيثما بلغ بنا الشّرح إلى هذا المقام على تحقيق أنيق للعلّامة المجلسي قدّس سرّه العزيز في هذا المرام، فأحببت أن أورده هنا لكونه معاضدا لما قدّمنا، فأقول: قال قدّس اللّه روحه في المجلّد الثّامن من البحار في باب حكم من حارب أمير المؤمنين عليه الصّلاة و السّلام:
تذييل في أحكام البغاة
اعلم أنّه قد اختلف في أحكام البغاة في مقامين:
الاول في كفرهم
فذهب أصحابنا إلى كفرهم قال المحقّق الطّوسي رحمة اللّه عليه في التجريد: محاربوا عليّ عليه السّلام كفرة، و مخالفوه فسقة.
أقول: و لعلّ مراده إنّ مخالفيه في الحرب و الذين لم ينصروه فسقة كما يؤمى إليه بعض كلماته فيما بعد.
و ذهب الشّافعي إلى أنّ الباغي ليس باسم ذمّ، بل هو اسم من اجتهد فأخطأ بمنزلة من خالف الفقهاء في بعض المسائل.
و قال شارح المقاصد: و المخالفون لعليّ عليه السّلام بغاة، لخروجهم على امام الحقّ بشبهة من ترك القصاص من قتلة عثمان، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار رضي اللّه عنه تقتلك الفئة الباغية، و قد قتل يوم صفّين على يد أهل الشّام، و لقول عليّ عليه الصّلاة و السّلام: إخواننا بغوا علينا و ليسوا كفّارا و لا فسقة و ظلمة، لمالهم من التأويل و إن كان باطلا، فغاية الأمر أنّهم أخطئوا في الاجتهاد، و ذلك لا يوجب التّفسيق فضلا عن التّكفير.
و ذهبت المعتزلة إلى أنّه اسم ذمّ و يسمّونهم فسّاقا.
و الدّلائل على ما ذهب إليه أصحابنا أكثر من أن تحصى، و قد مضت الأخبار الدّالة عليه و سيأتي في أبواب حبّ أمير المؤمنين و إمّام المتّقين عليّ بن أبي طالب عليه صلوات اللّه الملك الغالب و بغضه عليه الصّلاة و السّلام و أبواب مناقبه و ايرادها هنا يوجب التّكرار، فبعضها صريح في كفر مبغض أهل بيت العصمة و الطّهارة عليهم الصّلاة و السّلام، و لا ريب في أنّ الباغي مبغض، و بعضها يدلّ على كفر من أنكر إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصّلاة و السّلام، و بعضها على أنّ الجاحد له من أهل النّار، و بعضها يدلّ على كفر من لم يعرف امام زمانه، و ذلك ممّا اتّفقت عليه كلمة الفريقين، و البغى لا يجامع في الغالب معرفة الامام، و لو فرض باغ على الامام لأمر دنيويّ من غير بغض و لا انكار لامامته فهو كافر أيضا، لعدم القائل بالفرق.
ثمّ إنّ الظّاهر«» أنّ قوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
لا يتعلّق بقتال البغاة بالمعنى المعروف، لما عرفت من كفرهم، و إطلاق المؤمن عليهم باعتبار ما كانوا عليه بعيد، و ظاهر الآية التّالية و هى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
بقاء المذكورين في الآية السّابقة على الايمان، و لعلّه السّرّ في خلوّ أكثر الأخبار عن الاحتجاج بهذه الآية في هذا المقام، فتكون الآية مسوقة لبيان حكم طائفتين من المؤمنين تعدّت و بغت احداهما على الاخرى لأمر دنيويّ أو غيرها ممّا لا يؤدّى إلى الكفر.
الثاني فيما اغتنمه المسلمون من أموال البغاة
فذهب بعض الأصحاب إلى أنّه لا يقسم أموالهم مطلقا، و ذهب بعضهم إلى قسمة ما حواه العسكر دون غيره من أموالهم و تمسّك الفريقان بسيرته عليه السّلام في أهل البصرة.
قال الأوّلون: لو جاز الاغتنام لم يردّ عليه السّلام عليهم أموالهم و قد روى أنّه عليه السّلام نادى من وجد ماله فله أخذه فكان الرّجل منهم يمرّ بمسلم يطبخ في قدر فيسأله أن يصبر حتّى ينضج فلا يصبر فيكفاها و يأخذها، و أنّه عليه السّلام كان يعطى من القوم من له بيّنه و من لم يكن له بيّنه فيحلفه و يعطيه.
و قال الآخرون لو لا جوازه لما قسم عليه السّلام أموالهم أوّلا بين المقاتلة و قد كان ردّها عليهم بعد ذلك على سبيل المنّ لا الاستحقاق كما منّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كثير من المشركين، و قد رووا عنه عليه السّلام أنّه قال: مننت على أهل البصرة كما منّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أهل مكّة، و لذا ذهب بعض أصحابنا على جواز استرقاقهم كما جاز للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أهل مكّة، و المشهور عدمه.
و الّذي نفهم من الأخبار أنّهم واقعا في حكم المشركين و غنايمهم و سبيهم في حكم غنايم المشركين و سبيهم، و القائم عليه السّلام يجرى عليهم تلك الأحكام، و لمّا علم أمير المؤمنين عليه السّلام استيلاء المخالفين على شيعته لم يجر هذه الأحكام عليهم لئلّا يجروها على شيعته، و كذا الحكم بطهارتهم و جواز مناكحتهم و حلّ ذبيحتهم لاضطرار معاشرة الشّيعة معهم في دولة المخالفين.
و يدلّ عليه ما رواه الكلينيّ باسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لسيرة علىّ يوم البصرة كانت خيرا للشّيعة ممّا طلعت عليه الشّمس لأنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته، قلت فأخبرني عن القائم أ يسير بسيرته عليه السّلام قال: لا إنّ عليّا سار فيهم بالمنّ، للعلم من دولتهم، و إنّ القائم عليه السّلام يسير فيهم بخلاف تلك السّيرة، لأنّه لا دولة لهم.
و أمّا ما لم يحوها العسكر من أموالهم فنقلوا الاجماع على عدم جواز تملّكها، و كذلك ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الامام عليه السّلام و إنّما الخلاف فيما حواه العسكر مع إصرارهم، و أمّا مدبرهم و جريحهم و أسيرهم فذو الفئة منهم يتبع و يجهز عليه و يقتل، بخلاف غيره، و قد مضت الأخبار في ذلك و ستأتي في باب سيرته عليه السّلام في حروبه.
تكملة
قال الشّيخ قدّس اللّه روحه في تلخيص الشّافي عندنا أنّ من حارب أمير المؤمنين و ضرب وجهه و وجه أصحابه بالسّيف كافر، و الدّليل المعتمد في ذلك إجماع الفرقة المحقّة الاماميّة على ذلك، فانّهم لا يختلفون في هذه المسألة على حال من الأحوال و تدلّلنا على أنّ إجماعهم حجّة فيما تقدّم، و أيضا فنحن نعلم أنّ من حاربه عليه السّلام كان منكرا لامامته و دافعا لها، و دفع الامامة كفر كما أنّ دفع النّبوّة كفر، لأنّ الجهل بهما على حدّ واحد.
و قد روى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من مات و هو لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة، و ميتة الجاهليّة لا تكون إلّا على كفر.
و أيضا روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: حربك يا عليّ حربي و سلمك يا عليّ سلمي، و معلوم أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما أراد أحكام حربك تماثل أحكام حربي، و لم يرد أنّ إحدى الحربين هى الاخرى، لأنّ المعلوم ضرورة خلاف ذلك و ان كان حرب النّبي كفرا أوجب مثل ذلك في حرب أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّه جعله مثل حربه.
و يدلّ على ذلك أيضا قوله صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و نحن نعلم أنّه لا يجب عداوة أحد بالاطلاق إلّا عداوة الكفّار.
و أيضا فنحن نعلم أنّ من كان يقاتله يستحلّ دمه و يتقرّب إلى اللّه بذلك، و استحلال دم مؤمن مسلم كفر بالاجماع، و هو أعظم من استحلال جرعة من الخمر الّذي هو كفر بالاتّفاق.
فان قيل: لو كانوا كفّارا لوجب أن يسير فيهم بسيرة الكفّار، فيتبع مولّيهم و يجهز على جريحهم، و يسبى ذراريهم، فلمّا لم يفعل ذلك دلّ على أنّهم لم يكونوا كفّارا.
قلنا: لا يجب بالتّساوي في الكفر التّساوى في جميع أحكامه، لأنّ أحكام الكفر مختلفة، فحكم الحربي خلاف حكم الذّمي، و حكم أهل الكتاب خلاف حكم من لا كتاب له من عباد الأصنام، فانّ أهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية و يقرّون على أديانهم، و لا يفعل ذلك بعبّاد الأصنام، و عند من خالفنا من الفقهاء يجوز التّزوّج بأهل الذّمة و إن لم يجز ذلك في غيرهم، و حكم المرتدّ بخلاف حكم الجميع، و إذا كان أحكام الكفر مختلفة مع الاتّفاق في كونه كفرا لا يمتنع أن يكون من حاربه كافرا و إن سار فيهم بخلاف أحكام الكفّار.
و أمّا المعتزلة و كثير من المنصفين من غيرهم فيقولون بفسق من حاربه و نكث بيعته و مرق عن طاعته، و إنّما يدعون أنّهم تابوا بعد ذلك، و يرجعون في اثبات توبتهم إلى امور غير مقطوع بها و لا معلومة من أخبار الآحاد، و المعصية معلومة مقطوع عليها، و ليس يجوز الرّجوع عن المعلوم إلّا بمعلوم مثله.
|