و منها في ذكر أصحاب الجمل: فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما تجرّ الأمة عند شرائها متوجّهين بها إلى البصرة فحبسا نسائهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهما و لغيرهما في جيش ما منهم رجل إلّا و قد أعطاني الطّاعة و سمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عاملي بها، و خزّان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها و قتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جرّه، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه إذ حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا بلسان و لا يد، دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة الّتي دخلوا بها عليهم.
اللغة
(سمح) الرّجل من باب منع سماحا و سماحة جاد و كرم.
الاعراب
في نسخة الشّارح المعتزلي: فو اللّه أن لو لم يصيبوا. قال الشّارح فأن زايدة و يجوز أن يكون مخفّفة من الثّقيلة، و جملة لحلّ لي جواب للقسم استغنى به عن جواب الشرط لقيامه مقامه كما في قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ و قولك و اللّه لو جئتني لجئتك، فاللّام جواب القسم لا جواب لو قال نجم الأئمة إذا تقدّم القسم أوّل الكلام ظاهرا أو مقدّرا و بعده كلمة الشرط سواء كانت أن أو لو أو لولا أو اسم الشرط فالأكثر و الأولى اعتبار القسم دون الشرط فيجعل الجواب للقسم، و ما في قوله دع ما أنّهم زايدة كما في قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ و مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ و مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ و قيل: إنّها نكرة و المجرور بدل منها.
المعنى
الفصل الثالث منها في ذكر أصحاب الجمل و التنبيه على ضلالهم
(فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله) أى حرمه و هو في الأصل ما لا يحلّ انتهاكه، و كنّى به هنا عن زوجته عايشة (كما تجرّ الأمة عند شرائها) أى بيعها و وجه الشبه أنّ بايع الأمة يجرّها من بلد إلى بلد و يديرها في الأسواق و يعرضها على المشترين، فكذلك هؤلاء أخرجوها و أداروها في البلدان و شهّروها في الأصقاع لينالوا بذلك إلى ما راموه (متوجّهين بها إلى البصرة فحبسا) أى طلحة و الزبير (نسائهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و هو أيضا كناية عنها و في ذلك أيضا من الدّلالة على فرط ضلالهما و خطائهما ما لا يخفى لأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله أمرها بالاحتباس في بيتها بمقتضى قوله تعالى: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى فهؤلاء مضافا إلى عدم رعايتهم لحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حمايتهم عن عرضه و مخالفتهم لأمره خالفوا أمر اللّه سبحانه و نبذوا كتابه وراء ظهورهم حيث أبرزاها (لهما و لغيرهما) من الناس (في جيش ما منهم رجل إلّا و قد أعطاني الطاعة و سمح) أى جاد (لي بالبيعة) و هذا إشارة إلى وجه ثان لضلالهم، و هو نقضهم للعهد بعد التوكيد و نكثهم للطاعة بعد البيعة.
و قوله: (طائعا غير مكره) من باب الاحتراس الّذي مرّ ذكره في ضمن المحسنات البديعية في ديباجة الشرح و الغرض إبطال توهّم كون بيعتهم على وجه الاكراه كما ادّعاه طلحة و الزبير حسبما عرّفه في شرح الكلام الثامن و غيره (فقدموا على عاملى بها) و هو عثمان بن حنيف الانصاري كان عامله يومئذ بالبصرة (و خزّان بيت مال المسلمين) و هم سبعون رجلا أو أربعمائة رجل كما في رواية أبي مخنف الاتية (و غيرهم من أهلها فقتلوا طائفة) منهم (صبرا).
قال شيخنا في الجواهر بعد قول المحقّق و يكره قتله أى الكافر صبرا لا أجد فيه خلافا لما في صحيح الحلبي عن الصّادق عليه السّلام لم يقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا صبرا غير عقبة بن ابي معيط و طعن ابن ابي خلف فمات بعد ذلك ضرورة إشعاره بمرجوحيّته الّتي لا ينافيها وقوعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المحتمل رجحانه لمقارنة أمر آخر على أنّ الحكم ممّا يتسامح في مثله. قال: و المراد بالقتل صبرا أن يقيّد يداه و رجلاه مثلا حال قتله و حينئذ فاذا اريد عدم الكراهة أطلقه و قتله و لعلّ هذا هو المراد ممّا فسّره به غير واحد بل نسبه بعض إلى المشهور من أنه الحبس للقتل.
و في القاموس: و صبر الانسان و غيره على القتل أن يحبس و يرمى حتّى يموت.
و أمّا ما قيل من أنّه التعذيب حتّى يموت أو القتل جهرا بين الناس أو التهديد بالقتل ثمّ القتل أو القتل و ينظر إليه آخر أو لا يطعم و لا يسقى حتّى يموت بالعطش و الجوع فلم أجد ما يشهد لها بل الأخير منها مناف لما سمعته من وجوب الاطعام و السقى.
و كيف كان فقد ظهر بذلك أنّ في قوله عليه السّلام فقتلوا طائفة صبرا من الدّلالة على عظم خطيئتهم ما لا يخفى لأنه إذا كان قتل الكفّار المحاربين بهذه الكيفية المخصوصة مكروها أو حراما على اختلاف تفسير الصّبر«» فكيف بالمؤمنين مضافا إلى أنّهم لم يقنعوا بذلك بل (و) قتلوا (طائفة) اخرى (غدرا) و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجي ء كلّ غادر بامام يوم القيامة مائلا شدقه حتّى يدخل النّار.
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث اصبغ بن نباته و هو يخطب على منبر الكوفة أيّها النّاس لولا كراهة الغدر لكنت من أدهى الناس الا إنّ لكلّ غدرة فجرة، و لكلّ فجرة كفرة الا و إنّ الغدر و الفجور و الخيانة في النّار هذا و سنقصّ عليك قتلهم طائفة صبرا و طائفة غدرا في ثاني التنبيهين الاتيين إنشاء اللّه.
ثمّ إنّه عليه السّلام لما أبدى العذر في قتالهم و وجوب قتلهم بثلاث كباير موبقة إحداها إخراجهم لحبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هتكهم لناموسه، و ثانيتها نكثهم البيعة بعد سماحهم للطاعة، و ثالثها قتلهم للمسلمين صبرا و غدرا أقسم بالقسم البارّ بحلّيّة قتلهم ازاحة للشبهة عمّن كان في قلبه مرض فقال: (فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلا واحدا معتمدين لقتله) أى معتمدين له (بلا جرم جرّه) أى بدون استحقاقه للقتل بجرم اجتراه (لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه) هذا الكلام بظاهره يدلّ على جواز قتل جميع الجيش بقتل واحد من المسلمين معلّلا بقوله (إذ حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا عنه بلسان و لا يد) فيستفاد منه جواز قتل من ترك النهى عن المنكر مع التمكّن من إنكاره و دفعه.
فان قلت: أ فتحكمون بجواز ذلك حسبما يدلّ عليه ذلك الكلام قلت: نعم لأنّ الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر واجبان شرعا فالتارك لهما تارك للواجب و عامل للمنكر، فيجوز للامام عليه السّلام ردعه عنه بأيّ وجه أمكن كساير من ترك الواجبات و أتى بالمحرّمات فاذا علم من أوّل الأمر أنه لا يجدي في الرّدع إلّا القتل لجاز ذلك للامام اتّفاقا و ان اختلف الأصحاب في جواز ذلك أى القتل الذي هو آخر مراتب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لغيره عليه السّلام من دون اذنه و يدلّ على ما ذكرته من أنّ في ترك إنكار المنكر إخلال بالواجب و إقدام على المنكر ما رواه الصدوق (ره) في عقاب الأعمال مسندا عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال قال عليّ عليه السّلام: أيها الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّا من غير أن تعلم العامّة، فاذا عملت الخاصّة بالمنكر جهارا فلم يغيّر ذلك العامّة استوجب الفريقان العقوبة من اللّه عزّ و جلّ.
و قال عليه السّلام: لا يحضرنّ أحدكم رجلا يضربه سلطان جائر ظلما و عدوانا و لا مقتولا و لا مظلوما إذا لم ينصره لأنّ نصرة المؤمن فريضة واجبة، فاذا هو حضره و العافية أوسع ما لم يلزمك الحجّة الحاضرة.
قال: و لما وقع التقصير في بني إسرائيل جعل الرّجل منهم يرى أخاه على الذنب فينهاه فلا ينتهى فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و جليسه و شريبه حتّى ضرب اللّه عزّ و جلّ قلوب بعضهم ببعض و نزل فيهم القرآن حيث يقول عزّ و جلّ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ» الاية.
و يدلّ على جواز قتل فاعل المنكر ما يأتي في أواخر الكتاب في ضمن كلماته القصار من قوله أيّها المؤمنون إنّه من رأى عدوانا يعمل به و منكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم و برء، و من أنكره بلسانه فقد أجر و هو أفضل من صاحبه و من أنكره بالسّيف لتكون كلمة اللّه هي العليا و كلمة الظالمين السّفلى فذلك الّذي أصاب سبيل الهدى، و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين و رواه في الوسايل من روضة الواعظين مرسلا و يدلّ عليه أخبار اخر لا حاجة بنا إلى روايتها.
فقد ظهر بذلك كلّه أنّ تعليله عليه السّلام حلّ قتل الجيش بحضورهم قتل المسلم من دون إنكار له و دفع عنه موافق بظاهره لاصول المذهب و لقواعد الشرع و لا حاجة إلى التوجيه و تمحّل التأويلات الّتي تكلّفها شراح النهج كالشارح المعتزلي و القطب الراوندي و الشارح البحراني و لا بأس بالاشارة إلى ملخّص كلامهم و التنبيه على ما يتوجّه عليهم فاقول: قال الشارح المعتزلي و يسئل عن قوله عليه السّلام لو لم يصيبوا إلّا رجلا واحدا لحلّ لي قتل ذلك الجيش بأسره لأنّهم حضروه فلم ينكروا فيقال أ يجوز قتل من لم ينكر المنكر مع تمكّنه من إنكاره.
و الجواب أنّه يجوز قتلهم لأنّهم اعتقدوا ذلك القتل مباحا فانّهم إذا اعتقدوا إباحته فقد اعتقدوا إباحة ما حرّم اللّه فيكون حالهم حال من اعتقد أنّ الزّنا مباح و أنّ شرب الخمر مباح.
و اعترض عليه الشارح البحراني بأنّ القتل و إن وجب على من اعتقد إباحة ما علم تحريمه من الدّين ضرورة كشرب الخمر و الزّنا فلم قلت أنّه يجب على من اعتقد إباحة ما علم تحريمه من الدّين بالتأويل كقتل هؤلاء القوم لمن قتلوا، و خروجهم لما خرجوا له فانّ جميع ما فعلوه كان بتأويل لهم و ان كان معلوم الفساد فظهر الفرق بين اعتقاد حلّ الخمر و الزّنا و بين اعتقاد هؤلاء لاباحة ما فعلوه انتهى أقول: و أنت خبير بما في هذا الجواب و الاعتراض كليهما من الضعف و الفساد: أما الجواب فلأنّ اعتقاد إباحة ما علم حرمته من الدّين ضرورة كقتل المسلم عمدا و إن كان مجوّزا للقتل البتّة إلّا أنّه عليه السّلام لم يعلّل جوازه بذلك، بل علّله بالحضور على قتل المسلم و عدم الانكار، و هو أعمّ من اعتقاد الاباحة و عدمه، و قد ظهر لك أنّ مجرّد ذلك كاف في جواز القتل من باب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و لا حاجة إلى التقييد أو التخصيص بصورة الاعتقاد مع عدم الداعي اليهما و كونهما خلاف الأصل.
و أما الاعتراض فلأنّ ملخّص كلام المعترض أنّ خروج الناكثين و قتلهم للمسلمين إنّما نشاء من زعمهم جواز ذلك و اعتقادهم حلّه لشبهة سنحت لهم و ان كان زعما فاسدا و اعتقادا كاسدا.
و فيه أوّلا منع كون خروجهم عن وجه الشبهة و التأويل و انما كان خروج خوارج النهروان بالتأويل و زعمهم الباطل حقّا و لذلك قال عليه السّلام في الكلام السّتين «لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه» و ثانيا هب أنّ خروجهم كان بالتأويل و شبهة مطالبة دم عثمان ظاهرا و أمّا قتلهم للمسلمين فأىّ تأويل يتصوّر فيه مع أنّ المقتولين لم يكونوا قاتلي عثمان و لا من الحاضرين لقتله و لا ناصرين لقاتليه، و لم يقع بعد حرب الجمل عند قتلهم طائفة صبرا و طائفة غدرا فلم يكن قتلهم لهؤلاء إلّا عن محض البغى و العدوان و التعدّي و الطغيان، و متعمّدين فيه، فجاز قتلهم لذلك كما يجوز قتل معتقد حلّ الخمر و الزّنا.
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ التأويل المتصوّر في قتلهم هو أنّهم لما زعموا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بحمايته عن قتلة عثمان خلافته خلافة باطلة و إمامته إمامة جور و بيعة إمام الجور و متابعته باطلة لا جرم زعموا إباحة قتل خزّان بيت المال و من حذا حذوهم باعتبار كونهم من مبايعيه و متابعيه، مستحفظين لبيت المال لأجله عليه السّلام و حفظ بيت المال لأجل الامام الجائر إعانة الاثم على زعمهم الباطل فافهم جدّا. و بعد الغضّ عن جميع ذلك أقول: إنّ التأويل إذا كان معلوم الفساد حسبما اعترف به الشارح نفسه لم يبق موقع للتأمّل في جواز القتل، و لذلك أمر سبحانه بقتلهم و قتالهم مطلقا في قوله: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ.
و قال القطب الرّاوندي إن حلّ قتلهم لدخولهم في عموم قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا الاية.
و اعترض عليه الشارح المعتزلي بأنّه عليه السّلام علّل استحلال قتلهم بأنّهم لم ينكروا المنكر و لم يعلّل بعموم الاية.
و أورد عليه الشارح البحراني بأنّ له أن يقول إنّ قتل المسلم الذى لا ذنب له عمدا إذا صدر من بعض الجيش و لم ينكر الباقون مع تمكّنهم و حضورهم كان ذلك قرينة دالّة على الرضا من جميعهم و الراضى بالقتل شريك القاتل خصوصا إذا كان معروفا بصحبته و الاتّحاد به كاتّحاد بعض الجيش ببعض فكان خروج ذلك الجيش على الامام العادل محاربة للّه و رسوله، و قتلهم لعامله و خزّان بيت مال المسلمين و تفريق كلمة أهل المصر و فساد نظامهم سعى في الأرض بالفساد و ذلك عين مقتضى الاية.
أقول: أمّا ما قاله الراوندى فلا غبار عليه و أمّا اعتراض الشارح المعتزلي فلا وجه له لأنّه عليه السّلام و إن علّل استحلال القتل بالحضور و عدم الانكار و لم يعلّله لعموم الاية إلّا أنّ مال العلّتين واحد، و مقصود الراوندي التنبيه على أنّ مرجع العلّة المذكورة في كلامه إلى عموم الاية ففي الحقيقة التعليل بتلك العلّة تعليل بذلك العموم.
و هذا مما لا ريب فيه لظهور أنّ قتل خزّان بيت المال و إتلاف ما فيه من الأموال لم يكن إلّا من أجل نصبهم العداوة لأمير المؤمنين عليه السّلام و كونهم في مقام المحاربة معه، فيدخلون في عموم الاية.
لأنّ المراد بمحاربة اللّه و رسوله فيها هو محاربة المسلمين، جعل محاربتهم محاربة لهما تعظيما للفعل و تكريما للمسلم، فيجوز حينئذ قتلهم بحكم الاية.
بل و لو لم يكن المقتول منهم إلّا واحدا كما فرضه عليه السّلام في كلامه لجاز أيضا قتل جميع الجيش كلّهم لأنّ المفروض أنّ قتل ذلك الواحد إنّما كان محادّة للّه و رسوله و محاربة لوليّ المؤمنين و لمن ائتمّ به من المسلمين فحيث إنّ الباقين حضروا ذلك القتل و لم ينكروه و لم يدفعوا عنه مع تمكّنهم منه يكون ذلك كاشفا عن كونهم في مقام المحاربة أيضا.
و لعلّ هذا هو مراد الشارح البحراني بالايراد الّذي أورده على الشارح المعتزلي و إن كانت عبارته قاصرة عن تأدية المراد لظهور أنّ صدور قتل المسلم عن بعض الجيش مع حضور الاخرين و عدم إنكار منهم و إن كان قرينة على رضا الجميع بالقتل إلّا أنّ ذلك بمجرّده لا يكفى في جواز قتل الرّاضين حتّى ينضمّ إليه المقدّمة الاخرى أعني كون صدور القتل عن وجه المحاربة، و كون رضاهم بذلك كاشفا عن كونهم محاربين جميعا كما قلناه.
و على هذا فان كان مراده بقوله و الراضى بالقتل شريك القاتل هو ما ذكرناه فنعم الوفاق و إلّا فيتوجّه عليه أنّه إن أراد المشاركة في الاثم فهو مسلّم لما ورد في غير واحد من الرّوايات من أنّ الراضى بفعل قوم كالداخل فيهم، و أنّ العامل بالظلم و الراضى به و المعين به شركاء ثلاثة و أنّ من رضي أمرا فقد دخل فيه و من سخطه فقد خرج منه إلّا أنّ هذه المشاركة لا تنفعه في دفع الاعتراض.
و إن أراد المشاركة في جواز قتل الرّاضى كما يجوز قتل القاتل فهو على إطلاقه ممنوع لأنّ قتل القاتل بعنوان خطبه 172 نهج البلاغه بخش 3 القصاص جايز دون الراضي.
نعم يجوز قتله من باب الحسبة على ما قلنا و من أجل كونه في مقام المحاربة حسبما قاله الراوندي كما يجوز قتل القاتل بهذين الوجهين أيضا فافهم جيّدا هذا و لما نبّه عليه السّلام على جواز قتل الجيش جميعا بقتل واحد من المسلمين أردف ذلك بالتنبيه على مزيد استحقاقهم له من حيث إقدامهم على جمع كثير منهم فقال: (دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة الّتي دخلوا بها عليهم).
تنبيهان
الاول
قال الشّارح المعتزلي بعد الفراغ من شرح الفصل الثّاني من هذه الخطبة ما هذه عبارته و اعلم أنّه قد تواترت الأخبار عنه عليه السّلام بنحو من هذا القول نحو قوله عليه السّلام ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله حتّى يوم الناس هذا و قوله عليه السّلام أللّهمّ اجز قريشا فانّها منعتني حقّي و غصبتني أمري.
و قوله عليه السّلام فجزت قريشا عنّي الجوازي فانّهم ظلموني حقّي و اغتصبوني سلطان ابن امّي.
و قوله عليه السّلام و قد سمع صارخا ينادي أنا مظلوم فقال عليه السّلام هلّم فلنصرخ معا فانّي ما زلت مظلوما.
و قوله عليه السّلام و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى و قوله عليه السّلام أرى تراثي نهبا و قوله: اصفيا بانائنا و حملا الناس على رقابنا.
و قوله عليه السّلام: إنّ لنا حقّا إن نعطه نأخذه و ان نمنعه نركب أعجاز الابل و إن طال السرى.
و قوله عليه السّلام: ما زلت مستأثرا عليّ مدفوعا عمّا أستحقّه و أستوجبه.
قال الشارح و أصحابنا يحملون ذلك كلّه على ادّعائه الأمر بالأفضليّة و الأحقيّة و هو الحقّ و الصّواب فانّ حمله على الاستحقاق تكفير و تفسيق لوجوه المهاجرين و الأنصار لكنّ الاماميّة و الزيديّة حملوا هذه الأقوال على ظواهرها و ارتكبوا بها مركبا صعبا و لعمري إنّ هذه الألفاظ موهمة مغلبة على الظنّ ما يقوله القوم لكن تصفّح الأقوال يبطل ذلك الظنّ و يدرء ذلك الوهم فوجب أن يجرى مجرى الايات المتشابهات الموهمة ما لا يجوز على الباري فانّه لا نعمل بها و لا نعوّل على ظواهرها لأنّا لما تصفّحنا أدلّة العقول اقتضت العدول عن ظاهر اللّفظ و أن نحمل على التأويلات المذكورة في الكتب.
قال الشارح و حدّثني يحيى بن سعيد بن عليّ الحنبلي المعروف بابن عالية ساكن قطفثا بالجانب الغربي من بغداد واحد الشهود المعدلين بها قال كنت حاضرا عند الفخر إسماعيل بن عليّ الحنبلي الفقيه المعروف بغلام ابن المنى و كان الفخر إسماعيل هذا مقدّم الحنابلة ببغداد في الفقه و الخلاف و يشتغل بشي ء في علم المنطق و قد كان حلو العبارة و قد رأيته أنا و حضرت عنده و سمعت كلامه و توفّى سنة عشرة و ستّمأة.
قال ابن عالية و نحن عنده نتحدّث إذ دخل شخص من الحنابلة قد كان له دين على بعض أهل الكوفة فانحدر إليه يطالبه به و اتّفق أن حضره زيارة يوم الغدير و الحنبليّ المذكور بالكوفة و هذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة و يجتمع بمشهد أمير المؤمنين عليه السّلام من الخلايق جموع عظيمة يتجاوز حدّ الاحصاء.
قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر يسائل ذلك الشّخص ما فعلت ما رأيت هل وصل مالك إليك هل بقى منه بقيّة عند غريمك و ذلك الشخص يجاوبه حتّى قال له يا سيّدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير و ما يجرى عند قبر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام من الفضايح و الأقوال الشّنيعة و سبّ الصحابة جهارا بأصوات مرتفعة من غير مراقبة و لا خيفة.
فقال إسماعيل أيّ ذنب لهم و اللّه ما جراهم على ذلك و لا فتح لهم هذا الباب إلّا صاحب ذلك القبر، فقال ذلك الشخص: و من صاحب القبر قال: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: يا سيّدي هو الّذي سنّ لهم ذلك و علّمهم إيّاه و طرقهم إليه قال نعم و اللّه.
قال: يا سيّدي فان كان محقّا فما لنا نتولّى فلانا و فلانا و إن كان مبطلا فما لنا نتولّاه ينبغي أن نبرء إمّا منه أو منهما، قال ابن عالية فقام اسماعيل مسرعا و قال: لعن اللّه اسماعيل الفاعل ابن الفاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة و دخل دار حرمه و قمنا نحن فانصرفنا انتهى كلام الشارح.
أقول: قد مرّ في تضاعيف الشرح لا سيّما مقدّمات الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقيّة النّصوص الدالّة على خلافته عليه السّلام و بطلان خلافة غيره مضافا إلى الأدلّة العقليّة.
و العجب من الشارح المعتزلي أنّه بعد اعترافه بتواتر الأخبار الظاهرة في اغتصاب الخلافة و التظلّم و الشكوى من أئمة الجور كيف يصرفها عن ظواهرها من غير دليل و أيّ داع له الى الانحراف عن قصد السّبيل و لو كان هناك أقلّ دليل لتمسّك به مقدّم الحنابلة اسماعيل، و لم يعي عن الجواب، و لم يقم من مجلسه مسرعا إلى الذهاب، فحيث عجز عن جواب القائل ضاق به الخناق إلّا لعن نفسه بالفاعل ابن الفاعل.
ثمّ العجب من الشّارح أنه يعلّل ذلك تارة بأنّ حملها على ظواهرها يوجب تكفير وجوه الصّحابة و تفسيقها و هو كما ترى مصادرة على المدّعى، و اخرى بأنّ تصفّح الأقوال يبطل الظنّ الحاصل منها و ليت شعرى أىّ قول أوجب الخروج عن تلك الظواهر.
فان أراد قول أهل السنّة فليس له اعتبار و لا وقع له عند اولي الأبصار و إن أراد قول من يعوّل على قوله من النبيّ المختار و آله الأطهار فعليه البيان و علينا التسليم و الاذعان، مع أنّا قد تصفّحنا كتب التواريخ و السّير و الأخبار و الأثر فما ظفرنا بعد إلى الان على خبر واحد معتبر و لا حديث صحيح يؤثر بل الأحاديث الصحيحة النبويّة و غير النبويّة العاميّة و الخاصيّة على بطلان دعويهم متظافرة و إبطال خلافة الخلفاء متواترة متظاهرة.
و قياس ظواهر تلك الرّوايات على الايات المتشابهات قياس مع الفارق لا يقيسها إلّا كلّ بايد ناهق، لقيام الأدلّة القاطعة من العقل و النقل على وجوب تأويل هذه الايات و قيامها على لزوم تعويل ظواهر تلك الروايات.
و كفى بذلك شهيدا فضلا عن غيره ممّا تقدّم و يأتي و حديث الثقلين و خبر الحقّ مع عليّ و عليّ مع الحقّ المعروف بين الفريقين و رواية ورود الامّة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على خمس رايات و افتراق الامّة على ثلاث و سبعين فرقة كلّها في النار غير واحدة.
و نعم ما قيل:
- إذا افترقت في الدّين سبعين فرقةو نيفا كما قد جاء في واضح النقل
- و لم يك منهم ناجيا غير واحدفبيّن لنا يا ذا النباهة و الفضل
- أ في الفرقة الهلّاك آل محمّدأم الفرقة الناجون أيّهما قل لي
- فان قلت هلّاكا كفرت و إن نجوافلما ذا قدّم الغير بالفضل
التنبيه الثاني
في ذكر خروج عائشة و طلحة و الزبير الى البصرة، و قتلهم طائفة من المسلمين فيها صبرا و طائفة غدرا توضيحا لما أشار عليه السّلام إليه في كلامه و تفصيلا لما أجمله.
فأقول: روى الشارح المعتزلي عن أبي مخنف أنّه قال: حدّثنا إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم و روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس و روى جرير ابن يزيد عن عامر الشعبي، و روى محمّد بن إسحاق عن حبيب بن عمير قالوا جميعا لمّا خرجت عائشة و طلحة و الزّبير من مكّة إلى البصرة طرقت ماء الحوأب«» و هو ماء لبني عامر بن صعصعة فنبحهم الكلاب فنفرت صعاب إبلهم فقال قائل لعن اللّه الحوأب ما أكثر كلابها.
فلمّا سمعت عائشة ذكر الحوأب قالت: أ هذا ماء الحوأب قالوا نعم، فقالت: ردّوني ردّوني، فسألوها ما شأنها ما بدا لها فقالت: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: كأنّى بكلاب ماء يدعا الحوأب قد نبحت بعض نسائي ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله لي: يا حميراء إيّاك أن تكونيها.
فقال لها الزبير مهلا يرحمك اللّه فانا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة، فقالت: أ عندك من يشهد أنّ هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب فلفق لها الزبير و طلحة خمسين أعرابيا جعلا لهم جعلا فحلفوا لها و شهدوا أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب فكانت هذه أوّل شهادة زور في الاسلام.
أقول: بل أوّل شهادة الزور في الاسلام ما وقعت يوم السقيفة حيث شهد منافقوا- قريش لأبي بكر بأنهم سمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه يقول: إنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة و الخلافة حسبما تقدّم في المقدّمة الثالثة من مقدّمات الخطبة الشقشقيّة من غاية المرام من كتاب سليم بن قيس الهلالي.
قال أبو مخنف: و حدّثنا عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال يوما لنسائه و هنّ عنده جميعا ليت شعري أيّتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها و شمالها قتلى كثير كلّهم في النّار و تنجو بعد ما كادت.
قال الشارح المعتزلي: قلت: أصحابنا المعتزلة يحملون قوله و تنجو على نجاتها من النار و الاماميّة يحملون ذلك على نجاتها من القتل و محملنا أرجح لأنّ لفظة في النار أقرب إليه من لفظة القتلى و القرب معتبر في هذا الباب ألا ترى أنّ نحاة البصريين أعملوا أقرب العاملين نظرا إلى القرب.
أقول: لا أدرى ما ذا يريد الشّارح من ذكر الاختلاف في محمل الحديث و ترجيح محمل المعتزلة على محمل الامامية فان كان مقصوده بذلك الردّ على الامامية لتمسّكهم به على كون عايشة في النار حيث حملوا النجاة فيه على النجاة من القتل دون النّار ففيه أنّ الاماميّة لم يتمسّكوا به أبدا على كونها فيها لأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله كلّهم في النّار راجع الى المقتولين عن اليمين و الشمال لا ربط له بها بوجه حتّى يتمسّكوا به بل دليلهم على ذلك مضافا الى أخبارهم الكثيرة هو خروجها و بغيها على الامام العادل، و الخوارج و البغاة كلّهم في النار و عليه أيضا بناء المعتزلة كما صرّح به الشارح في ديباجة شرحه و إن توهّموا خروجها مع طلحة و الزبير من هذه الكلّية لدليل فاسد.
و إن كان مقصوده به اثبات نجاة عائشة من النار ففيه أنّه لا ينهض لاثباتها لأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله «تنجو بعد ما كادت» يحتاج إلى إضمار المتعلّق و لفظة في النار و إن كانت أقرب إليه لكنّ القرب اللّفظي لا يكفى في جعل متعلّقه النّار بل المدار في أمثال المقام على القرب الاعتباري، و غير خفيّ على المنصف الخبير بأساليب «ج 9» الكلام أنّ المتبادر من اطلاق العبارة هو أنّ المتعلّق لفظة من القتل، و سوق الكلام أيضا يفيد ذلك.
و ذلك لأنّه لمّا أخبر بأنه عليه السّلام يقتل عن يمينها و شمالها قتلى كثير و كان هناك مظنّة إصابة القتل إليها لقربه منها و إشرافها عليه، استدرك بقوله و تنجو بعد ما كادت، و هذا بخلاف قوله كلّهم في النّار فانّه لم يكن موهما لشمولها حتّى يحتاج إلى الاستدراك. فانقدح من ذلك أنّ الظاهر من مساق الكلام مضافا إلى التبادر عرفا هو أنّ المراد منه النجاة من القتل لا النجاة من النار كما يقوله المعتزلة.
و على التنزّل و المماشاة أقول: غاية الأمر أنّ اللّفظ مجمل محتمل للأمرين فلا يكافؤ الأدلّة القاطعة المسلّمة عند أصحابنا و المعتزلة على كون البغاة جميعهم في النار، و لا يجوز رفع اليد عن عموم تلك الأدلّة و تخصيصها بهذا اللّفظ المجمل و العجب من الشارح أنه يستدلّ على مسألة اصولية كلاميّة بمسألة نحوية مع أنّ المسألة النحويّة أيضا غير مسلّمة عند علماء الأدبيّة و البصريّون و إن أعملوا أقرب العاملين نظرا إلى القرب لكنّ الكوفيّين اعملوا الأوّل منهما نظرا إلى السبق قال ابن مالك:
- إن عاملان اقتضيا في اسم عملقبل فللواحد منهما العمل
- فالثاني أولى عند أهل البصرةو اختار عكسا غيرهم ذا أسرة
هذا كلّه على ما يقتضيه النظر الجليّ، و أمّا ما يقتضيه النظر الدّقيق فهو حمل الحديث على ما يقوله أصحابنا الامامية و بطلان محمل المعتزلة، و ذلك لأنّ قوله عليه السّلام «و تنجو بعد ما كادت» يفيد نجاتها بعد قربها، فان اريد بها النجاة من القتل بعد القرب منه كما يقوله الاماميّة فلا غبار عليه، و إن اريد النجاة من النّار فلا يصحّ لأنّ نجاتها منها على زعم المعتزلة كانت بسبب التوبة و لازم ذلك أنّها قبل التوبة كانت هالكة واقعة في النار أعني الاستحقاق بالفعل لها، و وقوعها فيها غير قربها منها، كما هو مفاد قوله: بعد ما كادت. و الحاصل أنّ القرب من النار كما هو مضمون الرواية على قول المعتزلة ينافي الكون فيها على ما هو لازم محملهم فافهم جيّدا.
هذا كلّه على تسليم صحّة متن الحديث و إلّا فأقول: الظاهر أنّه وقع فيه سقط من الرواة عمدا أو سهوا أو من النساخ كما يدلّ عليه ما فى البحار عن المناقب لابن شهر آشوب قال: ذكر ابن الأعثم في الفتوح، و الماوردي في أعلام النبوّة، و شيرويه في الفردوس، و أبو يعلي في المسند، و ابن مردويه في فضايل أمير المؤمنين، و الموفّق في الأربعين، و شعبة و الشعبي و سالم بن أبي الجعد في أحاديثهم و البلاذرى و الطبري في تاريخهما أنّ عايشة لمّا سمعت نباح الكلاب قالت أيّ ماء هذا فقالوا الحوأب قالت إنّا للّه و إنّا إليه راجعون إنّي لهيه قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عنده نساؤه يقول: ليت شعري أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب.
و في رواية الماوردى أيتكنّ صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل من يمينها و يسارها قتلي كثير و تنجو بعد ما كادت تقتل و هذه الرّواية كما ترى صريحة في أنّ نجاتها من القتل.
و بعد هذا كلّه فغير خفيّ عليك أنّ ما تكلّفه الشارح في إنجائها من النار فانّما يجرى في حقّها فقط، و ليت شعرى ما ذا يقول في حقّ طلحة و الزبير فانّ مذهبه وفاقا لأصحابه المعتزلة نجاتهما أيضا مثلها مع أنّ الرواية كما ترى مصرّحة بأنّ كلّهم في النّار و لا شكّ في شمول هذه القضية الكلّية للرّجلين فان زعم استثنائهما أيضا من هذه الكلّية بدليل منفصل مثل حديث العشرة أو ما دلّ على توبتهما فقد علمت في شرح بعض الخطب السابقة المتقدّمة فساده بما لا مزيد عليه، هذا فلنرجع إلى ما كنا فيه.
قال أبو مخنف حدّثني الكلبي عن أبي صباح عن ابن عبّاس أنّ طلحة و الزبير أغذا السّير لعايشة حتّى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعرى و هو قريب من البصرة و كتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و هو عامل عليّ عليه السّلام على البصرة أن اخل لنا دار الامارة.
فلمّا وصل كتابهما إليه بعث إلى الأحنف بن قيس فقال له: إنّ هؤلاء القوم قدموا علينا و معهم زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و النّاس إليها سراع كما ترى، فقال الأحنف إنّهم جاؤك بها للطلب بدم عثمان و هم الّذين ألبّوا على عثمان الناس و سفكوا دمه و أراهم و اللّه لا يزالونا حتّى يلقوا العداوة بيننا و يسفكوا دمائنا و أظنّهم و اللّه سيركبون منك خاصّة ما لا قبل لك به و إن لم تتأهّب لهم بالنّهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة فانّك اليوم الوالي عليهم و أنت فيهم مطاع فسر إليهم بالناس و بادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة فيكون الناس أطوع منهم لك.
فقال عثمان بن حنيف: الرأى ما رأيت لكنّني أكره أن أبدهم به و أرجو العافية و السّلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام و رأيه فأعمل به.
ثمّ أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدى فأقرأه كتاب طلحة و الزبير فقال له مثل قول الأحنف و أجابه عثمان مثل جوابه للأحنف فقال له حكيم: فأذن لي حتّى أسير اليهم بالنّاس فان دخلوا في طاعة أمير المؤمنين عليه السّلام و إلّا فانابذهم على سواء.
فقال عثمان: لو كان ذلك رأى لسرت إليهم بنفسي قال حكيم: أما و اللّه إن دخلوا عليك هذا المصر لتنقلنّ قلوب كثير من النّاس إليه و يزيلنّك عن مجلسك هذا و أنت أعلم، فأبى عليه عثمان.
قال: و كتب عليّ إلى عثمان لمّا بلغه مشارفة القوم البصرة: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف فأمّا بعد: فانّ البغاة عاهدوا اللّه ثمّ نكثوا و توجّهوا إلى مصرك و ساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى اللّه به و اللّه أشدّ باسا و أشدّ تنكيلا فاذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة و الرجوع إلى الوفاء بالعهد و الميثاق الّذي فارقونا عليه فان أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك و إن أبوا إلّا التمسّك بحبل النكث و الخلاف فناجزهم حتّى يحكم اللّه بينك و بينهم و هو خير الحاكمين و كتبت كتابي هذا إليك من الرّبذة و أنا معجّل المسير اليك إنشاء اللّه و كتب عبيد اللّه بن أبي رافع في سنة ستّ و ثلاثين. قال: فلمّا وصل كتاب عليّ عليه السّلام إلى عثمان أرسل إلى أبي الأسود الدّئلي و عمران بن الحصين الخزاعي فأمرهما أن يسيرا حتّى يأتياه بعلم القوم و ما الّذي أقدمهم.
فانطلقا حتّى اذا أتيا حفر أبي موسى و به معسكر القوم فدخلا على عايشة فسألاها و وعظاها و أذكراها و ناشداها اللّه فقالت لهما ألقيا طلحة و الزبير.
فقاما من عندها و لقيا الزّبير فكلّماه فقال لهما: إنّا جئنا للطلب بدم عثمان و ندعو النّاس الى أن يردّوا أمر الخلافة شورى ليختار النّاس لأنفسهم فقالا له: إنّ عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها و أنت تعلم قتلة عثمان من هم و أين هم و أنّك و صاحبك و عايشة كنتم أشدّ الناس عليه و أعظمهم إغراء بدمه فأقيدوا من أنفسكم و أمّا إعادة أمر الخلافة شورى فكيف و قد بايعتم عليّا عليه السّلام طائعين غير مكرهين و أنت يا أبا عبد اللّه لم تبعد العهد لقيامك دون هذا الرّجل يوم مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنت آخذ قائم سيفك تقول ما أحد أحقّ بالخلافة منه و لا أولى بها منه، و امتنعت من بيعة أبي بكر فأين ذلك الفعل من هذا القول فقال لهما: اذهبا فألقيا طلحة.
فقاما إلى طلحة فوجداه خشن الملمس شديد العريكة قويّ العزم في إثارة الفتنة و إضرام نار الحرب، فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه و قال له أبو الأسود:
- يا بن حنيف قد أتيت فانفرو طاعن القوم و جالد و اصبر
و ابرز لها مستلهما و شمّر
فقال ابن حنيف: اى و ربّ الحرمين لأفعلنّ و أمر مناديه فنادى في الناس السلاح السلاح، فاجتمعوا إليه.
قال أبو مخنف: و أقبل القوم فلما انتهوا إلى المربد قام رجل من بني جشم فقال أيها الناس أنا فلان الجشمي و قد أتاكم هؤلاء القوم فان كانوا أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الّذي يأمن فيه الطير و الوحش و السباع و إن كانوا انما أتوكم للطلب بدم عثمان فغيرنا ولى قتله فأطيعوني أيها الناس و ردّوهم من حيث أقبلوا فانكم إن لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس و الفتنة الصماء الّتى لا تبقى و لا تذر، قال: فحصبه ناس من أهل البصرة فأمسك.
قال: و اجتمع أهل البصرة إلى المربد حتّى ملاؤه مشاة و ركبانا فقام طلحة و أشار إلى الناس بالسكوت ليخطب فسكتوا بعد جهد فخطب خطبة ذكر فيها قتل عثمان و حرّض الناس على الطلب بدمه، و على جعل أمر الخلافة شورى.
ثمّ قام الزبير فتكلّم بمثل كلام طلحة فقام إليهما ناس من أهل البصرة فقالوا لهما: ألم تبايعا عليّا عليه السّلام فيمن بايعه ففيم بايعتما ثمّ نكثتما فقالا، ما بايعناه و لا لأحد في أعناقنا بيعة و إنّما استكرهنا على بيعته.
فقال ناس: قد صدقا و أحسنا القول و قطعنا بالصواب، و قال ناس ما صدقا و لا أصابا في القول حتّى ارتفعت الأصوات.
قال: ثمّ أقبلت عايشة على جملها فنادت بصوت مرتفع: أيّها الناس أقلّوا الكلام و اسكتوا: فأسكت الناس لها فقالت في جملة كلام تحرّضهم فيه على القتال و الاجلاب على قتلة عثمان: ألا إنّ عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته فاذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثمّ اجعلوا الأمر شورى بين الرّهط الّذين اختارهم عمر بن الخطّاب و لا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.
قال: فماج الناس و اختلطوا فمن قائل يقول القول ما قالت و من قائل يقول و ما هى و هذا الأمر إنّما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها، و ارتفعت الأصوات و كثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال و تراموا بالحصى.
ثمّ إنّ النّاس تمايزوا فصاروا فريقين فريق مع عثمان بن حنيف و فريق مع عايشة و أصحابها.
قال أبو مخنف: حدّثنا الأشعث عن محمّد بن سيرين عن أبي الجليل قال: لمّا نزل طلحة و الزّبير المربد أتيتهما فوجدتهما مجتمعين فقلت لهما ناشدتكما اللّه و صحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما الّذي أقدمكما أرضنا هذه فلم يتكلّما فأعدت عليهما فقالا بلغنا أنّ بأرضكم هذه دنيا فجئنا نطلبها.
قال الشارح المعتزلي: و قد روى قاضي القضاة في كتاب المغني عن وهب بن جرير قال: قال رجل من أهل البصرة لطلحة و الزّبير، إنّ لكما فضلا و صحبة فأخبراني عن مسيركما هذا و قتالكما أ شي ء أمركما به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم رأى رأيتماه فأمّا طلحة فسكت فجعل ينكت الأرض، و أمّا الزبير فقال: ويحك حدّثنا أنّ ههنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها.
قال الشارح: و جعل قاضي القضاة هذا الخبر حجّة في أنّ طلحة تاب و إنّ الزّبير لم يكن مصرّا على الحرب.
قال: و الاحتجاج بهذا الخبر على هذا المعنى ضعيف و إن صحّ هو و ما قبله إنّه لدليل على حمق شديد، و ضعف عظيم و نقص ظاهر، و ليت شعري ما الّذي أخرجهما إلى هذا القول و إذا كان هذا في أنفسهما فهلّا كتماه.
أقول: أمّا اعتبار الخبرين فلا غبار عليه لاعتضادهما بأخبار اخر في هذا المعنى، و أمّا دلالتهما على حمق الرّجلين كما قاله الشارح فلا خفاء فيه، و أمّا سكوت طلحة و نكته الأرض فلأنّه لما رأى أنّ السائل لا يبقى و لا يذر و لم يكن له عن الجواب محيص و لا مفرّ فبهت الذي كفر، و أمّا الزبير فأعمى اللّه قلبه و أجرى مكنون خاطره على لسانه إبانة عن انحطاط مقامه، و دناءة شأنه.
قال أبو مخنف: فلمّا أقبل طلحة و الزّبير المربد يريدان عثمان بن حنيف فوجداه و أصحابه قد أخذوا بأفواه السّكك فمضوا حتّى انتهوا إلى موضع الدّباغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم طلحة و الزبير و أصحابهما بالرّماح فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل و أصحابه يقاتلونهم حتّى أخرجوهم من جميع السكك و رماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة.
فأخذوا إلى مقبرة ابن بني مازن فوقفوا بها مليّا حتّى ثابت إليهم خيلهم ثمّ أخذوا على مسناة البصرة حتّى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا سبخة دار البرزق فنزلوها.
قال: و أتاهما عبد اللّه بن حكيم لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه فقال: لطلحة: يا با محمّد أما هذه كتبك قال: بلى، قال: فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان و قتله حتّى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه فلعمرى ما هذا رأيك لا تريد إلّا هذه الدّنيا مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من عليّ عليه السّلام ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا راضيا ثمّ نكثت بيعتك ثمّ جئت لتدخلنا في فتنتك.
فقال: إنّ عليّا دعاني إلى البيعة بعد ما بايع فعلمت أنّي لو لم أقبل ما عرضه علىّ لم يتمّ لي ثمّ يغرى لي من معه.
قال: ثمّ أصبحا من غد فصفّا للحرب و خرج عثمان بن حنيف إليهما في أصحابه فناشدهما اللّه و الاسلام و أذكرهما بيعتهما عليّا عليه السّلام فقالا نحن نطلب بدم عثمان فقال لهما و ما أنتما و ذاك اين بنوه اين بنو عمّه الّذينهم أحقّ به منكم كلّا و اللّه و لكنكما حسدتماه حيث اجتمع النّاس عليه و كنتما ترجوان هذا الأمر و تعملان له و هل كان أحد أشدّ على عثمان قولا منكما.
فشتماه شتما قبيحا و ذكرا امّه فقال للزّبير: أما و اللّه لو لا صفيّة و مكانها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانها أدنتك إلى الظلّ و إنّ الأمر بيني و بينك يا بن الصبغة يعني طلحة أعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما يسوءكما اللهمّ إنّي قد أعذرت إلى هذين الرجلين.
ثمّ حمل عليهم و اقتتل النّاس قتالا شديدا ثمّ تحاجزوا و اصطلحوا على أن يكتب بينهم كتاب صلح فكتب: هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري و من معه من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و طلحة و الزبير و من معهما من المؤمنين و المسلمين من شيعتهما انّ لعثمان بن حنيف دار الامارة و الرحبة و المسجد و بيت المال و المنبر و إنّ لطلحة و الزّبير و من معهما ان ينزلوا حيث شاءوا من البصرة لا يضارّ بعضهم بعضا في طريق و لا فرضة«» و لا سوق و لا شريعة حتّى يقدم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فان أحبّوا دخلوا فيما دخلت فيه الامّة، و إن أحبّوا الحق كلّ قوم بهواهم و ما أحبّوا: من قتال أو سلم، و خروج أو إقامة، و على الفريقين بما كتبوا عهد اللّه و ميثاقه و أشدّ ما أخذه على نبيّ من أنبيائه من عهد و ذمّة، و ختم الكتاب.
و رجع عثمان بن حنيف حتّى دخل دار الامارة و قال لأصحابه: الحقوا رحمكم اللّه بأهلكم وضعوا سلاحكم و داووا جرحاكم، فمكثوا كذلك أيّاما.
ثمّ إنّ طلحة و الزّبير قالا: إن قدم عليّ و نحن على هذه الحال من القلّة و الضعف ليأخذنّ بأعناقنا، فأجمعا على مراسلة القبايل، و استمالة العرب فأرسلوا إلى وجوه النّاس و أهل الرّياسة و الشرف، يدعوهم إلى الطلب بدم عثمان و خلع عليّ عليه السّلام و إخراج ابن حنيف من البصرة.
فبايعهم على ذلك الأزد و ضبّة و قيس عيلان كلّها إلّا الرّجل و الرّجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم.
و أرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم فجاءه طلحة و الزبير إلى داره فتواري عنهما فقالت امّه ما رأيت مثلك أتاك شيخا قريش فتواريت عنهما فلم تزل به حتّى ظهر لهما و بايعهما و معه بنو عمرو بن تميم كلّهم و بنو حنظلة إلّا بني يربوع فانّ عامتهم كانوا شيعة لعليّ عليه السّلام و بايعهم بنو دارم كلّهم إلّا نفرا من بني مجاشع ذوى دين و فضل.
فلمّا استوثق بطلحة و الزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح و مطر و معهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع و ظاهروا فوقها بالثياب فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر و قد سبقهم عثمان بن حنيف إليه و اقيمت الصّلاة فتقدّم عثمان ليصلّي بهم فأخّره أصحاب طلحة و الزّبير و قدّموا الزّبير فجاءت السّيابجة«» و هم الشرط حرس بيت المال فأخّروا الزّبير و قدّموا عثمان فغلبهم أصحاب الزّبير فقدّموه و أخّروا عثمان.
فلم يزالوا كذلك حتّى كادت الشمس تطلع و صاح بهم أهل المسجد ألا تتّقون أصحاب محمّد و قد طلعت الشّمس فغلب الزّبير فصلّى بالنّاس فلمّا انصرف من صلاته صاح بأصحابه المستسلحين أن خذوا عثمان بن حنيف، فأخذوه بعد أن تضارب هو و مروان بن الحكم بسيفهما.
فلمّا اسر ضرب ضرب الموت و نتف حاجباه و أشفار عينيه و كلّ شعرة في وجهه و رأسه و أخذوا السيابجة و هم سبعون رجلا فانطلقوا بهم و بعثمان بن حنيف إلى عايشة.
فقالت لأبان بن عثمان اخرج إليه فاضرب عنقه فانّ الأنصار قتلت أباك و أعان على قتله فنادى عثمان يا عايشة و يا طلحة و يا زبير إنّ أخي سهل بن حنيف خليفة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على المدينة و اقسم باللّه إن قتلتموني ليضعنّ السيف في بني أبيكم و أهليكم و رهطكم فلا يبقى منكم أحدا.
فكفّوا عنه و خافوا أن يوقع سهل بن حنيف بعيالاتهم و أهلهم بالمدينة فتركوه و أرسلت عايشة إلى الزبير أن اقتل السيابجة فانّه قد بلغني الّذي صنعوا بك.
قال: فذبحهم و اللّه الزبير كما يذبح الغنم ولي ذلك منهم عبد اللّه ابنه و هم سبعون رجلا و بقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال قالوا لا ندفعه إليكم حتّى يقدم أمير المؤمنين عليه السّلام فسارت إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم و أخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.
قال أبو مخنف: و حدّثنا الصقعب بن زهير قال كانت السيابجة القتلي يومئذ أربعمائة رجل قال: فكان غدر طلحة و الزبير بعثمان بن حنيف أوّل غدر في الاسلام و كان السيابجة أوّل قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا.
قال: و خيّروا عثمان بن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعليّ عليه السّلام فاختار الرّحيل فخلّوا سبيله فلحق بعليّ عليه السّلام فلما رآه بكى و قال له فارقتك شيخا و جئتك أمرد فقال عليّ عليه السّلام: إنّا للّه و إنّا اليه راجعون قالها ثلاثا.
قال أبو مخنف: فلمّا صفت البصرة لطلحة و الزبير اختلفا في الصّلاة فاراد كلّ منهما أن يؤمّ بالناس و خاف أن يكون صلاته خلف صاحبه تسليما و رضى بتقدّمه فأصلحت بينهما عايشة بأن جعلت عبد اللّه بن زبير و محمّد بن طلحة يصلّيان الناس هذا يوما و هذا يوما.
قال أبو مخنف: ثمّ دخلا بيت مال البصرة فلمّا رأوا ما فيه من الأموال قال الزّبير: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ فنحن أحقّ بها من أهل البصرة فأخذا ذلك المال كلّه فلمّا غلب عليّ عليه السّلام ردّ تلك الأموال إلى بيت المال و قسّمها في المسلمين هذا.
و قد تقدّم في شرح كلام له عليه السّلام و هو ثامن المختار من الخطب كيفيّة وقعة الجمل و مقتل الزّبير فارّا عن الحرب و تقدّم نوادر تلك الوقعة في شرح ساير الخطب و الكلمات في مواقعها اللّاحقة فلتطلب من مظانّها.
|