250 وَ كَانَ ع يَقُولُ: أَحْلِفُوا الظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ- بِأَنَّهُ بَرِي ءٌ مِنْ حَوْلِ اللَّهِ وَ قُوَّتِهِ- فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ- وَ إِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ- لِأَنَّهُ قَدْ وَحَّدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى
ما جرى بين يحيى بن عبد الله و بين ابن المصعب عند الرشيد
روى أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني- في كتاب مقاتل الطالبيين- أن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع- لما أمنه الرشيد بعد خروجه بالديلم- و صار إليه بالغ في إكرامه و بره- فسعى به بعد مدة عبد الله بن مصعب الزبيري- إلى الرشيد و كان يبغضه- و قال له إنه قد عاد يدعو إلى نفسه سرا- و حسن له نقض أمانه- فأحضره و جمع بينه و بين عبد الله بن مصعب- ليناظره فيما قذفه به و رفعه عليه- فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد- و ادعى عليه الحركة في الخروج و شق العصا- فقال يحيى يا أمير المؤمنين- أ تصدق هذا علي و تستنصحه- و هو ابن عبد الله بن الزبير- الذي أدخل أباك عبد الله و ولده الشعب- و أضرم عليهم النار حتى خلصه أبو عبد الله الجدلي- صاحب علي بن أبي طالب ع منه عنوة- و هو الذي ترك الصلاة على رسول الله ص- و أربعين جمعة في خطبته- فلما التاث عليه الناس قال- إن له أهيل سوء إذا صليت عليه أو ذكرته- أتلعوا أعناقهم و اشرأبوا لذكره- فأكره أن أسرهم أو أقر أعينهم- و هو الذي كان يشتم أباك- و يلصق به العيوب حتى ورم كبده- و لقد ذبحت بقرة يوما لأبيك- فوجدت كبدها سوداء قد نقبت- فقال علي ابنه أ ما ترى كبد هذه البقرة يا أبت- فقال يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك- ثم نفاه إلى الطائف- فلما حضرته الوفاة قال لابنه علي- يا بني إذا مت فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام- و لا تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة- فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد الله بن الزبير- و و الله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعا بمنزلة سواء- و لكنه قوي علي بك و ضعف عنك- فتقرب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد- إذا لم يقدر على مثله منك- و ما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في- فإن معاوية بن أبي سفيان و هو أبعد نسبا منك إلينا- ذكر الحسن بن علي يوما فسبه- فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك- فزجره و انتهره فقال إنما ساعدتك يا أمير المؤمنين- فقال إن الحسن لحمي آكله و لا أوكله- و مع هذا فهو الخارج مع أخي محمد- على أبيك المنصور أبي جعفر- و القائل لأخي في قصيدة طويلة أولها-
إن الحمامة يوم الشعب من وثن هاجت فؤاد محب دائم الحزن
- يحرض أخي فيها على الوثوب و النهوض إلى الخلافة- و يمدحه و يقول له-
لا عز ركنا نزار عند سطوتها إن أسلمتك و لا ركنا ذوي يمن
أ لست أكرمهم عودا إذا انتسبوا
يوما و أطهرهم ثوبا من الدرن
و أعظم الناس عند الناس منزلة و أبعد الناس من عيب و من وهن
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها
إن الخلافة فيكم يا بني حسن
إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا بعد التدابر و البغضاء و الإحن
حتى يثاب على الإحسان محسننا
و يأمن الخائف المأخوذ بالدمن
و تنقضي دولة أحكام قادتها فينا كأحكام قوم عابدي وثن
فطالما قد بروا بالجور أعظمنا
بري الصناع قداح النبع بالسفن
- . فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر- و تغيظ على ابن مصعب- فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو- و بأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له و أنه لسديف- فقال يحيى و الله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره- و ما حلفت كاذبا و لا صادقا بالله قبل هذا- و إن الله عز و جل إذا مجده العبد في يمينه فقال- و الله الطالب الغالب الرحمن الرحيم- استحيا أن يعاقبه- فدعني أن أحلفه بيمين- ما حلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل- قال فحلفه قال قل برئت من حول الله و قوته- و اعتصمت بحولي و قوتي- و تقلدت الحول و القوة من دون الله- استكبارا على الله و استعلاء عليه و استغناء عنه- إن كنت قلت هذا الشعر- فامتنع عبد الله من الحلف بذلك- فغضب الرشيد و قال للفضل بن الربيع- يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقا- هذا طيلساني علي و هذه ثيابي- لو حلفني بهذه اليمين أنها لي لحلفت- فوكز الفضل عبد الله برجله و كان له فيه هوى- و قال له احلف ويحك- فجعل يحلف بهذه اليمين- و وجهه متغير و هو يرعد- فضرب يحيى بين كتفيه و قال- يا ابن مصعب قطعت عمرك لا تفلح بعدها أبدا- . قالوا فما برح من موضعه- حتى عرض له أعراض الجذام- استدارت عيناه و تفقأ وجهه- و قام إلى بيته فتقطع و تشقق لحمه و انتثر شعره- و مات بعد ثلاثة أيام- و حضر الفضل بن الربيع جنازته- فلما جعل في القبر- انخسف اللحد به حتى خرجت منه غبرة شديدة- و جعل الفضل يقول التراب التراب- فطرح التراب و هو يهوي- فلم يستطيعوا سده حتى سقف بخشب و طم عليه- فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل- أ رأيت يا عباسي- ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 19 ، صفحه ى 91-94)
|