18: وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ ص- غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ- فَقَالَ ع إِنَّمَا قَالَ ص ذَلِكَ وَ الدِّينُ قُلٌّ- فَأَمَّا الآْنَ وَ قَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ- فَامْرُؤٌ وَ مَا اخْتَارَ اليهود لا تخضب- و كان النبي ص أمر أصحابه بالخضاب- ليكونوا في مرأى العين شبابا- فيجبن المشركون عنهم حال الحرب- فإن الشيخ مظنة الضعف- . قال علي ع كان ذلك و الإسلام قل أي قليل- و أما الآن و قد اتسع نطاقه و ضرب بجرانه- فقد سقط ذلك الأمر- و صار الخضاب مباحا غير مندوب- . و النطاق ثوب تلبسه المرأة لبسة مخصوصة- ليس بصدرة و لا سراويل- و سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين- لأنها قطعت من ثوبها ذلك قطعة شدت بها سفرة لها- حملها أبو بكر معه حين خرج من مكة- مع النبي ص يوم الهجرة- فقال النبي ص- لقد أبدلها الله بها نطاقين في الجنة- و كان نفر الشام ينادون عبد الله ابنها- حين حصره الحجاج بمكة يشتمونه كما زعموا- يا ابن ذات النطاقين فيضحك عبد الله منهم- و قال لابن أبي عتيق أ لا تسمع يظنونه ذما ثم يقول-
و تلك شكاة ظاهر عنك عارها
- و استعار أمير المؤمنين ع هذه اللفظة- لسعة رقعة الإسلام- و كذلك استعار قوله و ضرب بجرانه أي أقام و ثبت- و ذلك لأن البعير إذا ضرب بجرانه الأرض- و جرانه مقدم عنقه فقد استناخ و برك- . و امرؤ مبتدأ و إن كان نكرة- كقولهم شر أهر ذا ناب لحصول الفائدة- و الواو بمعنى مع و هي و ما بعدها الخبر- و ما مصدرية أي امرؤ مع اختياره
نبذ مما قيل في الشيب و الخضاب
فأما القول في الخضاب- فقد روى قوم أن رسول الله ص بدا شيب يسير في لحيته- فغيره بالخضاب خضب بالحناء و الكتم- و قال قوم لم يشب أصلا- . و روي أن عائشة قالت ما كان الله ليشينه بالشيب- فقيل أ و شين هو يا أم المؤمنين قالت كلكم يكرهه- و أما أبو بكر فصح الخبر عنه بذلك- و كذلك أمير المؤمنين- و قيل إنه لم يخضب- و قتل الحسين ع يوم الطف و هو مخضوب- و
في الحديث المرفوع رواه عقبة بن عامر عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام- إنه يصفي البصر و يذهب بالصداع و يزيد في الباه- و إياكم و السواد- فإنه من سود سود الله وجهه يوم القيامة
و
عنه ص عليكم بالخضاب- فإنه أهيب لعدوكم و أعجب إلى نسائكم - .
و يقال في أبواب الكناية للمختضب- هو يسود وجه النذير لأن النذير الشيب- قيل في قوله تعالى وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ إنه الشيب- . و كان عبد الرحمن بن الأسود أبيض الرأس و اللحية- فأصبح ذات يوم و قد حمرهما- و قال إن عائشة أرسلت إلى البارحة جاريتها- فأقسمت علي لأغيرن- و قالت إن أبا بكر كان يصبغ- . و روى قيس بن أبي حازم قال- كان أبو بكر يخرج إلينا و كان لحيته ضرام عرفج- . و عن أبي عامر الأنصاري- رأيت أبا بكر يغير بالحناء و الكتم- و رأيت عمر لا يغير شيئا من شيبه- و
قال إني سمعت رسول الله ص يقول من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة
- و لا أحب أن أغير نوري- . و كان أنس بن مالك يخضب و ينشد-
نسود أعلاها و تأبى أصولها و ليس إلى رد الشباب سبيل
- . و روي أن عبد المطلب وفد على سيف بن ذي يزن- فقال له لو خضبت فلما عاد إلى مكة خضب- فقالت له امرأته نثيلة أم العباس و ضرار- ما أحسن هذا الخضاب لو دام- فقال
فلو دام لي هذا الخضاب حمدته و كان بديلا من خليل قد انصرم
تمتعت منه و الحياة قصيرة
و لا بد من موت نثيلة أو هرم
و موت جهيز عاجل لا شوى له أحب إلينا من مقالكم حكم
- . قال يعني إنه صار شيخا فصار حكما بين الناس- من قوله
لا تغبط المرء أن يقال له أضحى فلان لسنه حكما- .
و قال أسماء بن خارجة لجاريته اخضبيني- فقالت حتى متى أرقعك- فقال
عيرتني خلقا أبليت جدته و هل رأيت جديدا لم يعد خلقا
- . و أما من يروى أن عليا ع ما خضب- فيحتج بقوله و
قد قيل له لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين- فقال الخضاب زينة و نحن في مصيبة
- يعني برسول الله ص- . و
سئل الحسن ع عن الخضاب- فقال هو جزع قبيح
- و قال محمود الوراق
يا خاضب الشيب الذي في كل ثالثة يعود
إن الخضاب إذا مضى
فكأنه شيب جديد
فدع المشيب و ما يريد فلن تعود كما تريد
و قد روى قوم عن النبي ص كراهية الخضاب- و أنه قال لو استقبلتم الشيب بالتواضع لكان خيرا لكم
- . قال الشاعر-
و صبغت ما صبغ الزمان فلم يدم صبغي و دامت صبغة الأيام
- . و قال آخر-
يا أيها الرجل المغير شيبه كيما تعد به من الشبان
أقصر فلو سودت كل حمامة
بيضاء ما عدت من الغربان
- . و يقولون في ديوان عرض الجيش ببغداد- لمن يخضب إذا ذكروا حليته مستعار- و هي كناية لطيفة- و أنا أستحسن قول البحتري خضبت بالمقراض- كناية عن قص الشعر الأبيض- فجعل ذلك خضابه عوضا عن الصبغ- و الأبيات هذه
لابس من شبيبة أم ناض و مليح من شيبة أم راض
و إذا ما امتعضت من ولع الشيب برأسي لم يثن ذاك امتعاضي
ليس يرضى عن الزمان امرؤ فيه
إلا عن غفلة أو تغاضي
و البواقي من الليالي و إن خالفن شيئا شبيهة بالمواضي
و أبت تركي الغديات و الآصال
حتى خضبت بالمقراض
و دواء المشيب كالبخص في عيني فقل فيه في العيون المراض
طال حزني على الشباب و ما
بيض من لون صبغه الفضفاض
فهل الحادثات يا ابن عويف تاركاتي و لبس هذا البياض
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 122-126)
|