330- و قال عليه السّلام: أربع عشر كلمة:
مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ- وَ مَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ- وَ مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ- وَ مَنْ كَابَدَ الْأُمُورَ عَطِبَ- وَ مَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ- وَ مَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ- وَ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ- وَ مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ- وَ مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ- وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ- وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ- وَ مَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا- ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ- وَ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ- رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ- وَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ- قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ
أحدها: من نظر في عيب نفسه اشتغل عن غيب غيره.
لأنّه إنّما يذكر عيب الغير غالبا في معرض الافتخار عليه بالبراءة من ذلك العيب فإذا نظر إلى مثله من نفسه شغله اعتبار ذلك النقصان فيها عن الاشتغال بنقصان غيره و النظر فيه.
الثانية: و من رضى برزق اللّه لم يحزن على ما فاته.
و ذلك أنّ الحزن على ما فات مستلزم لعدم القناعة و الرضى بالحاصل من الرزق فعدم ذلك اللازم مستلزم لعدم ملزومه و هو الحزن على الفائت.
الثالثة: و من سلّ سيف البغى قتل به.
و هو كناية عن الظلم، و ظاهر أنّ الظلم سبب لهلاك الظالم. و قد سبق بيانه مرارا.
الرابعة: و من كابد الامور عطب
أى من قاساها بنفسه استعدّ بها للهلاك.
الخامسة: و من اقتحم اللجج غرق.
و استعار لفظ اللجج للامور العظام كالحروب و تدبير الدول، و لفظ الغرق للهلاك.
السادسة: و من دخل مداخل السوءاتّهم.
لأنّها مظنّة التهمة و دخولها من الأمارات الموجبة للظنّ كمعاشرة الفسّاق و نحوه.
السابعة: و من كثر كلامه كثر خطأه.
لأنّه قد مرّ أنّ كمال العقل مستلزم لقلّة الكلام فيكون كثرة الكلام مستلزما لنقصان العقل المستلزم لكثرة الخطأ و القول من غير تروّ و تثبّت.
الثامنة: و من كثر خطأه قلّ حياؤه
لأنّك علمت أنّ الحياء هو أن يحسّن الارتداع عن الامور الّتي يقبح تعاطيها و الإقدام عليها لملاحظته ما ينتج من ارتكابها من قبح الاحدوثة. و الإقدام على الخطأ بكثرة الكلام ينافي الارتداع عن تلك الامور و هو من جملتها.
التاسعة: و من قلّ حياؤه قلّ ورعه.
لأنّ الورع هو لزوم الأعمال الجميلة و الوقوف على حدودها دون الرذائل. و الحياء منها. فقلّة الحياء مستلزم لقلّة الورع. و ربّما فسرّ الورع بالوقوف عن المحارم، و ظاهر أنّ قلّة الحياء أيضا مظنّة للإقدام على المحارم فكانت مظنّة لقلّة الورع فأقام الشي ء مقام مظنّة الشي ء و حكم به.
العاشرة: و من قلّ ورعه مات قلبه
أى لمّا كانت الفضيلة هى حياة القلب استعار لعدمها أو قلّتها فيه لفظ الموت باعتبار عدم انتفاعه بها كخروج الميّت عن الانتفاع بالحياة.
الحادية عشر: و من مات قلبه دخل النار.
لأنّ المزحزح له عنها إلى الجنّة هو استكماله بالفضيلة فإذا فقدها فالنار موعده، و الكلام في صورة قياس مفصول نتيجته أنّ من كثر كلامه دخل النار. و هو تنفير عن كثرة الكلام.
الثانية عشر: و من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثمّ رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه.
و وجه الحمق أنّ كونه منكرا لها من غيره يستلزم كون الرأى الحقّ أن لا يفعلها، و رضاه بها لنفسه مخالفة للرأي الحقّ له و خروج عن المصلحة لنفسه و ذلك حمق و نقصان ظاهر في العقل. و الألف و اللام في الحمق يفيد حصره في المشار إليه، و لذلك أكّده بعينه.
الثالثة عشر: و من أكثر من ذكر الموت رضى من الدنيا باليسير.
لأنّ الغرض من طلب الكثير منها الاستمتاع و الالتذاذ به و ذكر الموت كاسر لذلك الالتذاذ و مبغّض له.
الرابعة عشر: و من علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه.
و ذلك أنّ العالم بذلك يرتّب قياسا هكذا: الكلام عمل، و الأعمال موأخذ على ما لا يعنى منها. فينتج أنّ الكلام مؤاخذ على ما لا يعنى منه. و ذلك موجب للاقتصار على ما يعنى منه.
( . شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج 5، ص 412 - 414)
|