و من خطبة له عليه السّلام
و هى الثانية و الاربعون من المختار في باب الخطب و قد رواها المحدّث المجلسي و غيره بطرق مختلفة و اختلاف يسير، و رواها الشارح المعتزلي أيضا في شرح الخطبة الآتية، و نشير الى تلك الرّوايات بعد الفراغ من شرح ما أورده السّيد قدّس سرّه في الكتاب و هو قوله عليه الصّلاة و السّلام: أيّها النّاس إنّ أخوف ما أخاف عليكم إثنتان: اتّباع الهوى، و طول الأمل، فأمّا اتّباع الهوي فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ألا و إنّ الدّنيا قد ولّت حذّاء، فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء إصطبّها صابّها، ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت، و لكلّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، و لا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ كلّ ولد سيلحق بأبيه (بأمّه خ ل) يوم القيمة، و إنّ اليوم عمل و لا حساب، و غدا حساب و لا عمل.
اللغة
قال السيّد (ره) قوله: (حذّاء) الحذّاء السّريعة و من الناس من يروى جذّاء بالجيم و الذال اى انقطع خيرها و درّها انتهى و (الصّبابة) بضمّ الصّاد المهملة بقية الماء في الاناء و (الاصطباب) افتعال من الصّبّ و هو الاراقة.
الاعراب
كلمة ما في قوله أخوف ما أخاف نكرة موصوفة، و العايد من الصّفة إلى الموصوف محذوف، أى أخوف ما أخافه على حدّ قوله ربما تكره النّفوس له فرجةكحلّ العقال، أى ربّ شي ء تكرهه النّفوس، و قوله: اتّباع الهوى و طول الأمل مرفوعان على أنّهما خبران لمبتدأ محذوف واقعان موقع التفسير لاثنتان، و هو من باب الايضاح بعد الابهام المسمّى في فنّ البلاغة بالتّوشيح، و هو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنّى مفسّر باسمين ثانيهما عطف على الأوّل، و مثله يشيب ابن آدم و يشبّ فيه خصلتان: الحرص و طول الأمل، و حذّاء منصوب على الحالية، و إلّا صبابة مرفوع على الاستثناء المفرغ.
المعنى
اعلم أنّ مقصوده بهذه الخطبة النّهى عن اتّباع الهوى و المنع من طول الأمل في الدّنيا، فانّهما من أعظم الموبقات و أشدّ المهلكات كما قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ، وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى يعنى من تجاوز الحدّ الذي حدّه اللّه و ارتكب المعاصي و فضّل الدّنيا على الآخرة و اختارها عليها: فانّ النّار منزلها و مأواها، و أمّا من خاف مقام مسألة ربّه فيما يجب عليه فعله أو تركه، و نهى نفسه عن الحرام الذي تهويه و تشتهيه، فانّ الجنّة مقرّه و مثواه و لكونهما من أعظم المهلكات كان خوفه منهما أشدّ كما أشار إليهما بقوله عليه السّلام (أيها النّاس إنّ أخوف ما أخاف) ه (عليكم اثنتان) اى خصلتان إحداهما (اتّباع الهوى) و المراد به هو ميل النّفس الأمارة بالسّوء الى مقتضى طباعها من اللّذات الدّنيوية إلى حدّ الخروج عن قصد الشّريعة.
و مجامع الهوى خمسة امور جمعها قوله سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا، لَعِبٌ وَ، لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ، بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ، الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ و الاعيان التي تحصل منها هذه الخمسة سبعة جمعها قوله سبحانه: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (و) الخصلة الثانية (طول الأمل) و المراد بالأمل تعلّق النّفس بحصول محبوب في المستقبل، و يرادفه الطمع و الرّجاء إلا أنّ الأمل كثيرا ما يستعمل فيما يستبعد حصوله و الطمع فيما قرب حصوله و الرّجاء بين الأمل و الطمع و طول الأمل عبارة عن توقع امور دنيوية يستدعى حصولها مهلة في الاجل و فسحة من الزمان المستقبل.
ثمّ إنّه عليه السّلام بعد تحذيره عن اتباع الهوى و طول الأمل أشار إلى ما يترّتب عليهما من المفاسد الدّينية و المضار الأخرويّة فقال: (أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ) و ذلك لأنّ اتّباع الهوى يوجب صرف النّظر إلى الشهوات الدّنيوية و قصر الهمّة في اللذات الفانية و هو مستلزم للاعراض عن الحقّ و هو واضح، لأنّ حبّك للشي ء صارفك عمّا وراه و شاغلك عمّا عداه.
(و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة) و ذلك لما قد عرفت من أنّ طول الأمل عبارة عن توقع امور محبوبة دنيويّة فهو يوجب دوام ملاحظتها و دوام ملاحظتها مستلزم لاعراض النّفس عن ملاحظة أحوال الآخرة و هو مستعقب لا نمحاء تصورها في الذّهن و ذلك معنى النّسيان لها.
قال بعضهم: سبب طول الأمل هو حبّ الدّنيا فانّ الانسان إذا أنس بها و بلذّاتها ثقل عليه مفارقتها و أحبّ دوامها، فلا يتفكّر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، فانّ من أحبّ شيئا كره الفكر فيما يزيله و يبطله، فلا يزال تمنّى نفسه البقاء في الدّنيا و تقدّر حصول ما تحتاج إليه من أهل و مال و أدوات و أسباب، و يصير فكره مستغرقا في ذلك فلا يخطر الموت و الآخرة بباله.
و إن خطر بخاطره الموت و التّوبة و الاقبال على الأعمال الأخرويّة أخّر ذلك من يوم إلى يوم، و من شهر إلى شهر و من عام إلى عام و قال إلى أن اكتهل و يزول سنّ الشباب، فاذا اكتهل قال إلى أن أصير شيخا، فاذا شاخ قال إلى أن اتمّ هذه الدّار و ازوّج ولدي فلانا و إلى أن أعود من هذا السّفر و هكذا يسوّف التوبة كلّما فرغ من شغل عرض له شغل آخر بل اشغال حتّى يختطفه الموت و هو غافل عنه غير مستعدّله مستغرق القلب في امور الدّنيا، فتطول في الآخرة حسرته و تكثر ندامته و ذلك هو الخسران المبين.
ثمّ إنّه بعد الاشارة إلى كون اتّباع الهوى صادّا عن الحقّ و طول الأمل منسيا للآخرة أردف ذلك بالتنبيه على سرعة زوال الدّنيا و فنائها كى يتنبّه الغافل عن نوم الغفلة و يعرف عدم قابليتها لأن يطال الأمل فيها أو يتّبع الهوى فقال (ألا و إنّ الدّنيا قد ولّت حذّاء) أى أدبرت سريعة لكونها مفارقة لكلّ شخص (فلم يبق منها) بالنّسبة إليه (إلّا صبابة كصبابة الانآء اصطبّها صابّها) اطلاق الصبابة استعارة لبقيّتها القليلة، و القلّة هى الجامع بين المستعار منه و المستعار له (ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت) إشارة إلى سرعة لحوق الآخرة، إذا إدبار العمر مستلزم لاقبال الموت الذي هو آخر أيام الدّنيا و أوّل أيّام الآخرة.
و الاتيان بانّ المؤكدة و حرف التّنبيه و قد التّحقيقية، من أجل تنزيل العالم منزلة الجاهل فكان المخاطبين لغفلتهم عن اقبالها حيث لم يتزّودوا لها و لم يتّخذوا لها ذخيرة جاهلون له و قوله عليه السّلام (و لكلّ منهما بنون) شبّه الدّنيا و الآخرة بالأب أو الامّ و أهلها بالأبناء و الأولاد إشارة إلى فرط ميل أهل الدّنيا إلى دنياهم و أهل الآخرة إلى آخرتهم فهم من فرط المحبة إليهما بمنزلة الابن إلى أبويه، و هما من حيث تهيّة الاسباب لأهلهما بمنزلة الأبوين الصّارفين نظرهما إلى تربية الأولاد.
ثمّ لما كان غرضه عليه السّلام حثّ الخلق على السّعى للآخرة، و الميل إليها و الاعراض عن الدّنيا قال (فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا) و علّله بقوله (فانّ كلّ ولد سيلحق بأبيه يوم القيامة) قال الشّارح البحراني: و أشار بذلك إلى أنّ أبناء الآخرة و الطالبين لها و العاملين لأجلها مقرّبون في الآخرة لاحقون لمراداتهم فيها،و لهم فيها ما تشتهى أنفسهم و لهم ما يدّعون نزلا من غفور رحيم.
و أما أبناء الدّنيا فانّ نفوسهم لما كانت مستغرقة في محبّتها و ناسية لطرف الآخرة و معرضة عنها، لا جرم كانت يوم القيامة مغمورة في محبّة الباطل، مغلولة بسلاسل الهيئات البدنية و الملكات الرّديّة، فهي لتعلّقها بمحبة الدّنيا حيث لا يتمكّن من محبوبها بمنزلة ولد لا تعلّق له إلّا بوالده و لا ألف له إلّا هو و لا انس إلّا معه، ثمّ حيل بينه و بينه مع شدّة تعلّقه به و شوقه إليه، و اخذ إلى ضيق الأسجان و بدل بالعزّ الهوان فهو في أشدّ وله و همّ و أعظم حسرة و غمّ.
و أمّا أبناء الآخرة ففي حضانة أبيهم و نعيمه قد زال عنهم بؤس الغربة و شقاء اليتم و سوء الحضن فمن الواجب إذا تعرف احوال الوالدين و اتباع اثرهما و ادومهما شفقة و أعظمهما بركة، و ما هى الّا الآخرة و ليكن ذو العقل من أبناء الآخرة و ليكن برا بوالده متوصلا إليه بأقوى الاسباب و أمتنها (و انّ اليوم عمل و لا حساب) أراد باليوم مدّة الحياة يعنى أنّ هذا اليوم يوم عمل، لأنّ التكليف إنّما هو في هذا اليوم و العمل به و الامتثال له إنّما يكون فيه (و غدا حساب و لا عمل) أراد بالغد ما بعد الموت و هو وقت الحساب و لا عمل فيه لانقطاع زمان التكليف فعلى هذا فاللّازم للعاقل أن يبادر إلى العمل الذي به يكون من أبناء الآخرة في وقت امكانه قبل مجي ء الغد الذي هو وقت الحساب دون العمل، و اللّه ولىّ التوفيق.
تبصرة
اعلم أنّ طول الأمل من أعظم الموبقات حسبما مرّت إليه الاشارة، و كفى في ذلك قوله سبحانه: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فنبّه سبحانه على أنّ ايثار التّنعّم و التّلذّذ الذي هو من شئونات اتّباع الهوى و مايؤدّي إليه طول الأمل من أخلاق الكافرين لا من أخلاق المؤمنين.
و أمّا الأخبار في ذمّه و التّحذير منه و بيان ما يترّتب عليه من المفاسد فهو فوق حدّ الاحصاء.
فمن ذلك ما ورد في الحديث القدسي: يا موسى لا تطول في الدّنيا أملك فيقسو لذلك قلبك و قاسي القلب منّى بعيد.
و في النّبويّ المعروف المرويّ في البحار بعدّة طرق قال صلّى اللّه عليه و آله: يا باذر إيّاك و التّسويف بأملك فانك بيومك و لست بما بعده فان يكن غدلك فكن في الغد كما كنت في اليوم، و إن لم يكن غدلك لم تندم على ما فرطت في اليوم، يا باذركم مستقبل يوما لا يستكمله و منتظر غدا لا يبلغه، يا باذر لو نظرت إلى الأجل و مصيره لأبغضت الأمل و غروره، يا باذر إذا أصبحت لا تحدّث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصّباح، و خذ من صحتّك قبل سقمك، و من حياتك قبل موتك، فانّك لا تدرى ما اسمك غدا.
و عن أنس أنّ النّبيّ خطّ خطا و قال: هذا الانسان، و خطّ إلى جنبه و قال: هذا أجله، و خطّ اخرى بعيدا منه فقال: هذا الأمل فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب.
و في رواية أنّه اجتمع عبدان من عباد اللّه فقال أحدهما للآخر: ما بلغ من قصر أملك فقال: أملي إذا أصبحت أن لا امسى و إذا امسيت أن لا اصبح، فقال: إنك لطويل الأمل، أمّا أنا فلا اؤمّل أن يدخل لي نفس إذا خرج و لا يخرج لي نفس إذا دخل.
و في الصّحيفة السّجادية على منشئها آلاف السّلام و التّحية: اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اكفنا طول الأمل، و قصره عنّا بصدق العمل، حتّى لا نؤمل استتمام ساعة بعد ساعة، و لا استيفاء يوم بعد يوم، و لا اتّصال نفس بنفس، و لا لحوق قدم بقدم، و سلّمنا من غروره، و آمنّا من شروره.
و في الدّيوان المنسوب إلى علىّ عليه السّلام:
- تؤمّل في الدّنيا طويلا و لا تدرىاذا جنّ ليل هل تعيش إلى فجر
- فكم من صحيح مات من غير علّةو كم من مريض عاش دهرا إلى دهر
- و كم من فتى يمسى و يصبح آمناو قد نسجت اكفانه و هو لا يدرى
و بالجملة فانّ مضار طول الأمل و مفاسده غير خفيّة على من تنوّر قلبه بنور العرفان، و لو لم يكن فيه إلّا نسيان الآخرة الذى أشار عليه السّلام إليه بقوله: و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة لكفى، فكيف بمفاسد متجاوزة عن حدّ الاحصاء، و قاصرة عن طىّ مسافتها قدم الاستقصاء، عصمنا اللّه من طول الأمل في الدّنيا و من طول الحساب في الآخرة بمحمد و آله أعلام الهدى إنّه على كلّ شي ء قدير و بالاجابة حقيق و جدير.
تكملة
اعلم أنّ هذه الخطبة مرويّة في البحار و غيره مسندة بعدة طرق و اختلاف يسير أحببت الاشارة إليها.
فأقول: في البحار من مجالس المفيد عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن عاصم عن فضيل الرّسال عن يحيى بن عقيل قال: قال عليّ عليه السّلام: إنّما أخاف عليكم اثنتين اتّباع الهوى و طول الأمل فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ارتحلت الآخرة مقبلة و ارتحلت الدّنيا مدبرة، و لكلّ بنون فكونوا من بني الآخرة و لا تكونوا من بني الدّنيا، اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.
و في بعض مؤلّفات أصحابنا من المجالس و الأمالى عن المفيد عن الجعابي عن محمّد بن الوليد عن عنبر بن محمّد عن شعبة عن مسلمة عن أبي الطفيل قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: إنّ أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل و اتّباع الهوى، فأمّا طول الامل فينسى الآخرة، و أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، ألا و إنّ الدّنيا قد تولّت مدبرة، و انّ الآخرة قد أقبلت مقبلة، و لكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا فانّ اليوم عمل و لا حساب و الآخرة حساب و لا عمل.
و في شرح المعتزلي من كتاب نصر بن مزاحم أنّ عليّا قدم من البصرة في غرة شهر رجب من سنة ستّ و ثلاثين إلى الكوفة و أقام بها سبعة عشر شهرا يجرى الكتب بينه و بين معاوية و عمرو بن العاص حتّى صار إلى الشام.
قال نصر و قد روى من طريق أبي الكنود و غيره أنّه قدم الكوفة بعد وقعة الجمل لا ثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رجب سنة ستّ و ثلاثين، فدخل الكوفة و معه أشراف النّاس من أهل البصرة و غيرهم فاستقبل أهل الكوفة و فيه قرّائهم و أشرافهم فدعوا له بالبركة و قالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أتنزل القصر قال عليه السّلام: و لكنّى أنزل الرهبة، فنزلها و أقبل حتّى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله ثمّ قال: أما بعد يا أهل الكوفة فانّ لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدّلوا و تغيّروا، دعوتكم إلى الحقّ فأجبتم و بدأتم بالمنكر فغيّرتم، ألا إنّ فضلكم فيما بينكم و بين اللّه، فأمّا الأحكام و القسم فأنتم أسوة غيركم ممّن أجابكم، و دخل فيما دخلتم فيه، ألا إنّ أخوف ما عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ألا إنّ الدّنيا قد رحلت مدبرة، و إنّ الآخرة قد ترحلت مقبلة، و لكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.
و يأتي روايتها بسند آخر في شرح الخطبة المأتين و الرّابعة و العشرين إنشاء اللّه تعالى باختلاف و زيادة كثيرة.
|