415 قَالَ ع: مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ امْرَأً عَقْلًا إِلَّا لِيَسْتَنْقِذَهُ بِهِ يَوْماً مَا لا بد أن يكون للبارئ تعالى في إيداع العقل- قلب زيد مثلا غرض- و لا غرض إلا أن يستدل به على ما فيه نجاته و خلاصه- و ذلك هو التكليف- فإن قصر في النظر و جهل و أخطأ الصواب- فلا بد أن ينقذه عقله- من ورطة من ورطات الدنيا- و ليس يخلو أحد عن ذلك أصلا- لأن كل عاقل لا بد أن يتخلص من مضرة- سبيلها أن تنال بإعمال فكرته- و عقله في الخلاص منها- فالحاصل أن العقل إما أن ينقذ الإنقاذ الديني- و هو الفلاح و النجاح على الحقيقة- أو ينقذ من بعض مهالك الدنيا و آفاتها- و على كل حال فقد صح قول أمير المؤمنين ع- و قد رويت هذه الكلمة مرفوعة- و رويت إلا استنقذه به يوما ما- . و
عنه ص العقل نور في القلب- يفرق به بين الحق و الباطل
- . و عن أنس قال سئل رسول الله ص عن الرجل- يكون حسن العقل كثير الذنوب- فقال ما من بشر- إلا و له ذنوب و خطايا يقترفها- فمن كانت سجيته العقل و غريزته اليقين- لم تضره ذنوبه- قيل كيف ذلك يا رسول الله قال- كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة و ندامة- على ما فرط منه- فيمحو ذنوبه و يبقى له فضل يدخل به الجنة
نكت في مدح العقل و ما قيل فيه
و قد تقدم من قولنا في العقل- و ما ذكر فيه ما فيه كفاية- و نحن نذكر هاهنا شيئا آخر- كان يقال- العاقل يروي ثم يروي و يخبر ثم يخبر- . و قال عبد الله بن المعتز- ما أبين وجوه الخير و الشر في مرآة العقل- .
لقمان يا بني شاور من جرب الأمور- فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء- و تأخذه أنت بالمجان
- . أردشير بن بابك- أربعة تحتاج إلى أربعة- الحسب إلى الأدب و السرور إلى الأمن- و القرابة إلى المودة و العقل إلى التجربة- . الإسكندر لا تحتقر الرأي الجزيل من الحقير- فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها- . مسلمة بن عبد الملك- ما ابتدأت أمرا قط بحزم- فرجعت على نفسي بلائمة- و إن كانت العاقبة علي- و لا أضعت الحزم فسررت و إن كانت العاقبة لي- . وصف رجل عضد الدولة بن بويه- فقال لو رأيته- لرأيت رجلا له وجه فيه ألف عين- و فم فيه ألف لسان و صدر فيه ألف قلب- . أثنى قوم من الصحابة- على رجل عند رسول الله ص- بالصلاة و العبادة و خصال الخير حتى بالغوا
فقال ص كيف عقله قالوا يا رسول الله- نخبرك باجتهاده في العبادة و ضروب الخير- و تسأل عن عقله- فقال إن الأحمق ليصيب بحمقه- أعظم مما يصيبه الفاجر بفجوره- و إنما ترتفع العباد غدا في درجاتهم- و ينالون من الزلفى من ربهم على قدر عقولهم
- . الريحاني العقل ملك و الخصال رعيته- فإذا ضعف عن القيام عليها- وصل الخلل إليها- و سمع هذا الكلام أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله- . قال معن بن زائدة- ما رأيت قفا رجل إلا عرفت عقله- قيل فإن رأيت وجهه- قال ذا كتاب يقرأ- . بعض الفلاسفة- عقل الغريزة مسلم إلى عقل التجربة- . بعضهم- كل شي ء إذا كثر رخص إلا العقل- فإنه إذا كثر غلا- . قالوا في قوله تعالى- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا- أي من كان عاقلا- . و من كلامهم- العاقل بخشونة العيش مع العقلاء- آنس منه بلين العيش مع السفهاء- . أعرابي- لو صور العقل أظلمت معه الشمس- و لو صور الحمق لأضاء معه الليل- . قيل لحكيم متى عقلت قال حين ولدت- فأنكروا ذلك فقال أما أنا فقد بكيت حين جعت- و طلبت الثدي حين احتجت- و سكت حين أعطيت- يريد أن من عرف مقادير حاجته فهو عاقل- . المأمون- إذا أنكرت من عقلك شيئا فاقدحه بعاقل- . بزرجمهر- العاقل الحازم إذا أشكل عليه الرأي- بمنزلة من أضل لؤلؤة- فجمع ما حول مسقطها من التراب- ثم التمسها حتى وجدها- و كذلك العاقل- يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل- ثم يضرب بعضها في بعض- حتى يستخلص الرأي الأصوب- . كان يقال- هجين عاقل خير من هجان جاهل- . كان بعضهم إذا استشير قال لمشاوره- أنظرني حتى أصقل عقلي بنومة- . إذا نزلت المقادير نزلت التدابير- من نظر في المغاب ظفر بالمحاب- من استدت عزائمه اشتدت دعائمه- الرأي السديد أجدى من الأيد الشديد- . بعضهم-
و ما ألف مطرور السنان مشدد يعارض يوم الروع رأيا مسددا
- . أبو الطيب-
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهى المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان
و لربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الأقران
لو لا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان
و لما تفاضلت النفوس و دبرت أيدي الكماة عوالي المران
- . ذكر المأمون ولد علي ع- فقال خصوا بتدبير الآخرة- و حرموا تدبير الدنيا- . كان يقال- إذا كان الهوى مقهورا تحت يد العقل- و العقل مسلط عليه- صرفت مساوئ صاحبه إلى المحاسن- فعدت بلادته حلما و حدته ذكاء- و حذره بلاغة و عية صمتا- و جبنه حذرا و إسرافه جودا- . و ذكر هذا الكلام عند بعضهم- فقال هذه خصيصة الحظ- نقلها مرتب هذا الكلام إلى العقل- . سمع محمد بن يزداد كاتب المأمون قول الشاعر-
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا
- . فأضاف إليه-
و إن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا فإن فساد العزم أن يتفندا
( . شرح نهج البلاغه (ابن ابی الحدید) ج 20، ص 40 - 44)
|