الفصل الخامس
جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها، و أبصارا لتجلو عن عشاها، و أشلاء جامعة لأعضائها، ملائمة لأحنائها، في تركيب صورها، و مدد عمرها، بأبدان قائمة بأرفاقها، و قلوب رائدة لأرزاقها، في مجلّلات نعمه، و موجبات مننه، و حواجز عافيته، و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم، و خلّف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم من مستمتع خلاقهم، و مستفسح خناقهم، أرهقتهم المنايا دون الآمال، و شذّبهم عنها تخرّم الآجال، لم يمهّدوا في سلامة الأبدان، و لم يعتبروا في أنف الأوان، فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلّا حواني الهرم، و أهل غضارة الصّحّة إلّا نوازل السّقم، و أهل مدّة البقاء إلّا آونة الفناء مع قرب الزّيال، و أزوف الانتقال، و علز القلق، و ألم المضض، و غصص الجرض، و تلفّت الإستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء، و الأعزّة و القرناء، فهل دفعت الأقارب أو نفعت النّواحب
اللغة
(عنيته) عنيا من باب رمى قصدته و عناه الأمر أهمّه و (عشى) عشا من باب تعب ضعف بصره و أبصر نهارا و لم يبصر ليلا فهو أعشا و المرأة عشواء و (الأشلاء) جمع الشّلو مثل أحمال و حمل و هو العضو و قال في القاموس الشّلو بالكسر العضو و الجسد من كلّ شي ء.
و (الحنو) بالفتح و الكسر كلّ ما فيه اعوجاج من البدن كعظم الحجاج و اللّحى و الضلع و من غيره كالقف و الحقف و كلّ عود معوج في القتب و الرحل و السّرج و الحنو أيضا الجانب و عن النهاية ملائمة لا حنائها إى معاطفها و (الرّفق) النّفع يقال ارتفقت به اى انتفعت و قال في القاموس: الرّفق بالكسر ما استعين به، و يروى بارماقها بدل بارفاقها و هو جمع الرمق بقيّة الرّوح.
و (مجلّلات النعم) ما تعم الخلق من جلل الشي ء تجليلا أي عم، و منه السحاب المجلّل و هو الذي يجلّل الأرض بماء المطر أي يعمه و في حديث الكافي و العيون الامام كالشّمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم و (المستمتع) اسم مكان من استمتعت بكذا انتفعت به و (الخلاق) بالفتح النّصيب و (المستفسح) محلّ الفسحة و هى السّعة (و الخناق) ككتاب الحبل الذي يخنق به يقال خنقة يخنقه خنيقا ككتف إذا عصر حلقه حتّى يموت فهو خانق و خناق، و ربّما يطلق الخناق على الحلق يقال اخذه بخناقه و مخنقه أى بحلقه.
و (أرهقت) الشّي ء أدركته و أرهقت الرّجل أمرا يتعدّى إلى مفعولين أعجلته و كلفته حمله و (الأنف) بضّمتين أوّل الأمر و (بضض) الرّجل بالفتح و الكسر بضاضة و بضوضة فهو بضّ أى رخص الجسد رقيق الجلد ممتلى و (الحوانى) جمع الحانية و هي العلة التي تحنى شطاط الجسد و تمنعه عن الاستقامة و (الهرم) محركة أقصى الكبر و (الغضارة) طيب العيش و السّعة و النّعمة و (الاونة) جمع أوان كأزمنة و زمان و (العلز) بالتّحريك خفّة و هلع يصيب المريض و الأسير و المحتضر و رجل علز أى هلع لا ينام و (المضض) محرّكة وجع المصيبة (جرض) بريقه ابتلعه بالجهد على همّ و حزن و أجرضه اللّه بريقه أغصّه و (التّلفت) و الالتفات بمعنى و هو الانصراف يقال التفت إلىّ التفاتا انصرف بوجهه نحوى و التّلفت أكثر منه و (الحفدة) الأعوان و الخدم، و قيل أولاد الأولاد.
و النساء (النّواحب) اللّاتى يرفعن أصواتهنّ بالبكاء من النّحب و هو شدّة البكاء و يروى النّوادب بدلها
الاعراب
لفظة عن في قوله لتجلو عن عشاها إمّا زايدة أو بمعنى بعد كما جوزه الشّارح المعتزلي مستشهدا بقول الشّاعر لعجب حرب وائل عن حيال اى بعد حيال فيكون قد حذف المفعول و التّقدير لتجلو الاذى بعد عشاها، و الأظهر ما قاله الشارح البحراني من أنّ عن ليست بزايدة لأنّ الجلاء يستدعى مجلوا و المجلوّ عنه فذكر المجلوّ و أقامه مقام المجلوّ عنه فكانّه عليه السّلام قال لتجلو عن قواها عشاها، و في تركيب صورها متعلّق بملائمة، و قوله: بأبدان متعلّق بجعل و الباء للمصاحبة، و الباء في بأرفاقها للصّلة و على رواية بأرماقها إمّا للسّببيّة أو للاستعانة.
و قوله في مجلّلات نعمه متعلّق بمقدّر حال من فاعل جعل أو من ضمير الخطاب في لكم أى جعل لكم الأسماع حالكونكم في مجلّلات نعمه، و من مستمتع خلاقهم بيان للعبر، و دون في قوله دون الآمال بمعنى عند، و جملة لم يمهدوا في محلّ النّصب على الحال من مفعول أرهقتهم.
فهل ينتظراه استفهام انكاريّ توبيخيّ من قبيل قوله سبحانه: أ تعبدون ما تنحتون، و كلمة إلّا في المواقع الثّلاثة أعنى قوله: إلّا حوانى الهرم، و إلّا نوازل السّقم، و إلّا آونة الفناء إن كانت للاستثناء فيتوجه عليه أنّ الاستثناء المفرّغ غير جايز في الكلام الموجب، و إن كانت بمعنى غير كما يظهر من شرح البحراني ففيه أنّ إلّا بمعنى غير لا يجوز حذف موصوفها كما يجوز حذف موصوف غير يقال جائنى غير زيد و لا يصحّ أن يقال جائني إلّا زيد كما صرّح به ابن هشام و غيره، و بذلك فرّقوا بين إلّا و كلمة غير.
و يمكن توجيهه بأن يقال إنّ إلّا للاستثناء و إنّ جواز التّفريغ هنا لاستقامة المعنى و حصول الفايدة كما جوّزوه في قولهم قرأت إلّا يوم كذا معلّلين بأنّه لا يبعد أن يقرأ في جميع الأيام إلّا اليوم المعيّن، فعلى هذا التّوجيه يكون المراد بالكلام أنّه ينتظر هؤلاء جميع اللذائذ الدّنيويّة و الشّهوات النّفسانية إلّا حوانى الهرم و نوازل السّقم فافهم.
و الباء في قوله بنصرة الحفدة، متعلّق بالاستغاثة، و قوله فهل دفعت الأقارب استفهام انكاري إبطالي على حدّ قوله أ فأصفاكم ربّكم بالبنين
المعنى
اعلم أنّ صدر هذا الفصل تذكير لعباد اللّه بضروب نعم اللّه سبحانه و منّته عليهم و تنبيه على الغاية من تلك النّعم، و ذيله مسوغ لبيان حال السّلف ليعتبر به الخلف فقوله عليه السّلام (جعل لكم أسماعا لتعى ما عناها و أبصارا لتجلو عن عشاها) إشارة إلى النّعمتين العظيمتين اللتين أعطاهما اللّه سبحانه لخلقه مع الاشارة إلى ما هو الغرض منهما.
فالمقصود أنّه سبحانه خلق لانتفاعكم قوّة سامعة لتحفظ ما أهمّها و قوّة باصرة لتجلو العشا عن الابصار، فعلى هذا يكون قوله و أبصارا اه من باب الاستخدام حيث اريد بالابصار القوّة و بضمير عشاها الراجع إليه العضو المحسوس المخلوق من الشّحم المركب من السّواد و البياض، فبتلك القوة حصل له الادراك و الابصار بعد ما لم يكن في نفسه مبصرا مدركا فكانت جلاء عن عشاها.
و يوضح ذلك ما رواه في البحار من المناقب لابن شهر آشوب مما أجاب الرّضا عليه السّلام بحضرة المأمون لضباع بن نصر الهندي و عمران الصّابي عن مسائلهما قال عمران: العين نور مركبة أم الرّوح تبصر الأشياء من منظرها قال عليه السّلام: العين شحمة و هو البياض و السّواد و النّظر للرّوح دليله إنك تنظر فيه و ترى صورتك في وسطه و الانسان لا يرى صورته إلّا في ماء أو مرآة و ما اشبه ذلك.
قال ضباع إذا عميت العين كيف صارت الرّوح قائمة و النظر ذاهب قال عليه السّلام كالشّمس طالعة يغشاها الظلام، قالا: أين تذهب الرّوح قال عليه السّلام، أين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدّت الكوة، قالا: أوضح لنا ذلك، قال عليه السّلام الرّوح مسكنها في الدّماغ و شعاعها منبثّ في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السّمآء و شعاعها منبسط على الأرض فاذا غابت الدّارة فلا شمس و إذا قطعت الرّاس فلا روح.
فانّ غرض السّائل أنّ المدرك هو العضو أمّ الرّوح تبصر الأشياء و هذا منظره، فاختار عليه السّلام الثاني و علله بأنّ العضو مثل ساير الأجسام الصقيلة يري فيها الوجه كالماء و المرآة فكما أنّها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين و غيرها من المشاعر هذا.
و قد اشير إلى منافع السمع و البصر و بعض حكمهما في حديث المفضل المعروف عن الصادق عليه السّلام حيث قال: انظر يا مفضّل إلى هذه الحواس الخمس التي خصّ بها الانسان في خلقه و شرف بها على غيره كيف جعلت العينان في الرّأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكّن من مطالعة الأشياء و لم تجعل في الأعضاء التي تحتهنّ كاليدين و الرّجلين فتعرضها الآفات و يصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعلّلها و يؤثّر فيها و ينقص منها، و لا في الأعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلّبها و اطلاعها نحو الأشياء.
فلمّا لم يكن لها في شي ء من هذه الأعضاء موضع كان الرأس أسنى المواضع للحواسّ و هو بمنزلة الصّومعة لها، فجعل الحواسّ خمسا تلقى خمسا لكيلا يفوتها شي ء من المحسوسات فخلق البصر ليدرك الألوان فلو كانت الألوان و لم يكن بصر يدركها لم يكن فيها منفعة.
و خلق السّمع ليدرك الأصوات فلو كانت الأصوات و لم يكن سمع يدركها لم يكن فيها ارب و كذلك ساير الحواسّ. ثمّ يرجع هذا متكافئا فلو كان بصر و لم يكن الألوان لما كان للبصر معنى، و لو كان سمع و لم يكن أصوات لم يكن للسّمع موضع فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضا فجعل لكلّ حاسة محسوسا يعمل فيه و لكلّ محسوس حاسّة تدركه. و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسّطة بين الحواس و المحسوسات لا يتمّ الحواسّ إلّا بها كمثل الضياء و الهواء فانّه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون، و لو لم يكن هواء يؤدّي الصّوت إلى السّمع لم يكن يدرك الصوت فهل يخفى على من صحّ نظره و اعمل فكره انّ مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس و المحسوسات بعضها يلقى بعضا و تهيئة أشياء اخر بها يتمّ الحواسّ لا يكون إلّا بعمد و تقدير من لطيف خبير فكّر يا مفضل فيمن عدم البصر من النّاس و ما يناله من الخلل في اموره فانّه لا يعرف موضع قدمه و لا يبصر ما بين يديه فلا يفرق بين الألوان و بين المنظر الحسن و القبيح فلا يرى حفرة إن هجم عليها و لا عدوّا إن هوى إليه بسيف، و لا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصّناعات مثل الكتابة و التّجارة و الصّياغة حتّى أنّه لو لا نفاد ذهنه لكان كالحجر الملقى.
و كذلك من عدم السّمع يختلّ في امور كثيرة فانّه يفقد روح المخاطبة و المحاورة و يعدم لذّة الأصوات و اللحون الشّجية المطربة، و تعظم المؤنة على النّاس في محاورته حتّى تبرّموا به و لا يسمع شيئا من اخبار النّاس و أحاديثهم حتّى يكون كالغايب و هو شاهد و كالميّت و هو حىّ.
و قوله (و أشلاء جامعة لاعضائها) الظاهر أنّ المراد بالشّلو هنا العضو و ليس كناية عن الجسد كما زعمه البحراني إذا لأبدان مذكورة بعد ذلك فيلزم التكرار مع أنّ ارادة الجسد على تقدير صحّتها لا حاجة فيها إلى الكناية لما قد عرفت من اشتراكه لغة بين الجسد و العضو.
فان قلت: إرادة العضو ينافيها قوله عليه السّلام جامعة لأعضائها، إذ الشي ء لا يجمع نفسه.
قلت: يمكن توجيهه بما وجّهه الشّارح المعتزلي من جعل المراد بالأشلاء الأعضاء الظاهرة و بالأعضاء الأعضاء الباطنة و لا ريب أنّ الأعضاء الظاهرة تجمع الأعضاء الباطنة (ملائمة لأحنائها فى تركيب صورها و مدد عمرها) أي جعل الأعضاء مناسبة موافقة للجهات و الجوانب التي جعلت فيها ملائمة لها في صورها التركيبيّة.
مثلا جعل اليدين في اليمين و اليسار أنسب من كونهما في الرّأس، و كون العينين في الرّأس أولى من كونهما في الظهر أو البطن و كذلك كون ثقب الأنف في أسفله أنسب و أحسن من كونه في أعلاه، و كون المثانة و المعدة في أسافل البدن أليق و هكذا و قد مرّ حكمة بعض ذلك في رواية المفضّل و ستعرف البعض في التّبصرة الآتية مضافا إلى الحسن و البهجة و الالتيام و المناسبة المقرّرة في هذه الصّور المجعولة ألا ترى أنّ من لم يكن له حاجب فوق عينه أو سقطت الأشفار من طرف عينه كيف يكون قبيح الصّورة كريه المنظر، و هكذا ساير الأعضاء، هذا كلّه لو كان الحنوفي كلامه بمعنى الجانب و الجهة، و لو جعلناه بمعنى العضو المعوج فيكون المراد أنّه تعالى جعل الأعضاء المستقيمة من البدن ملائمة للأعضاء المعوّجة في صورها المركبة فلا يناسب المستقيمة موضع المعوّجة و لا المعوّجة موضع المستقيمة و لا يصادم حسن الاستقامة للاعوجاج و لا الاعوجاج للاستقامة، إذ كلّ منهما في موقعهما حسن و أحسن فتبارك اللّه أحسن الخالقين.
و أمّا قوله عليه السّلام: و مدد عمرها، فالظاهر أنّه أراد به أنّ اللّه جعل مدد عمر كلّ من الأعضاء ملائمة للآخر مقارنة له بحيث لا يفنى بعض الأعضاء قبل فناء الآخر فيكون الكلام محمولا على الغالب فافهم.
و قوله عليه السّلام (بأبدان قائمة بأرفاقها و قلوب رائدة لأرزاقها) أى قائمة بمصالحها و منافعها أو أنّ قوامها باستعانة أرواحها على الرّواية الاخرى السّالفة في بيان اللغة و قلوب طالبة لأرزاقها جالبة لها إليها.
و الضمير في أرزاقها يحتمل رجوعه إلى الأبدان و رجوعه إلى نفس القلوب، و على الأوّل فالمراد بالرّزق الرّزق الجسماني، و على الثّاني فالمراد به الرزق الرّوحاني أعنى العلوم الحقّة و المعارف الشرعية و العقائد الالهيّة الموجبة للسّعادة في الدّارين، و المحصلة للعزّة في النّشأتين، فانّ القلب هو الطالب الجالب لتلك الأرزاق إلى نفسها كما أنّه هو الطالب الجالب للأرزاق إلى البدن و لو بتوسط الآلات البدنيّة. إذ هو العالم باللّه، و هو المتقرّب إلى اللّه، و هو المحصّل لرضوان اللّه، و هو السّاعي إلى اللّه، و هو المكاشف بما عند اللّه، و هو في الحقيقة سلطان مملكة البدن يستخدم الآلات و الجوارح يأمرها و ينهيها و يستعملها استعمال المالك لعبده و السّلطان لرعيّته، و تحقيق ذلك موقوف على شرح حال القلب و معرفة عجائب صفاته.
فأقول: إنّ القلب كما حقّقه الغزالي يطلق على معنيين: أحدهما اللحم الصّنوبري الشّكل المودع فى الجانب الأيسر من الصّدر، و هو لحم مخصوص و في باطنه تجويف و في ذلك التجويف دم أسود هو منبع الرّوح و معدنه، و هو بهذا المعنى موجود للانسان و الحيوان و الحىّ و الميّت، و مرئي بحسّ العيان و يدركه الحيوان بحاسّة البصر كما يدركه الانسان و لا يتعلّق به غرضنا في المقام.
الثّاني هو جوهرة لطيفة ربّانيّة نورانيّة روحانيّة لها تعلّق بالقلب الجسماني الذي ذكرناه و هي حقيقة الانسان و بها تمامه و كماله و هو المدرك العالم العارف و هو المخاطب و المطالب، و له جنود و أعوان و أنصار فمن تلك الجنود ما يرى بالأبصار كالأعضاء الظاهرة من اليد و الرّجل و العين و الاذن و اللسان و نحوها، و ما لا يرى بالابصار كالحواس الباطنة و الشّهوة و الغضب و نحوها، فجميعها خادمة للقلب منقادة لحكمه مسخّرة له و قد خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا و لا عليه تمرّدا.
فاذا أمر العين بالانفتاح انفتحت و بالانطباق انطبقت و الرّجل بالحركة تحرّكت و بالسّكون امتثلت و اللسان بالكلام تكلّم و بالسّكوت أمسك، و كذا ساير الأعضاء.
و إنّما افتقر إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب و الزّاد لسفره الذي يجب له سلوكه و لأجل مسيره خلق، و هو السّفر إلى اللّه و قطع المنازل إلى لقائه و مركبه البدن و زاده المعرفة و الأسباب التي توصله إلى الزّاد و تمكّنه من التّزوّد هو العمل الصالح.
فليس يمكن العبد أن يصل إلى اللّه ما لم يسكن البدن و لم يجاوز الدّنيا، فانّ المنزل الأدنى لا بدّ من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى، فالدّنيا مزرعة الآخرة و هي منزل من منازل الهدى و إنّما سمّيت الدّنيا لكونها أدنى المنزلتين فاضطرّ إلى أن يتزوّد من هذا العالم.
فالبدن مركبه الذي يصل به إلى هذا العالم فافتقر إلى تعهّد البدن و حفظه و إنّما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء و يطلب له ما يناسبه من الرّزق و أن يدفع عنه ما ينافيه و يضارّه من أسباب الهلاك، فافتقر لأجل جلب الغذا إلى جندين باطن و هو الشّهوة، و ظاهر و هو الأعضاء الجالبة للغذا من اليد و نحوها.
فخلق في القلب من الشّهوات ما كان محتاجا إليه و خلقت الأعضاء لكونها آلة للشّهوة و افتقر لأجل دفع المضارّ و المهلكات أيضا إلى جندين: باطن و هو الغضب الذي به يدفع المهلكات و ينتقم من الأعداء و ظاهر و هو الجوارح التي بها يعمل بمقتضى الغضب من اليد و الرّجل و نحوهما.
ثمّ المحتاج إلى الغذا ما لم يعرف الغذا لم يحصل له شهوة الغذاء فافتقر للمعرفة إلى جندين، باطن و هو إدراك السّمع و البصر و الشّم و اللمس و الذّوق، و ظاهر و هو العين و الاذن و الأنف و غيرها.
فجملة جنود القلب منحصرة في ثلاثة أصناف: صنف باعث و مستحثّ إمّا إلى جلب النّافع الموافق كالشهوة، و إمّا إلى دفع الضار المنافي كالغضب، و قد يعبّر عن هذا الباعث بالارادة، و الصّنف الثّاني هو المحرّك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد و يعبّر عنه بالقدرة و هى مبثوثة في ساير الأعضاء لا سيّما العضلات منها و الأوتار، و الصّنف الثّالث هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس و هي قوّة البصر و السّمع و الشمّ و الذّوق و اللمس المبثوثة في الأعضاء المعيّنة و قوّة التخيل و التّحفظ و التفكر و نحوها المودعة في تجاويف الدّماغ.
و هذه كلّها ممّا قد أنعم اللّه بها على ساير أصناف الحيوان سوى الآدمي إذ للحيوان أيضا الشّهوة و الغضب و الحواس الظاهرة و الباطنة فكلاهما شريكان فيها و إنّما اختصّ الانسان بما لأجله عظم شرفه و علا قدره و استأهل القرب.
و هو راجع إلى علم و إرادة أمّا العلم فهو العلم بالامور الدّنيويّة و الاخرويّة و الحقائق العقلية و هذه امور وراء المحسوسات و لا يشاركه فيها الحيوانات بل العلوم الكليّة الضّروريّة من خواص العقل إذ يحكم الانسان بأنّ الشّخص الواحد لا يتصوّر أن يكون في مكانين في حالة واحدة، و هذا حكم منه على كلّ شخص و معلوم أنّه لم يدرك بالحسّ إلّا بعض الأشخاص فحكمه على الجميع زايد على ما أدركه الحسّ، و إذا فهمت هذا في العلم الظاهر الضّرورى فهو في ساير النّظريّات أظهر.
و أمّا الارادة فانّه إذا أدرك بالعقل عاقبة الأمر وجهة المصلحة فيه انبعث من ذاته شوق إلى جهة المصلحة و إلى تعاطي أسبابها و الارادة لها، و ذلك غير إرادة الشّهوة و إرادة الحيوانات، بل ربّما يكون على ضدّ الشّهوة.
ألا ترى أنّ الشّهوة تنفر عن الفصد و الحجامة، و العقل يريدها و يطلبها و يبذل لها المال، و الشّهوة تميل حين المرض إلى لذايذ الأطعمة و العقل يردعها عنها، و لو خلق اللّه العقل العارف بعواقب الامور و لم يخلق هذا الباعث المحرّك للأعضاء على العمل بمقتضى حكم العقل لكان حكم العقل ضايعا على التّحقيق.
فاذا اختصّ قلب الانسان بعلم و ارادة يمتاز بهما من ساير الحيوان، و من هذه الجملة ظهر أن خاصيّة الانسان العلم و الحكمة، و للعلم مراتب و درجات لا تحصى من حيث كثرة المعلومات و قلّتها و شرف المعلوم و خسّته، و من حيث إنّ حصوله قد يكون بالهام ربّانيّ على سبيل المكاشفة كما للأنبياء و الأولياء و قد يكون بطريق الكسب و الاستدلال، و في الكسب أيضا قد يكون سريع الحصول و قد يكون بطي ء الحصول.
و في هذا المقام تتباين منازل العلماء و الحكماء و الأولياء و الأنبياء، فدرجات الترقي غير محصورة إذ معلومات اللّه سبحانه غير متناهية و مراقي هذه الدّرجات هي منازل السّايرين إلى اللّه و لا حصر لتلك المنازل و إنّما يعرف كلّ سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه و يعرف ما خلفه من المنازل.
و أمّا ما بين يديه فلا يحيط به علما كما لا يعرف الجنين حال الطفل، و لا الطفل حال المميّز و لا المميّز حال المراهق، و لا المراهق حال العاقل و ما اكتسبه من العلوم النّظرية، فكذا لا يعرف العاقل ما افتتح اللّه على أوليائه و أنبيائه من مزايا لطفه و رحمته «ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها» و هذه الرّحمة مبذولة بحكم الجود و الكرم من اللّه سبحانه غير مضنون بها على أحد و لكن إنّما تظهر في القلوب المتعرضة لنفحات الرّحمة كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ لرّبكم في أيّام دهركم لنفحات ألا فتعرّضوها، و التعرّض لها إنّما هو بتطهير القلب و تزكيته من الكدر و الخبث الحاصلين من الأخلاق المذمومة.
فظهر بذلك معنى تمام الانسان و كماله و خاصّته التي بها امتاز عن ساير أفراد الحيوان و تحقّق أنّ البدن مركب للقلب، و القلب محلّ للعلم، و العلم هو مقصود الانسان و أنّ العلم و المعرفة هو الذي خلق الانسان لأجله كما قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
أى ليعرفون كما ظهر لك معنى رزق البدن و زاد القلب، و اتّضح أنّ القلب هو الطالب الجالب للرّزق و الزاد لاصلاح المعاش و المعاد.
و قوله عليه السّلام (في مجلّلات نعمه و موجبات مننه) العطف بمنزلة التّفسير يعنى أنكم متنعّمون بنعمه العامة الشّاملة و آلائه التّامة الكاملة الموجبة لمنّته سبحانه عليكم فالمراد بمجلّلات النّعم ما أنعم بها على جميع الموجودات و المخلوقات بمقتضى رحمته الرّحمانيّة كما قال سبحانه: أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى .
و بموجبات المنن أنّ تلك النّعم موجبة لمنة اللّه سبحانه عليهم فلا بدّ أن يقوم العبد بلوازم الشّكر و الامتنان، و لا يقابل بالطغيان و الكفران، و أعظم ما منّ اللّه به على عباده أن هداهم للاسلام و الايمان و أرشدهم إلى سلوك سبيل الجنان و بعث فيهم رسولا يدلّهم على الهدى و ينجيهم من الرّدى كما قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
و قوله (و حواجز عافيته) قال الشّارح المعتزلي: أى في عافية تحجز و تمنع عنكم المضار.
أقول: و هو مبنىّ على كون الاضافة من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف، و الأظهر الأقوى أنّ الاضافة لاميّة، و المراد الموانع التي تمنع العافية عن الزّوال و العدم، و تكون عائقة عن طريان المضارّ و الآلام و عروض الأوجاع و الأسقام على الأبدان و الأجسام، و على أىّ تقدير فالمراد بها نعمة الصّحة و السّلامة التي هى من أعظم نعم اللّه سبحانه، بل هى رأس كلّ نعمة و بها يدرك كلّ لذّة و بهجة.
ثمّ قال (و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم) و هذا أيضا من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على خلقه إذ في إظهار مدّة العمر عليهم مفاسد لا تحصى كما أنّ في إخفائها منافع جاوزت حدّ الاستقصاء كما أشار إليها سادس الأئمة و صادق الامّة أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد سلام اللّه عليهما و على آبائهما و أولادهما الطّبين الطاهرين حيث قال في حديث المفضّل: تامّل الآن يا مفضّل ما ستر عن الانسان علمه من مدّة حياته، فانّه لو عرف مقدار عمره و كان قصيرا لم يتهنّأ بالعيش مع ترقّب الموت و توقّعه لوقت قد أعرفه، بل كان يكون بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء، فقد استشعر الفقر و الوجل من فناء ماله و خوف الفقر على أنّ الذي يدخل على الانسان من فناء العمر أعظم ممّا يدخل عليه من فناء المال لأنّ من يقلّ ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن إلى ذلك و من أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس.
و إن كان طويل العمر ثمّ عرف ذلك وثق بالبقاء و انهمك في اللذات و المعاصي و عمل علي أنّه يبلغ من ذلك شهوته ثمّ يتوب في آخر عمره و هذا مذهب لا يرضاه اللّه من عباده و لا يقبله ألا ترى لو أنّ عبدا لك عمل على أنّه يسخطك سنة و يرضيك يوما أو شهرا لم تقبل ذلك منه و لم يحلّ عندك محلّ العبد الصالح دون أن يضمر طاعتك و نصحك في كلّ الامور في كلّ الأوقات على تصرّف الحالات.
فان قلت: أو ليس قد يقيم الانسان على المعصية حينا ثمّ يتوب قبل توبته قلنا: إنّ ذلك شي ء يكون من الانسان لغلبة الشّهوات له و تركه و تركه مخالفتها من غير أن يقدّره في نفسه و يبنى عليه أمره فيصفح اللّه عنه و يتفضّل عليه بالمغفرة.
فأمّا من قدّر أمره على أن يعصى ما بدا له ثمّ يتوب آخر ذلك فانّما يحاول خديعا من لا يخادع أن يتسلّف التلذّذ في العاجل و يعد و يمنّى نفسه التّوبة في الآجل و لأنّه لا يفي بما يعد من ذلك، فانّ النزوع من الترفّه و التلذّذ و معاناة التّوبة و لا سيما عند الكبر و ضعف البدن أمر صعب و لا يؤمن على الانسان مع مدافعة التوبة أن يرهقه الموت فيخرج من الدّنيا غير تائب كما قد يكون على الواحد دين و قد يقدر على قضائه فلا يزال يدافع بذلك حتّى يحلّ الأجل و قد نفد المال فيبقى الدّين قائما عليه.
فكان خير الأشياء للانسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقّب الموت فيترك المعاصي و يؤثر العمل الصّالح.
فان قلت: و ما هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته و صار يترقّب الموت في كلّ ساعة يقارف الفواحش و ينتهك المحارم.
قلنا: إنّ وجه التّدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر فيه، فان كان الانسان مع ذلك لا يرعوي و لا ينصرف عن المساوى فانّما ذلك من مرحه و من قساوة لا من خطاء في التدبير كما أنّ الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فان كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما أمره و لا ينتهى عمّا ينهاه عنه و لم ينتفع بصفته لم يكن الاسائة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه.
و لئن كان الانسان مع ترقبه الموت كلّ ساعة لا يمتنع عن المعاصي فانّه لو وثق بطول البقاء كان أحرى أن يخرج إلى الكباير الفظيعة فترقّب الموت على كلّ حال خير له من الثقة بالبقاء.
و إن كان صنف من النّاس ينهون عنه و لا يتّعظون به فقد يتّعظ به صنف آخر منهم و ينزعون عن المعاصي و يؤثرون العمل الصالح و يجودون بالأموال و العقايل النفيسة و الصّدقة على الفقراء و المساكين فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة ليضيع أولئك حظّهم.
و بالجملة فقد وضح، و اتضح كلّ الوضوح أنّ سترمدد الأعمار عن الخلق من جلايل النعم و أعظم ما منّ اللّه سبحانه به عليهم.
و مثله نعمة اخرى هي أيضا من أسبغ الآلاء و أسنى النّعماء من حيث كونها موجبة للتّجافي عن دار الغرور جاذبة إلى دار السّرور باعثة على السّعادة الأبديّة موقعة في العناية السّرمديّة (و) هى أنّه سبحانه (خلف لكم عبرا) تعتبرون بها و أبقى آثارا تتذكّرون منها (من آثار الماضين قبلكم) من الأهلين و الأقربين و الأولين و الآخرين و ممّن كان أطول منكم أعمارا و أشدّ بطشا و أعمر ديارا (من مستمتع خلاقهم و مستفسح خناقهم) أى الدّنيا التي كانت محلّ استمتاعهم بخلاقهم و انتفاعهم بحظوظهم و انصبائهم و محلّ الفسحة لأعناقهم من ضيق حبائل الموت و دار امهالهم من انشاب مخالب الفناء و الفوت.
فأنتم فيها كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (أرهقتهم المنايا دون الآمال و شذّبهم عنها تخرّم الآجال) اى اخترمتهم أيدي المنون من قرون بعد قرون فحالت بينهم و بين الآمال و فرّقتهم من الأولاد و الأموال:
- تخرّمهم ريب المنون فلم تكنلتنفعهم جنّاتهم و الحدائق
- و لا حملتهم حين ولّوا بجمعهم نجائبهم و الصّافنات السّوابق
- و زاحوا عن الأموال صفرا و خلّفواذخايرهم بالرّغم منهم و فارقوا
(لم يمهّدوا في سلامة الأبدان و لم يعتبروا في انف الأوان) أى لم يهيئوا في حال الصّحة و السّلامة ليوم المعاد و لم يعتبروا في أوّل الأزمنة بالعبر النّافعة بل الكلّ مال عنها و حاد، فالشّباب للهرم و الصّحة للسّقم و الوجود للعدم بذلك جرى في اللوح القلم.
(فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلّا حواني الهرم، و أهل غضارة الصّحة إلّا نوازل السّقم، و أهل مدّة البقاء إلّا آونة الفناء) و العدم استفهام على سبيل الانكار و التّوبيخ عما ينتظر الشّبان النّاعمة الجسد الرّقيقة الجلد غير حوانى الهرم التي تحنى ظهورهم و عما ينتظر أهل النعمة و الصّحة غير نوازل السّقم التي تنزل عليهم و عمّا ينتظر المعمرون بطول أعمارهم غير الفناء و العدم الذى يفنيهم.
و إنّما و بخّهم على ذلك لأنّ من كان مصير أمره إلى الهرم و السّقم و الفناء و الزّوال ينبغي أن يأخذ العدة و الذّخيرة لنفسه و ينتظر ما يصير أمره إليه و يراقبه و لا يشتغل بغيره.
فهؤلاء لما قصروا هممهم في غير ذلك و أوقعوا أنفسهم في مطارح المهالك و بّخهم عليه السّلام بذلك و أكّد بقوله (مع قرب الزيال) و ازوفه (و ازوف الانتقال) و قربه (و علزا لقلق) و هلعه (و ألم المضض) و وجعه (و غصص الجرض) و شجاه (و تلفت الاستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء و الأعزّة و القرناء) أراد أنّهم في حال سكرات الموت يلتفتون إلى أهلهم و أولادهم و يقلّبون وجوههم ذات اليمين و ذات الشّمال إلى أحبّتهم و عوّادهم يستغيثونهم و يستنصرونهم فلا يقدرون على النصرة و الاغاثة و يستعينونهم و يستنجدونهم فلا يستطيعون الانجاد و الاعانة:
- أحاطت به آفاته و همومهو أبلس لما أعجزته المعاذر
- فليس له من كربة الموت فارجو ليس له مما يحاذر ناصر
- و قد حشات خوف المنية نفسهتردّدها دون اللّهاة الحناجر
(فهل دفعت الأقارب أو نفعت النّواحب) أو انتفع بسلطانه أو ذبّ الموت عنه جنوده و أعوانه.
- فما صرفت كفّ المنيّة إذ أتتمبادرة تهوى إليه الذّخاير
- و لا دفعت عنه الحصون التي بناو حفّ بها أنهارها و الدّساكر
- و لا قارعت عنه المنيّة خيلهو لا طمعت في الذّب عنه العساكر
|