407- و قال عليه السّلام:
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا- إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا- وَ اشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا- فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ- وَ تَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ- وَ رَأَوُا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا- وَ دَرَكَهُمْ لَهَا فَوْتاً- أَعْدَاءُ مَا سَالَمَ النَّاسُ وَ سَلْمٌ لِمَنْ سَلْمُ مَا عَادَى النَّاسُ- بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ وَ بِهِ عَلِمُوا- وَ بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَ هُمْ بِهِ قَامُوا- لَا يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ- وَ لَا مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ
أقول: ميّز أولياء اللّه بصفات عشر:
إحداها: أنّهم نظروا إلى باطن الدنيا
أى حقيقتها، و غرض الحكمة الإلهيّة من وجودها فعملوا فيها على حسب علمهم إذا نظر الناس إلى ظاهرها من زينتها و قيناتها.
الثانية: و اشتغلوا بآجلها
و هو ما جعله اللّه نصب أعينهم غرضا مقصودا منها ثمرة للاستعداد بها و هو ثواب اللّه و رضوانه إذا اشتغل الناس بعاجلها و حاضر لذّاتها.
الثالثة: فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم
و هو نفوسهم الأمّارة بالسوء الّتى يخشى من غلبتها و استيلائها على العقل موته و هلاكه في الآخرة، و يحتمل أن يريد بما أماتوه منها قيناتها استعارة. فكأنّهم لمّا رفضوها و لم يلتفتوا إليها قد أماتوا و لم يبق لها حياة عندهم.
الرابعة: و تركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم.
و هو زينتها و قيناتها التاركة لهم بالموت عنها. و- من- في الموضعين لبيان الجنس.
الخامسة: و رأوا استكثار غيرهم منها استقلالا- و دركها لها فوتا
أى استقلالا من الخير الباقى و فوتا له إذ كان دركها و الاستكثار بها سببا لذلك.
السادسة: أعداء ما سالم الناس
و هى الدنيا، و سلم ما عادى الناس و هى الآخرة.
الثامنة: بهم علم الكتاب.
لحفظهم إيّاه و تفقّههم له و إفادتهم به، و به علموا لاشتهارهم به عند الناس.
التاسعة: و بهم قام الكتاب
أى صارت أحكامه قائمة في الخلق معمولا بها، و به قاموا: أى بأوامره و نواهيه و بما ينبغي له. و يحتمل أن يريد أنّ قيامهم في معاشهم و معادهم ببركته.
العاشرة لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون
من ثواب اللّه، و لا يخافون مخوفا فوق ما يخافون من عذاب اللّه و الحجب عنه. و ذلك لعلمهم بالمرجوّ و المخوف هناك.
( . شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج 5، ص 450 - 452)
|