و من كلام له عليه السّلام
و هو المأة و الثالث و الستون من المختار فى باب الخطب و قد رواه في شرح المعتزلي عن أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبرى مثل ما أورده السّيد هنا مع إضافات تطّلع عليه، و قد تكلّم بذلك الكلام لمّا اجتمع النّاس عليه و شكوا ممّا نقموه على عثمان، و سألوه مخاطبته عنهم و استعتابه لهم، فدخل عليه السّلام عليه فقال: إنّ النّاس ورائي و قد استسفروني بينك و بينهم، و و اللّه ما أدري ما أقول لك، ما أعرف شيئا تجهله، و لا أدلّك على أمر لا تعرفه، إنّك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شي ء فنخبرك عنه، و لا خلونا فنبلّغكه، و قد رأيت كما رأينا، و سمعت كما سمعنا و صحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما صحبنا، و ما ابن أبي قحافة و لا ابن الخطّاب أولى بعمل الحقّ منك، و أنت أقرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وشيجة رحم منهما، و قد نلت من صهره ما لم ينالا، فاللّه اللّه في نفسك فإنّك و اللّه ما تبصّر من عمى، و لا تعلّم من جهل، و إنّ الطّرق لواضحة، و إنّ أعلام الدّين لقائمة، فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدي و هدى، فأقام سنّة معلومة، و أمات بدعة مجهولة، و إنّ السّنن لنيّرة لها أعلام، و إنّ البدع لظاهرة لها أعلام، و إنّ شرّ النّاس عند اللّه إمام جائر ضلّ و ضلّ به، فأمات سنّة مأخوذة و أحيى بدعة متروكة. و إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يؤتى يوم القيمة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرّحى ثمّ يرتبط في قعرها. و إنّى أنشدك أن تكون إمام هذه الامّة المقتول فإنه كان يقال: يقتل في هذه الامّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيمة و يلبّس أمورها عليها و يبثّ الفتن فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل، يموجون فيها موجا، و يمرجون فيها مرجا، فلا تكوننّ لمروان سيّقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السّنّ و تقضّى العمر. فقال له عثمان: كلّم النّاس في أن يؤجّلوني حتّى أخرج إليهم من مظالمهم، فقال عليه السّلام: ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه.
اللغة
(نقمت) عليه أمره و نقمت منه نقما من باب ضرب و نقوما و من باب تعب لغة إذا عتبته و كرهته أشدّ الكراهة لسوء فعله و (الاستعتاب) طلب العتبى و هو الرّضا و الرّجوع و (الوشيجة) عرق الشّجرة و الواشجة الرّحم المشتبكة و قد وشجت بك قرابة فلان، و الاسم الوشيج كما عن الصّحاح و (يرتبط) أى يشدّ و عن بعض النسخ يرتبك بدلها أى ينشب و (يلبّس) امورها من التلبيس و في بعض النّسخ تلبس أمورها من اللّبس بالضمّ و هو الاشكال و (مرج) أمره اختلط و اضطرب و منه الهرج و المرج و (السيّقة) بتشديد الياء المكسورة ما استاقه العدوّ من الدّوابّ و (جلّ) يجلّ جلالة و جلالا أسنّ.
الاعراب
الواو في قوله: و أنت أقرب، للحال و تحتمل العطف، و الجملة في معنى التّعليل لسابقه كما هو ظاهر، و وشيجة رحم منسوب على التّميز، و اللّه اللّه منصوبان على التحذير، و جملة يموجون فيها اه تأكيد معنوىّ لسابقتها و لذلك ترك العاطف و الفاء في قوله: فلا تكوننّ، فصيحة.
المعنى
اعلم أنّه قد تقدّم في شرح الفصل الرّابع من الخطبة الثالثة و التّذييل الثّاني من شرح الكلام الثّالث و الأربعين أنّ عثمان أحدث في الدّين أحداثا، و أبدع بدعا، و استعمل الفسّاق و أرباب الظلم على الأمصار، و تقدّم في شرح الكلام الثّلاثين أنّه لمّا شاع الظلم و الفساد منه و من عمّاله في المدينة و ساير البلاد أوجب ذلك إجلاب النّاس عليه و تحريض بعضهم بعضا على خلعه من الخلافة و قتله و أقول هنا: إنّه لمّا تكاثرت أحداثه و تكاثر طمع الناس فيه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة و غيرهم إلى من بالافاق إنكم كنتم تريدون الجهاد فهلمّوا إلينا فانّ دين محمّد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه، فاختلف إليه القلوب وجاء المصريّون و غيرهم إلى المدينة فاجتمعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و كلّموه و سألوه أن يكلّم عثمان. و (لما اجتمع الناس اليه و شكوا ممّا نقموه) و كرهوه (على عثمان و سألوا) منه عليه السّلام (مخاطبته عنهم و استعتابه لهم) أى أن يطلب لهم منه الرّجوع إلى الحقّ و الارتداع عن أحداثه و الاقلاع عن بدعه، استجاب عليه السّلام مسئلتهم (فدخل عليه) و كلّمه بما أورده السيد (ره) في الكتاب.
و قد رواه عنه عليه السّلام أيضا محمّد بن جرير الطبري في تاريخه الكبير كما في شرح المعتزلي قال: إنّ نفرا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تكاتبوا فكتب بعضهم إلى بعض أن اقدموا فانّ الجهاد بالمدينة لا بالرّوم، فاستطال الناس على عثمان و نالوا منه في سنة أربع و ثلاثين و لم يكن أحد من الصحابة يذبّ عنه و لا ينهى إلّا نفر منهم زيد بن ثابت و أبو أسيد الساعدي و كعب بن مالك و حسّان بن ثابت، فاجتمع الناس فكلّموا عليّ بن أبي طالب و سألوه أن يكلّم عثمان فدخل عليه (فقال عليه السّلام) له: (إنّ الناس ورائى و قد استسفروني) أي اتّخذوني سفيرا (بينك و بينهم و و اللّه ما أدرى ما أقول لك) و بأىّ لسان أتكلّم معك يؤثّر فيك (ما أعرف شيئا تجهله و لا أدلّك على أمر لا تعرفه) يعني أنّ قبايح هذه الأعمال و فضايح تلك البدعات ليست بحيث تختفى على أحد، بل هى واضحة للصبيان غنيّة عن التنبيه و البيان.
و هذا هو مراده أيضا بقوله (إنك لتعلم ما نعلم) أى تعلم من شناعة تلك الأحداث خاصّة ما نعلمه، و ليس المراد بيان وفور علمه و أنه يعلم كلّما يعلمه عليه السّلام كما توهّمه البحراني حيث قال: و حاصل الكلام استعتابه باللّين من القول فأثبت له منزلته من العلم أى بأحكام الشريعة و السنن المتداولة بينهم في زمان الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و الظهور على كلّ ما ظهر عليه من مرئيّ و مسموع.
(و ما سبقناك إلى شي ء فنخبرك عنه و لا خلونا بشي ء فنبلّغكه) يعني أنك قد أدركت من صحبة الرّسول ما أدركناه، و عرفت من سيره و سلوكه و سياساته المدنيّة ما عرفناه، لم نكن منفردين بذلك، و لم تكن غايبا عن شي ء منه حتى نبلّغكه و ندلّك عليه. «ج 2» و أكّد ذلك بقوله (و قد رأيت كما رأينا و سمعت كما سمعنا و صحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما صحبنا) ثمّ خرج إلى ذكر الشيخين تهييجا له و الهابا فقال (و ما) أبو بكر (ابن أبي قحافة و لا) عمر (ابن الخطاب بأولى بعمل الخير) و في بعض النسخ بعمل الحقّ (منك و) ذلك لأنك (أنت أقرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وشيجة رحم منهما) أى من حيث النسب فأنت أولى بالتأسّى به من غيره و الأخذ بسنّته صلّى اللّه عليه و آله و سيرته.
و إنّما جعله أقرب نسبا لاشتراكه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الجدّ الأدنى أعني عبد مناف، فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو ابن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، و عثمان هو ابن عفّان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف.
و أمّا هما فيشتركان معه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الجدّ الأعلى أعني كعب بن لوى، فانّ عبد مناف هو ابن قصىّ بن كلاب بن مرّة بن كعب، و أبا بكر بن أبي قحافة: عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب، و عمر بن الخطّاب: ابن نفيل ابن عبد العزى بن رياح بن عبد اللّه بن قرط بن زراح بن عدىّ بن كعب، هذا.
و لا يخفى عليك أنّ تشريك الثلاثة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في النسب إنّما هو بحسب الظاهر و من باب المماشاة و جريا بما هو المعروف عند الناس، و إلّا فقد علمت في شرح الفصل الثاني من الخطبة الثّالثة الطعن في نسب عمر، و في شرح الكلام السادس و السبعين الطّعن في نسب عثمان و ساير بني اميّة فتذكّر.
ثمّ أثبت له القرب بالمصاهرة فقال (و قد نلت من صهره صلّى اللّه عليه و آله ما لم ينالا) لأنّه قد تزوّج رقيّة بنت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعد موتها عقد على بنته الاخرى أمّ كلثوم، و لذلك لقّب عند العامة بذى النورين، و أمّا عند أصحابنا فظلمه في حقهما مشهور و الأخبار بذلك عن طريق أهل البيت مأثور.
قال المحدّث الجزائري: إنّ طوايف العامّة و الخاصّة رووا أنّ عثمان قد ضرب رقية زوجته ضربا مبرحا أي مؤلما حتى أثرت السياط في بدنها على غير جناية تستحقّها و لما أتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شاكية تكلّم عليها، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يليق بالمرأة أن تشكو من زوجها و أمرها بالرّجوع إلى منزله، ثمّ كرّر عليه الضرب فأتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ ردّها، ثمّ ضربها الضرب الذي كان السبب في موتها فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّا أن يخرجها من منزل عثمان فأتى بها إلى بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ماتت فيه.
ثمّ حذّره عليه السّلام من اللّه سبحانه و خوّفه من عقابه فقال (فاللّه اللّه في) شأن (نفسك فانك و اللّه ما تبصّر من عمى و لا تعلّم من جهل) أى لا تحتاج إلى التبصرة و التعليم (و) الحال (أنّ الطرق) أى طرق الشرع المبين (لواضحة و أنّ أعلام الدّين لقائمة) و الاتيان بالجملات مؤكّدة بانّ و اللّام و غيرهما لعدم جرى المخاطب بمقتضى علمه.
و لذلك شدّد التأكيد بالتنبيه على فضل الامام العادل على الامام الجائر تنفيرا له عن الجور و ترغيبا إلى العدل فقال (فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه إمام عادل هدي) بنور الحقّ (و هدى) غيره كما قال سبحانه: «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان: هم الأئمة صلوات اللّه عليهم (فأقام سنّة معلومة) بالتصديق على حقّيتها و القيام بوظايفها (و أمات بدعة مجهولة) بالتنبيه على بطلانها و الارتداع عنها (و أنّ السنن) النبويّة و الشرائع المصطفويّة (لنيّرة لها أعلام) و منار (و أنّ البدع) المستحدثة (لظاهرة لها أعلام) و آثار لا يخفى ما في حسن التعبير و الخطابة بالنيّرة في السنّن و بالظاهرة في البدع.
(و انّ شرّ الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ) في نفسه (و ضلّ) غيره (به) كما قال تعالى: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ» قال الصادق عليه السّلام في رواية معلّى بن خنيس: هو من يتّخذ دينه برأيه بغير هدى إمام من أئمة الهدى (فأمات سنّة ماخوذة) و سعى فى إطفاء نور الحقّ (و أحيا بدعة متروكة) و جدّ في ترويج الباطل، هذا.
و تقسيم الامام على القسمين أعني الامام العادل و الامام الجائر قد ورد في الكتاب العزيز و غير واحد من الأخبار.
مثل ما رواه في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم باسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال: الأئمة في كتاب اللّه إمامان: إمام عدل و إمام جور، قال اللّه: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا، لا بأمر الناس يقدّمون أمر اللّه قبل أمرهم و حكم اللّه قبل حكمهم، و قال و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه و حكمهم قبل حكم اللّه و يأخذون بأهوائهم خلافا لما في كتاب اللّه.
و فيه من بصاير الدّرجات مسندا عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يصلح الناس إلا إمام عادل و إمام فاجر إنّ اللّه عزّ و جلّ قال: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا، و قال: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ.
ثمّ إنّه شدّد التنفير عن الجور بالتّنبيه على عقوبة الامام الجائر بما رواه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال (و إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر و ليس معه نصير) ينجيه من نار الجحيم (و لا عاذر) يدفع عنه العذاب الأليم (فيلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرّحى ثمّ يرتبط) و يشدّ (في قعرها) فلا يكون له مخلص و لا منجاة عنها.
ثمّ حذّره عن القتل بما لاح له عليه السّلام من الأسباب المؤدّية إليه فقال: (و انّي انشدك اللّه) أى أسئلك و أقسم عليك (أن تكون إمام هذه الامّة المقتول) أراد الامام الدّاعى إلى النّار (فانّه كان يقال) الظّاهر أنّ القائل هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أبهم لاقتضاء المصلحة (يقتل في هذه الامّة إمام يفتح عليها) أى على هذه الامّة (باب القتل و القتال إلى يوم القيامة) بقتله (و يلبّس امورها عليها) أى يدلّس ذلك الامام و يلبّس امور الأمة عليهم و يوقعهم في اللّبس و الاشكال (و يبثّ الفتن) و ينشرها (فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل يموجون فيها) أى في تلك الفتن (موجا و يمرجون) أى يختلطون و يضطربون (فيها مرجا).
أقول: و قد وقع مصداق هذا الخبر الذي رواه أمير المؤمنين عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على طبق ما رواه، فانّ عثمان لما ولّي و أوطأ رقاب الناس بنى أبي معيط و بني امية و ولّاهم على البلاد انتشر الهرج و المرج و الفساد، و تظاهر الفتن، و انجذم حبل الدّين، و تزعزع سوارى اليقين، و خمل الهدى، و شمل العمى، و ضاق المصدر و عمي المخرج، حتّى اشتدّ الظلم و المحن و البلوى، و بلغ الغاية القصوى كما قال عزّ من قائل «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ».
«» إلى أن انتكث على عثمان فتله، و اجهز عليه عمله، و كبت به بطنته، و قتل شرّ قتلة، فكان قتله عنوان خطبه 164 نهج البلاغها للناكثين و القاسطين و المارقين، و انفتح على الأمة باب القتل و القتال و التخاصم و الجدال إلى أن قام ابن أبي سفيان و آل حرب حزب الشيطان بالخلافة، و استقلّ بالإمارة، فمنحه الدّنيا درّها، و أوردته صفوها، فتمادى في الظلم و الطغيان، و لم يدع للّه محرّما إلّا استحله، و لا عقدا إلا حلّه، حتّى لم يبق بيت مدر و لا وبر إلّا دخله ظلمه، و نبا به سوء رعيه، فقتل من المهاجر و الأنصار و ساير المسلمين مأئة ألف أو يزيدون، و حذا حذوه ابنه اللعين، فقتل بالطفّ سبط سيد المرسلين و أنصاره المظلومين، و تبعهم ساير بني امية و بني مروان «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ».
«» ثمّ إنه لما محض النصح لعثمان و أراه وجه الصواب و السداد و دلّه على نهج الحقّ و الرّشاد و حذّره من القتل، و كان مروان بن الحكم اللّعين طريد رسول ربّ العالمين أقوى الأسباب الباعثة لنكيه عن طريق الحقّ إلى الباطل و الضلال، و لايقاعه في المعاطب و المهالك. لا جرم نهاه عن اتّباعه و الرّجوع إليه و الأخذ برأيه و قال (فلا تكوننّ سيّقة لمروان يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ) و كبره (و تقضّى العمر) و فنائه.
(فقال له عثمان كلّم الناس في أن يؤجّلوني) أى يمهلوني (حتّى أخرج اليهم من مظالمهم) و أردّ ظلامتهم (فقال عليه السّلام ما كان بالمدينة فلا أجل فيه و ما غاب فأجله وصول أمرك اليه) قال الشارح المعتزلي: هذا كلام فصيح لأنّ الحاضر أيّ معنى لتأجيله و الغايب فلا عذر بعد وصول الأمر في تأخيره، لأنّ السلطان لا يؤخّر أمره.
تكملة
في الشرح بعد روايته عن محمّد بن جرير الطبري في تاريخه تمام هذه المخاطبة بين أمير المؤمنين عليه السّلام و بين عثمان حسبما أشرت إليه و أنهاها إلى آخرها قال: فقال عثمان: و قد علمت أنك لتقولنّ ما قلت أما و اللّه لو كنت مكانى ما عنّفتك و لا عبت عليك و لم آت منكرا إنّما وصلت رحما و سددت خلّة و أويت ضايعا و ولّيت شبيها بمن كان عمر يولّيه، انشدك اللّه يا عليّ ألا تعلم أنّ مغيرة بن شعبة ليس هناك قال: بلى، قال: أفلا تعلم أنّ عمر ولّاه قال: بلى، قال: فلم تلومنى إن ولّيت ابن عامر في رحمه و قرابته.
فقال عليّ عليه السّلام إنّ عمر كان يطاء على صماخ من يولّيه ثمّ يبلغ منه إن أنكر منه أمرا أقصى العقوبة و أنت فلا تفعل ضعفت و رقبت على أقربائك.
قال عثمان: أ فلا تعلم أنّ عمر ولّى معاوية فقد ولّيته.
قال عليّ عليه السّلام انشدك اللّه أ لا تعلم أنّ معاوية كان أخوف لعمر من يرفاء غلامه له قال: بلى، قال فانّ معاوية يقطع الامور دونك و يقول للنّاس هذا بأمر عثمان و أنت تعلم ذلك فلا تغيّر عليه.
ثمّ قام عليّ عليه السّلام فخرج عثمان على اثره فجلس على المنبر فخطب النّاس و قال: أمّا بعد فانّ لكلّ شي ء آفة و لكلّ أمر عاهة، و إنّ آفة هذه الأمّة و عاهة هذه النّعمة عيّابون طعّانون يرونكم ما تحبّون و يسرّون عنكم ما تكرهون، يقولون لكم و تقولون أمثال النّعام يتبع أوّل ناعق، احبّ مواردها اليها البعيد لا يشربون إلّا نغصا و لا يردون. الّا عكرا أما و اللّه لقد عبتم على ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، و لكنه وطئكم برجله و ضربكم بيده و قمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم و كرهتم و لنت لكم و أوطاتكم كتفى و كففت يدي و لساني عنكم فاجترأتم عليّ، أم و اللّه لأنا أقرب ناصر و أعزّ نفرا و أكثر عددا و أحرى إن قلت هلمّ أن يجاب صوتي، و لقد أعددت لكم أقرانا، و كثرت لكم عن نابي، و اخرجتم مني خلقا لم اكن احسنه و منطقا لم اكن انطق، فكفّوا عنّى ألسنتكم و طعنكم و عيبكم على ولاتكم، فما الذي تفقدون من حقكم و اللّه ما قصرت شيئا عن بلوغ من كان قبلى، و ما وجدتكم تختلفون عليه، فما بالكم.
فقام مروان بن الحكم فقال: و إن شئتم حكّمنا بيننا و بينكم السيف.
فقال عثمان: اسكت دعنى و أصحابي ما منطقك في هذا، ألم أتقدّم اليك أن لا تنطق فسكت و نزل عثمان، هذا.
و فى الشرح أيضا عن الطبري في شرح الكلام الثلاثين قال: و كان عثمان قد استشار نصحائه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى عليّ عليه السّلام يطلب إليه أن يردّ الناس و يعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتّى يأتيه الأمداد فقال إنهم لا يقبلون التعليل و قد كان منّى في المرّة الاولى ما كان، فقال مروان: أعطهم ما سألوك و طاولهم ما طاولوك فانّهم قوم قد بغوا عليك و لا عهد لهم.
فدعا عليا و قال له قد ترى ما كان من الناس و لست آمنهم على دمي فارددهم فاني أعطيتهم ما يريدون من الحقّ من نفسي و من غيرى.
فقال عليّ عليه السّلام: إنّ الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك و انهم لا يرضون إلّا بالرّضا و قد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به فلا تغرر في هذه المرّة فانّى معطيهم عنك الحقّ.
قال: أعطهم فو اللّه لأفينّ لهم.
فخرج عليّ عليه السّلام إلى الناس فقال: انكم إنّما تطلبون الحقّ و قد أعطيتموه و انّه منصفكم من نفسه.
فسأله الناس أن يستوثق لهم و قالوا: إنا لا نرضى بقول دون فعل.
فدخل عليه السّلام إليه فأعلمه. فقال: اضرب بيني و بين الناس أجلا فاني لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد.
فقال عليّ عليه السّلام أمّا ما كان بالمدينة فلا أجل فيه و أما ما غاب فأجله وصول أمرك إليه.
قال: نعم فأجّلني فيما بالمدينة ثلاثة أيّام.
فأجابه إلى ذلك و كتب بينه و بين الناس كتابا على ردّ كلّ مظلمة و عزل كلّ عامل كرهوه فكفّ الناس عنه.
و جعل يتأهّب سرّا للقتال و يستند بالسلاح و الجند جدّا، فلمّا مضت الأيام الثلاثة و لم يغيّر شيئا ثار به الناس و خرج قوم إلى من بذي خشب من المصريّين فأعلموهم الحال فقدموا المدينة و تكاثر الناس عليه و طلبوا منه عزل عماله و ردّ مظالمهم، فكان جوابه لهم: إني إن كنت أستعمل من تريدون لا من اريد فلست إذا في شي ء من الخلافة و الأمر أمركم فقالوا لتفعلنّ أو لتخلعنّ أو لنقتلنك، فأبى عليهم و قال: لا أنزع سربالا سربلنيه اللّه، فحصروه و ضيّقوا الحصار و أدّى الأمر إلى قتله، على ما مرّ منّا في شرح الكلام الثلاثين.
|