413: وَ قَالَ ع لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَ قَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلَاماً- دَعْهُ يَا عَمَّارُ- فَإِنَّهُ لَنْ يَأْخُذَ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا قَارَبَهُ مِنَ الدُّنْيَا- وَ عَلَى عَمْدٍ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ- لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ
المغيرة بن شعبة
أصحابنا غير متفقين على السكوت على المغيرة- بل أكثر البغداديين يفسقونه- و يقولون فيه ما يقال في الفاسق- و لما جاء عروة بن مسعود الثقفي- إلى رسول الله ص عام الحديبية- نظر إليه قائما على رأس رسول الله ص مقلدا سيفا- فقيل من هذا قيل ابن أخيك المغيرة- قال و أنت هاهنا يا غدر- و الله إني إلى الآن ما غسلت سوءتك- . و كان إسلام المغيرة من غير اعتقاد صحيح- و لا إنابة و نية جميلة- كان قد صحب قوما في بعض الطرق فاستغفلهم و هم نيام- فقتلهم و أخذ أموالهم و هرب- خوفا أن يلحق فيقتل أو يؤخذ ما فاز به من أموالهم- فقدم المدينة فأظهر الإسلام- و كان رسول الله ص لا يرد على أحد إسلامه- أسلم عن علة أو عن إخلاص- فامتنع بالإسلام و اعتصم و حمي جانبه- . ذكر حديثه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني- في كتاب الأغاني- قال كان المغيرة يحدث حديث إسلامه- قال خرجت مع قوم من بني مالك- و نحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر- فدخلنا إلى الإسكندرية- و أهدينا للملك هدايا كانت معنا- فكنت أهون أصحابي عليه- و قبض هدايا القوم و أمر لهم بجوائز- و فضل بعضهم على بعض- و قصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له و خرجنا- فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم و هم مسرورون- و لم يعرض أحد منهم علي مواساة- فلما خرجوا حملوا معهم خمرا- فكانوا يشربون منها فأشرب معهم- و نفسي تأبى أن تدعني معهم- و قلت ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا- و ما حباهم به الملك- و يخبرون قومي بتقصيره بي و ازدرائه إياي- فأجمعت على قتلهم فقلت إني أجد صداعا- فوضعوا شرابهم و دعوني- فقلت رأسي يصدع و لكن اجلسوا فأسقيكم- فلم ينكروا من أمري شيئا- فجلست أسقيهم و أشرب القدح بعد القدح- فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب- فجعلت أصرف لهم و أترع الكأس- فيشربون و لا يدرون- فأهمدتهم الخمر حتى ناموا ما يعقلون- فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا- و أخذت جميع ما كان معهم- .
و قدمت المدينة فوجدت النبي ص بالمسجد- و عنده أبو بكر و كان بي عارفا- فلما رآني قال ابن أخي عروة قلت نعم- قد جئت أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله- فقال رسول الله ص الحمد لله- فقال أبو بكر من مصر أقبلت قلت نعم- قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك- قلت كان بيني و بينهم بعض ما يكون بين العرب- و نحن على دين الشرك فقتلتهم و أخذت أسلابهم- و جئت بها إلى رسول الله ص ليخمسها- و يرى فيها رأيه فإنها غنيمة من المشركين- فقال رسول الله أما إسلامك فقد قبلته- و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمسها- لأن هذا غدر و الغدر لا خير فيه- فأخذني ما قرب و ما بعد- فقلت يا رسول الله إنما قتلتهم و أنا على دين قومي- ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة- فقال ع الإسلام يجب ما قبله- قال و كان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا- و احتوى ما معهم- فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال- ثم اصطلحوا- على أن حمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية- . قال فذلك معنى قول عروة يوم الحديبية- يا غدر أنا إلى الأمس أغسل سوءتك- فلا أستطيع أن أغسلها- فلهذا قال أصحابنا البغداديون- من كان إسلامه على هذا الوجه- و كانت خاتمته ما قد تواتر الخبر به- من لعن علي ع على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل- و كان المتوسط من عمره الفسق و الفجور- و إعطاء البطن و الفرج سؤالهما و ممالأة الفاسقين- و صرف الوقت إلى غير طاعة الله- كيف نتولاه و أي عذر لنا في الإمساك عنه- و ألا نكشف للناس فسقه
إيراد كلام لأبي المعالي الجويني في أمر الصحابة و الرد عليه
و حضرت عند النقيب- أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري- في سنة إحدى عشرة و ستمائة ببغداد- و عنده جماعة و أحدهم يقرأ في الأغاني لأبي الفرج- فمر ذكر المغيرة بن شعبة و خاض القوم- فذمه بعضهم و أثنى عليه بعضهم و أمسك عنه آخرون- فقال بعض فقهاء الشيعة- ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام على رأي الأشعري- الواجب الكف و الإمساك عن الصحابة- و عما شجر بينهم- فقد قال أبو المعالي الجويني- إن رسول الله ص نهى عن ذلك- و
قال إياكم و ما شجر بين صحابتي
و قال دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا- لما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه
و قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
- و قال خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه- ثم الذي يليه ثم الذي يليه
- و قد ورد في القرآن- الثناء على الصحابة و على التابعين- و
قال رسول الله ص و ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال- اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
- و قد روي عن الحسن البصري- أنه ذكر عنده الجمل و صفين فقال- تلك دماء طهر الله منها أسيافنا- فلا نلطخ بها ألسنتنا- . ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا- و بعدت أخبارها على حقائقها- فلا يليق بنا أن نخوض فيها- و لو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ- لوجب أن يحفظ رسول الله ص فيه- و من المروءة أن يحفظ رسول الله ص في عائشة زوجته- و في الزبير ابن عمته و في طلحة الذي وقاه بيده- ثم ما الذي ألزمنا و أوجب علينا- أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه- و أي ثواب في اللعنة و البراءة- إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف- لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت- و لو أن إنسانا عاش عمره كله- لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا و لا آثما- و إذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيرا له- ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة- و أولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة و قادتها- و نحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم- فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم- أ ليس يقبح من الرعية- أن تخوض في دقائق أمور الملك و أحواله و شئونه- التي تجري بينه و بين أهله و بني عمه و نسائه و سراريه- و قد كان رسول الله ص صهرا لمعاوية- و أخته أم حبيبة تحته- فالأدب أن تحفظ أم حبيبة و هي أم المؤمنين في أخيها- . و كيف يجوز- أن يلعن من جعل الله تعالى بينه و بين رسوله مودة- أ ليس المفسرون كلهم قالوا- هذه الآية أنزلت في أبي سفيان و آله و هي قوله تعالى- عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ - وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً- فكان ذلك مصاهرة رسول الله ص- أبا سفيان و تزويجه ابنته- على أن جميع ما تنقله الشيعة- من الاختلاف بينهم و المشاجرة لم يثبت- و ما كان القوم إلا كبني أم واحدة- و لم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط- و لا وقع بينهم اختلاف و لا نزاع- .
فقال أبو جعفر رحمه الله- قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما- وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا و ردا- على أبي المعالي الجويني- فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي- و أنا أخرجه إليكم- لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه- فإني أجد ألما يمنعني من الإطالة في الحديث- لا سيما إذا خرج مخرج الجدل و مقاومة الخصوم- ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس- و استحسنه الحاضرون- و أنا أذكر هاهنا خلاصته- . قال لو لا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه- كما أوجب موالاة أوليائه- و ضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها- أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ - يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ - وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ- و بقوله تعالى وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ النَّبِيِّ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ - مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ- و بقوله سبحانه لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ- و لإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض- عداوة أعدائه و ولاية أوليائه- و على أن البغض في الله واجب و الحب في الله واجب- لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين- و لا البراءة منه- و لكانت عداوتنا للقوم تكلفا- و لو ظننا أن الله عز و جل يعذرنا إذا قلنا- يا رب غاب أمرهم عنا- فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى- لاعتمدنا على هذا العذر و واليناهم- و لكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا- إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم- فلم يغب عن قلوبكم و أسماعكم- قد أتتكم به الأخبار الصحيحة- التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي ص- و موالاة من صدقه و معاداة من عصاه و جحده- و أمرتم بتدبر القرآن و ما جاء به الرسول- فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا- رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا- .
فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها و أوجبها- أ لا ترى إلى قوله- أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ- فهو إخبار معناه الأمر كقوله- وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ- و قد لعن الله تعالى العاصين بقوله- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ- و قوله إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ - وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً- و قوله مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا- و قال الله تعالى لإبليس- وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ- و قال إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً- .فأما قول من يقول أي ثواب في اللعن- و إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن- بل قد يقول له لم لعنت- و أنه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم اغفر لي لكان خيرا له- و لو أن إنسانا عاش عمره كله- لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك- فكلام جاهل لا يدري ما يقول- اللعن طاعة و يستحق عليها الثواب- إذا فعلت على وجهها- و هو أن يلعن مستحق اللعن لله و في الله- لا في العصبية و الهوى- أ لا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد- و نطق بها القرآن- و هو أن يقول الزوج في الخامسة- أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ- فلو لم يكن الله تعالى يريد- أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة و أنه قد تعبدهم بها- لما جعلها من معالم الشرع- و لما كررها في كثير من كتابه العزيز- و لما قال في حق القاتل وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ- و ليس المراد من قوله وَ لَعَنَهُ إلا الأمر لنا بأن نلعنه- و لو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه- لأن الله تعالى قد لعنه- أ فيلعن الله تعالى إنسانا و لا يكون لنا أن نلعنه- هذا ما لا يسوغ في العقل- كما لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا و لنا أن نمدحه- و لا يذمه إلا و لنا أن نذمه- و قال تعالى- هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ- و قال رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً- و قال عز و جل وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ - غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا- و كيف يقول القائل- إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن- أ لا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه- و أمر بعداوة أعدائه- فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري- أ لا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له- تلفظ بكلمة الشهادتين- ثم قل برئت من كل دين يخالف دين الإسلام- فلا بد من البراءة لأن بها يتم العمل- أ لم يسمع هذا القائل قول الشاعر-
تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك إن الرأي عنك لعازب
- . فمودة العدو خروج عن ولاية الولي- و إذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة- لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة- مع أعداء الله تعالى و عصاته بألا يودهم و لا يبرأ منهم- بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة- . و أما قوله- لو جعل عوض اللعنة أستغفر الله لكان خيرا له- فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن- لما نفعه استغفاره و لا قبل منه- لأنه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره- في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه- و إظهار البراءة- و المصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته- و استغفاره عن البعض الآخر- و أما من يعيش عمره و لا يلعن إبليس- فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر- و إن كان يعتقد وجوب لعنه و لا يلعنه فهو مخطئ- على أن الفرق بينه- و بين ترك لعنة رءوس الضلال في هذه الأمة- كمعاوية و المغيرة و أمثالهما- أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس- شبهه في أمر إبليس- و الإمساك عن لعن هؤلاء و أضرابهم- يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم- و تجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب- فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس- نظيرا للإمساك عن أمر هؤلاء- . قال ثم يقال للمخالفين أ رأيتم لو قال قائل- قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية و الحجاج بن يوسف- فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما- و لا أن نلعنهما و نعاديهما و نبرأ منهما- هل كان هذا إلا كقولكم- قد غاب عنا أمر معاوية و المغيرة بن شعبة و أضرابهما- فليس لخوضنا في قصتهم معنى- .
و بعد فكيف أدخلتم أيها العامة- و الحشوية و أهل الحديث أنفسكم- في أمر عثمان و خضتم فيه و قد غاب عنكم- و برئتم من قتلته و لعنتموهم- و كيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه- فإنكم لعنتموه و فسقتموه- و لا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور- و منعتمونا أن نخوض و ندخل أنفسنا- في أمر علي و الحسن و الحسين و معاوية الظالم له و لهما- المتغلب على حقه و حقوقهما- و كيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم- و لعن ظالم علي و الحسن و الحسين تكلفا- و كيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة- و برئت ممن نظر إليها و من القائل لها يا حميراء- أو إنما هي حميراء و لعنته بكشفه سترها- و منعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة- و ما جرى لها بعد وفاة أبيها- . فإن قلتم إن بيت فاطمة إنما دخل- و سترها إنما كشف- حفظا لنظام الإسلام و كيلا ينتشر الأمر- و يخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة- و لزوم الجماعة- . قيل لكم و كذلك ستر عائشة إنما كشف- و هودجها إنما هتك لأنها نشرت حبل الطاعة- و شقت عصا المسلمين و أراقت دماء المسلمين- من قبل وصول علي بن أبي طالب ع إلى البصرة- و جرى لها مع عثمان بن حنيف و حكيم بن جبلة- و من كان معهما من المسلمين الصالحين- من القتل و سفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ و السير- فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد- جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع و تحقق- فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر- التي يجب معها التخليد في النار- و البراءة من فاعله و من أوكد عرى الإيمان- و صار كشف بيت فاطمة و الدخول عليها منزلها- و جمع حطب ببابها و تهددها بالتحريق- من أوكد عرى الدين و أثبت دعائم الإسلام- و مما أعز الله به المسلمين و أطفأ به نار الفتنة- و الحرمتان واحدة و الستران واحد- و ما نحب أن نقول لكم أن حرمة فاطمة أعظم- و مكانها أرفع و صيانتها لأجل رسول الله ص أولى- فإنها بضعة منه و جزء من لحمه و دمه- و ليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها و بين الزوج- و إنما هي وصلة مستعارة- و عقد يجري مجرى إجارة المنفعة- و كما يملك رق الأمة بالبيع و الشراء- و لهذا قال الفرضيون أسباب التوارث ثلاثة- سبب و نسب و ولاء- فالنسب القرابة و السبب النكاح و الولاء ولاء العتق- فجعلوا النكاح خارجا عن النسب- و لو كانت الزوجة ذات نسب- لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين- . و كيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة- و قد أجمع المسلمون كلهم من يحبها و من لا يحبها منهم- أنها سيدة نساء العالمين- . قال و كيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله ص في زوجته- و حفظ أم حبيبة في أخيها- و لم تلزم الصحابة أنفسها- حفظ رسول الله ص في أهل بيته- و لا ألزمت الصحابة أنفسها- حفظ رسول الله ص في صهره و ابن عمه ابن عفان- و قد قتلوهم و لعنوهم- و لقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان و هو خليفة- منهم عائشة كانت تقول- اقتلوا نعثلا لعن الله نعثلا- و منهم عبد الله بن مسعود- و قد لعن معاوية علي بن أبي طالب- و ابنيه حسنا و حسينا و هم أحياء يرزقون بالعراق- و هو يلعنهم بالشام على المنابر- و يقنت عليهم في الصلوات- و قد لعن أبو بكر و عمر سعد بن عبادة و هو حي- و برءا منه و أخرجاه من المدينة إلى الشام- و لعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة- و ما زال اللعن فاشيا في المسلمين- إذا عرفوا من الإنسان معصية تقتضي اللعن و البراءة- . قال و لو كان هذا أمرا معتبرا- و هو أن يحفظ زيد لأجل عمرو فلا يلعن- لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم- فلا يلعنوا لأجل آبائهم- فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص- فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين- و أن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد- صاحب وقعة الحرة و قاتل الحسين- و مخيف المسجد الحرام بمكة- و أن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيد الله ابنه قاتل الهرمزان- و المحارب عليا ع في صفين- . قال على أنه لو كان الإمساك عن عداوة من عادى الله- من أصحاب رسول الله ص من حفظ رسول الله ص في أصحابه- و رعاية عهده و عقده لم نعادهم- و لو ضربت رقابنا بالسيوف- و لكن محبة رسول الله ص لأصحابه ليست كمحبة الجهال- الذين يصنع أحدهم محبته لصاحبه موضع العصبية- و إنما أوجب الله رسول الله ص محبة أصحابه لطاعتهم لله- فإذا عصوا الله و تركوا ما أوجب محبتهم- فليس عند رسول الله ص محاباة- في ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم- و لا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم- فلقد كان ص يحب أن يعادي أعداء الله و لو كانوا عترته- كما يحب أن يوالي أولياء الله- و لو كانوا أبعد الخلق نسبا منه- و الشاهد على ذلك إجماع الأمة- على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام- و عداوة من نافق و إن كان من أصحاب رسول الله ص- و أن رسول الله ص هو الذي أمر بذلك و دعا إليه- و ذلك أنه ص قد أوجب قطع السارق و ضرب القاذف- و جلد البكر إذا زنى- و إن كان من المهاجرين أو الأنصار- أ لا ترى
أنه قال لو سرقت فاطمة لقطعتها
فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه- لم يحابها في دين الله و لا راقبها في حدود الله- و قد جلد أصحاب الإفك و منهم مسطح بن أثاثة- و كان من أهل بدر- . قال و بعد فلو كان محل أصحاب رسول الله ص- محل من لا يعادي إذا عصى الله سبحانه و لا يذكر بالقبيح- بل يجب أن يراقب لأجل اسم الصحبة- و يغضى عن عيوبه و ذنوبه- لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن- لما اتبع هواه فانسلخ مما أوتي من الآيات و غوى- قال سبحانه- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها - فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ- و لكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى- هذا المحل- لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا- من رسل الله سبحانه- . قال و لو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة- لعلمت ذلك من حال أنفسها- لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا- و إذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على أن القصة- كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم- هذا علي و عمار و أبو الهيثم بن التيهان- و خزيمة بن ثابت و جميع من كان مع علي ع- من المهاجرين و الأنصار- لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة و الزبير- حتى فعلوا بهما و بمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا- و هذا طلحة و الزبير و عائشة و من كان معهم و في جانبهم- لم يروا أن يمسكوا عن علي- حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا- و هذا معاوية و عمرو لم يريا عليا بالعين- التي يرى بها العامي صديقه أو جاره- و لم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف- و لعنه و لعن أولاده و كل من كان حيا من أهله- و قتل أصحابه- و قد لعنهما هو أيضا في الصلوات المفروضات- و لعن معهما أبا الأعور السلمي و أبا موسى الأشعري- و كلاهما من الصحابة- و هذا سعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة- و أسامة بن زيد و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل- و عبد الله بن عمر و حسان بن ثابت و أنس بن مالك- لم يروا أن يقلدوا عليا في حرب طلحة- و لا طلحة في حرب علي- و طلحة و الزبير بإجماع المسلمين أفضل- من هؤلاء المعدودين- لأنهم زعموا أنهم قد خافوا- أن يكون علي قد غلط و زل في حربهما- و خافوا أن يكونا قد غلطا و زلا في حرب علي- و هذا عثمان قد نفى أبا ذر إلى الربذة- كما يفعل بأهل الخنا و الريب- و هذا عمار و ابن مسعود تلقيا عثمان- بما تلقياه به لما ظهر لهما بزعمهما منه- ما وعظاه لأجله- ثم فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم- ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم و علم الناس كلهم- و هذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام- لما استأذنه في الغزو- ها إني ممسك بباب هذا الشعب- أن يتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم- و زعم أنه و أبو بكر كانا يقولان- إن عليا و العباس في قصة الميراث- زعماهما كاذبين ظالمين فاجرين- و ما رأينا عليا و العباس اعتذرا و لا تنصلا- و لا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك- و لا رأينا أصحاب رسول الله ص أنكروا عليهما- ما حكاه عمر عنهما و نسبه إليهما- و لا أنكروا أيضا على عمر قوله في أصحاب رسول الله ص- إنهم يريدون إضلال الناس و يهمون به- و لا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار- و لا كسر ضلع ابن مسعود- و لا على عمار و ابن مسعود ما تلقيا به عثمان- كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة- و لا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامة فيها- اللهم إلا أن يزعموا أنهم أعرف بحق القوم منهم- و هذا علي و فاطمة و العباس- ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية- نحن معاشر الأنبياء لا نورث و يقولون إنها مختلفة- . قالوا و كيف كان النبي ص- يعرف هذا الحكم غيرنا و يكتمه عنا- و نحن الورثة و نحن أولى الناس- بأن يؤدى هذا الحكم إليه- و هذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى- أنهم النفر الذين توفي رسول الله ص و هو عنهم راض- ثم يأمر بضرب أعناقهم إن أخروا فصل حال الإمامة- هذا بعد أن ثلبهم- و قال في حقهم ما لو سمعته العامة اليوم من قائل- لوضعت ثوبه في عنقه سحبا إلى السلطان- ثم شهدت عليه بالرفض و استحلت دمه- فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضا- فعمر بن الخطاب أرفض الناس و إمام الروافض كلهم- ثم ما شاع و اشتهر من قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها- فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه- و هذا طعن في العقد و قدح في البيعة الأصلية- . ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته- و قوله عن عبد الرحمن ابنه- دويبة سوء و لهو خير من أبيه- ثم عمر القائل في سعد بن عبادة- و هو رئيس الأنصار و سيدها- اقتلوا سعدا قتل الله سعدا اقتلوه فإنه منافق- و قد شتم أبا هريرة و طعن في روايته- و شتم خالد بن الوليد و طعن في دينه- و حكم بفسقه و بوجوب قتله- و خون عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان- و نسبهما إلى سرقة مال الفي ء و اقتطاعه- و كان سريعا إلى المساءة- كثير الجبه و الشتم و السب لكل أحد- و قل أن يكون في الصحابة- من سلم من معرة لسانه أو يده- و لذلك أبغضوه و ملوا أيامه مع كثرة الفتوح فيها- فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة- إما أن يكون عمر مخطئا- و إما أن تكون العامة على الخطإ- . فإن قالوا عمر ما شتم و لا ضرب و لا أساء- إلا إلى عاص مستحق لذلك- قيل لهم فكأنا نحن نقول- إنا نريد أن نبرأ و نعادي- من لا يستحق البراءة و المعاداة- كلا ما قلنا هذا و لا يقول هذا مسلم و لا عاقل- و إنما غرضنا الذي إليه نجري بكلامنا هذا- أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس- و عليهم ما عليهم من أساء منهم ذممناه- و من أحسن منهم حمدناه- و ليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل- إلا بمشاهدة الرسول و معاصرته لا غير- بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم- لأنهم شاهدوا الأعلام و المعجزات- فقربت اعتقاداتهم من الضرورة- و نحن لم نشاهد ذلك فكانت عقائدنا محض النظر و الفكر- و بعرضية الشبه و الشكوك- فمعاصينا أخف لأنا أعذر- . ثم نعود إلى ما كنا فيه فنقول- و هذه عائشة أم المؤمنين- خرجت بقميص رسول الله ص فقالت للناس- هذا قميص رسول الله لم يبل- و عثمان قد أبلى سنته- ثم تقول اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا- ثم لم ترض بذلك حتى قالت- أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غدا- فمن الناس من يقول روت في ذلك خبرا- و من الناس من يقول هو موقوف عليها- و بدون هذا لو قاله إنسان اليوم- يكون عند العامة زنديقا- ثم قد حصر عثمان حصرته أعيان الصحابة- فما كان أحد ينكر ذلك- و لا يعظمه و لا يسعى في إزالته- و إنما أنكروا على من أنكر على المحاصرين له- و هو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول الله ص- ثم من أشرافهم ثم هو أقرب إليه من أبي بكر و عمر- و هو مع ذلك إمام المسلمين و المختار منهم للخلافة- و للإمام حق على رعيته عظيم- فإن كان القوم قد أصابوا- فإذن ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها به العامة- و إن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول- من أن الخطأ جائز على آحاد الصحابة- كما يجوز على آحادنا اليوم- و لسنا نقدح في الإجماع- و لا ندعي إجماعا حقيقيا على قتل عثمان- و إنما نقول إن كثيرا من المسلمين فعلوا ذلك- و الخصم يسلم أن ذلك كان خطأ و معصية- فقد سلم أن الصحابي يجوز أن يخطئ و يعصي- و هو المطلوب- . و هذا المغيرة بن شعبة و هو من الصحابة- ادعى عليه الزنا و شهد عليه قوم بذلك- فلم ينكر ذلك عمر و لا قال هذا محال و باطل- لأن هذا صحابي من صحابة رسول الله ص لا يجوز عليه الزنا- و هلا أنكر عمر على الشهود و قال لهم- ويحكم هلا تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك- فإن الله تعالى قد أوجب الإمساك- عن مساوئ أصحاب رسول الله ص- و أوجب الستر عليهم- و هلا تركتموه لرسول الله ص في قوله دعوا لي أصحابي- ما رأينا عمر إلا قد انتصب لسماع الدعوى- و إقامة الشهادة و أقبل يقول للمغيرة- يا مغيرة ذهب ربعك يا مغيرة ذهب نصفك- يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك- حتى اضطرب الرابع فجلد الثلاثة- و هلا قال المغيرة لعمر- كيف تسمع في قول هؤلاء- و ليسوا من الصحابة و أنا من الصحابة- و
رسول الله ص قد قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
- ما رأيناه قال ذلك بل استسلم لحكم الله تعالى- و هاهنا من هو أمثل من المغيرة و أفضل قدامة بن مظعون- لما شرب الخمر في أيام عمر فأقام عليه الحد- و هو رجل من علية الصحابة و من أهل بدر- و المشهود لهم بالجنة- فلم يرد عمر الشهادة و لا درأ عنه الحد لعلة أنه بدري- و لا قال قد نهى رسول الله ص عن ذكر مساوئ الصحابة- و قد ضرب عمر أيضا ابنه حدا فمات- و كان ممن عاصر رسول الله ص و لم تمنع معاصرته له من إقامة الحد عليه- . و هذا
علي ع يقول ما حدثني أحد بحديث عن رسول الله ص إلا استحلفته عليه
أ ليس هذا اتهاما لهم بالكذب- و ما استثنى أحدا من المسلمين إلا أبا بكر على ما ورد في الخبر- و قد صرح غير مرة بتكذيب أبي هريرة و
قال لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله ص
و قال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه وددت أني لم أكشف بيت فاطمة- و لو كان أغلق على حرب- فندم و الندم لا يكون إلا عن ذنب- . ثم ينبغي للعاقل- أن يفكر في تأخر علي ع- عن بيعة أبي بكر ستة أشهر- إلى أن ماتت فاطمة فإن كان مصيبا- فأبو بكر على الخطإ في انتصابه في الخلافة- و إن كان أبو بكر مصيبا- فعلي على الخطإ في تأخره عن البيعة و حضور المسجد- ثم قال أبو بكر في مرض موته أيضا للصحابة- فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي- يعني عمر فكلكم ورم لذلك أنفه- يريد أن يكون الأمر له- لما رأيتم الدنيا قد جاءت- أما و الله لتتخذن ستائر الديباج و نضائد الحرير- أ ليس هذا طعنا في الصحابة- و تصريحا بأنه قد نسبهم إلى الحسد لعمر- لما نص عليه بالعهد- و لقد قال له طلحة لما ذكر عمر للأمر- ما ذا تقول لربك إذا سألك عن عباده- و قد وليت عليهم فظا غليظا- فقال أبو بكر- أجلسوني أجلسوني بالله تخوفني- إذا سألني قلت وليت عليهم خير أهلك- ثم شتمه بكلام كثير منقول- فهل قول طلحة إلا طعن في عمر- و هل قول أبي بكر إلا طعن في طلحة- . ثم الذي كان بين أبي بن كعب و عبد الله بن مسعود- من السباب حتى نفى كل واحد منهما الآخر عن أبيه- و كلمة أبي بن كعب مشهورة منقولة- ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم- و قوله ألا هلك أهل العقيدة- و الله ما آسى عليهم إنما آسى على من يضلون من الناس- . ثم قول عبد الرحمن بن عوف- ما كنت أرى أن أعيش- حتى يقول لي عثمان يا منافق و قوله- لو استقبلت من أمري- ما استدبرت ما وليت عثمان شسع نعلي و قوله- اللهم إن عثمان قد أبى أن يقيم كتابك فافعل به و افعل- . و قال عثمان لعلي ع في كلام دار بينهما- أبو بكر و عمر خير منك- فقال علي كذبت أنا خير منك و منهما- عبدت الله قبلهما و عبدته بعدهما- . و روى سفيان بن عينية عن عمرو بن دينار- قال كنت عند عروة بن الزبير- فتذاكرناكم أقام النبي بمكة بعد الوحي- فقال عروة أقام عشرا- فقلت كان ابن عباس يقول ثلاث عشرة- فقال كذب ابن عباس- و قال ابن عباس المتعة حلال- فقال له جبير بن مطعم كان عمر ينهى عنها- فقال يا عدي نفسه من هاهنا ضللتم- أحدثكم عن رسول الله ص و تحدثني عن عمر- . و
جاء في الخبر عن علي ع لو لا ما فعل عمر بن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي و قيل ما زنى إلا شفا أي قليلا
- فأما سبب بعضهم بعضا- و قدح بعضهم في بعض في المسائل الفقهية- فأكثر من أن يحصى- مثل قول ابن عباس- و هو يرد على زيد مذهبه القول في الفرائض- إن شاء أو قال من شاء باهلته- إن الذي أحصى رمل عالج عددا- أعدل من أن يجعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا- هذان النصفان قد ذهبا بالمال- فأين موضع الثلث- . و مثل قول أبي بن كعب في القرآن- لقد قرأت القرآن و زيد هذا غلام ذو ذؤابتين- يلعب بين صبيان اليهود في المكتب- . و
قال علي ع في أمهات الأولاد و هو على المنبر- كان رأيي و رأي عمر ألا يبعن- و أنا أرى الآن بيعهن- فقام إليه عبيدة السلماني- فقال رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة
- . و كان أبو بكر يرى التسوية في قسم الغنائم- و خالفه عمر و أنكر فعله- . و أنكرت عائشة على أبي سلمة بن عبد الرحمن خلافه- على ابن عباس في عدة المتوفى عنها زوجها و هي حامل- و قالت فروج يصقع مع الديكة- . و أنكرت الصحابة على ابن عباس قوله في الصرف- و سفهوا رأيه حتى قيل إنه تاب من ذلك عند موته- . و اختلفوا في حد شارب الخمر- حتى خطأ بعضهم بعضا- . و
روى بعض الصحابة عن النبي ص أنه قال الشؤم في ثلاثة المرأة و الدار و الفرس- فأنكرت عائشة ذلك و كذبت الراوي- و قالت إنه إنما قال ع ذلك حكاية عن غيره
- . و روى بعض الصحابة عنه ع أنه قال التاجر فاجر- فأنكرت عائشة ذلك و كذبت الراوي- و قالت إنما قاله ع في تاجر دلس
- . و أنكر قوم من الأنصار
رواية أبي بكر الأئمة من قريش
- و نسبوه إلى افتعال هذه الكلمة- . و كان أبو بكر يقضي بالقضاء- فينقضه عليه أصاغر الصحابة كبلال و صهيب و نحوهما- قد روي ذلك في عدة قضايا- . و قيل لابن عباس- إن عبد الله بن الزبير يزعم أن موسى صاحب الخضر- ليس موسى بني إسرائيل- فقال كذب عدو الله أخبرني أبي بن كعب- قال خطبنا رسول الله ص و ذكر كذا- بكلام يدل على أن موسى صاحب الخضر هو موسى بني إسرائيل- . و باع معاوية أواني ذهب و فضة بأكثر من وزنها- فقال له أبو الدرداء- سمعت رسول الله ص ينهى عن ذلك- فقال معاوية أما أنا فلا أرى به بأسا- فقال أبو الدرداء من عذيري من معاوية- أخبره عن الرسول ص و هو يخبرني عن رأيه- و الله لا أساكنك بأرض أبدا- . و طعن ابن عباس في أبي هريرة-
عن رسول الله ص إذا استيقظ أحدكم من نومه- فلا يدخلن يده في الإناء حتى يتوضأ
- و قال فما نصنع بالمهراس- . و
قال علي ع لعمر- و قد أفتاه الصحابة في مسألة و أجمعوا عليها- إن كانوا راقبوك فقد غشوك- و إن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا
- . و قال ابن عباس- أ لا يتقي الله زيد بن ثابت- يجعل ابن الابن ابنا- و لا يجعل أب الأب أبا- . و قالت عائشة أخبروا زيد بن أرقم- أنه قد أحبط جهاده مع رسول الله ص- . و أنكرت الصحابة على أبي موسى قوله- إن النوم لا ينقض الوضوء- و نسبته إلى الغفلة و قلة التحصيل- و كذلك أنكرت على أبي طلحة الأنصاري قوله- إن أكل البرد لا يفطر الصائم- و هزئت به و نسبته إلى الجهل- . و سمع عمر عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب- يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد- فصعد المنبر- و قال إذا اختلف اثنان من أصحاب رسول الله ص- فعن أي فتياكم يصدر المسلمون- لا أسمع رجلين يختلفان بعد مقامي هذا إلا فعلت و صنعت- . و
قال جرير بن كليب رأيت عمر ينهى عن المتعة- و علي ع يأمر بها- فقلت إن بينكما لشرا- فقال علي ع ليس بيننا إلا الخير- و لكن خيرنا أتبعنا لهذا الدين
- . قال هذا المتكلم- و كيف يصح أن يقول رسول الله ص- أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم- لا شبهة أن هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى- و أن يكون أهل العراق أيضا على هدى- و أن يكون قاتل عمار بن ياسر مهتديا- و
قد صح الخبر الصحيح أنه قال له تقتلك الفئة الباغية
- و قال في القرآن فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ- فدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي مفارقة لأمر الله- و من يفارق أمر الله لا يكون مهتديا- . و كان يجب أن يكون بسر بن أبي أرطاة- الذي ذبح ولدي عبيد الله بن عباس الصغيرين مهتديا- لأن بسرا من الصحابة أيضا- و كان يجب أن يكون عمرو بن العاص و معاوية- اللذان كانا يلعنان عليا أدبار الصلاة و ولديه مهتديين- و قد كان في الصحابة من يزني- و من يشرب الخمر كأبي محجن الثقفي- و من يرتد عن الإسلام كطليحة بن خويلد- فيجب أن يكون كل من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مهديا- . قال و إنما هذا من موضوعات متعصبة الأموية- فإن لهم من ينصرهم بلسانه و بوضعه الأحاديث- إذا عجز عن نصرهم بالسيف- . و كذا القول في الحديث الآخر- و هو قوله القرن الذي أنا فيه- و مما يدل على بطلانه- أن القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا- و هو أحد القرون التي ذكرها في النص- و كان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين- و أوقع بالمدينة و حوصرت مكة- و نقضت الكعبة- و شربت خلفاؤه و القائمون مقامه- و المنتصبون في منصب النبوة الخمور- و ارتكبوا الفجور- كما جرى ليزيد بن معاوية- و ليزيد بن عاتكة و للوليد بن يزيد- و أريقت الدماء الحرام- و قتل المسلمون و سبي الحريم- و استعبد أبناء المهاجرين و الأنصار- و نقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم- و ذلك في خلافة عبد الملك و إمرة الحجاج- و إذا تأملت كتب التواريخ- وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها- و لا في رؤسائها و أمرائها- و الناس برؤسائهم و أمرائهم- و القرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر- . قال فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى- لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ- و قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ- . و
قول النبي ص إن الله اطلع على أهل بدر
- إن كان الخبر صحيحا فكله مشروط بسلامة العاقبة- و لا يجوز أن يخبر الحكيم مكلفا غير معصوم- بأنه لا عقاب عليه فليفعل ما شاء- . قال هذا المتكلم- و من أنصف و تأمل أحوال الصحابة وجدهم مثلنا- يجوز عليهم ما يجوز علينا- و لا فرق بيننا و بينهم إلا بالصحبة لا غير- فإن لها منزلة و شرفا- و لكن لا إلى حد يمتنع على كل من رأى الرسول أو صحبه- يوما أو شهرا أو أكثر من ذلك أن يخطئ و يزل- و لو كان هذا صحيحا- ما احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء- بل كان رسول الله ص من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك- لأنها زوجته و صحبتها له آكد من صحبة غيرها- و صفوان بن المعطل أيضا كان من الصحابة- فكان ينبغي ألا يضيق صدر رسول الله ص- و لا يحمل ذلك الهم و الغم الشديدين اللذين حملهما- و يقول صفوان من الصحابة- و عائشة من الصحابة و المعصية عليهما ممتنعة- . و أمثال هذا كثير و أكثر من الكثير- لمن أراد أن يستقرئ أحوال القوم- و قد كان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك- و يقولون في العصاة منهم مثل هذا القول- و إنما اتخذهم العامة أربابا بعد ذلك- . قال و من الذي يجترئ على القول- بأن أصحاب محمد لا تجوز البراءة من أحد منهم- و إن أساء و عصى بعد قول الله تعالى للذي شرفوا برؤيته- لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ - وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ- بعد قوله قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- و بعد قوله فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ - وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ - إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ- إلا من لا فهم له و لا نظر معه و لا تمييز عنده- .
قال و من أحب أن ينظر إلى اختلاف الصحابة- و طعن بعضهم في بعض و رد بعضهم على بعض- و ما رد به التابعون عليهم و اعترضوا به أقوالهم- و اختلاف التابعين أيضا فيما بينهم- و قدح بعضهم في بعض- فلينظر في كتاب النظام قال الجاحظ- كان النظام أشد الناس إنكارا على الرافضة لطعنهم على الصحابة- حتى إذا ذكر الفتيا و تنقل الصحابة فيها- و قضاياهم بالأمور المختلفة- و قول من استعمل الرأي في دين الله- انتظم مطاعن الرافضة و غيرها و زاد عليها- و قال في الصحابة أضعاف قولها- . قال و قال بعض رؤساء المعتزلة- غلط أبي حنيفة في الأحكام عظيم- لأنه أضل خلقا و غلط حماد أعظم من غلط أبي حنيفة- لأن حمادا أصل أبي حنيفة الذي منه تفرع- و غلط إبراهيم أغلظ و أعظم من غلط حماد- لأنه أصل حماد و غلط علقمة- و الأسود أعظم من غلط إبراهيم- لأنهما أصله الذي عليه اعتمد- و غلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعا- لأنه أول من بدر إلى وضع الأديان برأيه- و هو الذي قال أقول فيها برأيي- فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني- . قال و استأذن أصحاب الحديث على ثمامة بخراسان- حيث كان مع الرشيد بن المهدي- فسألوه كتابه الذي صنفه على أبي حنيفة في اجتهاد الرأي- فقال لست على أبي حنيفة كتبت ذلك الكتاب- و إنما كتبته على علقمة و الأسود و عبد الله بن مسعود- لأنهم الذين قالوا بالرأي قبل أبي حنيفة- . قال و كان بعض المعتزلة أيضا- إذا ذكر ابن عباس استصغره- و قال صاحب الذؤابة يقول في دين الله برأيه- .
و ذكر الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب التوحيد- أن أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله ص- قال و لم يكن علي ع يوثقه في الرواية- بل يتهمه و يقدح فيه و كذلك عمر و عائشة- . و كان الجاحظ يفسق عمر بن عبد العزيز- و يستهزئ به و يكفره- و عمر بن العزيز و إن لم يكن من الصحابة- فأكثر العامة يرى له من الفضل- ما يراه لواحد من الصحابة- . و كيف يجوز أن نحكم حكما جزما- أن كل واحد من الصحابة عدل- و من جملة الصحابة الحكم بن أبي العاص- و كفاك به عدوا مبغضا لرسول الله ص- و من الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب- و منهم حبيب بن مسلمة- الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية- و بشر بن أبي أرطاة عدو الله و عدو رسوله- و في الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس- و قال كثير من المسلمين- مات رسول الله ص- و لم يعرفه الله سبحانه كل المنافقين بأعيانهم- و إنما كان يعرف قوما منهم- و لم يعلم بهم أحدا إلا حذيفة فيما زعموا- فكيف يجوز أن نحكم حكما جزما- أن كل واحد ممن صحب رسول الله- أو رآه أو عاصره عدل مأمون- لا يقع منه خطأ و لا معصية- و من الذي يمكنه أن يتحجر واسعا كهذا التحجر- أو يحكم هذا الحكم- قال و العجب من الحشوية و أصحاب الحديث- إذ يجادلون على معاصي الأنبياء- و يثبتون أنهم عصوا الله تعالى- و ينكرون على من ينكر ذلك و يطعنون فيه- و يقولون قدري معتزلي و ربما قالوا- ملحد مخالف لنص الكتاب- و قد رأينا منهم الواحد و المائة و الألف يجادل في هذا الباب- فتارة يقولون إن يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة- و تارة يقولون إن داود قتل أوريا لينكح امرأته- و تارة يقولون إن رسول الله كان كافرا ضالا قبل النبوة- و ربما ذكروا زينب بنت جحش و قصة الفداء يوم بدر- . فأما قدحهم في آدم ع- و إثباتهم معصيته و مناظرتهم من يذكر ذلك- فهو دأبهم و ديدنهم- فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص أو في معاوية- و أمثالهما و نسبهم إلى المعصية و فعل القبيح- احمرت وجوههم و طالت أعناقهم و تخازرت أعينهم- و قالوا مبتدع رافضي- يسب الصحابة و يشتم السلف- فإن قالوا إنما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب- قيل لهم فاتبعوا في البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب- فإنه تعالى قال لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ - يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ- و قال فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى - فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ- و قال أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ- . ثم يسألون عن بيعة علي ع- هل هي صحيحة لازمة لكل الناس فلا بد من بلى- فيقال لهم فإذا خرج على الإمام الحق خارج- أ ليس يجب على المسلمين قتاله حتى يعود إلى الطاعة- فهل يكون هذا القتال إلا البراءة التي نذكرها- لأنه لا فرق بين الأمرين- و إنما برئنا منهم لأنا لسنا في زمانهم- فيمكننا أن نقاتل بأيدينا- فقصارى أمرنا الآن أن نبرأ منهم و نلعنهم- و ليكون ذلك عوضا عن القتال الذي لا سبيل لنا إليه- . قال هذا المتكلم- على أن النظام و أصحابه ذهبوا إلى أنه لا حجة في الإجماع- و أنه يجوز أن تجتمع الأمة على الخطإ و المعصية- و على الفسق بل على الردة- و له كتاب موضوع في الإجماع يطعن فيه في أدلة الفقهاء- و يقول إنها ألفاظ غير صريحة في كون الإجماع حجة- نحو قوله جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- و قوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ- و قوله وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ- . و أما الخبر الذي صورته-
لا تجتمع أمتي على الخطإ فخبر واحد- و أمثل دليل للفقهاء قولهم- إن الهمم المختلفة و الآراء المتباينة- إذا كان أربابها كثيرة عظيمة- فإنه يستحيل اجتماعهم على الخطإ- و هذا باطل باليهود و النصارى و غيرهم من فرق الضلال- . هذه خلاصة ما كان النقيب أبو جعفر- علقه بخطه من الجزء الذي أقرأناه- . و نحن نقول أما إجماع المسلمين فحجة- و لسنا نرتضي ما ذكره عنا- من أنه أمثل دليل لنا أن الهمم المختلفة و الآراء المتباينة- يستحيل أن تتفق على غير الصواب- و من نظر في كتبنا الأصولية- علم وثاقة أدلتنا على صحة الإجماع- و كونه صوابا و حجة تحريم مخالفته- و قد تكلمت في اعتبار الذريعة للمرتضى- على ما طعن به المرتضى في أدلة الإجماع- . و أما ذكره من الهجوم على دار فاطمة- و جمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد غير موثوق به- و لا معول عليه في حق الصحابة- بل و لا في حق أحد من المسلمين ممن ظهرت عدالته- . و أما عائشة و الزبير و طلحة فمذهبنا أنهم أخطئوا- ثم تابوا و أنهم من أهل الجنة- و أن عليا ع شهد لهم بالجنة بعد حرب الجمل- . و أما طعن الصحابة بعضهم في بعض- فإن الخلاف الذي كان بينهم في مسائل الاجتهاد لا يوجب إثما- لأن كل مجتهد مصيب- و هذا أمر مذكور في كتب أصول الفقه- و ما كان من الخلاف خارجا عن ذلك- فالكثير من الأخبار الواردة فيه غير موثوق بها- و ما جاء من جهة صحيحة نظر فيه- و رجح جانب أحد الصحابيين على قدر منزلته في الإسلام- كما يروى عن عمر و أبي هريرة- . فأما علي ع فإنه عندنا بمنزلة الرسول ص- في تصويب قوله و الاحتجاج بفعله و وجوب طاعته- و متى صح عنه أنه قد برئ من أحد من الناس- برئنا منه كائنا من كان- و لكن الشأن في تصحيح ما يروى عنه ع- فقد أكثر الكذب عليه و ولدت العصبية أحاديث لا أصل لها- .
فأما براءته ع من المغيرة و عمرو بن العاص و معاوية- فهو عندنا معلوم جار مجرى الأخبار المتواترة- فلذلك لا يتولاهم أصحابنا و لا يثنون عليهم- و هم عند المعتزلة في مقام غير محمود- و حاش لله أن يكون ع ذكر من سلف- من شيوخ المهاجرين إلا بالجميل و الذكر الحسن- بموجب ما تقتضيه رئاسته في الدين- و إخلاصه في طاعة رب العالمين- و من أحب تتبع ما روي عنه مما يوهم في الظاهر خلاف ذلك- فليراجع هذا الكتاب أعني شرح نهج البلاغة- فأنا لم نترك موضعا يوهم خلاف مذهبنا إلا و أوضحناه- و فسرناه على وجه يوافق الحق و بالله التوفيق
عمار بن ياسر و طرف من أخباره
فأما عمار بن ياسر رحمه الله- فنحن نذكر نسبه و طرفا من حاله- مما ذكره ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب- قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله- هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك- بن كنانة بن قيس بن حصين بن لوذ بن ثعلبة- بن عوف بن حارثة بن عامر بن نام بن عنس بالنون- بن مالك بن أدد العنسي المذحجي يكنى أبا اليقظان- حليف لبني مخزوم كذا قال ابن شهاب و غيره- . و قال موسى بن عقبة- و ممن شهد بدرا عمار بن ياسر حليف لبني مخزوم بن يقظة- . و قال الواقدي و طائفة من أهل العلم- إن ياسرا والد عمار بن ياسر عربي قحطاني- من عنس من مذحج- إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم- لأن أباه ياسرا تزوج أمه لبعض بني مخزوم فأولدها عمارا- و ذلك أن ياسر قدم مكة مع أخوين له- يقال لهما الحارث و مالك في طلب أخ لهم رابع- فرجع الحارث و مالك إلى اليمن- و أقام ياسر بمكة- فحالف أبا حذيفة بن المغيرة- بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خياط- فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة- فصار ولاؤه لبني مخزوم- و للحلف و الولاء الذي بين بني مخزوم- و عمار بن ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان- حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب- حتى انفتق له فتق في بطنه و كسروا ضلعا من أضلاعه- فاجتمعت بنو مخزوم- و قالوا و الله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان- . قال أبو عمر- و أسلم عمار و عبد الله أخوه و ياسر أبوهما و سمية أمهما- و كان إسلامهم قديما في أول الإسلام- فعذبوا في الله عذابا عظيما- و
كان رسول الله ص يمر بهم و هم يعذبون فيقول صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة- و يقول لهم أيضا صبرا يا آل ياسر اللهم اغفر لآل ياسر و قد فعلت
- . قال أبو عمر- و لم يزل عمار مع أبي حذيفة بن المغيرة- حتى مات و جاء الله بالإسلام- . فأما سمية فقتلها أبو جهل- طعنها بحربة في قبلها فماتت- و كانت من الخيرات الفاضلات- و هي أول شهيدة في الإسلام- و قد كانت قريش أخذت ياسرا و سمية و ابنيهما- و بلالا و خبابا و صهيبا فألبسوهم أدراع الحديد- و صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ- فأعطوهم ما سألوا من الكفر و سب النبي ص- ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه- بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيها- ثم حملوا بجوانبها- فلما كان العشي جاء أبو جهل- فجعل يشتم سمية و يرفث- ثم وجأها بحربة في قبلها فقتلها- فهي أول من استشهد في الإسلام- فقال عمار للنبي ص- يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ- فقال صبرا يا أبا اليقظان- اللهم لا تعذب أحدا من آل ياسر بالنار- قال أبو عمر و فيهم أنزل- إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- . قال و هاجر عمار إلى أرض الحبشة و صلى القبلتين- و شهد بدرا و المشاهد كلها و أبلى بلاء حسنا- ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا- و يومئذ قطعت أذنه- . قال و ذكر الواقدي عن عبد الله بن نافع- عن أبيه عن عبد الله بن عمر- قال رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة- و قد أشرف يصيح- يا معشر المسلمين أ من الجنة تفرون- أنا عمار بن ياسر هلموا إلي- و أنا أنظر إلى أذنه قد قطعت- فهي تذبذب و هو يقاتل أشد القتال- . قال أبو عمر و كان عمار طويلا أشهل- بعيد ما بين المنكبين- قال و قد قيل في صفته- كان آدم طوالا مضطربا أشهل العينين- بعيد ما بين المنكبين رجلا لا يغير شيبه- . قال و كان عمار يقول- أنا ترب رسول الله ص- لم يكن أحد أقرب إليه سنا مني- . قال و قتل عمار و هو ابن ثلاث و تسعين سنة- و
الخبر المرفوع مشهور في حقه تقتلك الفئة الباغية
و هو من دلائل نبوة رسول الله ص- لأنه إخبار عن غيب- . و
قال رسول الله ص في عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه- و يروى إلى أخمص قدميه
- . و فضائل عمار كثيرة- و قد تقدم القول في ذكر عمار و أخباره- و ما ورد في حقه
( . شرح نهج البلاغه (ابن ابی الحدید) ج 20، ص 8 - 38)
|