إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا عبد مؤمن (ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن خ ل) امتحن اللّه قلبه للإيمان، و لا يعي حديثنا إلّا صدور أمينة، و أحلام رزينة
اللغة
(مستصعب) مروىّ بفتح العين و كسرها
المعنى
و لما فهم من الجملات السابقة تصريحا و تلويحا وجوب السعى و الهجرة إليه عليه السّلام و إلى الطيّبين من ذريّته لكونهم حجّة اللّه في عباده و خليفة اللّه فى بلاده و علم أنّه لا يسوغ التقصير و الاستضعاف في معرفة حقّهم أردف ذلك بالتنبيه على أنّ معرفتهم حقّ المعرفة من خواصّ المؤمنين المخلصين فقال عليه السّلام: (إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان) و الغرض بذلك تشويق المخاطبين و ترغيبهم إلى المهاجرة إليهم و المبادرة إلى معرفة شئونات ولايتهم ليدخلوا في زمرة المؤمنين الممتحنين الكاملين في مقام العرفان و الايقان الحائزين قصب السبق في مضمار التصديق و الايمان.
و في بعض النسخ لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و هذا المعني قد ورد عنهم عليهم السّلام في أخبار كثيرة.
فقد روى في الكافي عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان عن عمار بن مروان عن جابر قال قال أبو جعفر عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب لا يؤمن به إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للايمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه، و ما اشمأزّت منه قلوبكم و أنكرتموه فردّوه إلى اللّه و إلى الرسول و إلى العالم من آل محمّد و إنما الهلاك أن يحدث أحدكم بشي ء منه لا يحتمله فيقول: و اللّه ما كان هذا و اللّه ما كان هذا و الانكار هو الكفر.
و رواه في البحار من الخرائج و منتخب البصائر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام مثله إلّا أنّ في آخره: و الانكار لفضائلهم هو الكفر.
و فيه عن أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكرت التقية يوما عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال عليه السّلام: و اللّه لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، و لقد آخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهما فما ظنكم بساير الخلق، إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلّا نبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان، فقال عليه السّلام و إنما صار سلمان من العلماء لأنّه امرء منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء.
و قد مضى أحاديث اخر في هذا المعني في شرح الفصل الرابع من المختار الثاني و قدّمنا هناك بعض الكلام في تحقيق معني هذه الأحاديث.
و أقول هنا مضافا إلي ما سبق: إنّ المراد من أمر آل محمّد عليهم السّلام و علمهم و حديثهم الوارد في هذه الروايات على اختلاف عناوينها شي ء واحد، و هو ما يختصّ بهم عليهم السّلام و ما هو خصايص ولايتهم من شرافة الذات و نورانيّتها و الكمالات الكاملة و الأخلاق الفاضلة و الاشراقات الّتي يختصّ بها عقولهم و القدرة على ما لا يقدر عليه غيرهم و ما لهم من المقامات النورانية و العلوم الغيبيّة و الاسرار الالهيّة و الأخبار الملكوتيّة و الاثار اللّاهوتية و الأطوار الناسوتية و الأحكام الغريبة و القضايا العجيبة، فانّ هذه الشئونات صعب في نفسه مستصعب فهمه و تسليمه على الخلق لا يذعن به و لا يقبله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و أعدّه بتطهيره و امتحانه و ابتلائه بالتكاليف العقلية و النقلية حتّى تحلّى بالكمالات العلمية و العملية، و الفضايل الخلقية و النفسانية و عرف مبادى كمالاتهم و قدرتهم و لا يستنكر ما ذكر من فضائلهم و ما صدر عنهم من قول أو فعل أو أمر أو نهي، و لا يتلقى شيئا من ذلك بالتكذيب و لا ينسبهم عليهم السّلام فيه إلى الكذب و ذلك لكونه مخلوقا من فاضل طينتهم معجونا بنور ولايتهم مضافا إليهم، فاذا ورد عليه شي ء منهم وصل إليه فهمه و عرفه على ما هو حقّه آمن به تفصيلا، و إذا قصر عنه عقله آمن به إجمالا و لا ينكره كما قال عزّ من قائل «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي».
و أما غير من ذكر فاذا ورد عليهم شي ء من أمرهم و علمهم و أحاديثهم و فضايلهم عليهم السلام نفرت قلوبهم و اشمأزّت نفوسهم و تاهت عقولهم و سارعوا إلى ردّه و انكاره و لا يحتملونه و لا يتحمّلونه بل يكفرون به و يكذبونه كما قال عليه السّلام في المختار السبعين: و لقد بلغني أنكم تقولون: علىّ يكذب، قاتلكم اللّه فعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه، كلّا و اللّه و لكنّها لهجة غبتم عنها و لم تكونوا من أهلها ويل امّه كيلا بغير ثمن لو كان له دعاة.
(و) قوله (لا يعى حديثنا إلّا صدور أمينة و أحلام رزينة) توكيد لما دلت عليه الجملة السابقة أى لا يحفظ حديثنا الصّعب المستصعب إلّا قلوب متّصفة بالأمانة و عقول ذات ثقل و وقار و رزانة.
روى في الكافى عن علىّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن البرقى، عن ابن سنان أو غيره رفعه إلى أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بنى آدم أ لست بربّكم، فمن و فى لنا و في اللّه له بالجنّة، و من أبغضنا و لم يرد «يواد خ» إلينا حقّنا ففى النار خالدا مخلّدا.
و المراد انّه لا يحفظ و لا يحتمل حديثنا إلّا صدور أمينة في احتماله و حفظه و كتمانه و ستره إلى أن يؤدّيه إلى أهله على وفق ما احتمله و تحمّله من دون تغير و تبديل و لا تحريف و لا زيادة و لا نقصان كما هو شأن الأمين يحفظ الأمانة و يردّها إلى أهلها صحيحة سالمة.
و يرشد اليه ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى و غيره عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابنا قال كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام جعلت فداك ما معني قول الصادق عليه السّلام حديثنا لا يحتمله ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان فجاء الجواب إنما معني قول الصادق عليه السّلام أى لا يحتمله ملك و لا نبيّ و لا مؤمن إنّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملك غيره، و النبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبيّ غيره، و المؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معني قول جدّى عليه السّلام هذا.
و وصف الأحلام بالرزانة إشارة إلى أنها لا يستنفرها صعوبة ما سمعتها من الأحاديث و الفضايل إلى ردّها و إنكارها و لا يستخفنّها غرابتها إلى نشرها و اذاعتها.
روى في البحار من منتخب البصاير بسنده عن الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ أحبّ أصحابي إلىّ أفقههم و أورعهم و أكتمهم لحديثنا، و إنّ أسوأهم عندى حالا و أمقنهم إلىّ الّذى إذا سمع الحديث ينسب إلينا و يروى عنّا و اشمأزّ منه جحده و اكفر من دان به و لا يدرى لعلّ الحديث من عندنا خرج و إلينا اسند فيكون بذلك خارجا من ديننا.
و فيه منه بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا» قال: هم الأئمة و يجرى فيمن استقام من شيعتنا و سلم لأمرنا و كتم حديثنا عن عدوّنا تستقبله الملائكة بالبشرى من اللّه بالجنّة و قد و اللّه مضى أقوام كانوا على مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا و سلّموا لأمرنا و كتموا حديثنا و لم يذيعوه عند عدوّنا و لم يشكّوا فيه كما شككتم فاستقبلتهم الملائكة بالبشرى من اللّه بالجنّة، هذا.
|