الفصل الثاني منها فى صفة الجنة
فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها، لعزفت نفسك من بدايع ما أخرج إلى الدّنيا من شهواتها و لذّاتها، و زخارف مناظرها و لذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار غيّبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها، في تعليق كبائس اللّؤلؤ الرّطب في عساليجها و أفنانها، و طلوع تلك الثّمار مختلفة في غلف أكمامها، تجنى من غير تكلّف فتأتي على منية مجتنيها، و يطاف على نزّالها في أفنية قصورها بالأعسال المصّفقة، و الخمور المروّقة، قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتّى حلوّا دار القرار، و أمنوا نقلة الأسفار، فلو شغلت قلبك أيّها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة، لزهقت نفسك شوقا إليها، و لتحمّلت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا بها، جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن سعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته. قال السيد (ره): قوله «كبائس اللّؤلؤ الرّطب» الكباسة العذق «و العساليج» الغصون واحدها عسلوج. «ج 4»
اللغة
(عزفت) بالعين المهملة و الزّاء المعجمة أى زهدت و انصرفت و (اصطفاق) الأشجار اضطرابها من الصّفق و هو الضّرب يسمع له صوت يقال: صفق يده على يده صفقة أى ضربها عليها، و ذلك عند وجوب البيع، و في بعض النسخ اصطفاف أشجار أى انتظامها صفّا، و في بعضها اصطفاف أغصان بدل أشجار.
و (الكباسة) العذق التام بشماريخه و رطبه و (الاكمام) كالأكمة و الكمام جمع كم و كمامة بالكسر فيهما و هو وعاء الطّلع و غطاء النّور و (فناء) البيت ما اتّسع من أمامه و الجمع أفنية و (التّصفيق) تحويل الشّراب من إناء إلى إناء ممزوجا ليصفو و (الرّواق) الصّافي من الماء و غيره و المعجب و (النّقلة) بالضمّ الانتقال.
الاعراب
قوله: رميت ببصر قلبك، الباء زايدة، و في تعليق، عطف على قوله في اصطفاق أشجار، و جملة تجنى منصوبة المحلّ حال من الثّمار، و قوم، خبر محذوف المبتدأ و جملة جعلنا اللّه، دعائيّة لا محلّ لها من الاعراب، و قوله: برحمته، متعلّق بقوله جعلنا أو بقوله: سعى.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة حسبما ذكره الرضيّ وارد في صفة الجنّة دار النّعيم و الرّحمة قال عليه السّلام (فلو رميت ببصر قلبك) أى نظرت بعين بصيرتك (نحو ما يوصف لك منها) أى إلى جهة ما وصف اللّه لك و رسوله في الكتاب و السنّة من نعيم الجنّة و ما أعدّ اللّه فيها لأوليائه المؤمنين (لعزفت نفسك) و اعرضت (عن بدايع ما أخرج إلى الدّنيا من شهواتها و لذّاتها و زخارف مناظرها) و لم تجد لشي ء منها وقعا عندها (و لذهلت) مغمورة (بالفكر في) عظيم ما اعدّ في دار الخلد من (اصطفاق أشجار) و اهتزازها بريح (غيّبت عروقها في كثبان المسك) أى في تلال من المسك بدل الرّمل (على سواحل أنهارها) و لذهلت بالفكر (في تعليق كبائس اللّؤلؤ الرّطب في عساليجها و أفنانها) أى فروعها و اغصانها.
(و) في (طلوع تلك الثمار) و ظهورها (مختلفة في غلف أكمامها) يجوز أن يراد باختلاف الثمار اختلافها باعتبار اختلاف الأشجار بأن يحمل كلّ نوع من الشّجر نوعا من الثمر كما في أشجار الدّنيا فيكون ذكر الاختلاف اشارة إلى عدم انحصار ثمر الجنّة بنوع أو نوعين، و أن يراد به اختلافها مع وحدة الشّجرة، فذكر الاختلاف للدّلالة على عظيم قدرة المبدأ سبحانه.
و يدلّ على الاحتمال الأوّل ما في البحار من تفسير الامام عليه السّلام في قوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ قال عليه السّلام: هي شجرة تميّزت بين ساير أشجار الجنّة إنّ ساير أشجار الجنّة كان كلّ نوع منها يحمل نوعا من الثمار و المأكول و كانت هذه الشّجرة و جنسها تحمل البرّ و العنب و التين و العنّاب و ساير أنواع الفواكه و الثمار و الأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون بذكر الشجرة فقال بعضهم: هى برّة و قال آخرون: هي عنبة، و قال آخرون: هى عنّابة.
و على الثاني ما في الصّافي من العيون باسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهروي قال: قلت للرّضا عليه السّلام يا ابن رسول اللّه أخبرني عن الشّجرة الّتى نهي منها آدم و حوّاء ما كانت فقد اختلف النّاس فيها، فمنهم من يروي أنّها الحنطة، و منهم من يروى أنّها العنب، و منهم من يروى أنّها شجرة الحسد، فقال عليه السّلام: كلّ ذلك حقّ، قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها فقال عليه السّلام: يا أبا الصلت إنّ شجرة الجنّة تحمل أنواعا، و كانت شجرة الحنطة، و فيها عنب ليست كشجرة الدّنيا فافهم.
(تجنى من غير تكلّف فتأتى على منية مجتنيها) حسبما تشتهيه نفسه لا يترك له منية أصلا كما قال سبحانه وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا قال عليّ بن إبراهيم القمّي: قال: دليت عليهم ثمارها ينالها القائم و القاعد.
و في الصافي من الكافي عن النبيّ وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار و هو متّكى ء. و قال تعالى أيضا وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ قال في مجمع البيان: الجنى الثمر المجنىّ أى تدنو الثمرة حتّى يجنيها ولىّ اللّه إن شاء قائما و إن شاء قاعدا عن ابن عباس، و قيل أثمار الجنّتين دانية إلى أفواه أربابها، فيتناولونها متّكئين، فاذا اضطجعوا نزلت بازاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين، لا يردّ أيديهم عنها بعد و لا شوك عن مجاهد.
(و يطاف على نزّالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفقة) المصفاة (و الخمور المروّقة) المتّصفة بالصفاء.
كما أخبر به سبحانه في كتابه العزيز بقوله «وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً، وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا، عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا».
و قوله «يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» أى يطوف عليهم ولدان مخلّدون بكأس من خمر معين ظاهر للعيون جارية في أنهار ظاهرة، و قيل شديدة الجرى، و وصفها بكونها بيضاء لأنها في نهاية الرقّة و الصفاء و اللّطافة النورية الّتي بها لذيذة للشاربين ليس فيها ما يعترى خمر الدّنيا من المرارة و الكراهة، لا فيها غول أى لا يغتال عقولهم فيذهب بها، و لا يصيبهم منها وجع في البطن و لا في الرّأس و يقال للوجع غول لأنّه يؤدّى إلى الهلاك، و لا هم عنها ينزفون من نزف الرّجل فهو منزوف و نزيف إذا ذهب عقله بالسكر.
و لما وصف نعيم الجنة و ما منّ اللّه بها على نازليها أشار إلى نزّالها فقال عليه السّلام (قوم) أى هم قوم (لم تزل الكرامة تتمادى بهم) أى متمادية بهم ممتدّة لهم متوسّعة في حقّهم (حتّى حلّوا) و نزلوا (دار القرار و أمنوا نقلة الأسفار) أى من انتقالها.
و هو كناية عن خلاصهم عن مكاره عوالم الموت و البرزخ و القيامة و شدايدها و أهوالها روى في البحار من معاني الأخبار عن ابن عباس أنه قال: دار السلام الجنّة و أهلها.
لهم السلامة من جميع الافات و العاهات و الأمراض و الأسقام، و لهم السلامة من الهرم و الموت و تغيّر الأحوال عليهم، و هم المكرّمون الّذين لا يهانون أبدا، و هم الأعزّاء الّذين لا يذلّون أبدا، و هم الأغنياء الّذين لا يفقرون أبدا، و هم السعداء الّذين لا يشقون أبدا، و هم الفرحون المسرورون الّذين لا يغتمّون و لا يهتمون أبدا، و هم الأحياء الّذين لا يموتون أبدا فمنهم من في قصور الدرّ و المرجان أبوابها مشرعة إلى عرش الرّحمان، و الملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار.
ثمّ أخذ في تحضيض المخاطبين و تشويقهم إلى طلب الجنّة و القصد اليها بقوله (فلو شغلت قلبك أيّها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك) أى يدخل عليك على غفلة منك (من تلك المناظر المونقة) المعجبة (لزهقت نفسك) أى بطلت و هو كناية عن الموت (شوقا إليها) و حرصا عليها (و لتحملت) و ارتحلت (من مجلسى هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا بها) أى بتلك المناظر المونقة.
و محصّل المراد أنك لو تفكّرت في درجات الجنان و ما أعدّ اللّه سبحانه فيها لأوليائه المقرّبين، و عباده الصالحين من جميع ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين لمتّ من فرط الشوق و الشعف و لازعجت بكلّيتك عن الدّنيا، و ساكنت المقابر و جاورت أهل القبور انتظارا للموت الممدّ اليها.
ثمّ دعا عليه السّلام له و لهم بقوله (جعلنا اللّه و إيّاكم ممن سعى إلى منازل الأبرار) و مساكن الأخيار (برحمته) و منّته إنّه وليّ الاحسان و الكرم و الامتنان.
تبصرة
آيات الكتاب العزيز و الاخبار المتضمّنتان لوصف الجنة و التشويق إليها فوق حدّ الاحصاء و لنورد بعض الاخبار المتضمّنة له و المشتملة على مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و بعض فضايل شيعته لعدم خلوّه عن مناسبة المقام فأقول: روى الشارح المعتزلي عن الزمخشري في ربيع الأبرار قال: و مذهبه في الاعتزال و نصرة أصحابنا معلوم و كذا في انحرافه عن الشيعة و تسخيفه لمقالاتهم إنّ رسول اللّه قال: لما اسري بي أخذني جبرئيل فأقعدني على درنوك من درانيك الجنة ثمّ ناولني سفرجلة فبينما أنا أقلبها انقلقت فخرجت منها جارية لم أر أحسن منها فسلّمت فقلت من أنت قال أنا الرّاضية المرضيّة خلقني الجبّار من ثلاثة أصناف أعلاي من عنبر و أوسطي من كافور و أسفلي من مسك ثمّ عجنني بماء الحيوان و قال لي كوني فكنت خلقنى لأخيك و ابن عمّك عليّ بن أبي طالب.
أقول و رواه في غاية المرام من كتاب مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام لموفق بن أحمد أخطب خوارزم مثله، و عن عيون الأخبار للصّدوق نحوه و من أمالي الصّدوق بتفاوت يسير و زيادة قليلة.
و روى في البحار من كشف الغمّة عن موفّق بن أحمد الخوارزمي أيضا بسنده عن بكر بن أحمد عن محمّد بن عليّ عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام عن أبيها و عمّها الحسن بن عليّ عليهما السّلام قالا أخبرنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما أدخلت الجنّة رأيت الشجرة تحمل الحليّ و الحلل أسفلها خيل بلق، و أوسطها حور العين، و في أعلاها الرّضوان قلت يا جبرئيل لمن هذه الشجرة قال هذه لابن عمّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إذا أمر اللّه الخليقة بالدّخول إلى الجنة يؤتى بشيعة عليّ عليه السّلام حتّى ينتهى بهم إلى هذه الشجرة، فيلبسون الحليّ و الحلل، و يركبون الخيل البلق و ينادى مناد: هؤلاء شيعة عليّ صبروا في الدّنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم.
و في البحار من تفسير فرات بن إبراهيم عن الحسين بن سعيد معنعنا عن ابن عبّاس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ في الجنّة لشجرة يقال لها طوبى ما في الجنّة دار إلّا فيها غصن من أغصانها أحلى من الشّهد و ألين من الزّبد أصلها في داري و فرعها في دار عليّ بن أبي طالب.
و فيه منه أيضا عن إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم الفارسي معنعنا عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عن آبائه عليهم السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما اسرى بي إلى السّماء فصرت في سماء الدّنيا حتّى صرت في السماء السّادسة فاذا أنا بشجرة لم أر شجرة أحسن منها فقلت لجبرئيل يا حبيبي ما هذه الشجرة قال هذه طوبى يا حبيبي، قال: قلت:
ما هذا الصوت العالى الجهوري قال: هذا صوت طوبى قلت: أىّ شي ء يقول قال: يقول وا شوقاه إليك يا عليّ بن أبي طالب.
و فيه منه أيضا عن الحسين بن القاسم و الحسين بن محمّد بن مصعب و عليّ بن حمدون و زاد بعضهم الحرف و الحرفين و نقص بعضهم الحرف و الحرفين و المعنى واحد إنشاء اللّه.
قالوا حدّثنا عيسى بن مهران معنعنا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال لمّا نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ» قام مقداد بن الأسود الكندي إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال يا رسول اللّه و ما طوبى قال يا مقداد شجرة في الجنّة لو يسير الرّاكب الجواد لسار في ظلّها مأئة عام قبل أن يقطعها، ورقها و قشورها برد خضر و زهرها رياش صفر، و أفنانها سندس و استبرق و ثمرها حلل خضر، و طعمها زنجبيل و عسل و بطحائها ياقوت أحمر و زمرّد أخضر و ترابها مسك و عنبر و حشيشها منيع و النجوج«» يتأجّج من غير وقود، و يتفجّر من أصلها السلسبيل و الرّحيق و المعين و ظلّها مجلس من مجالس شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يألفونه و يتحدّثون بجمعهم و بيناهم في ظلّها يتحدّثون إذ جائتهم الملائكة يقودون نجباء جبلت من الياقوت ثمّ نفخ الروح فيها مزمومة بسلاسل من ذهب كأنّ وجوهها المصابيح نضارة و حسنا و بزّها حزّ أحمر و مزعزى«» أبيض مختلطتان لم ينظر الناظرون إلى مثله حسنا و بهاء و ذلّل من غير مهلة نجباء من غير رياضة عليها رحال ألواحها من الدّر و الياقوت المفضّضة باللّؤلؤ و المرجان صفايحها من الذهب الأحمر ملبّسة بالعبقريّ و الارجوان فأناخوا تلك النجائب إليهم.
ثمّ قالوا لهم: ربّكم يقرئكم السلام و يريكم و ينظر إليكم و يحبّكم و تحبّونه و يزيدكم من فضله و رحمته فانّه ذو رحمة واسعة و فضل عظيم فيتحوّل كلّ رجل منهم على راحلته فينطلقون صفا واحدا معتدلا و لا يمرّون بشجرة من أشجار الجنّة إلّا أتحفتهم بثمارها و رحلت لهم عن طريقهم كراهية أن يثلم بطريقتهم و أن يفرّق بين الرّجل و رفيقه.
فلما وقعوا إلى الجبّار جلّ جلاله قالوا ربّنا أنت السلام و لك يحقّ الجلال و الاكرام فيقول اللّه تعالى مرحبا بعبادى الّذين حفظوا وصيّتي في أهل بيت نبيّي و رعوا حقّي و خافوني بالغيب و كانوا منّي على كلّ حال مشفقين قالوا و عزّتك و جلالك ما قدرناك حق قدرك، و ما أدّينا لك كلّ حقك فأذن لنا بالسجود قال لهم ربهم إنى وضعت عنكم مؤنة العبادة و أرحت عليكم أبدانكم و طال ما نصبتم لي الأبدان، و عنتّم الوجوه فالان أفضيتم إلى روحي و رحمتي فاسئلوني ما شئتم، و تمنّوا عليّ اعطكم أمانيكم فاني لن اجزيكم اليوم بأعمالكم و لكن برحمتي و كرامتي و طولي و ارتفاع مكاني و عظيم شأني و لحبكم بأهل بيت نبيّي.
فلا يزال يرفع أقدار محبّي عليّ بن أبي طالب في العطايا و المواهب حتى انّ المقصر من شيعته ليتمنّى في امنيته مثل جميع الدّنيا منذ خلقها اللّه إلى يوم فنائها فيقول لهم ربّهم لقد قصرتم في أمانيكم و رضيتم بدون ما يحقّ لكم فانظروا إلى مواهب ربّكم.
فاذا بقباب و قصور في أعلا علّيّين من الياقوت الأحمر و الأخضر و الأصفر و الأبيض يزهو نورها فلو لا أنها مسخّرة إذا للمعت«» الأبصار منها فما من تلك القصور من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر و ما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر و ما كان منها من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض و ما كان فيها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالرياش الأصفر«» مبثوثة مطرّزة بالزمرّد الأخضر، و الفضّة البيضاء و الذّهب الأحمر، قواعدها و أركانها من الجوهر يثور من أبوابها و أعراصها نور، شعاع الشمس عندها مثل الكوكب الدّري في النهار المضي ء.
و إذا على باب كل قصر من تلك القصور جنّتان مُدْهامَّتانِ، فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ، و فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ. فلمّا أرادوا أن ينصرفوا إلى منازلهم ركبوا على برازين من نور بأيدي ولدان مخلّدين، بيد كلّ واحد منهم حكمة«» برزون من تلك البرازين، لجمها و أعنّتها من الفضّة البيضاء، و أثفارها من الجوهر.
فلمّا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنّؤنهم بكرامة ربّهم، حتّى إذا استقرّوا قرارهم، قيل لهم هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا قالوا نعم ربّنا رضينا فارض عنّا قال برضاى عنكم و بحبّكم أهل بيت نبيّي أحللتم داري، و صافحتم الملائكة فهنيئا هنيئا غير محذور و ليس فيه تنغيص فعندها قالوا الحمد للّه الذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور.
قال أبو موسى فحدّثت به أصحاب الحديث عن هؤلاء الثمانية فقلت لهم أنا أبرأ اليكم من عهدة هذا الحديث لأنّ فيه قوما مجهولين و لعلّهم لم يكونوا صادقين فرأيت ليلتي أو بعده كأنّه أتاني آت و معه كتاب فيه من مخول بن إبراهيم و الحسن بن الحسين، و يحيى بن الحسن بن فرات و عليّ بن القاسم الكندي، و لم ألق عليّ بن القاسم، و عدّة بعد لم أحفظ أساميهم كتبنا إليك من تحت شجرة طوبى و قد انجز لنا ربّنا ما وعدنا فاستمسك بما عند الكتب، فانك لن تقرء منها كتابا إلّا أشرقت له الجنّة.
قال السيد (ره) بعد إيراد الخطبة بتمامها: قوله: «كبائس اللّؤلؤ الرطب» الكباسة العذق «و العساليج» الغصون واحدها عسلوج.
|