و أعذروا من لا حجّة لكم عليه، و أنا هو، ألم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر، و أترك فيكم الثّقل الأصغر، و ركزت فيكم راية الإيمان، و وقّفتكم على حدود الحلال و الحرام، و ألبستكم العافية من عدلي، و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي، و أريتكم كرائم الأخلاق من نفسي، فلا تستعملوا الرّأي فيما لا يدرك قعره البصر، و لا يتغلغل إليه الفكر.
اللغه
و (الثقل الأكبر) في بعض نسخ الكتاب بكسر الثّاء و سكون القاف و (الثقل الأصغر) بالتحريك قال بعض شراح الحديث في شرح قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي: إنه من الثقيل سمّيا بذلك لكون العمل بهما ثقيلا و الأكثر على أنّه من الثّقل محرّكة قال في القاموس و الثقل محرّكة متاع المسافر و حشمه و كلّ شي ء نفيس مصون، و منه الحديث إنّي تارك فيكم الثّقلين آه و (ركزت الرمح) و نحوه ركزا من باب قتل أثبته بالأرض فارتكز و (فرشت) البساط و غيره فرشا من باب قتل و ضرب بسطته و (تغلغل) تغلغلا أسرع.
الاعراب
قوله ألم أعمل إمّا استفهام تقريرىّ لما بعد النّفى أو إنكار إبطالىّ و هو الأظهر، و جملة أنه يموت آه بدل من مفعول خذوها، فانّ المشهور جواز إبدال الظاهر من الضمير إذا كان غايبا.
المعنى
و قوله: (و اعذروا من لا حجّة لكم عليه و أنا هو)، إمّا من الاعذار بمعنى الانصاف من أعذر الرّجل إذا أنصف، أو من الاعذار بمعنى إثبات العذر و هو الانسب الأظهر، فالمقصود به على ذلك أنّه عليه السّلام كان مأمورا من اللّه سبحانه و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالابلاغ و التذكير و الانذار و التحذير، و قد بلّغ و ذكّر و أنذر و حذّر، فكان له الحجّة على المخاطبين و ثبت له العذر في مقام السئوال كما أنّ للّه و كذلك لرسوله الحجّة على جميع الخلايق حيث احتجّ بما نهج و أعذر بما أنذر، و هذا بخلاف ما لو فرّط عليه السّلام و قصّر في الابلاغ و التذكار فيكون حينئذ لهم الحجّة عليه و يثبت لهم العذر فيما يلحقهم من العذاب بأن يقولوا: (رَبَّنا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) و به جاهلين، فلا يجوز لك أن تؤاخذنا بما لم نعلم و تعذّبنا بما لم نفهم، فطلب عليه السّلام منهم أن يثبتوا له العذر فيما يلحقهم من العذاب و نكال العقاب لا لأنفسهم حيث أوضح لهم المحجّة البيضاء و دلّهم على الطريقة الوسطى و هداهم إلى الشريعة الغرّاء.
كما أفصح عليه السّلام عن ذلك بقوله (ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر و أترك فيكم الثقل الأصغر) و هو استفهام تقريرىّ يقول عليه السّلام إنّي قد عملت فيكم بكتاب اللّه و بما فيه من الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام، و تركت فيكم عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حفظت وصيّته بالاعزاز و الاكرام، و عبّر عنهما بالثقلين تبعا للحديث النبوىّ صلّى اللّه عليه و آله المعروف بين الفريقين.
و إنما سمّيا بذلك إمّا لعظم خطرهما و جلالة قدرهما من الثقل و هو المتاع النفيس، و إمّا لكون العمل بهما ثقيلا و إمّا لأجل أنّ الثقل متاع المسافر و حشمه فكانّه عليه السّلام لما شارف الانتقال إلى جوار ربّه تعالى جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزل و جعل الكتاب و العترة كمتاعه و حشمه، لأنّهما أخصّ الأشياء به، قاله الشارح المعتزلي.
و الأظهر ما قلناه إذ متاع المسافر و حشمه يكونان معه و لا يخلفان بعده، هذا.
و أمّا تسمية القرآن بالأكبر و العترة بالأصغر مع كون العترة أفضل من القرآن عندنا و كونهم قيّمين له فقد قال الشارح البحراني: أشار بكونه أكبر إلى أنّه الأصل المتّبع المقتدى به.
أقول: و ليس بشي ء إذ العترة أيضا أصل متّبع مقتدى، و يحتمل أن يكون و صفه به من جهة أنّه لما كان معجزا للرسالة و سندا لها و الولاية و أساسا للدّين و سنادا للشرع المبين و لولاه لم يثبت رسالة و لا شريعة و لا ولاية و لا دين و لا ايمان لا جرم وصفه به.
و يمكن استظهار ذلك ممّا رواه أبو سعيد الخدرى قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي تارك فيكم الثّقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتى أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض.
و أظهر منه ما في رواية أبي جعفر عليه السّلام عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا أيّها النّاس إنّي تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر و الثقل الأصغر إن تمسكتم بهما لن تضلّوا و لن تبدّلوا، فانّى سألت اللّه اللّطيف الخبير لا يفترقان حتّى يردا علىّ الحوض فاعطيت، فقيل: فما الثقل الأكبر و ما الثقل الأصغر فقال: الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّ و جلّ سبب طرفه بيد اللّه عزّ و جلّ و طرف بأيديكم و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي.
و يمكن أن يقال: إنّ كتاب اللّه لما كان حجّة على عموم الخلق من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليه السّلام و امّتهم، و حجّية العترة كانت مخصوصة بالامّة فقط جعله أكبر لذلك هذا.
و في قوله عليه السّلام ألم أعمل فيكم آه تعريض و إشعار بعدم عمل غيره به و هو كذلك.
و يوضحه ما في غاية المرام من تفسير عليّ بن إبراهيم قال حدّثني أبي عن صفوان بن يحيى عن أبي الجارود عن عمران بن ميثم عن مالك بن ضمره عن أبي ذر (ره) قال: لما نزلت هذه الآية: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ) قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ترد علىّ امتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي: فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه و نبذناه وراء ظهورنا، و أمّا الأصغر فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه فأقول: ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسودّة وجوهكم.
ثمّ ترد علىّ راية مع فرعون هذه الامّة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه و مزّقناه و خالفناه، و أمّا الأصغر فعاديناه و قاتلناه، فأقول: ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسودّة وجوهكم.
ثمّ ترد علىّ راية هي مع سامريّ هذه الأمّة فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون: أمّا الأكبر فعصيناه و تركناه، و أما الأصغر فخذلناه و ضيّعناه فأقول: ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسودّة وجوهكم.
ثمّ ترد علىّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج و آخرهم و أسألهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون: أمّا الأكبر فمزّقناه و برئنا منه و أمّا الأصغر فقاتلناه و قتلناه فأقول: ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسوّدة وجوهكم.
ثمّ ترد علىّ راية مع إمام المتّقين و سيّد المسلمين و قائد الغرّ المحجّلين و وصيّ رسول ربّ العالمين فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدى فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه و أطعناه، و أمّا الأصغر فأحببناه و واليناه و زرناه و نصرناه حتّى اهريقت فيهم دمائنا، فأقول: ردّوا إلى الجنّة رواء مرويّين مبيضّة وجوهكم ثمّ تلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
و قد أخذ السيّد إسماعيل الحميريّ مضمون هذا الحديث في أبيات من قصيدته المعروفة و هي هذه الأبيات:
- و النّاس يوم الحشر راياتهمخمس فمنها هالك أربع
- فراية العجل و فرعونهاو سامريّ الأمّة المشنع
- و راية يقدمها أبكمعبد لئيم لكّع أكوع
- و راية يقدمها نعثللا برّد اللّه له مضجع
- و راية يقدمها حبترللزّور و البهتان قد أبدع
- و راية يقدمها حيدرو وجهه كالشمس اذ تطلع
- مولى له الجنّة معمورةو النّار من إجلاله يفزغ
- إمام صدق و له شيعةيرووا من الحوض و لم يمنعوا
- بذاك جاء الوحى من ربّنايا شيعة الحقّ فلا تجزعوا
ثمّ قال عليه السّلام (و ركزت فيكم راية الايمان) شبّه عليه السّلام الايمان بالراية لأنه يهتدى به إلى سلوك سبيل الحقّ كما يهتدى بالراية أمام الجيش و نحوها، و ذكر الركز ترشيح للتشبيه و المقصود أني أثبت فيكم الايمان (و وقّفتكم على حدود الحلال و الحرام) أى جعلتكم واقفين عليهما مطلعين على جماتهما (و ألبستكم العافية من عدلي) أراد بالعافية السلامة من الظلم و من أذى الظالمين و استعار لفظ اللّباس لها (و فرشتكم المعروف من قولي و فعلى) المعروف اسم لكلّ ما عرف من طاعة اللّه و التّقرب إليه و الاحسان إلى النّاس و كلّ ما يندب إليه الشرع من المحسّنات و المقبّحات، و إن شئت قلت: المعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع و العقل يقول عليه السّلام: بسطت لكم بساط المعروف بالأقوال و الأفعال (و أريتكم كرايم الأخلاق من نفسي) أى أوضحتها لكم و شاهدتموها مني متكرّرة.
و قد سئل الصّادق عليه السّلام عن مكارم الأخلاق فقال عليه السّلام العفو عمّن ظلمك، وصلة من قطعك، و إعطاء من حرمك، و قول الحقّ و لو على نفسك.
و في حديث آخر في الكافي عن الصّادق عليه السّلام قال إنّ اللّه عزّ و جلّ خصّ رسله بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم فان كانت فيكم فاحمدوا اللّه و اعلموا أنّ ذلك من خير و إلّا تكن فيكم فاسألوا اللّه و ارغبوا إليه فيها فذكرها عشرة: اليقين و القناعة، و الصبر، و الشكر، و الحلم، و حسن الخلق، و السخاء، و الغيرة، و الشجاعة، و المروة و فى الدّيوان المنسوب إليه عليه السّلام
- إنّ المكارم أخلاق مطهّرةفالدّين أوّلها و العقل ثانيها
- و العلم ثالثها و الحلم رابعهاو الجود خامسها و الفضل سادسها
- و البرّ سابعها و الصّبر ثامنهاو الشكر تاسعها و اللين باقيها
- و النفس تعلم أنّي لا أصادقهاو لست أرشد إلّا حين أعصيها
و كيف كان فكونه عليه السّلام مبدء مكارم الأخلاق و منشأ محاسن الآداب مما لا ريب فيه بل ذلك غنيّ عن البيان، و لا بأس بالاشارة إلى بعض ما ورد في حسن خلقه و بشره و حلمه و عفوه و إشفاقه و عطفه صلوات اللّه عليه تيّمنا و توضيحا.
ففى البحار من مناقب ابن شهر آشوب عن مختار التّمار عن أبي مطر البصري أنّ أمير المؤمنين مرّ بأصحاب التّمر فاذا هو بجارية تبكي فقال: يا جارية ما يبكيك فقالت: بعثنى مولاى بدرهم فابتعت من هذا تمرا فأتيتهم به فلم يرضوه فلمّا أتيته به أبى أن يقبله، قال عليه السّلام: يا عبد اللّه انّها خادم ليس لها أمر فاردد إليها درهمها و خذ التمر، فقام إليه الرّجل فلكزه فقال النّاس هذا أمير المؤمنين عليه السّلام فربا الرّجل و اصفرّ و أخذ التمر و ردّ إليها درهمها، ثمّ قال يا أمير المؤمنين ارض عني فقال: ما أرضانى عنك أن أصلحت أمرك.
و في فضايل أحمد إذا وفيت النّاس حقوقهم و دعا غلاما له مرارا فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال عليه السّلام: ما حملك على ترك إجابتي قال: كسلت اجابتك و أمنت عقوبتك، فقال عليه السّلام الحمد للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه امض فأنت حرّ لوجه اللّه.
و جاءه أبو هريرة و كان تكلّم فيه و أسمعه في اليوم الماضي و سأله حوائجه فقضيها فعاتبه أصحابه على ذلك فقال عليه السّلام: إنّي لأستحيي أن يغلب جهله علمي و ذنبه عفوى و مسألته جودي.
و لما ادرك عمرو بن عبدود لم يضربه فوقعوا في عليّ فردّ عنه حذيفة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: مه يا حذيفة فانّ عليّا سيذكر سبب وقفته ثمّ إنّه ضربه فلما جاء سأله النّبيّ عن ذلك فقال عليه السّلام: قد كان شتم بي و تفل في وجهي فخشيت أن أضربه بحظّ نفسي فتركته حتّى سكن ما بي ثمّ قتلته في اللّه.
و كان عليه السّلام بشره دايم و ثغره باسم غيث لمن رغب و غياث لمن ذهب مآل الآمل و ثمال الأرامل يتعطف على رعيته و يتصرّف على مشيته و يكفّه بحجّته و تكفيه بمهجته.
و نظر إلى امرئه على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها و سألها عن حالها فقالت بعث عليّ بن أبي طالب زوجى إلى بعض الثغور فقتل و ترك علىّ صبيانا يتامى و ليس عندي شي ء فقد ألجأتني الضّرورة إلى خدمة النّاس، فانصرف عليه السّلام و بات ليلته قلقا فلما اصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال عليه السّلام: من يحمل و زرى عنّي يوم القيامة فأتى و قرع الباب فقالت من هذا قال: أنا ذلك العبد الذى حمل معك القربة فافتحي فانّ معي شيئا للصّبيان فقالت: رضى اللَّه عنك و حكم بينى و بين عليّ بن أبي طالب، فدخل و قال: إنّي أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين و بين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا فقالت أنا بالخبز أبصر و عليه أقدر و لكن شأنك و الصّبيان فعلّلهم حتّى أفرغ من الخبز.
قال: فعمدت إلى الدّقيق فعجنه و عمد عليّ عليه السّلام إلى اللّحم فطبخه و جعل يلقم الصبيان من اللّحم و التمر و غيره، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بنيّ اجعل عليّ بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمرك فلما اختمر العجين قالت: يا عبد اللَّه اسجر التنّور، فبادر عليه السّلام بسجره فلما أشعله و لقح في وجهه يقول: ذق يا علىّ هذا جزاء من ضيّع الأرامل و اليتامى، فرأته امرأة تعرفه عليه السّلام، فقالت: ويحك هذا أمير المؤمنين عليه السّلام، قال: فبادرت المرأة و هي تقول و احيائي منك يا أمير المؤمنين، فقال عليه السّلام بل و احيائي منك يا أمة اللَّه فيما قصرت في أمرك.
ثمّ إنّه عليه السّلام بعد ما أشار إلى جملة من فضايله و مناقبه أردفه بقوله: (فلا تستعملوا الرّأى فيما لا يدرك قعره البصر و لا يتغلغل) اى لا يسرع و لا يدخل (إليه الفكر) و المقصود بذلك النهى عن استعمال الرأى فيما ذكره عليه السّلام من خصايص العترة الطّاهرة و عجايب ما خصّهم اللَّه به من الأنوار الباهرة.
يقول عليه السّلام إنّ أمرنا صعب لا يهتدى إليه العقول و الأنظار، و لا تدرك قعره الأبصار، و لا تغلغل فيه الأفكار، فلا يجوز المبادرة إلى ردّ ما تأبى عنه العقول و الأفهام في حقّهم عليهم السّلام، فانّ حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان.
تنبيه
لما كان هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوقا لاظهار مناقب الآل و مشتملا على فضايل العترة الطّاهرين سلام اللَّه عليهم أجمعين أحببت أن أورد هنا شطرا من كراماتهم و معجزاتهم و عجائب شئوناتهم المرويّة بالأسانيد الغريبة.
فمنها ما في المجلّد التاسع من البحار
وجادة في بعض الكتب قال: حدّثنا محمّد بن زكريا العلا قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصّفار المعروف بابن المعافا عن وكيع عن زاذان عن سلمان الفارسي رضى اللَّه عنه قال: كنا مع مولانا أمير المؤمنين فقلت يا أمير المؤمنين أحبّ أن أرى من معجزاتك شيئا، قال صلوات اللَّه عليه: أفعل إن شاء اللَّه عزّ و جلّ، ثمّ قام و دخل منزله و خرج إلىّ و تحته فرس أدهم و عليه قباء أبيض و قلنسوة بيضاء، ثمّ نادى يا قنبر اخرج إلىّ ذلك الفرس فأخرج فرس آخر أدهم فقال عليه السّلام اركب يا با عبد اللَّه.
قال سلمان: فركبته فاذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه قال: فصاح به الامام صلوات اللَّه عليه فتعلّق في الهواء و كنت أسمع خفيف أجنحة الملائكة و تسبيحها تحت العرش، ثمّ خطونا على ساحل بحر عجاج مغطمط الأمواج فنظر إليه الامام شزرا فسكن البحر من غليانه فقلت له: يا مولاى سكن البحر من غليانه من نظرك إليه، فقال صلوات اللَّه عليه: يا سلمان خشى أن آمر فيه بأمر.
ثمّ قبض على يدي و سار على وجه الماء و الفرسان تتبعان لا يقودهما أحد، فو اللَّه ما ابتلّت أقدامنا و لا حوافر الخيل.
قال سلمان: فعبرنا ذلك البحر فدفعنا إلى جزيرة كثيرة الأشجار و الأثمار و الأطيار و الأنهار، و إذا شجرة عظيمة بلا صدع و لا زهر فهزّها صلوات اللَّه عليه بقضيب كان في يده فانشقّت و خرج منها ناقة طولها ثمانون ذراعا و عرضها أربعون ذراعا و خلفها قلوص فقال صلوات اللَّه عليه: ادن منها و اشرب من لبنها.
قال سلمان: فدنوت منها و شربت حتى رويت و كان لبنها أعذب من الشهد و ألين من الزّبد و قد اكتفيت قال صلوات اللَّه عليه: هذا حسن يا سلمان، فقلت: مولاى حسن فقال: صلوات اللَّه عليه تريد أن اريك ما هو أحسن منه قلت: نعم يا أمير المؤمنين.
قال سلمان: فنادى مولاى أمير المؤمنين اخرجي يا حسناء قال: فخرجت ناقة طولها عشرون و مائة ذراع و عرضها ستّون ذراعا و رأسها من الياقوت الأحمر و صدرها من العنبر الأشهب و قوائمها من الزبرجد الأخضر و زمامها من الياقوت الأصفر و جنبها الأيمن من الذّهب و جنبها الأيسر من الفضّة و عرفها من اللّؤلؤ الرطب فقال صلوات اللَّه عليه يا سلمان اشرب من لبنها.
قال سلمان: فالتقمت الضّرع فاذا هي تحلب عسلا صافيا مخلصا، فقلت يا سيّدي هذه لمن قال عليه السّلام: لك و لك و لساير الشيعة من أوليائي، ثمّ قال ارجعي إلى الصّخرة و رجعت من الوقت و ساربي في تلك الجزيرة حتّى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رايحة المسك فاذا بطاير في صورة النسر العظيم.
قال سلمان رضي اللَّه عنه: فوثب ذلك الطّاير فسلّم عليه صلوات اللَّه عليه و رجع إلى موضعه فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه المائدة فقال عليه السّلام: هذه منصوبة في هذا المكان للشيعة من موالىّ إلى يوم القيامة فقلت: ما هذا الطّاير قال صلوات اللَّه عليه: ملك موكّل بها إلى يوم القيامة فقلت: وحده يا سيّدي، فقال عليه السّلام: يجتاز به الخضر عليه السّلام في كلّ يوم مرّة.
ثمّ قبض عليه السّلام على يدي و سار إلى بحرثان فعبرنا و إذا جزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من ذهب و لبنة من فضة بيضاء شرفها من عقيق أصفر و على كلّ ركن من القصر سبعون صفا من الملائكة فأتوا و سلّموا، ثمّ اذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم.
قال سلمان رحمه اللَّه تعالى: ثمّ دخل أمير المؤمنين عليه السّلام القصر فاذا أشجار و أثمار و أنهار و أطيار و ألوان النبات فجعل الامام عليه السّلام يمشى فيه حتّى وصل إلى آخره فوقف عليه السّلام على بركة كانت في البستان ثمّ صعد إلى قصر فاذا كرسيّ من الذّهب الأحمر فجلس عليه صلوات اللَّه عليه و أشرفنا على القصر فاذا بحر أسود يغطمط أمواجه كالجبال الرّاسيات، فنظر صلوات اللَّه عليه شزرا فسكن من غليانه حتّى كان كالمذنب.
فقلت: يا سيّدي سكن البحر من غليانه لما نظرت إليه فقال عليه السّلام خشى أن آمر فيه بأمر أ تدرى يا سلمان أىّ بحر هذا فقلت: لا يا سيّدي، فقال: هذا الذي غرق فيه فرعون و ملائه المذنبة حملها جناح جبرئيل عليه السّلام ثمّ زجّها في هذا البحر فهو يهوى لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة.
فقلت يا أمير المؤمنين هل سرنا فرسخين فقال عليه السّلام: يا سلمان سرت خمسين ألف فرسخ و درت حول الدّنيا عشر مرّات.
فقلت: يا سيّدي و كيف هذا قال عليه السّلام إذا كان ذو القرنين طاف شرقها و غربها و بلغ إلى سدّ يأجوج و مأجوج فأنا يتعذر علىّ و أنا أمير المؤمنين و خليفة ربّ العالمين، يا سلمان أما قرأت قول اللَّه عزّ و جلّ حيث يقول: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) فقلت: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام: أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره اللَّه عزّ و جلّ على غيبه أنا العالم الرّبانيّ أنا الذي هوّن اللَّه له الشّدايد فطوى له البعيد.
قال سلمان رضي اللَّه عنه: فسمعت صائحا يصيح في السّماء أسمع الصوت و لا أرى الشخص و هو يقول: صدقت صدقت أنت الصّادق المصدّق صلوات اللَّه عليك.
قال: ثمّ نهض صلوات اللَّه عليه فركب الفرس و ركبت معه و صاح بهما فطارا في الهواء ثمّ خطونا على باب الكوفة هذا كلّه و قد مضى من اللّيل ثلاث ساعات.
فقال صلوات اللَّه عليه لى: يا سلمان الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا و أنكر ولايتنا أيّما أفضل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أم سليمان عليه السّلام قلت: بل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ثمّ قال عليه السّلام: فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة و عنده علم من الكتاب و لا أفعل أنا ذلك و عندى مأئة كتاب و أربعة و عشرون كتابا أنزل اللَّه تعالى على شيث بن آدم عليه السّلام خمسين صحيفة، و على إدريس النّبي عليه السّلام ثلاثين صحيفة، و على إبراهيم عليه السّلام عشرين صحيفة، و التوراة، و الانجيل، و الزّبور و الفرقان.
فقلت: صدقت يا أمير المؤمنين هكذا يكون الامام صلوات اللَّه عليه، فقال عليه السّلام إنّ الشّاك في أمورنا و علومنا كالممترى في معرفتنا و حقوقنا، قد فرض اللَّه عزّ و جلّ في كتابه في غير موضع، و بيّن فيه ما وجب العمل به، و هو غير مكشوف.
و منها ما فيه أيضا من الكتاب المذكور
قال: روى الاصبغ بن نباته قال: كنت يوما مع مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام إذ دخل عليه نفر من أصحابه منهم أبو موسى الأشعري و عبد اللَّه بن مسعود و أنس بن مالك و أبو هريرة و المغيرة بن شعبة و حذيفة ابن اليمان و غيرهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين أرنا شيئا من معجزاتك الّتي خصّك اللَّه بها.
فقال عليه السّلام: ما أنتم و ذلك و ما سؤالكم عمّا لا ترضون به و اللَّه تعالى يقول و عزّتي و جلالى و ارتفاع مكاني إنّي لا اعذّب أحدا من خلقي إلّا بحجّة و برهان و علم و بيان، لأنّ رحمتي سبقت غضبى و كتبت الرّحمة علىّ فأنا الرّاحم الرّحيم و الودود العليّ، و أنا المنّان العظيم، و أنا العزيز الكريم، فاذا أرسلت رسولا أعطيته برهانا و أنزلت عليه كتابا فمن آمن بي و برسولي فأولئك هم المفلحون الفائزون و من كفر بى و برسولي فأولئك هم الحاسرون الّذين استحقّوا عذابي فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن آمنّا باللّه و برسوله و توكّلنا عليه.
فقال عليّ عليه السّلام اللّهم اشهد على ما يقولون و أنا العليم الخبير بما يفعلون، ثمّ قال: قوموا على اسم اللَّه و بركاته، قال: فقمنا معه حتّى أتى بالجبانة و لم يكن في ذلك الموضع ماء قال: فنظرنا فاذا روضة خضراء ذات ماء، و إذا في الروضة غدران و في الغدران حيتان، فقلنا و اللَّه إنّها لدلالة الامامة فأرنا غيرها يا أمير المؤمنين و إلّا قد أدركنا بعض ما أردنا.
فقال عليه السّلام: حسبى اللَّه و نعم الوكيل ثمّ أشار عليه السّلام بيده العليا نحو الجبّانة فاذا قصور كثيرة مكلّلة بالدّرّ و الياقوت و الجواهر و أبوابها من الزّبرجد الأخضر و إذا في القصور حور و غلمان و أنهار و أشجار و طيور و نبات كثير، فبقينا متحيّرين متعجّبين و إذا وصايف و جوارى و ولدان و غلمان كاللّؤلؤ المكنون فقالوا: يا أمير المؤمنين لقد اشتدّ شوقنا إليك و إلى شيعتك و أوليائك، فأومأ إليهم بالسّكون.
ثمّ ركض الأرض برجله عليه السّلام فانفلقت الأرض من منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله.
ثمّ قال عليه السّلام: غمّضوا أعينكم فغمضنا أعيننا فسمعنا حفيف أجنحة الملائكة بالتّسبيح و التّهليل و التحميد و التعظيم و التقديس، ثمّ قاموا بين يديه قالوا: مرنا بأمرك يا أمير المؤمنين و خليفة ربّ العالمين صلوات اللَّه عليك.
فقال عليه السّلام يا ملائكة ربّي ائتوني بابليس الأبالسة و فرعون الفراعنة قال: فو اللَّه ما كان بأسرع من طرفة عين حتّى أحضروه عنده فقال عليه السّلام: ارفعوا أعينكم، قال: فرفعنا أعيننا و نحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة، فقلنا: يا أمير المؤمنين اللَّه اللَّه في أبصارنا فما ننظر شيئا البتة و سمعنا صلصلة السّلاسل و اصطكاك الاغلال و هبّت ريح عظيمة فقالت الملائكة يا خليفة اللَّه زد الملعون لعنة و ضاعف عليه العذاب فقلنا يا أمير المؤمنين اللَّه اللَّه في أبصارنا و مسامعنا فو اللَّه ما نقدر على احتمال هذا السّر و القدر قال: فلمّا جرّه بين يديه قام و قال واويلاه من ظلم آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و اويلاه من اجترائى عليهم ثمّ قال: يا سيّدي ارحمني فانّي لا أحتمل هذا العذاب فقال عليه السّلام: لا رحمك اللَّه و لا غفر لك أيّها الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان.
ثمّ التفت عليه السّلام إلينا و قال: تعرفون هذا باسمه و حسبه قلنا: نعم يا أمير المؤمنين فقال: سلوه حتّى يخبركم من هو، فقالوا: من أنت فقال: أنا إبليس الأبالسة و فرعون هذه الأمة، أنا الّذي جحدت سيّدي و مولاى أمير المؤمنين و خليفة ربّ العالمين و أنكرت آياته و معجزاته.
ثمّ قال أمير المؤمنين: غمّضوا أعينكم فغمضنا، فتكلّم عليه السّلام بكلام أخفى فاذا نحن في الموضع الذي كنا فيه لا قصور و لا ماء و لا غدران و لا أشجار.
قال الاصبغ بن نباتة رضي اللَّه عنه: و الّذى أكرمني بما رأيت من تلك الدلايل و المعجزات ما تفرّق القوم حتّى ارتابوا و شكّوا و قال بعضهم: سحر و كهانة و افك فقال أمير المؤمنين: إنّ بني إسرائيل لم يعاقبوا و لم يمسخوا إلّا بعد ما سألوا الآيات و الدّلالات فقد حلّت عقوبة اللَّه بهم و الآن حلّت لعنته فيكم و عقوبته عليكم، قال الأصبغ بن نباتة رضى اللَّه عنه: إنّي أيقنت أنّ العقوبة حلّت بتكذيبهم الدّلالات و المعجزات.
و منها ما في المجلد السّابع من البحار
من كتاب الاختصاص عن ابن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن حفص الأبيض التّمار قال: دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام أيّام قتل المعلّى بن خنيس و صلبه (ره) فقال عليه السّلام: يا حفص إنّي أمرت لمعلّى بن خنيس بأمر فخالفني فابتلى بالحديد: إنّى نظرت إليه يوما و هو كئيب حزين فقلت مالك يا معلّى كأنّك ذكرت أهلك و مالك و عيالك فقال: أجل فقلت: ادن منّي فدنى منّى فمسحت وجهه فقلت: أين تراك فقال: أراني في بيتي هذا زوجتي و هؤلاء ولدي فتركته حتّى تملاء منهم و استترت منه حتّى نال ما ينال الرّجل من أهله. ثمّ قلت له: ادن مني، فمسحت وجهه فقلت أين تراك فقال: أراني معك بالمدينة و هذا بيتك فقلت له: يا معلّى إنّ لنا حديثا من حفظه علينا حفظه اللَّه عليه دينه و دنياه، يا معلّى لا تكونوا اسراء في أيدى النّاس بحديثنا إن شاءوا منّوا عليكم و إن شاءوا قتلوكم، يا معلّى إنّ من كتم الصّعب من حديثنا جعله اللَّه نورا بين عينيه و رزقه اللَّه العزّة في النّاس، و من أذاع الصّعب من حديثنا لم يمت حتّى يعضّه السّلاح أو يموت بخيل، يا معلّى فأنت مقتول فاستعدّ.
و منها ما فيه من الخرائج
قال: روى أبو القاسم بن قولويه عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن إدريس عن محمّد بن حسان عن عليّ بن خالد قال: كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلا محبوسا أتى من ناحية الشام مكبولا و قالوا: إنّه تنبّأ، فأتيت الباب و داريت البوّابين حتّى وصلت إليه فاذا رجل له فهم و عقل فقلت له: ما قصّتك قال: إنّي كنت بالشّام أعبد اللَّه في الموضع الذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السّلام، فبينما أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر اللَّه إذ نظرت شخصا بين يدي فنظرت إليه، فقال لي: قم، فقمت معه فمشى بي قليلا فاذا أنا في مسجد الكوفة قال: أتعرف هذا المسجد قلت: نعم هذا مسجد الكوفة فصلّى و صلّيت معه ثمّ خرج و خرجت معه فمشى بي قليلا و إذا نحن بمسجد الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، فسلّم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و سلّمت و صلّى و صلّيت معه، ثمّ خرج و خرجت معه فمشى بي قليلا و إذا نحن بمكّة و طاف بالبيت فطفت معه فخرج و مشى بي قليلا فاذا أنا في موضعي الذي كنت أعبد اللَّه فيه بالشّام و غاب الشخص عن عينى فتعجّبت ممّا رأيت.
فلمّا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به و دعاني فأجبته و فعل كما فعل في العام الأوّل فلمّا أراد مفارقتى بالشام قلت: سألتك بالّذي أقدرك على ما رأيت من أنت قال: أنا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر، فحدّثت من كان يصير إلىّ بخبره فرقى ذلك إلى محمّد بن عبد الملك الزّيات فبعث إلىّ فاجلدني و كبّلني في الحديد و حملني إلى العراق و حبست كما ترى و ادّعى علىّ المحال فقلت: أرفع عنك القصة إليه قال: ارفع فكتبت عنه قصّته شرحت امره فيها و دفعتها إلى الزّيات فوقّع في ظهرها: قل للّذي أخرجك من الشّام في ليلة إلى الكوفة إلى المدينة إلى مكة أن يخرجك من حبسى.
قال عليّ بن خالد: فغمّني ذلك من أمره و رققت له و انصرفت محزونا فلمّا أصبحت باكرت الحبس لاعلمه بالحال و آمره بالصّبر و العزاء فوجدت الجند و الحراس و صاحب السجن و خلقا كثيرا من النّاس يهرعون، فسألت عنهم و عن الحال فقيل إنّ المحمول من الشام المتنبّى فقد البارحة من الحبس فلا يدرى خسف به الأرض أو اختطفته الطير و كان هذا المرسل أعنى عليّ بن خالد زيديّا فقال بالامامة، و حسن اعتقاده.
و منها حديث البساط المعروف
و رويته من نسخة قديمة عندي قال الرّاوي: خبر من خزانة مولانا مفترض الطاعة على الخلق أجمعين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
حدّثنا أبو عبد اللَّه بن زكريّا عن ابن جوهر بن الأسود عن محمّد بن سابغ يرفعه إلى سلمان الفارسي (رض) أنّه قال: كنا جلوسا عند مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم أنا و ولديه الحسن و الحسين عليهما السّلام و محمّد بن حنفية و محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر و مقداد بن أسود الكندي فاذا التفت إليه الحسن عليه السّلام و قال: يا أمير المؤمنين إنّ سليمان بن داود قال: فهب لي من لدنك ملكا لا ينبغي لأحد من النّاس و أعطاه اللَّه تعالى ذلك، فهل ملكت شيئا من ملك سليمان فقال له أمير المؤمنين: و الّذي فلق الحبّة و برء النّسمة لقد ملك أبوك ملكا لا يملك أحد قبله و لا بعده، فقال الحسن عليه السّلام: إنّا نحبّ أن ننظر مما ملّكه اللَّه إيّاك من الملكوت ليزداد النّاس إيمانهم.
فقال عليه السّلام: نعم و كرامة و قام و صلّى ركعتين ثمّ ذهب إلى صحن داره و نحن نراه، فمدّيده نحو المغرب حتّى بان لنا من كفّه سحابة و هو يمدّها حتّى أوقفها على الدّار، و إلى جانب تلك السحابة سحابة أخرى، ثمّ أشار إلى ريح و قال اهبطى الينا أيّتها الرّيح فو اللَّه العظيم لقد رأينا السّحاب و الرّيح قد هبطا يقولان: نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و نشهد أنّك وصيّ رسول كريم محمّد رسول اللَّه و أنت وليّه، من شكّ فيك فقد هلك و من تمسّك بك فقد سلك سبيل النّجاة.
ثمّ تطاطات السّحابتان حتّى صارتا كأنهما بساطان و رائحتهما كالمسك الأذفر فقال لنا أمير المؤمنين عليه السّلام: اجلسوا على الغمام فجلسنا و أخذنا مواضعنا.
ثمّ قال سلمان: إنّ أمير المؤمنين قال: أيّتها الرّيح ارفعينا، فرفعتنا رفعا رفيعا فاذا نحن و أمير المؤمنين في تلك على كرسيّ من نور و عليه ثوبان أصفران و على رأسه تاج من ياقوتة صفراء و في رجليه شراك من ياقوت يتلألأ و في يده خاتم من درّة بيضاء يكاد نور وجهه يذهب الأبصار.
فقال له: يا أبتاه إنّ سليمان بن داود كان يطاع بخاتمه و أمير المؤمنين عليه السّلام بما ذا يطاع فقال عليه السّلام يا ولدى أنا وجه اللَّه، و عين اللَّه، و لسان اللَّه، و أنا وليّ اللَّه، و أنا نور اللَّه، و أنا كنز اللَّه في الأرض، و أنا القدرة المقدّرة، و أنا الجنّة و النّار، و أنا سيّد الفريقين.
يا ولدى أتحبّ أن اريك خاتم سليمان بن داود قال: نعم، فأدخل يده تحت ثيابه و استخرج خاتما عليه فصّ من ياقوت مكتوب عليها أربعة أسطر، و قال: هذا و اللَّه خاتم سليمان بن داود.
قال سلمان: فبقينا متعجّبا من ذلك فقال عليه السّلام من أيّ تعجبون و ما هذا العجب إنّي لأريناكم اليوم ما لم يره أحد قبلي إلى بعدي.
فقال الحسن عليه السّلام: يا أمير المؤمنين إنّا نحبّ أن ترينا يأجوج و مأجوج و السّد فقال عليه السّلام: للرّيح سيرى، فقال سلمان: فو اللَّه لمّا سمعت الريح قوله دخلت تلك السّحاب و رفعنا إلى الهواء حتّى أتينا إلى جبل شامخ في الهواء و عليه شجرة جافة و تساقط أوراقها فقلنا: ما بال هذه الشجرة قد جفّت و ماتت، قال: سلوها فانها تخبركم فقال الحسن عليه السّلام: ما بالك أيّتها الشجرة قد حلّ بك ما نراه منك فما أجابت، فقال لها أمير المؤمنين: بحقّي عليك أيّتها الشجرة أجبهم.
قال سلمان: فو اللَّه لقد سمعناها و هى تقول لبّيك لبّيك يا وصيّ رسول اللَّه و خليفته من بعده حقّا، فقال للحسن: يا با محمّد إنّ أباك أمير المؤمنين يجيئني في كلّ ليلة و يسبّح عندى للّه عزّ و جلّ و يستظلّ بي فاذا فرغ من تسبيحه جائته غمامة بيضاء تفوح منها مسك و عليها كرسيّ فيجلس عليها ثمّ يسير به فلا أراه إلى وقته ذلك، و كان يتعاهدني كلّ ليلة و كنت أعيش من رائحته فقطعني منذ أربعين ليلة لم أعرف له خبرا و الذي تراه منّي ممّا أنكرته من فقده و الغمّ و الحزن فاسأله يا سيدى حتّى يتعاهدني بجلوسه عندي فقد عشت من رائحته في هذا الوقت و بنظرى إليه، قال: فبقينا متعجّبا من ذلك فقام عليه السّلام و مسح يده المباركة عليها قال سلمان: و اللَّه الذي نفسى بيده لقد سمعت لها أنينا و أنا أراه و هي تخضر حتّى أنبتت ورقا و أثمرت بقدرة اللَّه عزّ و جلّ و ببركاته عليه السّلام، فأكلنا فكانت أحلى من السّكر، فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا عجب فقال عليه السّلام الّذي ترون بعدها أعجب ثمّ عاد عليه السّلام إلى موضعه و قال للرّيح: سيرى بنا، فدخلت الريح تحت السّحابة و رفعنا حتى رأينا الدّنيا بمثل دور الرأس و رأينا في الهواء ملكا رأسه تحت الشمس و رجلاه في قعر البحور و يده في المغرب و الأخرى في المشرق فلما خبرنا به قال: لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و أنّك وصيّه حقّا لا شكّ فيك و من شكّ فيك فهو كافر.
فقلنا: يا أمير المؤمنين من هذا الملك و ما بال يده في المغرب و أخرى في المشرق فقال عليه السّلام أنا أقمته باذن اللَّه ههنا و وكلته بظلمات الليل و ضوء النّهار و لا يزال كذلك إلى يوم القيامة و إنّى أدبّر أمر الدّنيا و أصنع ما أريد باذن اللَّه و أمره و اعمال الخلايق إلىّ و أنا أدفعها إلى اللَّه عزّ و جل.
ثمّ سار بنا حتى وقفنا على يأجوج و مأجوج فقال عليه السّلام للريح اهبطي تحت هذا الجبل و أشار بيده إلى جبل شامخ إلى قرب السّد ارتفاعه مدّ البصر و إذا به سواد كانه قطعة ليلة يفور منه دخان فقال عليه السّلام: يا با محمّد أنا صاحب هذا السّد على هؤلاء العبد.
فقال سلمان: فرأيتهم ثلاثة أصناف: صنف طوله مأئة و عشرون ذراعا من عرض ستّين ذراعا، و الصّنف الثاني طوله مأئة و سبعون ذراعا من عرض ثمانين ذراعا، و الصّنف الثالث أحدهم يفرش اذنه تحته و الأخرى فوقه.
ثمّ قال للريح: سيرى بنا إلى قاف فسارت بنا إلى جبل من ياقوته خضراء و هو محيط بالدّنيا و عليه ملك في صورة بني آدم و هذا الموكل بقاف فلما نزل الملك إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال تريد أن تسألني أن آذن لك فقد أذنت فأسرع الملك و قال: بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم ثمّ طار.
قال سلمان و طفنا في ذلك حتى انتهينا إلى شجرة جافة من الشجرة الأولى فقلنا: يا أمير المؤمنين ما بال هذه الشّجرة قد ماتت فقال سلوها قال الحسن عليه السّلام: و قمت و دنوت أنا و أبي عليه السّلام و قلت لها اقسمت عليك بحقّ أمير المؤمنين أن تخبرينا ما بالك و أنت في هذا المكان قال سلمان: فكلّمت بلسان طلق و هي تقول: يا با محمّد إنّي كنت أفتخر على الأشجار فصارت الأشجار تفتخر علىّ و ذلك أنّ أباك كان يجيئني في كلّ ليلة عند الثلث الأوّل من اللّيل يستظلّ بي ساعة ثمّ يأتيه فرس أدهم فيركبه و يمضي فلا أراه إلى وقته و كنت أعيش من رائحته و أفتخر به فقطعني منذ أربعين ليلة فغمّني ذلك فصرت كما ترى.
فقلنا: يا أمير المؤمنين اسأل اللَّه في ردّها كما كانت فمسح يده المباركة ثمّ قال: يا شاه شاهان فسمعنا لها أنينا و هي تقول أشهد أنّك أمين هذه الأمّة و وصيّ رسول اللَّه من تمسّك بك فقد نجا و من خالفك فقد غوى، ثمّ اخضرّت و اورقت فجلسنا تحتها و هي خضرة نضرة.
فقلنا اين ذهب هذا الملك الموكّل بقاف قال عليه السّلام: إلى زيارة الملك الموكل على ظلمات اللّيل و ضوء النّهار فقلنا يا أمير المؤمنين ما يزالون عن مواضعهم إلّا باذنك فقال عليه السّلام: و الذي رفع السّماء بغير عمد ما أظنّ أحدا يزول عن موضعه بغير إذني إلّا احترق.
فقلنا: يا أمير المؤمنين كنت معنا جالسا في منزلك فأىّ وقت كنت في قاف فقال عليه السّلام لنا: غمّضوا أعينكم فغمضناها ثمّ قال عليه السّلام: افتحوها، ففتحناها فاذا نحن قد بلغنا مكّة، فقال عليه السّلام: لقد بلغنا و لم يشعر أحد فكذلك كنت بقاف و لم يشعر أحد منكم.
فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا العجب من وصيّ رسول اللَّه فقال: و اللَّه إنّي أملك من الملكوت ما لو عاينتموه لقلتم أنت أنت أنت، و أنا أنا و أنا عبد اللَّه مخلوق من الخلايق آكل و أشرب.
ثمّ أتينا إلى روضة نضرة كأنّها من رياض الجنّة فاذا نحن بشاب يصلّي بين قبرين، فقلنا يا أمير المؤمنين من هذا الشّاب فقال أخي صالح و هذان قبر أبويه يعبد اللَّه بينهما، فلمّا نظر إلينا صالح أتى إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يبكي، فلمّا فرغ من بكائه فقلنا ممّا تبكي فقال: إنّ أمير المؤمنين كان يمرّ بي كلّ يوم عند الصّبح و كنت آنس به و أزداد في العبادة فقطعني منذ أربعين يوما فأهمّنى ذلك و لم أملك من شدّة شوقي إليه و أصابني ما تراه، فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا هو العجب من كلّ ما رأينا أنت معنا في كلّ يوم و تأتي إلى هذا الفتى.
فقال عليه السّلام: أتحبّون أن ارينكم سليمان بن داود فقلنا: نعم، فقام عليه السّلام و قمنا معه فمشينا حتى دخلنا إلى بستان لم نر قطّ مثله و فيه من جميع الفاكهة و الأنهار تجرى و الأطيار تتغنّي، فلما نظرت الأطيار إلى أمير المؤمنين عليه السّلام جعلت تظلّ على رأسه.
فاذا نحن بسرير عليه شابّ ملقى على ظهره و ليس في يده خاتم و عند رأسه ثعبان و عند رجليه ثعبان فلمّا نظرا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام انكبّا على قدميه يمرغان وجوههما على التراب ثمّ صارا كالتّراب فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا هو سليمان قال: نعم و هذا خاتمه ثمّ اخرج من يده الخاتم و جعله في يد سليمان ثمّ قال: قم يا سليمان باذن من يحيى العظام و هي رميم و هو اللَّه الذى لا إله إلّا هو الحىّ القيّوم القهّار ربّ السّماوات و الأرضين ربّي و ربّ آبائنا الأوّلين.
قال سلمان: فسمعنا سليمان يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و لو كره المشركون، و أشهد أنّك وصيّ رسول اللَّه الأمين الهادي، و إنّي سألت ربّي عزّ و جلّ أن أكون من شيعتك و لو لا ذلك ما ملكت شيئا.
قال سلمان: فلما سمعت ذلك و ثبت و قبّلت أقدام أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ نام سليمان و قمنا ندور في قاف فسألته ما وراء قاف فقال عليه السّلام وراءه أربعين دنيا كلّ دنيا مثل الدّنيا التي جئنا أربعين مرّة، فقلت له: يا أمير المؤمنين كيف علمك بذلك قال عليه السّلام: كعلمى بهذه الدّنيا و من فيها و بطرف السّماوات و الأرضين.
يا سلمان كتبت على اللّيل فأظلم، و على النهار فأضاء، أنا المحنة الواقعة على الأعداء الطامّة الكبرى، أسماؤنا كتبت على العرش حتّى استند، و على السّماوات فقامت، و كتبت على الأرض فسكنت، و على الرّياح فذرت، و على البرق فلمع، و على النّور فسطع، و على الرّعد فخشع، و أسماؤنا مكتوبة على جبهة اسرافيل الّذي جناحه في المشرق و المغرب و هو يقول: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة و الرّوح.
ثمّ قال عليه السّلام لمّا اغمضوا أعينكم فغمضنا ثمّ قال عليه السّلام: افتحوها ففتحنا فاذا نحن بمدينة لم نر أكبر منها و إذا الأسواق بايرة و أهلها قوم لم نر أطول منهم خلقا كلّ واحد كالنخلة، فقلنا من هؤلاء القوم فما رأينا أعظم منهم خلقا قال عليه السّلام: هؤلاء قوم عاد و هم كفّار لا يؤمنون بيوم الميعاد و بمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، فأحببت أن ارينكم إيّاهم في هذا الموضع و لقد مضيت بقدرة اللَّه تعالى، و اقتلعت مدينتهم و هي مداين الشّرق و أتيتكم بها و أنتم لا تشعرون، و أحببت أن أقاتل بين يديكم.
ثمّ دنا منهم فدعاهم إلى الايمان فأبوا فحمل عليه السّلام عليهم و حملوا عليه و نحن نراهم و لا يرونا فتباعد عنهم و دنا منا فمسح يده عليه السّلام على أبداننا و قلوبنا و قال: ثبتوا على الايمان ثمّ مشى إليهم و دعاهم ثانية إلى الايمان و نحن نراهم فأبوا ثمّ زعق زعقة.
قال سلمان: فو الّذي نفسي بيده لقد ظننت أنّ الأرض قد انقلبت و الجبال قد تدكدكت و رأيتهم صرعى كأعجاز نخل خاوية قال: لا اضعف ايمانكم.
قال لنا أتحبّون أن ارينكم ما هو أعجب من هذا فقلنا: يا أمير المؤمنين مالنا قوّة و الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدى لو لا أن هدانا اللَّه، فعلى من لا يؤمن بك لعنة اللَّه و لعنة الملائكة و النّاس أجمعين.
ثمّ صاح عليه السّلام بالغمامة فاذا هي قد أقبلت فقال اجلسوا على السحابة فجلسنا و جلس هو على الأخرى ثمّ تكلّم بما لم نفهمه فما استتمّ كلامه حتّى طارت بنا في الهواء، ثمّ رفعتنا حتى رأينا الدّنيا مثل دور الدراهم ثمّ حططنا دار أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في أقلّ من طرفة عين و أنزلنا و المؤذّن يؤذّن للظّهر و كنا مضينا عند طلوع الشمس، فقلنا هذا هو العجب كنّا في قاف و قطعنا و رجعنا في خمس ساعات، فقال أمير المؤمنين لو أردت أطوف بكم الدّنيا و جميع السماوات و الأرض في أقلّ من مدّ البصر لفعلت بقدرة اللَّه تعالى و جلاله و بركة رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أنا وصيّة و لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.
فقال سلمان: قلنا: لعن اللَّه من جحدك و غصب حقّك و ضاعف عليهم العذاب الأليم و جعلنا ممّن لا يفارق منك ساعة في الدّنيا و الآخرة بمحمّد و آله عليهم السّلام.
أقول: و رواه المحدّث العلّامة المجلسي طاب ثراه في المجلّد السابع من البحار من كتاب المحتضر للشيخ حسن بن سليمان من كتاب منهج التحقيق إلى سوء الطريق لبعض علماء الامامية باسناده عن سلمان الفارسي نحو ما رويناه و قال بعد ما أورده:
أقول: هذا خبر غريب لم نره في الاصول التي عندنا و لا نردّها و نردّ علمها إليهم عليهم السّلام،
و منها ما في المجلّد الثّامن من البحار
من كتاب المحتضر عن بعض العلماء في كتابه عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: إنّ أمير المؤمنين كان يخرج في كلّ جمعة ظاهر المدينة و لا يعلم أحد أين يمضى، قال فبقى على ذلك برهة من الزّمان، فلما كان في بعض الليالي قال عمر بن الخطاب: لا بدّ من أن أخرج و ابصر أين يمضى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
قال: فقعد له عند باب المدينة حتى خرج و مضى على عادته فتبعه عمر و كان كلّما وضع عليّ عليه السّلام قدمه في موضع وضع عمر رجله مكانها، فما كان إلّا قليلا حتى وصل إلى بلدة عظيمة ذات نخل و شجر و مياه غزيرة ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام دخل إلى حديقة بها ماء جار فتوضّأ و وقف بين النخل يصلّى إلى أن مضى من اللّيل أكثره.
و أمّا عمر فانّه نام فلما قضى أمير المؤمنين عليه السّلام وطره من الصّلاة عاد و رجع إلى المدينة حتى وقف خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و صلّى معه الفجر فانتبه عمر فلم يجد أمير المؤمنين في موضعه فلما أصبح رأى موضعا لا يعرفه و قوما لا يعرفهم و لا يعرفونه فوقف على رجل منهم.
فقال له الرجل: من أنت و من أين أنت فقال عمر: من يثرب مدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فقال له الرّجل: يا شيخ تأمل أمرك و ابصر ما تقول فقال: هذا الذي أقوله لك قال الرّجل: متى خرجت من المدينة قال: البارحة قال له: اسكت لا يسمع الناس منك فتقتل أو يقولون هذا مجنون، فقال: الّذي أقول حقّ.
فقال له الرّجل: حدّثني كيف حالك و مجيئك إلى ههنا فقال عمر: كان عليّ بن أبي طالب في كلّ ليلة جمعة يخرج من المدينة و لا نعلم أين يمضى فلمّا كان في هذه اللّيلة تبعته و قلت اريد أن أبصر أين يمضى فوصلنا إلى ههنا فوقف يصلي و نمت و لا أدرى ما صنع.
فقال له الرّجل: ادخل هذه المدينة و أبصر الناس و اقطع أيامك إلى ليلة الجمعة فما لك أن يحملك إلى الموضع الّذي جئت منه إلّا الرّجل الذي جاء بك، فبيننا و بين المدينة أزيد من مسيرة سنتين فاذا رأينا من يرى المدينة و رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم تتبرّك به و نزوره و في بعض الاحيان نرى من أتى بك فتقول أنت قد جئتك في بعض ليلة من المدينة.
فدخل عمر إلى المدينة فرأى النّاس كلّهم يلعنون ظالمي أهل بيت محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و يسمّونهم بأسمائهم واحدا واحدا و كلّ صاحب صناعة يقول ذلك و هو على صناعته، فلما سمع عمر ذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت و طالت عليه الأيّام.
حتّى جاء ليلة الجمعة فمضى إلى ذلك المكان فوصل أمير المؤمنين عليه السّلام إليه على عادته فكان عمر يترقّبه حتى مضى معظم اللّيل و فرغ من صلاته و همّ بالرّجوع فتبعه عمر حتّى و صلا الفجر المدينة، فدخل أمير المؤمنين عليه السّلام المسجد و صلّى خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و صلّى عمر أيضا ثمّ التفت النّبيّ إلى عمر فقال: يا عمر أين كنت اسبوعا لا نراك عندنا فقال عمر: يا رسول اللَّه كان من شأني كذا و كذا و قصّ عليه ما جرى له فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لا تنس ما شاهدت بنظرك فلمّا سأله من سأله عن ذلك فقال نفذ فيّ سحر بني هاشم.
قال المجلسى (ره) أقول: هذا حديث غريب لم أره إلّا في الكتاب المذكور، هذا.
و غرايب شئوناتهم عليهم السّلام متجاوزة عن حدّ الاحصاء و لو أردت ذكر يسير من كثير لصار كتابا كبير الحجم و فيما أوردته كفاية للمستبصر و هداية للمهتدي، و اللَّه العالم الخبير بمقامات حججه و أوليائه الكرام عليهم الصّلاة و السّلام.
|