61: الشَّفِيعُ جَنَاحُ الطَّالِبِ
جاء في الحديث مرفوعا اشفعوا إلي تؤجروا- و يقضي الله على لسان نبيه ما شاء
- . و قال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما عفا عنه- إن أعظم يدا عندك من عفوي عنك- أني لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين- . و من كلام قابوس بن وشمكير بزند الشفيع تورى نار النجاح- و من كف المفيض ينتظر فوز القداح- . قال المبرد أتاني رجل يستشفع بي في حاجة- فأنشدني لنفسه-
إني قصدتك لا أدلى بمعرفة و لا بقربى و لكن قد فشت نعمك
فبت حيران مكروبا يؤرقني
ذل الغريب و يغشيني الكرى كرمك
و لو هممت بغير العرف ما علقت به يداك و لا انقادت له شيمك
ما زلت أنكب حتى زلزلت قدمي
فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك
- . قال فشفعت له و قمت بأمره- حتى بلغت له ما أحب- . بزرجمهر- من لم يستغن بنفسه عن شفيعه و وسائله- وهت قوى أسبابه- و كان إلى الحرمان أقرب منه إلى بلوغ المراد- و مثله من لم يرغب أوداؤه في اجتنابه- لم يحظ بمدح شفعائه- و مثله إذا زرت الملوك- فإن حسبي شفيعا عندهم أن يعرفوني- . كلم الأحنف مصعب بن الزبير في قوم حبسهم- فقال أصلح الله الأمير- إن كان هؤلاء حبسوا في باطل فالحق يخرجهم- و إن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم- فأمر بإخراجهم- . آخر-
إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة فلا خير في ود يكون بشافع
- . خرج العطاء في أيام المنصور- و أقام الشقراني من ولد شقران مولى رسول الله ص ببابه- أياما لا يصل إليه عطاؤه- فخرج جعفر بن محمد من عند المنصور فقام الشقراني إليه- فذكر له حاجته فرحب به- ثم دخل ثانيا إلى المنصور- و خرج و عطاء الشقراني في كمه فصبه في كمه ثم
قال يا شقران إن الحسن من كل أحد حسن- و إنه منك أحسن لمكانك منا- و إن القبيح من كل أحد قبيح و هو منك أقبح لمكانك منا
- فاستحسن الناس ما قاله- و ذلك لأن الشقراني كان صاحب شراب- قالوا فانظر كيف أحسن السعي في استنجاز طلبته- و كيف رحب به و أكرمه مع معرفته بحاله- و كيف وعظه و نهاه عن المنكر على وجه التعريض- قال الزمخشري و ما هو إلا من أخلاق الأنبياء- . كتب سعيد بن حميد شفاعة لرجل- كتابي هذا كتاب معتن بمن كتب له- واثق بمن كتب إليه- و لن يضيع حامله بين الثقة و العناية إن شاء الله- . أبو الطيب
إذا عرضت حاج إليه فنفسه إلى نفسه فيها شفيع مشفع
محمد بن جعفر و المنصور
كان المنصور معجبا- بمحادثة محمد بن جعفر بن عبيد الله بن العباس- و كان الناس لعظم قدره عند المنصور يفزعون إليه- في الشفاعات و قضاء الحاجات- فثقل ذلك على المنصور فحجبه مدة ثم تتبعته نفسه- فحادث الربيع فيه- و قال إنه لا صبر لي عنه لكني قد ذكرت شفاعاته- فقال الربيع أنا أشترط ألا يعود- فكلمه الربيع فقال نعم- فمكث أياما لا يشفع- ثم وقف له قوم من قريش و غيرهم برقاع- و هو يريد دار المنصور فسألوه أن يأخذ رقاعهم- فقص عليهم القصة فضرعوا إليه و سألوه- فقال أما إذ أبيتم قبول العذر فإني لا أقبضها منكم- و لكن هلموا فاجعلوها في كمي- فقذفوها في كمه و دخل على المنصور- و هو في الخضراء يشرف على مدينة السلام- و ما حولها بين البساتين و الضياع- فقال له أ ما ترى إلى حسنها- قال بلى يا أمير المؤمنين فبارك الله لك فيما آتاك- و هنأك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك- فما بنت العرب في دولة الإسلام- و لا العجم في سالف الأيام- أحصن و لا أحسن من مدينتك- و لكن سمجتها في عيني خصلة- قال ما هي قال ليس لي فيها ضيعة- فضحك و قال نحسنها في عينك- ثلاث ضياع قد أقطعتكها- فقال أنت و الله يا أمير المؤمنين شريف الموارد- كريم المصادر فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه- و جعلت الرقاع تبدر من كميه- في أثناء كلامه و خطابه للمنصور- و هو يلتفت إليها و يقول ارجعن خاسئات- ثم يعود إلى حديثه فقال المنصور ما هذه بحقي عليك- أ لا أعلمتني خبرها فأعلمه فضحك فقال- أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرما- ثم تمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله- بن جعفر بن أبي طالب-
لسنا و إن أحسابنا كملت يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا
تبني و نفعل مثل ما فعلوا
- . ثم أخذها و تصفحها و وقع فيها كلها بما طلب أصحابها- . قال محمد بن جعفر- فخرجت من عنده و قد ربحت و أربحت.
قال المبرد لعبد الله بن يحيى بن خاقان- أنا أشفع إليك أصلحك الله في أمر فلان- فقال له قد سمعت و أطعت و سأفعل في أمره كذا- فما كان من نقص فعلي و ما كان من زيادة فله- قال المبرد أنت أطال الله بقاءك كما قال زهير-
و جار سار معتمدا إلينا أجاءته المخافة و الرجاء
ضمنا ماله فغدا سليما
علينا نقصه و له النماء
- . و قال دعبل-
و إن امرأ أسدى إلي بشافع إليه و يرجو الشكر مني لأحمق
شفيعك يا شكر الحوائج إنه
يصونك عن مكروهها و هو يخلق
- . آخر-
مضى زمنى و الناس يستشفعون بي فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع
- . آخر-
و نبئت ليلى أرسلت بشفاعة إلي فهلا نفس ليلى شفيعها
أ أكرم من ليلى علي فتبتغي
به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها
- .آخر-
و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد شفيعا له عند الخليفة ينجح
- . آخر-
و إذا امرؤ أسدى إليك صنيعة من جاهه فكأنها من ماله
- . و هذا مثل قول الآخر-
و عطاء غيرك إن بذلت عناية فيه عطاؤك
- . ابن الرومي-
ينام الذي استسعاك في الأمر إنه إذا أيقظ الملهوف مثلك ناما
كفى العود منك البدء في كل موقف
و جردت للجلى فكنت حساما
فما لك تنبو في يدي عن ضريبتي و لم أرث من هز و كنت كهاما
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 204-208)
|