منها في ذكر يوم النحر في صفة الاضحية
و من تمام الاضحية استشراف اذنها، و سلامة عينها، فإذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحية و تمّت، و لو كانت عضباء القرن تجرّ رجلها إلى المنسك.
اللغة
(الاضحية) بضّم الهمزة و كسرها اتباعا للحاء و الياء المخفّفة و الجمع أضاحى و يقال ضحية أيضا و الجمع ضحايا كعطية و عطايا و هي الشّاة التي تضحى بها أى تذبح بها ضحاة، و منها سمّى يوم الاضحى للعاشر من ذي الحجة و (الاستشراف) الارتفاع و الانتصاب يقال اذن شرفاء اى منتصبة و (العضباء) المكسور القرن و قيل القرن الدّاخل و (المنسك) محلّ النسك و هو العبادة و المراد به هنا المذبح و يجوز فيه فتح السّين و كسرها.
الاعراب
قوله و لو كانت، شرطيّة وصليّة، و جملة تجرّ في محلّ الرّفع على النّصب من اسم كان أو في محلّ النّصب على الحاليّة، و في نسخة الفقيه على ما ستطلع عليه و لو كانت عضباء القرن أو تجرّ رجلها إلى المنسك فلا تجزى.
المعنى
اعلم أنّ الاضحية مستحبة مؤكدة إجماعا بل يمكن دعوى ضرورة مشروعيتها و قول الاسكافي بوجوبها شاذّ و يدلّ على شدّة الاستحباب مضافا إلى الاجماع أخبار كثيرة.
ففى الفقيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استفر هو اضحاياكم فانّها مطاياكم على الصّراط.
و جاءت أمّ سلمة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحضر الأضحى و ليس عندي ثمن الاضحية فأستقرض فأضحّي فقال: استقرضي و ضحّي فانّه دين مقضيّ و يغفر لصاحب الاضحية عند أوّل قطرة يقطر من دمها.
و من العلل عن أبي بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قلت له: ما علّة الاضحية فقال: إنّه يغفر لصاحبها عند أوّل قطرة تقطر من دمها في الأرض و ليعلم اللّه عزّ و جلّ من يتّقيه بالغيب قال اللّه عزّ و جلّ: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها، وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى ثمّ قال: انظر كيف قبل اللّه قربان هابيل وردّ قربان قابيل.
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما من عمل يوم النّحر أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من
إراقة دم و أنّها لتأتى يوم القيامة بقرونها و أظلافها، و أنّ الدّم ليقع من اللّه بمكان قبل أن يقع الارض فطيبوا بها نفسا.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا أنّ لكم بكلّ صرفة من جلدها حسنة، و بكلّ قطرة من دمها حسنة، و أنّها لتوضع في الميزان فابشروا.
إذا عرفت ذلك فأقول إنّ قوله (و من تمام الاضحية استشراف اذنها و سلامة عينها) أراد بذلك أن لا يكون بعض أذنها أو جميعها مقطوعة و أن لا يكون عوراء (فاذا سلمت الاذن) من النّقص (و العين) من العور (سلمت الاضحية و تمّت) أى أجزئت (و لو كانت عضباء القرن) و عرجاء (تجرّ رجلها إلى المنسك).
فروع
الاول
قد عرفت أنّ الاضحية مستحبة عندنا و هل سلامة العين و الاذن شرط الاجزاء أو شرط الكمال ظاهر كلامه يعطى الأوّل، لأنّ قوله: إذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحية يدل بمفهومه على أنّه إذا لم تسلم الاذن و العين لم تسلم الاضحية، و معنى عدم سلامتها عدم كفايتها في الاتيان بالمستحب.
و هو المستفاد أيضا ممّا رواه في الوسايل عن محمّد بن الحسن الصّفار باسناده عن شريح بن هاني عن عليّ صلوات اللّه عليه قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي أن تستشرف العين و الاذن و نهانا عن الخرقاء و الشّرقاء و المقابلة و المدابرة.
و عن الصّدوق في معانى الاخبار الخرقاء أن يكون في الاذن نقب مستدير و الشرقاء المشقوقة الاذن باثنين حتّى ينفذ إلى الطرف و المقابلة أن يقطع في مقدم اذنها شي ء ثمّ يترك ذلك معلقا لاثنين كأنه زنمة و يقال لمثل ذلك من الابل المزنم و المدابرة ان يفعل ذلك بمؤخر اذن الشّاة.
و في الوسايل أيضا عن السكونى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يضحّى بالعرجاء البيّن عرجها، و لا بالعوراء البيّن عورها و لا بالعجفاء، و لا بالخرقاء، و لا بالجدعاء، و لا بالعضباء، هذا.
و لكن الأظهر هو أنّهما شرطا الكمال فيكون المراد بالأمر و النّهى في رواية شريح هو الاستحباب و الكراهة دون الوجوب و الحرمة، و على الكراهة أيضا يحمل قوله: لا يضحّى بالعرجاء اه في الرّواية الثّانية.
و يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضّحية تكون الاذن مشقوقة، فقال: إن كان شقّها و سما فلا باس و إن كان شقّا فلا يصلح، فان لفظة لا يصلح ظاهرة في نفى الكمال أو المراد بالاضحية في الرّوايتين هي الاضحية الواجبة المسماة بالهدى دون المستحبة، و على ذلك فيبقى الامر و النهى و النّفي على ظاهرها فيكون الشّروط المذكورة شرطا للصّحة.
و يدلّ عليه ما رواه الصّدوق باسناده عن عليّ بن جعفر انّه سأل أخاه موسى ابن جعفر عليه السّلام عن الرّجل يشترى الاضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها هل تجزى عنه قال: نعم إلّا أن يكون هديا واجبا فانّه لا يجوز أن يكون ناقصا، هذا.
و لعلّ حمل الرّوايتين على الوجه الأخير أولى نظرا إلى فهم الأصحاب حيث إنّ بناء استدلالهم في الشروط الواجبة للهدى عليهما و لا يتمّ إلّا بعد صرف الاضحية فيهما إلى الهدى، و كيف كان فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ سلامة العين و الاذن في الاضحية شرط الكمال كما هو صريح رواية عليّ بن جعفر التي قد مرّت، و قد نصّ به غير واحد من الأصحاب أيضا، و عليه فلا بدّ أن يراد بقوله عليه السّلام في الخطبة: و من تمام الاضحية انه كمالها فافهم جيّدا
الثاني
أنّ كسر القرن الخارج مع سلامة الداخل و هو الابيض الذي في وسط الخارج لا بأس به في الهدي و الاضحية جميعا، و أمّا كسر الدّاخل فان كان في الهدى فلا يجزي قطعا، و أما في الاضحية فظاهر كلامه عليه السّلام على ما رواه السيّد (ره) يعطي الاجزاء، و أمّا على رواية الصّدوق الآتية فالعدم، قال المحدّث الحرّ في الوسائل بعد نقله رواية الصّدوق: و هو محمول على الاستحباب.
الثالث
أنّ المستفاد من كلامه هنا أيضا إجزاء العرجاء و على ما رواه الصّدوق فهى أيضا غير مجزية و يطابقه قوله: و لا يضحّى بالعرجاء البيّن عرجها في رواية السكوني السالفة، إلّا أن يراد بها التّضحية بالواجب على ما ذكرناه سابقا، قال العلامة (ره) في محكيّ المنتهى العرجاء البيّن عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السّير مع الغنم و مشاركتهنّ في العلف و الرّعى فتهزل.
|