و لقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصّب لشي ء من الأشياء إلّا عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجّة تليط بعقول السّفهاء غيركم، فإنّكم تتعصّبون لأمر لا (ما خ) يعرف له سبب و لا علّة، أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناريّ و أنت طينيّ، و أمّا الأغنياء من مترفة الامم فتعصّبوا لاثار «إلى آثار خ» مواقع النّعم فقالوا- نحن اكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمعذّبين. فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال، و محامد الأفعال، و محاسن الامور الّتي تفاضلت فيها المجداء و النّجداء من بيوتات العرب، و يعاسيب القبائل بالأخلاق الرّغيبة، و الأحلام العظيمة، و الأخطار الجليلة، و الأثار المحمودة. فتعصّبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار، و الوفاء بالذّمام، و الطّاعة للبرّ، و المعصية للكبر، و الأخذ بالفضل، و الكفّ عن البغي، و الإعظام للقتل، و الإنصاف للخلق، و الكظم للغيظ، و اجتناب الفساد في الأرض.
اللغة
(التمويه) التدليس يقال موّهت النحاس أو الحديد تمويها أى طليته بالذهب أو الفضة و (مواقع) النعم جمع موقع اسم مكان و يحتمل المصدر و (المجداء) جمع مجيد مثل فقهاء و فقيه و هو الرفيع العالى و الكريم الشريف الفعال (و النجداء) كفقهاء أيضا جمع نجيد و هو الشجاع الماضي فيما يعجز غيره. (و اليعسوب) أمير النحل و رئيس القوم و (الأخطار) جمع خطر بالتحريك كأسباب و سبب و هو القدر و المنزلة و (الجوار) بالكسر أن تعطي الرّجل ذمّة فيكون بها جارك فتجيره و مصدر جاور يقال جاوره مجاورة و جوارا و جوارا بالضمّ و الكسر صار جاره و (الذّمام) أيضا الحق و الحرمة و ما يذمّ به الرّجل على إضاعته من العهد.
الاعراب
عن، في قوله: عن علّة، للتعليل أو بمعني من النشوية، و غيركم، بالنصب استثناء من قوله: أحدا، و العامل وجدت، و قوله: بالاخلاق الرغيبة، متعلّق بقوله: تفاضلت.
المعنى
و لما حذّرهم عليه السّلام من البغى و الظلم و الكبر أردفه بتوبيخهم على العصبيّة و العناد من دون علّة مقتضية لذلك فقال: (و لقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصّب لشي ء من الأشياء إلّا عن علة) مقتضية لتعصّبه حاملة له عليه (تحتمل) و فى بعض النسخ تحمل (تمويه الجهلاء) أى تلبيس الأمر عليهم حتّى يزعمون لمكان جهالتهم صحّة تلك العلّة مع بطلانها في نفس الأمر (أو حجّة) و دليل (تليط بعقول السفهاء) أى تلتصق بعقولهم و يظنّون بمالهم من السفاهة حقّيتها مع أنها باطلة في الحقيقة (غيركم) فيقبلونها أى ما وجدت أحدا يتعصّب بشي ء إلّا وجدت تعصّبه ناشئا من علّة غيركم، و بعبارة اخرى وجدت كلّ أحد يتعصّب لعلّة إلّا أنتم.
(فانّكم تتعصّبون لأمر لا يعرف له سبب و لا علة) حاملة لتمويه الجهلاء و ملتصقة بعقول السفهاء.
و ليس المراد نفى مطلق السبب للعصبيّة، لما قد مرّ في شرح الفصل الأوّل و الثالث من الخطبة من أنّ سبب تعصّبهم و ثوران الفتنة بينهم هو اعتزاء الجاهلية الّذى كان بينهم، و إنّما المراد نفى سبب ذلك الاعتزاء، يعنى أنكم تتعصّبون لأمر و هو الاعتزاء ليس لذلك الأمر سبب معروف ظاهر مقبول و لو عند الجهال فاذا لم يكن للاعتزاء سبب مقبول تكون سببيّته للعصبيّة أيضا سخيفة هيّنة، فيكون تعصّبهم له بمنزلة التعصّب لا لعلّة، هذا.
و لما ذكر اجمالا أنّ تعصّب كلّ متعصّب من العالمين فانّما هو علّة مقتضية له أراد تفصيل ذلك الاجمال بالاشارة إلى بعض علل التعصّب الناشى من المتعصّبية فقال: (أما إبليس) اللعين و هو رئيس المتعصّبين و المستكبرين (فتعصّب على آدم لأصله) و استكبر عليه بشرف جوهره على زعمه لكونه مخلوقا من النار (و طعن عليه فى خلقته) لكونه مخلوقا من الطين، ففضل نفسه عليه قياسا للفرع على الأصل فى الشرف و الخسة (فقال أنا نارىّ و أنت طيني) فكانت علة تعصّبه أنه تعزّز بخلقة النار و استوهن خلق الصلصال.
روى في الكافى عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الملائكة يحسبون أنّ ابليس منهم و كان فى علم اللّه أنّه ليس منهم فاستخرج ما فى نفسه بالحميّة و الغضب، فقال خلقتنى من نار و خلقته من طين.
و قد مرّ تفصيل الكلام فى قياسه و بطلان قياسه فى شرح الفصل الحادى عشر من المختار الأوّل و شرح الفصل الأوّل من هذا المختار الذى نحن بصدد شرحه، من أراد الاطلاع عليه فليراجع الفصلين.
(و أمّا الأغنياء من مترفة الأمم) أى الامم المترفة و هم الذين أطغتهم النعمة أو المتنعّمون الذين لا يمنع من تنعّمهم أو المتروكون يصنعون ما يشاؤن و لا يمنعون (فتعصّب و الاثار مواقع النعم). قال المحدّث العلّامة المجلسىّ «ره»: مواقع النعم هى الأموال و الأولاد، و آثارها هى الترفّه و الغنى و التلذّذ بها.
و بمثله قال الشارح البحرانى حيث قال: مواقعها هى الأموال و الأولاد، و آثار تلك المواقع هى الغنى و الترفّه بها و التنعّم و الالتذاذ و كان تعصّبهم لذلك و فخرهم به، ثمّ قال: و يحتمل أن يريد بالنعم الأموال و الأولاد و بمواقعها وقوعها، فانه كثيرا ما يريد بمفعل المصدر و آثارها هى الغنى و الترفّه كما قدّمنا.
و كيف كان فالمقصود أنّ تعصّب المترفين و تفاخرهم إنما كان بسبب كثرة الأموال و الأولاد كما أقرّوا به (فقالوا نحن أكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمعذّبين) و هو اقتباس من الاية الشريفة في سورة سباء قال سبحانه وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ. وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ.
قال الطبرسي «و ما ارسلنا في قرية من نذير» أى من نبىّ مخوف باللّه تعالى «إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها» أى جبابرتها و اغنياؤها المتنعّمون فيها «إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ» و في هذا بيان للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ أهل قريته جروا على منهاج الأوّلين، و إشارة إلى أنّه كان اتباع الأنبياء فيما مضى الفقراء و أوساط الناس دون الأغنياء.
ثمّ بين سبحانه علّة كفرهم بأن قال وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً أى افتخروا بأموالهم و أولادهم ظنّا بأنّ اللّه سبحانه انما خوّلهم المال و الولد كرامة لهم عنده فقالوا إذا رزقنا و حرمتم فنحن اكرم منكم و أفضل عند اللّه تعالى فلا يعذّبنا على كفرنا بكم و ذلك قوله وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ و لم يعلموا أنّ الأموال و الأولاد عطاء من اللّه تعالى يستحقّ به الشكر عليهم، و ليس ذلك للاكرام و التفضيل، هذا.
و لمّا وبّخهم على التعصّبات الباطلة أرشدهم إلى التعصّبات المرغوبة في الشريعة فقال: (فإن كان و لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال) و في بعض النسخ لمكارم الأخلاق و المعنى واحد، و قد مضى تفصيلها في شرح الفصل الثالث من الخطبة السادسة و الثمانين، و أقول هنا: روى في الوسائل من الخصال عن الحسن بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المكارم عشر فان استطعت أن تكون فيك فلتكن فانها تكون فى الرجل و لا تكون في ولده، و تكون في ولده و لا تكون في أبيه، و تكون في العبد و لا تكون في الحرّ: صدق النّاس «البأس خ»، و صدق اللسان، و اداء الامانة، و صلة الرحم، و إقراء الضيف، و إطعام السائل، و المكافاة على الصنائع، و التذمّم للجار، و التذمّم للصّاحب، و رأسهنّ الحياء.
و فى الوسائل من معانى الأخبار و أمالى الصّدوق عن حماد بن عثمان قال: جاء رجل الى الصادق عليه السّلام فقال: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخبرني عن مكارم الأخلاق فقال: العفو عمّن ظلمك، و صلة من قطعك، و إعطاء من حرمك، و قول الحقّ و لو على نفسك (و محامد الأفعال).
روى في الوسائل من المجالس عن المفضّل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام إنّه قال: عليكم بمكارم الأخلاق، فانّ اللّه عزّ و جلّ يحبّها، و إيّاكم و مذامّ الأفعال فانّ اللّه عزّ و جلّ يبغضها، و عليكم بتلاوة القرآن «إلى أن قال» و عليكم بحسن الخلق فانّه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، و عليكم بحسن الجوار فانّ اللّه جلّ جلاله أمر بذلك، و عليكم بالسّواك فانّه مطهّرة و سنّة حسنة، و عليكم بفرائض اللّه فأدّوها، و عليكم بمحارم اللّه فاجتنبوها.
(و محاسن الامور الّتى تفاضلت فيها المجداء و النجداء) أى أولو لشّرف و الكرم و الشجاعة (من بيوتات العرب و يعاسيب القبايل) أى رؤسائها و ساداتها و ذلك: مثل ما رواه في الكافي عن حبيب بن ثابت عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: لم يدخل الجنّة حميّة غير حميّة حمزة بن عبد المطلب، و ذلك حين أسلم غضبا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حديث السلا الذى القى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانّ تعصّبه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دخوله في الاسلام إنما نشأ من فرط الغيرة و العصبيّة بمقتضى سودده و شرف نسبه و علوّ حسبه و هكذا كان عادة الأشراف و الأنجاد فانهم انّما كانوا يتعصّبون و يتفاضلون (بالأخلاق الرغيبة) المرغوب فيها (و الأحلام) أى العقول (العظيمة و الأخطار) أى الأقدار و المراتب (الجليلة و الاثار المحمودة).
و قد اشير اليها في الحديث النّبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المروىّ في الوسائل قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ خياركم أولو النّهى، قيل: يا رسول اللّه من أولو النهى قال: هم اولو الأخلاق الحسنة، و الأحلام الرزينة، و صلة الأرحام، و البررة بالأمّهات و الاباء، و المتعاهدون بالجيران و اليتامى، و يطعمون الطعام و يفشون السلام فى العالم و يصلّون و الناس نيام غافلون.
و لما قال: فان كان و لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الأخلاق و محامد الأفعال نبّه على تفصيلها بقوله (فتعصّبوا لخلال الحمد) أى للخصال المحمودة و أورد منها هنا عشرا.
الاولى ما أشار إليه بقوله (من الحفظ للجوار) يحتمل أن يكون المراد به حسن المجاورة و حفظ حقوق الجيران.
ففى الكافى عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حسن الجوار يعمر الدّيار و ينسى الأعمار.
و عن أبى مسعود قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: حسن الجوار زيادة في الأعمار و عمارة الدّيار.
و في الوسائل عن الصّدوق باسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حديث المناهي قال: من اذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنّة و مأواه جهنّم و بئس المصير، و من ضيّع حقّ جاره فليس منّا، و ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورثه.
قال بعض الأعلام: ليس حسن الجوار كفّ الأذى فقط، بل تحمّل الأذى منه أيضا، و من جملة حسن الجوار ابتداؤه بالسلام، و عيادته في المرض، و تعزيته في المصيبة، و تهنيته في الفرح، و الصفح عن زلّاته، و عدم التطلّع على عوراته، و ترك مضايقته فيما يحتاج إليه من وضع جذوعه على جدارك، و تسلّط ميزابه إلى دارك و ما أشبه ذلك.
و يحتمل أن يكون المراد بالجوار أن تعطى رجلا ذمّته و أمانا يكون بذلك جارك، قال الطريحى: و فى الحديث أيّما رجل نظر إلى رجل من المشركين فهو جارحتى يسمع كلام اللّه أى في أمن لا يظلم و لا يؤذي و على هذا فمعنى الحفظ للجوار هو المحافظة على ما اعطيته من الذمام و القيام بلوازمه و عدم الاضاعة له.
(و) الثانية (الوفاء بالذمام) أى الوفاء بالعهد و الأمان.
روى في الوسائل عن الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النّوفليّ عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما معنى قول النّبي صلّى اللّه عليه و آله: المسلمون تتكافا دماؤهم و يسعى بذمّتهم أدناهم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال: اعطونى الأمان حتى ألقى صاحبكم و اناظره فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به.
و فيه عن الصّدوق بسنده عن حبّة العرنى قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من ائتمن رجلا على دمه ثمّ خاس به فأنا من القاتل برى ء و إن كان المقتول في النار.
(و) الثالثة (الطاعة للبرّ) قيل: البرّ اسم جامع للخير كلّه فيكون المراد من طاعته الانقياد له و الاتيان بالخيرات، و يجوز أن يكون بمعنى البارّ أو بحذف المضاف أى لذى البرّ على حدّ قوله تعالى لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى أى البارّ، أو ذو البرّ هو المتّصف بالتقوى، و على هذا فالمراد بالطاعة للبرّ هو الطاعة للأبرار المتّقين.
(و) الرابعة (المعصية للكبر) أى المجانبة و المخالفة له بالملازمة للتواضع و انّما عبر بلفظة المعصية لتقدّم لفظ الطاعة و كونها في قبالها، فعبّر بها لحسن المجاورة و مراعاة للنظير و هو من محاسن البلاغة.
(و) الخامسة (الأخذ بالفضل) يجوز أن يراد بالفضل التفضّل و الاحسان على الغير، و أن يراد به العمل الصالح و على أيّ تقدير فأخذه عبارة عن المواظبة عليه و بهما فسّر قوله سبحانه وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ قال أمين الاسلام الطبرسى قيل: إنّ الفضل بمعنى التفضّل و الافضال أى و يؤت كلّ ذى إفضال على غيره بمال أو كلام أو عمل بيد أو رجل جزاء إفضاله، فيكون الهاء في فضله عايدا إلى ذى الفضل، و قيل: إنّ معناه يعط كلّ ذي عمل صالح فضله أى ثوابه على قدر عمله، فانّ من كثرت طاعته في الدّنيا زادت درجاته في الجنّة و على هذا فالأولى أن تكون الهاء في فضله عائدا إلى اسم اللّه.
أقول: و يرشد إلى المعنيين ما روى في الكافي عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ ابن الحسين عليهما السّلام قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع اللّه تبارك و تعالى الأوّلين و الاخرين في صعيد واحد ثمّ ينادى مناد أين أهل الفضل قال: فيقوم عنق من الناس فتلقّاهم الملائكة فيقولون: ما كان فضلكم فيقولون: كنّا نصل من قطعنا، و نعطى من حرمنا، و نعفو عمن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنّة.
(و) السادسة (الكفّ عن البغى) أى عن الظلم و الاعتداء و الاستطالة و العدول عن الحقّ.
روى في الكافي عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ أعجل الشرّ عقوبة البغي.
و عن السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يقول ابليس لجنوده: القوا بينهم الحسد و البغي فانّهما يعدلان عند اللّه الشرك.
أى يعدلانه في الاخراج من الدّين و العقوبة و التأثير في فساد نظام الخلق.
(و) السابعة (الاعظام للقتل) أى تعظيمه و عدّه عظيما، و المراد قتل النفس التي حرّم اللّه إلّا بالحقّ فانّه من أكبر الكبائر و أعظم الذنوب قال تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً» روى الصّدوق في عقاب الأعمال عن جابر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال أوّل ما يحكم اللّه في القيامة في الدّماء فيوقف ابنى آدم فيفصل بينهما، ثمّ الذين يلونهم من أصحاب الدّماء حتّى لا يبقى منهم أحد، ثمّ الناس بعد ذلك فيأتي المقتول قاتله فيشخب دمه في وجهه فيقول: هذا قتلنى، فيقول أنت قتلته، فلا يستطيع أن يكتم اللّه حديثا.
و عن سعيد الأزرق عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى رجل قتل رجلا يقال له: مت أىّ ميتة شئت إن شئت يهوديا و إن شئت نصرانيا و ان شئت مجوسيا.
و عن أبى الجارود عن محمّد بن علىّ صلوات اللّه عليهما قال: ما من نفس يقتل برّة و لا فاجرة إلّا و هو يحشر يوم القيامة معلّقا بقاتله بيده اليمنى و رأسه بيده اليسرى و أوداجه تشخب دما يقول: يا ربّ سل هذا بم قتلنى، و إن «فان ظ» كان قتله فى طاعة اللّه عزّ و جلّ أثيب القاتل و ذهب بالمقتول إلى النار، و إن كان فى طاعة فلان قيل له: اقتله كما قتله، ثمّ يفعل اللّه فيهما مشيّته.
(و) الثامنة (الانصاف للخلق) روى في الكافى عن السّكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سيّد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، و مواساة الأخ فى اللّه، و ذكر اللّه على كلّ حال.
و عن أبى حمزة الثمالى عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلقه و طهرت سجيّته و صلحت سريرته و حسنت علانيته و أنفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من قوله، و أنصف الناس من نفسه و عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام فى كلام له: ألا انّه من ينصف الناس من نفسه لم يزده اللّه إلّا عزّا.
و عن محمّد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب. رجل لم تدعه قدرته في حال فى غضبه إلى أن يحيف على من تحت يده، و رجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الاخر بشعيرة، و رجل قال بالحقّ فيما له و عليه.
(و) التاسعة (الكظم للغيظ) روى فى الكافى عن مالك بن حصين السكونى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من عبد كظم الغيظ إلّا زاده اللّه عزّ و جلّ عزّا فى الدّنيا و الاخرة، و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و أثابه اللّه مكان غيظه ذلك.
و عن سيف بن عميرة قال حدّثنى من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ اللّه قلبه يوم القيامة رضاه.
و عن عبد اللّه بن منذر عن الوصافى عن أبى جعفر عليه السّلام قال: من كظم غيظا و هو يقدر على إمضائه حشا اللّه قلبه أمنا و ايمانا يوم القيامة.
(و) العاشرة (اجتناب الفساد فى الأرض) و هو الدّعوة إلى عبادة غير اللّه أو أخذ المال و قتل النفس بغير حقّ أو العمل بالمعاصى، و بها جميعا فسّر قوله سبحانه تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ هذا.
|