لا يقاس بآل محمّد «صلّى اللّه عليه و آله» أحد من هذه الامّة، و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدّين، و عماد اليقين، إليهم يفي ء الغالي، و بهم يلحق التّالي، و لهم خصايص حقّ الولاية، و فيهم الوصيّة و الوراثة، الان إذ رجع الحقّ إلى أهله، و نقل إلى منتقله.
اللغة
(أساس) الشّي ء أصله و (الغلوّ) التّجاوز عن الحدّ قال تعالى: لا تغلوا في دينكم، إى لا تجاوزوا الحدّ و (تلوت) الرّجل أتلوه تلوا تبعته و المراد بالتّالي هنا المرتاد الذي يريد الخير ليوجر عليه.
الاعراب
قال الجوهري: الآن اسم للوقت الذي أنت فيه و هو ظرف غير متمكن وقع معرفة و لم يدخله الالف و اللّام للتّعريف لأنّه ليس له ما يشركه انتهى
و هو في محلّ الرّفع على الابتداء، و كلمة إذ مرفوع المحلّ على الخبريّة و مضافة إلى الجملة بعدها أى الآن وقت رجوع الحقّ إلى أهله فاذ في المقام نظير إذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما، على ما ذهب إليه في الكشّاف من كون إذا فيه خبرا، و يمكن أن يكون الآن خبرا مقدّما و إذ مبتدأ مثل إذ في قوله تعالى على قراءة بعضهم لمن «مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ».
أى من منّ اللّه على المؤمنين وقت بعثه، ذكره الزّمخشرى أيضا هذا، و يحتمل أن يكون إذ بمعنى قد للتّحقيق و هو أقرب معنى و إليه ذهب بعضهم في قوله تعالى: «وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ».
أو يكون للتّوكيد و الزّيادة حكاه ابن هشام عن أبى عبيدة و ابن قتيبة في قوله تعالى: «وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ».
المعنى
ثمّ لما ذكر عليه السّلام مثالب الأعداء أشار إلى مناقب الأولياء و قال: (لا يقاس بآل محمّد) صلّى اللّه عليه و آله (من هذه الامة أحد) و لا يوازنهم غيرهم، و لا يقاسون بمن عداهم، كما صرّح عليه السّلام به ايضا فيما رواه في البحار من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من كتاب الخصائص لابن البطريق رفعه إلى الحرث، قال: قال عليّ عليه السّلام: نحن أهل بيت لا نقاس بالناس، فقام رجل فأتى عبد اللّه بن العبّاس فأخبره بذلك، فقال: صدق عليّ عليه السّلام، أو ليس كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يقاس بالنّاس ثمّ قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عليّ عليه السّلام: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ».
و من كتاب المحتضر أيضا من كتاب الخطب لعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السّلام: فقال: سلوني قبل أن تفقدونى فأنا عيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاذا «فأنا خ ل» فقأت«» عين الفتنة بباطنها و ظاهرها، سلوا من عنده علم المنايا و البلايا و الوصايا و فصل الخطاب، سلوني فأنا ينسوب المؤمنين حقّا، و ما من فئة تهوى مأئة أو تضلّ مأئة إلّا و قد أتيت بقائدها و سايقها، و الذي نفسي بيده لو طوى لي الوسادة فأجلس عليها لقضيت بين أهل التّوراة بتوراتهم و لأهل الانجيل بإنجيلهم و لأهل الزّبور بزبورهم و لأهل الفرقان بفرقانهم، قال: فقام ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يخطب النّاس، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن نفسك، فقال: ويلك أ تريد أن ازكي نفسي و قد نهى اللّه عن ذلك مع أنّي كنت إذا سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني و إذا سكتّ ابتدأني و بين الجوانح منّي علم جمّ و نحن أهل بيت لا نقاس بأحد.
و بالجملة فهم عليهم السّلام لا يقاسون بأحد و لا يقاس أحد بهم و لا يستحقّ أحد بلوغ مراتبهم و نيل مقاماتهم (و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا) هذا العطف بمنزلة التّعليل لابطال قياس المساواة بينهم و بين غيرهم، و في هذه الجملة على و جازتها إشارة إلى مطالب نفيسة كلّ واحد منها خير من الدّنيا و ما فيها.
الاول أنّهم أولياء النّعم شاهدها و غائبها و ظاهرها و باطنها.
الثاني أنّ نعمتهم جارية على العباد أبد الدّهر لا يختصّ بآن دون آن، و فيوضاتهم متواترة لا تنحصر بوقت دون وقت.
الثالث ما هو كالنّتيجة لسابقيه، و هو أنّ التّسوية بينهم و بين غيرهم حينئذ باطلة ضرورة أنّ المنعم أفضل من المنعم عليه.
اما الاول فلأنّهم اصول نعم اللّه سبحانه و خزاين كرمه و لوجودهم خلقت الدّنيا و ما فيها و بوجودهم ثبتت الأرض و السّماء كما قال الصّادق عليه السّلام فيما رواه في الكافي عن مروان بن مياح عنه عليه السّلام، قال: إنّ اللّه خلقنا فأحسن خلقنا و صوّرنا فأحسن صورنا و جعلنا عينه في عباده، و لسانه النّاطق في خلقه، و يده المبسوطة على عباده بالرأفة و الرّحمة، و وجهه الذي يؤتى منه، و بابه الذي يدلّ عليه، و خزّانه في سمائه و أرضه، بنا أثمرت الأشجار و أينعت الثّمار و جرت الأنهار، و بنا ينزل غيث السّماء و نبت عشب الأرض، و بعبادتنا عبد اللّه و لو لا نحن ما عبد اللّه.
فقد ظهر منه أنّهم عليهم السّلام و سايط الفيوضات النّازلة و النّعم الواصلة، و أنّهم يد اللّه المبسوطة، كما ظهر أنّ ايجادات الخلق و ما تضمّنت من العبادات و الشّرعيات و تكاليف المكلّفين و ما تضمّنت من الوجودات كلّها آثارهم و من شئونات ولايتهم.
- لهم خلق اللّه العوالم كلّهاو حكمهم فيها بها من خليقة
- فهم علّة الايجاد و اللّه موجدبهم قال للاشياء كونى فكانت
و إلى هذه النّعمة اشيرت في آيات كثيرة.
منها قوله تعالى: «وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً».
قال الباقر عليه السّلام: النّعمة الظاهرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ما جاء به من معرفته و توحيده. و أمّا النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت و عقد مودّتنا.
و منها قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ».
روى في البحار عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على محمّد بن عليّ عليهما السّلام فقدم لي طعاما لم آكل أطيب منه، فقال لي يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا فقلت جعلت فداك ما أطيبه غير أنّي ذكرت آية في كتاب اللّه فنغّصته«»، قال عليه السّلام و ما هي قلت: ثمّ لتسئلنّ يومئذ عن النّعيم، فقال عليه السّلام و اللّه لا تسأل عن هذا الطعام أبدا، ثمّ ضحك حتّى افترّ«» ضاحكا و بدت أضراسه، و قال أ تدرى ما النّعيم قلت: لا، قال: نحن النّعيم الذي تسألون عنه.
و منها قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» روى في تفسير العيّاشي عن الأصبغ بن نباتة في هذه الآية، قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: نحن نعمة اللّه التي أنعم على العباد.
و منها قوله تعالي: «فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ».
روى في الكافي عن أبي يوسف البزاز، قال: تلا أبو عبد اللّه عليه السّلام هذه الآية، قال عليه السّلام أ تدرى ما آلاء اللّه قلت: لا قال: هي أعظم نعم اللّه على خلقه و هي ولايتنا.
و منها قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ».
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في مرويّ داود الرّقي: أى بأيّ نعمني تكذّبان، بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله أم بعليّ عليه السّلام فبهما أنعمت على العباد إلى غير ذلك من الآيات التي يطول ذكرها.
و بالجملة فوجود الأئمة سلام اللّه عليهم نعمة و ولايتهم نعمة.
- و ما نعمة الّا و هم أولياؤهافهم نعمة منها أتت كلّ نعمة
و اما الثاني و هو عدم اختصاص فيوضاتهم بوقت دون وقت و جريان نعمتهم أبد الدّهر فقد ظهر وجهه اجمالا من رواية الكافي السابقة عن مروان بن مياح عن الصّادق عليه السّلام.
و تفصيله أنّ النّعم على كثرتها إمّا دنيويّة أو اخرويّة.
أمّا الدّنيوية فقد ظهر من الرّواية السّابقة أنّهم سبب إبداع الموجودات و ايجاد المبدعات، و أنّهم عين اللّه الناظرة و يده الباسطة و خزّان اللّه في الأرض و السّماء و بابه الذي منه يؤتى، كما ظهر في الفصل الخامس عشر من فصول الخطبة الاولى عند شرح قوله عليه السّلام أو حجّة لازمة، أنّ نظام العباد و انتظام البلاد إلى يوم التّناد إنّما هو بوجود الامام، و أنّ الأرض لو تبقى بغير حجّة لساخت و انخسفت و يدلّ على ذلك مضافا إلى ما سبق، ما رواه في البحار من كتاب إكمال الدين و أمالى الصّدوق بالاسناد عن الأعمش عن الصّادق عن أبيه عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام، قال: نحن أئمة المسلمين و حجج اللّه على العالمين و سادة المؤمنين و قادة الغرّ المحجلين و موالي المؤمنين، و نحن أمان أهل الأرض كما أنّ النّجوم أمان أهل السّماء، و نحن الذين بنا يمسك اللّه السّماء أن تقع على الارض إلّا باذنه و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها و بنا ينزل الغيث و بنا ينشر الرّحمة و يخرج بركات الأرض، ثمّ قال عليه السّلام: و لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجة للّه فيها ظاهر مشهور أو غايب مستور و لا تخلو إلى أن تقوم السّاعة من حجّة اللّه، فيها و لو لا ذلك لم يعبد اللّه، قال سليمان: فقلت للصّادق عليه السّلام: فكيف ينتفع النّاس بالحجّة الغائب المستور قال عليه السّلام: كما ينتفعون بالشّمس إذا سترها السّحاب، و مثله في الاحتجاج إلى قوله لم يعبد اللّه.
و أمّا النّعم الاخرويّة فانّما هي كلها متفرّعة على معرفة اللّه سبحانه و عبادته، و هم اصول تلك المعرفة إذ بهم عرف اللّه و بهم عبد اللّه و لولاهم ما عبد اللّه، كما دلت عليه رواية الكافي السّالفة و غيرها من الأخبار المتواترة، مضافا إلى ما مرّ في ثالث تذنيبات الفصل الرّابع من فصول الخطبة الاولى أنّ ولايتهم عليهم السّلام شرط صحّة الأعمال و قبولها، و بها يترتّب عليها ثمراتها الاخروية، و بدونها لا ينتفع بشي ء منها.
- هم العروة الوثقى التي كلّ من بهاتمسّك لم يسأل غدا عن خطيئة
فبولايتهم ينال السّعادة العظمى و تدرك الشّفاعة الكبرى و يكتسب الجنان و يحصل الرّضوان الذي هو أعظم الثّمرات و أشرف اللّذات، كما قال سبحانه: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».
و اما الثالث و هو أفضليّة المنعم من المنعم عليه فضرورىّ مستغن عن البيان خصوصا إذا كان الانعام بمثل هذه النعم الجليلة التي أشرنا إليها، و أعظمها الهداية إلى اللّه و الدّلالة على اللّه و الارشاد إلى رضوان اللّه.
و يرشد إلى ما ذكرناه ما رواه في الاحتجاج عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام، قال: إنّ رجلا جاء إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام برجل يزعم أنّه قاتل أبيه،فاعترف فأوجب عليه القصاص و سأله أن يعفو عنه ليعظم اللّه ثوابه فكان نفسه لم تطب بذلك، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمدّعى الدّم الذي هو الولي المستحق للقصاص إن كنت تذكر لهذا الرّجل عليك فضلا فهب له هذه الجناية و اغفر له هذا الذّنب، قال له يابن رسول اللّه. له عليّ حقّ و لكن لم يبلغ به إلى أن أعفو له عن قتل والدي، قال عليه السّلام فتريد ما ذا قال: أريد القود فان أراد بحقّه على أن اصالحه على الدّية لصالحته و عفوت عنه، قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: فما ذا حقّه عليك قال يا بن رسول اللّه: لقّاني توحيد اللّه و نبوّة رسول اللّه و إمامة عليّ و الأئمة عليهم السّلام، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: فهذا لا يفي بدم أبيك بلى و اللّه هذا يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأولين و الآخرين سوى الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام إن قتلوا فانّه لا يفي بدمائهم شي ء الخبر.
(هم أساس الدّين) و بهم قوامه و دوامه كما أنّ قوام البناء على الأساس، و قد ظهر وجهه في شرح قوله عليه السّلام بهم أقام انحناء ظهره اه فتذكر (و عماد اليقين) و دعامته و عليهم اعتماده و بهم ثباته، إذ بهم يرتفع الشّبهاب و يدفع الشكوكات، و يحتمل أن يكون المراد باليقين خصوص المعارف الحقّة و العقائد اليقينيّة، و لعلّه الأنسب بقوله: اساس الدين (اليهم يفي ء) أى يرجع (الغالي و بهم يلحق التّالي) قال البحراني أشار بقوله: إليهم يفي ء الغالي إلى أنّ المتجاوز للفضائل الانسانية التي مدارها على الحكمة و العفة و الشّجاعة و العدالة، إلى طرف الافراط منها يرجع اليهم و يهتدى بهم في تحصيل هذه الفضايل، لكونهم عليها، و يقوله عليه السّلام: و بهم يلحق التّالي إلى أنّ المقصر عن يلوغ هذه الفضايل المرتكب لطرف التّفريط في تحصيلها يلحق بهم عند طلبه لها و معاونة اللّه له بالهداية إلى ذلك انتهى.
أقول: و ما ذكره (ره) ممّا لاغبار عليه إلّا انّ الاظهر بملاحظة السّياق و سبق قوله: هم أساس الدين: أنّ المراد بالغالى هو المفرط في الدّين، و بالتّالي المقصر فيه بخصوصه، و ان كان وظيفتهم عليهم السّلام العدل في كلّ الامور و هم الأئمة الوسط و النمط«» الأوسط، كما في الحديث: نحن النّمط الأوسط و لا يدركنا الغالي و لا يسبقنا التّالي، و في حديث آخر نحن النّمرقة«» الوسطى، بنا يلحق التّالي و إلينا يرجع الغالى.
قال بعض شارحي الحديث: استعار عليه السّلام لفظ النّمرقة بصفة الوسطى لهم عليهم السّلام باعتبار كونهم أئمة العدل يستند الخلق إليهم فى تدبير معاشهم و معادهم، و من حقّ الامام العادل أن يلحق به التّالي المفرط و المقصر في الدّين، و يرجع إليه الغالي المتجاوز في طلبه حدّ العدل كما يستند الى النّمرقة المتوسطة من على جانبيها.
و في البحار من أمالي الشيخ باسناده عن فضل بن يسار، قال: قال الصّادق عليه السّلام: احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم، فانّ الغلاة شرّ خلق اللّه يصغرون عظمة اللّه و يدّعون الرّبوبيّة لعباد اللّه، و اللّه إنّ الغلاة لشرّ من اليهود و النّصارى و المجوس و الذين أشركوا، ثم قال عليه السّلام: إلينا يرجع الغالى فلا نقبله و بنا يلحق المقصر فنقبله، فقيل له كيف ذلك يابن رسول اللّه قال عليه السّلام: لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصّلاة و الصّيام و الزكاة و الحجّ فلا يقدر على ترك عادته و على الرّجوع إلى طاعة اللّه عزّ و جلّ، و أنّ المقصر إذا عرف عمل و أطاع (و لهم خصايص حقّ الولاية) العظمى و الخلافة الكبرى و هي الرّياسة الكلّية و السّلطنة الالهية.
و في هذه الجملة تنبيه على أنّ للولاية خصايص بها يتأهل لها، و شروطا بها يحصل استحقاقها و أنّ تلك الخصائص و الشرائط موجودة فيهم و مختصّة بهم لا يوجد في غيرهم، و ذلك بملاحظة كون اللّام حقيقة في الاختصاص الحقيقي مضافا إلى دلالة تقديم الخبر الذي حقّه التّأخير على المبتدأ على انحصار هذه الخصائص فيهم.
و بالجملة فهذه الجملة دالة بمنطوقها على أنّ هؤلاء هم المستحقون للولاية و الرّياسة العامة من أجل وجود خواصّها فيهم، و بمفهومها على عدم استحقاق من سواهم لها لخلوّهم عن هذه الخواصّ.
و أمّا ما ذكره الشّارح المعتزلي في تفسير كلامه عليه السّلام: من أنّ لهم خصايص حقّ ولاية الرّسول على الخلق فتأويل بعيد مخالف لظاهر كلامه عليه السّلام كما لا يخفى، و من العجب أنّه فسّر الولاية قبل كلامه ذلك بالامارة، فيكون حاصل معنى الكلام على ما ذكره أنّ لهم خصايص حقّ امارة الرّسول على الخلق.
و أنت خبير بما فيه أمّا أولا فلانّه إن أراد بامارة الرّسول على الخلق الرّياسة العامة و السلطنة الكلية التي هي معنى الأولى بالتّصرف، فتفسير الولاية بها حينئذ صحيح إلّا أنّه لا داعي إلى ذلك التفسير إذ دلالة لفظ الولاية على ذلك المعنى أظهر من دلالة الامارة عليه، و إن أراد بها الامارة على الخلق فى الامور السّياسية و مصالح الحروب فقط فهو كما ترى خلاف ظاهر كلامه عليه السّلام خصوصا بملاحظة سابقه و لاحقه الوارد فى مقام التمدح و إظهار الفضايل و المناصب الالهية، و من المعلوم أنّ منصب امارة الحرب و نحوه ليس ممّا يعبأ به و يتمدح عند منصب النّبوة و الرّسالة و أمّا ثانيا فلانّا لم نر إلى الآن توصيف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فى كلام أحد من الامة و لا إطلاق الأمير عليه صلّى اللّه عليه و آله فى آية و لا سنة، فأىّ داع إلى تمحل هذا التّأويل المشتمل على السّماجة و الأولى الاعراض عن ذلك و التّصدّى لبيان خصايص الولاية.
و قد اشير اليها فى أخبار كثيرة أكثرها جمعا لها ما رواه فى الكافى عن أبى محمّد القاسم بن علا رفعه عن عبد العزيز بن مسلم، و فى العيون و البحار من كتاب إكمال الدين و معانى الأخبار و أمالى الصّدوق جميعا عن الطالقانى عن القاسم بن محمّد بن عليّ الهارونى عن عمران بن موسى عن القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز ابن مسلم، قال: كنا مع الرّضا عليه السّلام «فى أيام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام خ ل» بمرو فاجتمعنا فى الجامع يوم الجمعة فى «بدو خ» بدء مقدمنا فأداروا «فأدار الناس خ» امر الامامة و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي و مولاى عليه السّلام فاعلمته خوض «ما خاض خ» النّاس فيه، فتبسم عليه السّلام ثمّ قال يا عبد العزيز جهلوا القوم و خدعوا عن آرائهم «أديانهم خ»«» ان اللّه لم يقبض نبيه صلّى اللّه عليه و آله حتّى أكمل له الدّين و أنزل عليه القرآن فيه تبيان «تفصيل خ» كلّ شي ء بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام، و جميع ما يحتاج إليه النّاس كملا، فقال عزّ و جلّ: «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ» و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره صلّى اللّه عليه و آله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ».
و أمر الامامة من تمام الدين و لم يمض حتّى بيّن لامته معالم دينهم «دينه خ» و أوضح لهم سبيلهم «سبله خ» و تركهم على قصد سبيل الحقّ و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك شيئا يحتاج إليه الامّة إلّا بينه. فمن زعم أن اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر، هل يعرفون قدر الامامة و محلّها من الامة فيجوز فيها اختيارهم إنّ الامامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم: إنّ الامامة خصّ اللّه بها إبراهيم الخليل عليه السّلام بعد النّبوة و الخلّة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه بها، و أشاد بها جلّ ذكره فقال: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» فقال الخليل عليه السّلام سرورا بها «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي» قال اللّه تبارك و تعالى: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».
فابطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة و صارت في الصّفوة ثمّ اكرمه اللّه تعالى بأن جعلها في ذرّيته أهل الصّفوة و الطهارة فقال: «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ» فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرنا عن قرن «فقرنا خ» حتّى ورثها اللّه عزّ و جلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال جلّ و تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»
فكانت له خاصّة، فقلّدها عليّا عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ على رسم ما فرض «فرضها خ» اللّه فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الايمان بقوله جلّ و علا: «وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ» فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله فمن أين يختار هؤلاء الجهال إنّ الامامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء.
إنّ الامامة خلافة اللّه و خلافة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين عليهم السّلام، إنّ الامامة «الامام خ» زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين.
إنّ الامامة اسّ الاسلام النّامي و فرعه السّامي.
بالامام تمام الصّلاة و الزكاة و الصّيام و الحجّ و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثّغور و الأطراف.
الامام يحلّل حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه و يدعو الى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّة البالغة.
الامام كالشّمس الطاعة المجللة بنورها للعالم و هي في الافق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار.
الامام البدر المنير و السّراج الظاهر و النّور السّاطع و النجم الهادي في غياهب الدّجى و أجواز البلدان و القفار «و البيد القفار خ» و لجج البحار.
الامام الماء العذب على الظماء و الدّال على الهدى و المنجي من الرّدى.
الامام النّار على البقاع الحارّ لمن اصطلى به و الدّليل في المهالك من فارقه فهالك.
الامام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشّمس المضيئة و السّماء الظليلة و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الرّوضة.
الامام الأنيس الرّفيق و الوالد الشفيق «الأمين الرفيق و الوالد الرقيق خ» و الأخ الشقيق و الأم البرة بالولد الصّغير و مفزع العباد في الدّاهية «و خ» الناد.
الامام أمين اللّه في خلقه و حجّته على عباده و خليفته في بلاده و الدّاعي إلى اللّه و الذّابّ عن حرم اللّه.
الامام المطهر من الذّنوب و المبرّى من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدّين و عزّ المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين الامام واحد دهره و لا يدانيه أحد و لا يعادله عالم و لا يوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه و لا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام او يمكنه اختياره هيهات هيهات، ضلّت العقول و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و حسرت «خسئت خ» العيون، و تصاغرت العظماء و تحيرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء، و حصرت الخطباء، و جهلت الألباء، و كلّت الشّعرآء، و عجزت الأدباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، او فضيلة من فضايله فأقرّت «و اقرت خ» بالعجز و التّقصير، و كيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يفهم شي ء من أمره أو يوجد من يقوم «يقوم أحد خ» مقامه و يغني غناه، لا كيف و أنّى و هو بحيث النّجم من أيدى «يدخ» المتناولين و وصف الواصفين فأين الاختيار من هذا و اين العقول عن هذا و اين يوجد مثل هذا ظنّوا «أيظنّون خ» أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول «محمّد خ» عليهم السّلام كذبتهم و اللّه أنفسهم و منتهم الأباطيل «الباطل خ» فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الامام بعقول حائرة بائرة ناقصة، و آراء مضلّة، فلم يزدادوا منه إلّا بعدا قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون «و خ» لقد راموا صعبا و قالوا إفكا و ضلوا ضلالا بعيدا و وقعوا في الحيرة اذ تركوا الامام عن بصيرة «وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ» رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسوله إلى اختيارهم و القرآن يناديهم: «وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» و قال عزّ و جلّ: «وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» الآية.
و قال عزّ و جلّ: «ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ، أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ، سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ، أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ» و قال عزّ و جلّ: «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها، أَمْ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ، أَمْ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ، وَ قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا، بَلْ هُو فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فكيف لهم باختيار الامام و الامام عالم لا يجهل و راع «داع خ» لا ينكل معدن القدس و الطهارة و النّسك و الزهادة و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول و نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في «من خ» نسب و لا يدانيه ذو حسب فالبيت من قريش و الذروة من هاشم، و العترة من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و الرضا من اللّه «عزّ و جلّ خ» شرف الاشراف، و الفرع من عبد مناف، نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالامامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه، إنّ الأنبياء و الأئمة «صلوات اللّه عليهم خ» يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون «علمهم خ» فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله تبارك و تعالى: «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».
و قوله عزّ و جلّ: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ».
و قوله عزّ و جلّ في طالوت: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ».
و قال عزّ و جلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله: «أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً».
و قال عزّ و جلّ في الأئمة من أهل بيته و عترته و ذريته «صلوات اللّه عليهم خ»: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» و انّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لامور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاما فلم يعى بعده بجواب، و لا تحيّر فيه عن الصّواب و هو «فهو خ» معصوم مؤيد موفق مسدّد «مسدّد من الخطاء خ» و قد أمن الخطايا و الزّلل و العثار يخصّه اللّه عزّ و جلّ بذلك ليكون حجته «حجة خ» على عباده و شاهده على خلقه: «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».
فهل يقدرون مثل هذا فيختاروه «نه خ» أو يكون مختارهم بهذه الصّفة فيقدموه «نه خ» بعدد «تعدد خ» «نعدواظ» و بيت اللّه الحقّ و نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون، و في كتاب اللّه الهدى و الشّفاء فنبذوه و اتّبعوا أهواههم فذمّهم اللّه و مقتهم و أتعسهم، فقال عزّ و جلّ: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».
و قال عزّ و جلّ: «فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ».
و قال عزّ و جلّ: «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ». و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلّم تسليما كثيرا.
(و فيهم الوصيّة و الوراثة) قال الشّارح المعتزلي، أمّا الوصيّة فلا ريب عندنا أنّ عليّا عليه السّلام كان وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إن خالف في ذلك من هو منسوب إلى العناد، و لسنا نعني بالوصيّة النّصّ و الخلافة و لكن امورا اخرى لعلّها إذا لمحت اشرف و أجلّ و أمّا الوراثة فالاماميّة يحملونها على ميراث المال و الخلافة و نحن نحملها على وراثة العلم انتهى، أقول: و أنت خبير بما فيه أمّا اوّلا فلأنّه قد تقرّر في مقامه أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، و على ذلك فحيث لم يذكر عليه السّلام للوصيّة متعلّقا و لم يقيّد الوراثة بشي ء مخصوص فلا بدّ أن يكون المراد منه كلّ ما كان صالحا للوصيّة و قابلا للتّوريث من المال و العلم و الامامة و الخلافة، فكلامه عليه السّلام بنفسه مع قطع النّظر عن الأدلة الخارجة العقليّة و النقليّة العاميّة و الخاصيّة كما ستأتى في مقدّمة الخطبة الآتية دالّ على ثبوت الوصيّة لهم في جميع ما ذكر و وراثتهم لها كذلك، فيكون استحقاقهم لها من جهتي الوصية و الوراثة معا.
و أمّا ثانيا فلأنّا لا ندري أىّ أمر أشرف و أجلّ من الرّياسة العامة و الخلافة الالهية حتّى يحمل الوصيّة في كلامه عليه السّلام عليه، بل كلّ ما يتصوّر حملها عليه فهو دون مرتبة الخلافة التّالية لمرتبة النّبوة، و من كان له نظر بصيرة و دقّة يعرف تدليس الشّارح و أنّه يزخرف كلامه و يورّي مرامه هذا، و من لطايف الأشعار المقولة في صدر الاسلام المتضمّنة لوصايته عليه السّلام قول عبد الرّحمن بن خعيل «خثيل ظ»:
- لعمري لقد بايعتم ذا حفيظةعلى الدّين معروف العفاف موفقا
- عليّا وصيّ المصطفى و ابن عمه و أوّل من صلّى أخا الدين و التّقى
و قال الفضل بن عبّاس:
- و كان وليّ الامر بعد محمّدعليّ و فيكلّ المواطن صاحبه
- وصيّ رسول اللّه حقا و صهره و أوّل من صلّى و ما ذمّ جانبه
و قال عقبة بن أبي لهب مخاطبا لعايشة:
- أعايش خلّي عن عليّ و عتبهبما ليس فيه انّما أنت والدة
- وصيّ رسول اللّه من دون اهله فأنت على ما كان من ذاك شاهدة
و قال أبو الهيثم بن التّيهان:
- قل للزبير و قل لطلحة إننانحن الذين شعارنا الانصار
- نحن الذين رأت قريش فعلنايوم القليب اولئك الكفّار
- كنا شعار نبيّنا و دثارهيفديه منّا الرّوح و الابصار
- إنّ الوصيّ إمامنا و وليّنابرح الخفاء و باحت الاسرار
و قال عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:
- و منّا عليّ ذاك صاحب خيبرو صاحب بدر يوم سالت كتائبه
- وصيّ النّبيّ المصطفى و ابن عمّه فمن ذا يدانيه و من ذا يقاربه
و من أحسن ما قاله المتأخرون قول القاضي التّنوخي:
- وزير النّبي المصطفى و وصيّهو مشبهه في شيمة و ضراب
- و من قال في يوم الغدير محمّدو قد خاف من غدر العداة النواصب
- اما انّني أولى بكم من نفوسكمفقالوا بلى ريب المريب الموارب
- فقال لهم من كنت مولاه منكم فهذا اخي مولاه بعدي و صاحبي
- اطيعوه طرا فهو منّي بمنزلكهارون من موسى الكليم المخاطب
(الان اذ رجع الحقّ الى اهله و نقل الى منتقله) اى موضع انتقاله و المراد بالحقّ هو حقّ الولاية الذي سبق ذكره، فاللّام للعهد و هذه الجملة كالنّص في أنّ الخلافة كانت فيما قبل في غير أهلها و أنّه عليه السّلام هو أهل لها دون من تقدّمه.
قال الشّارح المعتزلي بعد ما قال: إنّ هذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله و نحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الاماميّة و نقول: إنّه عليه السّلام كان أولى بالأمر و أحقّ لا على وجه النّصّ بل على وجه الأفضليّة، فانّه أفضل البشر بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أحقّ بالخلافة من جميع المسلمين، لكنّه ترك حقّه لما علمه من المصلحة و ما تفرّس فيه هو و المسلمون من اضطراب الاسلام و انتشار الكلمة لحسد العرب له و ضغنهم عليه، و جايز لمن كان أولى بشي ء فتركه ثمّ استرجعه أن يقول: قد رجع إلى أهله.
أقول: فيه أوّلا إنّ التّأويل خلاف الأصل لا يصار إليه إلّا بدليل.
و ثانيا إنّ إنكار كونه عليه السّلام أحقّ بالأمر من جهة النّص لا وجه له بل النّص على ذلك كتابا و سنّة فوق حد الاحصاء.
و ثالثا إنّه عليه السّلام إذا كان أفضل البشر بعد الرّسول و الأحقّ بالخلافة من الجميع فلا بدّ على ذلك أن يكون هو الخليفة دون غيره، إذ تفضيل المفضول على لفاضل و تقديم المحتاج إلى التّكميل على الكامل قبيح عقلا و نقلا حسبما ستعرفه في مقدّمات الخطبة الآتية إنشاء اللّه، و من العجب أنّ الشّارح مع كونه عدلي المذهب نسب ذلك القبح إلى اللّه سبحانه في خطبة الشرح حيث قال: و قدّما المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف.
و رابعا إنّ تركه عليه السّلام لحقه عن طوع و اختيار لم يدلّ عليه دليل يعوّل عليه إلّا الأخبار العامية الموضوع خطبه 2 نهج البلاغه بخش 6ة «المختلقة خ ل» و الأخبار المتواترة من طرق الخاصة بل و المستفيضة من طريق العامة ناصة على خلافه و كفى بذلك شاهدا الخطبة الآتية المعروفة التي هي صريحة في أنّ تركه عليه السّلام للأمر لم يكن عن رضاء و اختيار، و تأويلات الشّارح هناك مثل ساير ما تكلّفه في تضاعيف الشّرح أوهن من بيوت العنكبوت نظير احتجاجاته على حقيّة الجبت و الطاغوت، كما ستطلع عليه حيثما بلغ الكلام محلّه إنشاء اللّه، و لنعم ما قيل:
- اذا لم يكن للمرء عين صحيحةفلا غرو أن يرتاب و الصبح مسفر
|