أمّا و اللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذّيّال الميّال، يأكل خضرتكم، و يذيب شحمتكم، ايه أبا وذحة.
قال السيد (ره) اقول: الوذحة الخنفساء و هذا القول يؤمى به الى الحجاج و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره
اللغة
(الذّيال) هو الذي يجرّ ذيله على الأرض تبخترا يقال: ذأل فلان من باب منع ذألا و ذألانا تبختر و (الخضرة) بفتح الخاء و كسر الضّاد الزّرع، و البقلة الخضراء و الغضّ، و قال في القاموس (الوذح) محرّكة ما تعلّق بأصواف الغنم من البعر و البول الواحدة بها و الجمع و ذح كبدن
و قال الشارح المعتزلي في قول السيّد (ره): الوذحة الخنفساء و لم اسمع هذا من شيخ من أهل الأدب و لا وجدته في كتاب من كتب اللّغة و لا أدرى من أين نقل الرّضىّ ذلك
الاعراب
ايه اسم فعل يراد به الاستزادة أى زدوهات، قال في القاموس: ايه بكسر الهمزة و الهاء و فتحها و تنوّن المكسورة كلمة استزادة و استنطاق، و قال الطريحىّ ايه اسم سمّى به الفعل لأنّ معناه الأمر يقال للرجل زد اذا استزدته من حديث أو عمل ايه بكسر الهاء، قال ابن السّكيت فان وصلت نوّنت فقلت ايه حديثا، و إذا أردت التبعيد بايه قلت أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات، و من العرب من يقول ايهات و هو في معنى هيهات.
و في كتاب شرح الاثبات: إذا قلت ايه بغير تنوين فكان مخاطبك كان في حديث ثمّ أمسك فأمرته بالشروع في الحديث الذي كان فيه أى هيهات الحديث، فإذا قلت أيه بالتنوين فكأنّك أمرته ابتداء بأن يحدّث حديثا أى هات حديثا.
المعنى
و لمّا حذّرهم عمّا طوى عنهم غيبه أراد التنبيه ببعض ذلك المطوى و التّصريح ببعض ما يلحقهم من الفتن العظيمة فقال عليه السّلام: (أما و اللّه ليسلّطنّ عليكم) و في الايماء بحرف التنبيه و القسم و النون ما لا يخفى من التأكيد لوقوع المخبر به أي لا محالة يسلّط عليكم (غلام ثقيف) أراد به الحجّاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل ابن مسعود من بني ثقيف (الذّيال) الذي يجرّ ذيله على الأرض تبخترا و هو كناية عن كثرة نخوته (الميّال) كثير الظلم و الميل عن الحقّ (يأكل خضرتكم و يذيب شحمتكم) أراد بذلك أخذ الأموال و تعذيب الأبدان و استيصال النّفوس و وقوع ذلك الخبر على ما أخبر عليه السّلام به مشهور و في الكتب مسطور و قد تقدّم شطر من فعله بأهل العراق في شرح الخطبة الخامسة و العشرين.
و روى في البحار من الخرائج أنّ الأشعث بن قيس استأذن على عليّ عليه السّلام فردّه قنبر فأدمى أنفه، فخرج عليّ عليه السّلام و قال: ما ذاك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف مررت لاقشعرّت شعيرات استك، قال: و من غلام ثقيف قال، غلام يليهم لا يبقى بيت من العرب إلّا أدخلهم الذّلّ، قال: كم يلي قال عشرين إن بلغها، قال الراوي: ولي الحجّاج سنة خمس و سبعين و مات خمس و تسعين. ثمّ قال عليه السّلام (ايه أبا وذحة) أى زد و هات ما عندك أبا الخنفساء على ما ذكره الرّضي من تفسير الوذحة بالخنفساء، قال الشارح المعتزلي: إنّ المفسّرين بعد الرّضى (ره) قالوا في قصّة هذه الخنفساء وجوها: منها أنّ الحجّاج رأى خنفساء تدبّ إلى مصلّاه فطردها فعادت، ثمّ طردها فعادت، فأخذ بها بيده و حذف بها فقرصته قرصا و رمت يده منه و رما كان فيه حتفه قالوا: و ذلك لأنّ اللّه تعالى قد قتله بأهون مخلوقاته كما قتل نمرود بن كنعان بالبقّة التي دخلت في أنفه فكان فيها هلاكه.
و منها أنّ الحجّاج كان اذا رأى خنفساء تدّب قريبة منه يأمر غلمانه بابعادها و يقول: هذه وذحة من وذح الشّيطان، تشبيها بالبعرة المعلّقة بأذناب الشّاة.
و منها أنّ الحجّاج قد رأى خنفسات مجتمعات فقال: و اعجبا لمن يقول إنّ اللّه خلق هذه، قيل: فمن خلقها أيّها الأمير قال: الشّيطان، إنّ ربّكم لأعظم شأنا أن يخلق هذه الوذح، فنقل قوله هذا إلى الفقهاء في عصره فأكفروه و منها أنّ الحجّاج كان مثفارا أى ذا ابنة، و كان يمسك الخنفساء حيّة ليشفى بحركتها في الموضع حكاكه، قالوا: و لا يكون صاحب هذا الدّاء إلّا شانيا مبغضا لأهل البيت، قالوا: و لسنا نقول كلّ مبغض فيه هذا الداء، و إنّما قلنا كلّ من به هذا الدّاء فهو مبغض، قالوا: و قد روى أبو عمرو الزّاهد و لم يكن من رجال الشيعة في أماليه و أحاديثه عن السّيارى عن أبي خزيمة الكاتب قال: ما فتّشنا أحدا فيه هذا الدّاء إلّا وجدناه ناصبيّا.
قال أبو عمر و أخبرني العطاني عن رجاله قالوا سئل جعفر بن محمّد عن هذا الصّنف من النّاس فقال: رحم منكوسة يؤتى و لا يأتي و ما كانت هذه الخصلة في وليّ اللّه قطّ، و لا تكون أبدا، و إنما يكون في الكفّار و الفسّاق و النّاصب للطّاهرين.
أقول: و يدلّ على ذلك و يؤيّده: ما رواه في الكافي عن أحمد عن عليّ بن أسباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان في شيعتنا فلم يكن فيهم ثلاثة أشياء: من يسأل في كفّه
و لم يكن فيهم أزرق أخضر، و لم يكن فيهم من يؤتى في دبره.
و عن أحمد عن جعفر بن محمّد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جاء رجل إلى أبي، فقال: يابن رسول اللّه إنّي ابتليت ببلاء فادع اللّه لي، فقيل له: انّه يؤتى في دبره، فقال: ما أبلى اللّه عزّ و جلّ بهذا البلاء أحدا له فيه حاجة، ثمّ قال أبي: قال اللّه عزّ و جلّ، و عزّتي و جلالي لا يقعد على استبرقها و حريرها من يؤتي في دبره.
و في البحار من الخصال للصّدوق عن أبيه عن سعد عن البرقيّ عن عدّة من أصحابنا عن عليّ بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما ابتلى اللّه به شيعتنا فلن يبتليهم بأربع: بأن يكون لغير رشدة، أو أن يسألوا بأكفّهم، أو أن يؤتوا أدبارهم، أو أن يكون فيهم أزرق.
و فيه منه عن ابن الوليد عن محمّد العطّار عن أحمد بن محمّد عن أبي عبد اللّه الرازي عن ابن أبي عثمان عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: أربع خصال لا يكون في مؤمن: لا يكون مجنونا، و لا يسأل عن أبواب النّاس، و لا يولد من الزّنا، و لا ينكح في دبره و فيه من قرب الاسناد عن محمّد بن عيسى عن القداح عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: جاء رجل إلى عليّ عليه السّلام فقال: إني لاحبكم أهل البيت، قال: و كان فيه لين، قال: فأثنى عليه عدّة فقال عليه السّلام له: كذبت ما يحبّنا مخنّث و لا ديّوث و لا ولد زنا و لا من حملت به امّه في حيضها، قال: فذهب الرّجل، فلمّا كان يوم صفّين فهي مع معاوية و حكى المحدّث الدّربندي قال: كنت «كان ظ» ابن ستّة عشر من أولاد بعض علماء بلدنا معروفا بهذا الفعل الشّنيع، فبينا أنا مع جمع نكثر السّرور و الفرح في يوم العيد الغدير دنا منّى هذا الشخص، و قال: ما لك كأني أراك تظنّ أنّ اللّه قد أعطاك في هذا اليوم سلطنة الدّنيا قلت: إنّ كرامة اللّه على محبّي أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين عليه السّلام في هذا اليوم الشريف أعظم من سلطنة الدّنيا، فقال: ناشدتك باللّه هل تحبّ عليّ بن أبي طالب فقلت: ويلك هل يوجد أحد اتّصف بالاسلام و لا يحبّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: و اللّه أنا لا احبّه، فقلت الحمد للّه الذي لم يدخل مثلك النجس الخبيث المخنّث في حزب محبّى الأطيب الأطهر أمير المؤمنين و لعنة اللّه عليك و على أمثالك من المخنّثين، قال: فلم يمض على ذلك إلّا مدّة قريبة من مدّة سنة أن اختار الشرك و أظهر الكفر و دخل في مذهب النّصرانية.
و في الأنوار النّعمانية للمحدّث الجزايري (ره) عن جلال الدّين السيوطي في حواشي القاموس عند تصحيح لغة الابنة قال: و كانت في جماعة في الجاهلية أحدهم سيّدنا عمر، و قال ابن الأثير و هو من أجلّاء علماء العامة: زعمت الرّوافض أنّ سيّدنا عمر كان مخنّثا، كذبوا و لكن به داء دواؤه ماء الرّجال.
ثمّ قال الجزائري: و لم أر في كتب الرّافضة مثل هذا نعم روى العياشي منهم حديثا حاصل معناه أنّ لفظ أمير المؤمنين قد خصّ اللّه به عليّ بن أبي طالب و لهذا لم تسمّ الرافضة أئمّتهم بهذا الاسم و من سمّها نفسه به غير عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فهو ممّا يؤتى في دبره، و هو شامل لجميع المتخلّفين من الامويّة و العبّاسيّة لعنهم اللّه انتهى.
و قد أوردنا رواية العياشي مع غيرها في ديباجة الشرح في نور ألقاب أمير المؤمنين عليه السّلام فتذكر، و في أخبار كثيرة من طريق أهل البيت عليهم السّلام أنّ هؤلاء لا خير فيهم و في بعضها أنّه لا يبتلى به أحد للّه فيه حاجة.
ثمّ قال الشّارح المعتزلي بعد ذكر ما أوردنا من كلامه في تفسير أبا وذحة: فهذا مجموع ما ذكره المفسّرون و ما سمعته من أفواه النّاس في هذا الموضع، و يغلب على ظنّي أنّه أراد معنى آخر، و ذلك أنّ عادة العرب أن تكنّي الانسان إذا أرادت تعظيمه بما هو مظنّة التعظيم كقولهم: أبو الهول و أبو المقدام و أبو المغوار فاذا أرادت تحقيره و الغضّ منه كنّته بما يستحقر و يستهان به كقولهم في كنية يزيد ابن معاوية لعنه اللّه يعنون القرد و كقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدّث أبو القارد و كقولهم للطّفيلي: أبو لقمة «إلى أن قال» فلما كان أمير المؤمنين عليه السّلام يعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصى و الذنوب التي لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة البعر الملتصق بشعر الشّاة كنّاه أبا وذحة.
و يمكن أن يكنّيه بذلك لدمامته في نفسه و حقارة منظره و تشويه خلقته فانّه كان قصيرا دميما نحيفا أخفش العينين معوج الساقين قصير السّاعدين مجدور الوجه أصلع الرّأس فكنّاه عليه السّلام بأحقر الأشياء و هو البعرة.
و قد روى قوم هذه اللّفظة بصيغة اخرى فقالوا ايه أبا ودجة، قالوا: واحدة الأوداج كنّاه بذلك لأنّه كان قتّالا يقطع الأوداج بالسّيف، و رواه قوم أبا وحرة و هي دويبة تشبه الحرباء قصير الظّهر شبهته بها قال: و هذا و ما قبله ضعيف و ما ذكرناه أقرب إلى الصواب.
|