يا أيّها النّاس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، و لم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، و لم يقو من قوي عليكم، تهتم متاه بنى إسرائيل، و لعمرى ليضعّفنّ لكم التّيه، من بعدي أضعافا خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم، و قطعتم الأدنى و وصلتم الأبعد، و اعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم، سلك بكم منهاج الرّسول صلّى اللّه عليه و آله، و كفيتم مؤنة الاعتساف، و نبذتم الثّقل الفادح عن الأعناق.
اللغة
(المتاه) مصدر ميميّ بمعنى التيه و (فدحه) الدّين أثقله.
المعنى
ثمّ عاد إلى توبيخ المخاطبين فقال: (أيّها الناس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ) أراد به نفسه لأنّ الحقّ معه و هو مع الحقّ كما ورد في صحيح الخبر (و لم تهنوا عن توهين الباطل) أراد به معاوية و أصحابه (لم يطمع فيكم) و في بلادكم (من ليس مثلكم) في البأس و القوّة (و لم يقومن قوي عليكم) و لم يشنّ الغارات على بلادكم و أصقاعكم و لكنّكم (تهتم متاه بني إسرائيل) أى تحيّرتم مثل تحيّرهم و ستعرف تيههم إنشاء اللّه بعد الفراغ من شرح الخطبة (و لعمري ليضعفنّ لكم التّيه) و الضلال (من بعدي أضعافا) و كذا كان لأنّ تيه بني إسرائيل كان أربعين سنة و تيه هؤلاء جاوز الثمانين مدّة ملك بني امية بل زاد على ستّمأة مدّة ملك بني العباس بل ممدّ إلى ظهور الدّولة القائمية بما (خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم) و نكبتم عن الصراط المستقيم (و قطعتم الأدنى) أى الأقرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نسبا و صهرا و أراد به نفسه (و وصلتم الأبعد) أراد به معاوية أو من تقدّم عليه من المتخلّفين.
ثمّ أرشدهم إلى وجه الرّشاد و السداد فقال: (و اعلموا انّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم) أراد به نفسه أو القائم عليه السّلام و في بعض النسخ الرّاعي بالراء و قد تقدّم فيما ذكرناه سابقا انّ الامام راع لرعيّته، و ظهر لك وجه المناسبة في إطلاق الرّاعي عليه (سلك بكم منهاج الرسول) أى جادّة الشريعة (و كفيتم مؤنة الاعتساف) في طرق الضلال (و نبذتم الثقل الفادح) أى الاثم و العذاب في الاخرة (عن الأعناق).
تنبيهان
الاول في قصة قوم سبأ و سيل الجنتين
قال تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ.
قال عليّ بن إبراهيم القميّ قال إنّ بحرا كان في اليمن و كان سليمان عليه السّلام أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد هند، ففعلوا ذلك و عقدوا له عقدة عظيمة من الصخر و الكلس حتّى تفيض على بلادهم، و كانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه و كانت لهم جنّتان عن يمين و شمال عن مسيرة عشرة أيّام فيها يمرّ المارّ لا تقع عليه الشمس من التفافها.
فلمّا عملوا بالمعاصي و عتوا عن أمر ربّهم و نهاهم الصالحون فلم ينتهوا، بعث اللّه على ذلك السدّ الجرذ و هي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصّخرة التي لا يستقلّها الرّجل و ترمى به فلمّا رأى ذلك قوم منهم هربوا و تركوا البلاد فما زال الجرذ تقلع الحجر حتّى خربوا ذلك السدّ فلم يشعروا حتّى غشيهم السّيل و خرب بلادهم و قلع أشجاهم.
و قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الاية ثمّ أخبر سبحانه عن قصّة سبأ بما دلّ على حسن عاقبة الشّكور و سوء عاقبة الكفور فقال- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ- المراد بسبا هنا القبيلة الّذينهم أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان- في مسكنهم- أى في بلدهم- آية- أى حجّة على وحدانيّة اللّه عزّ و جلّ و كمال قدرته و علامة على سبوغ نعمته ثمّ فسّر سبحانه الاية فقال:- جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ- أى بستانان عن يمين من أتاهما و شماله و قيل عن يمين البلد و شماله.
و قيل انّه لم يرد جنّتين اثنتين و المراد إنه كانت ديارهم على وتيرة واحدة إذ كانت البساتين عن يمينهم و شمالهم متّصلة بعضها ببعض و كانت من كثرة النّعم أنّ المرأة تمشى و المكتل على رأسها فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمسّ بيدها شيئا.
و قيل الاية المذكورة هي أنّه لم يكن في قريتهم بعوضة و لا ذباب و لا برغوث و لا عقرب و لا حيّة، و كان الغريب إذا دخل بلدهم و في ثيابه قمّل و دوابّ ماتت عن ابن زيد.
و قيل انّ المراد بالاية خروج الأزهار و الثّمار من الأشجار على اختلاف ألوانها و طعومها.
و قيل: انها كانت ثلاث عشرة قرية في كلّ قرية نبيّ يدعوهم إلى اللّه سبحانه يقولون لهم كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ أى كلوا ممّا رزقكم اللّه في هذه الجنان و اشكروا له يزدكم من نعمه و استغفروه يغفر لكم بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ أى هذه بلدة مخصّبة نزهة أرضها عذبة تخرج النّبات و ليست بسبخة و ليس فيها شي ء من الهوامّ الموذية.
و قيل أراد به صحّة هواها و عذوبة مائها و سلامة تربتها و أنّه ليس فيها حرّ يؤذى في القيظ، و لا برد يؤذى في الشتاء- و ربّ غفور- أي كثير المغفرة للذّنوب- فأعرضوا- عن الحقّ و لم يشكروا اللّه سبحانه و لم يقبلوا ممّن دعاهم إلى اللّه من أنبيائه- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ- و ذلك أنّ الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن، و كان هناك جبلان يجتمع ماء المطر و السيول بينهما فسدّوا ما بين الجبلين فاذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السدّ بقدر الحاجة فكانوا يسقون زروعهم و بساتينهم فلمّا كذّبوا رسلهم و تركوا أمر اللّه بعث اللّه جرذا نقب ذلك الرّدم و فاض الماء عليهم فأغرقهم عن وهب.
و قال البيضاوي سيل العرم أى سيل الأمر العرم أى الصّعب من عرم الرجل فهو عارم و عرم إذا شرس خلقه و صعب أو المطر الشديد أو الجرذ أضاف إليه لأنّه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس، فحقنت به ماء الشجر و تركت فيه نقبا على مقدار ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سكرا على أنّه جمع عرمة و هي الحجارة المركومة.
و قيل اسم واد جاء السيل من قبله و كان ذلك بين عيسى و محمّد- وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ- اللّتين فيهما أنواع الفواكه و الخيرات- جَنَّتَيْنِ- أخراوين- فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ- مرّ بشع فانّ الخمط كلّ نبت أخذ طعما من مرارة. و قيل الاراك أو كلّ شجر له شوك- وَ أَثْلٍ وَ شَيْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ- و الأثل الطرفا، لا ثمر له، و وصف السدر بالقلّة فان جناه و هو النبق ممّا يطيب أكله و لذلك يغرس في البساطين- ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا- بكفرانهم النّعمة أو بكفرهم بالرّسل- وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ- أى البليغ في الكفران أو الكفر.
الثاني في قصة تيه بنى اسرائيل
قال تعالى حكاية عن موسى إذ قال لقومه يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ، قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ، وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ، فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ.
روى في الصّافي عن العياشي، عن الباقر عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، و القذّة بالقذّة حتّى لا تخطاؤن طريقهم، و لا تخطأكم سنّة بني إسرائيل.
ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة الّتي كتب اللّه لكم فردّوا عليه و كانوا ستّمأة ألف فقالوا يا موسى إنّ فيها قوما جبّارين الايات قال فعصى أربعون ألفا و سلم هارون و ابناه و يوشع بن نون و كالب بن يوحنّا فسمّاهم اللّه فاسقين فقال لا تأس على القوم الفاسقين فتاهوا أربعين سنة لأنّهم عصوا فكانوا حذو النعل بالنعل أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما قبض لم يكن على أمر اللّه إلّا عليّ و الحسن و الحسين و سلمان و المقداد و أبو ذر فمكثوا أربعين حتّى قام عليّ فقاتل من خالفه. و قال الطبرسي و غيره في تفسير الاية ما ملخّصه: قوله حكاية عن خطاب موسى لقومه- يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ- هي بيت المقدس و العياشي عن الباقر عليه السّلام يعني الشام- الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ- أن تكون مسكنا- وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ- أى لا ترجعوا عن الأرض التي امرتم بدخولها- مدبرين فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ- عن ثواب الدارين- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ- شديد البطش و البأس لا يتأتّى لنا مقاومتهم.
قال ابن عباس بلغ من جبريّة هؤلاء القوم أنّه لمّا بعث موسى من قومه اثنى عشر نقيبا ليخبروه خبرهم أهمّ رجل من الجبارين يقال له عوج فأخذهم في كمّه مع فاكهة كلّها كان يحملها من بستانه و أتى بهم الملك فنثرهم بين يديه و قال للملك تعجّبا منهم هؤلاء يريدون قتالنا فقال الملك ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا.
قال و كان فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود منها خمسة رجال بالخشب، و يدخل في قشر نصف رمانة خمسة رجال- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها- هما يوشع بن نون و كالب بن يوحنا ابن عمّه كذا عن الباقر عليه السّلام- مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ- اللّه و يتّقونه- أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا- بالايمان و التثبت- ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ- باب قريتهم- قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ- لتعسر الكم عليهم في المضايق من عظم أجسامهم و لأنهم أجسام لا قلوب فيها- وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا- في نصرته على الجبارين- وَ إِذا قِيلَ- به و مصدّقين لوعده.
- قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ- قالوها استهانة باللّه و رسوله و عدم مبالاة بهما- قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي- لأنه يجيبني إذا دعوته- قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ- لا يدخلونها و لا يملكونها بسبب عصيانهم- أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ- يسيرون فيها متحيّرين- فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ- لأنّهم أحقّاء بذلك لفسقهم. قال الطبرسيّ قال المفسرون لما عبر موسى عليه السّلام و بنو إسرائيل البحر و هلك فرعون أمرهم اللّه سبحانه بدخول الأرض المقدّسة فلما نزلوا على نهر الاردن خافوا عن الدخول فبعث من كلّ سبط رجلا و هم الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي فعاينوا من عظم شأنهم و قوّتهم شيئا عجيبا فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى بذلك فأمرهم أن يكتموا فوفى اثنان منهم يوشع بن نون من سبط ابن يامين و قيل انه كان من سبط يوسف عليه السّلام و كالب بن يوحنا من سبط يهودا و عصى العشرة و اخبروا بذلك.
و قيل كتم الخمسة منهم و أظهر الباقون و فشا الخبر في الناس فقالوا إن دخلنا عليهم تكون نسائنا و أهالينا اغنمة لهم، و هموا بالانصراف إلى مصر و هموا بيوشع و كالب و أرادوا أن يرجموهما بالحجارة فاغتاظ لذلك موسى و قال قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ فأوحى اللّه إليه إنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة و إنما يخرج منهم من لم يعص اللّه في ذلك فبقوا في التيه أربعين سنة في ستة عشر فرسخا و قيل تسع فراسخ و هم ستمائة ألف مقاتل لا تتخرّق ثيابهم و تثبت معهم و ينزل عليهم المنّ و السلوى.
و قال الطبرسي في تفسير قوله وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى : و كان السبب في إنزال المنّ و السلوى عليهم أنه لما ابتلاهم اللّه بالتيه إذ قالوا لموسى قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما حين أمرهم بالمسير إلى بيت المقدس و حرب العمالقة فوقعوا في التيه صاروا كلّما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستّة فكلّما أصبحوا صاروا عادين فأمسوا فاذاهم في مكانهم الذي ارتحلوا منه كذلك حتّى تمّت المدّة و بقوا في التيه أربعين سنة.
و في الصافي عن العياشي عن الصادق عليه السّلام قال فحرّم اللّه عليهم- أى دخول الأرض المقدّسة- أربعين سنة و تيههم فكان إذا كان العشاء و أخذوا في الرّحيل نادوا الرّحيل الرّحيل الوحا الوحا، فلم يزالوا كذلك حتّى تغيب الشمس حتّى إذا ارتحلوا و استوت بهم الأرض قال اللّه تعالى للأرض ديرى بهم، فلم يزالوا كذلك حتّى إذا سحروا، و قارب الصبح قالوا إنّ هذا الماء قد أتيتموه فانزلوا فاذ اتيههم و منازلهم الّتي كانوا فيها بالأمس، فيقول بعضهم لبعض يا قوم لقد ضللتم و أخطأتم الطريق فلم يزالوا كذلك حتى أذن لهم فدخلوها.
و في الكافي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ موسى كليم اللّه مات في التيه فصاح صائح في السماء مات موسى و أىّ نفس لا تموت.
قال الطبرسي فلمّا حصلوا في التّيه ندموا على ما فعلوا فألطف اللّه لهم بالغمام لمّا شكوا حرّ الشمس و أنزل عليهم المنّ و السلوى فكان يسقط عليهم المنّ من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس فكانوا يأخذون منها ما يكفيه ليومهم و كان اللّه تعالى يبعث لهم السّحاب بالنّهار فيدفع عنهم حرّ الشمس و كان ينزل عليهم باللّيل من السّماء عمودا من نور يضي ء لهم مكان السّراج و إذا ولد فيهم مولود كان عليه ثوب بطوله كالجلد و يأتي إنشاء اللّه تفصيل المنّ و السلوى في شرح الخطبة المأة و الحادية و التسعين.
قال الشّارح عفى اللّه عنه ليكن هذا آخر هذا المجلّد و هو المجلّد الرّابع من مجلّدات منهاج البراعة، في شرح نهج البلاغة و قد طال بنا شرح ما تضمّنه هذا المجلّد حتّى بلغت مدّة الاشتغال به ضعفى مدّة الاشتغال بساير المجلّدات لابتلائي بأمور تشيب الوليد، و تذيب الحديد، و تعجز الجليد، و برزايا لم يكد يشاهد مثلها على صفايح الأيّام أو يثبت على الصّحايف بالمخابر و الأقلام بل قلّما أن يؤثر نظيرها عن الامم الماضية أو ينقل قرينها عن القرون الخالية و أعظم تلك المصائب الحسد و الأذى من أقارب كالعقارب، و اجلابهم علىّ كتيبة و كتائب.
- رمانى الدّهر بالارزاء حتّىفؤادي في غشاء من نبال
- فصرت إذا أصابتني سهام تكسّرت النّصال على النّصال
إلى اللّه أشكو من دهر إذا أساء أصرّ على إسائته، و إذا أحسن ندم من ساعته، و من معشر جلّ بضاعتهم الأود و العناد، و كلّ صناعتهم اللّدد و الفساد، و من اللّه أسأل دفع كيد الخائنين و اصلاح نفوس الحاسدين، و انقطاع ألسن المعاندين و أسئله التوفيق لشرح المجلّدات الاتية بجاه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و عترته الطّاهرة و قد منّ اللّه علىّ بالفراغ من هذا المجلّد بعد الأياس لتفرّق الحواس صبيحة يوم الاثنين و هو الرّابع و العشرون من شهر جمادى الاخرة من شهور ثلاث عشرة و ثلاثمأة و ألف سنة من الهجرة النبويّة على مهاجرها ألف صلاة و سلام و تحيّة و الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على محمّد و آله الأطيبين. هذا هو المجلد الخامس من مجلدات منهاج البراعة فى شرح نهج البلاغة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي سلك بنا نهج البلاغة للاهتداء إلى مناهج البيان، و ألهمنا منهاج البراعة للارتقاء إلى معارج المعان، و الصّلوة و السّلام على دوحة النّبوّة الّتي طابت فرعا و أصلا، و وشيجة الرّسالة الّتى سمت رفعة و نبلا، عين السّيادة و الفخار، و خدين الشّرف الّذي أظهر الخيلاء في مضر و نزار، محمّد المختار من سلالة عدنان، و أحمد المستأثر بمكرمات الفرقان، و آله الموصوفين بالعصمة و الطّهارة، و المهتوفين بالحكمة و الفخارة، و الموسومين بالخلافة و الإمامة، و المرسومين بالشّرافة و الكرامة، لا سيّما ابن عمّه و أخيه المنتجب و وزيره و وصيّه المنتخب، الحائز قصب السّبق في مضمار العزّ و الشّرف، و البارع على الأقران في السّؤدد فما له عنه منصرف، المخصوص بإمارة المؤمنين، و المنصوص بالإمامة من عند ربّ العالمين، على رغم كلّ ناصب جاحد، و عمى عين كلّ منافق معاند.
- يا آل طه الأكرمين أليّةبكم و ما دهري يمين فجار
- إنّي منحتكم المودّة راجيانيلى المنى في الخمسة الأشبار
- فعليكم منّي السّلام فأنتمأقصى رجاى و منتهى ايثاري
|