ألا و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النّكث و الفساد في الأرض فأمّا النّاكثون فقد قاتلت، و أمّا القاسطون فقد جاهدت، و أمّا المارقة فقد دوّخت، و أمّا شيطان الرّدهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه، و رجّة صدره، و بقبت بقيّة من أهل البغي و لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لاديلنّ منهم إلّا ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا.
اللغة
(دوّخه) ذلّله و (الرّدهة) وزان تمرة حفرة في الجبل يجتمع فيها الماء و الجمع رده كتمر قال في القاموس: و شبه اكمة خشنة و جمعه رده محرّكة و (كفيته) بالبناء على المفعول من كفانى اللّه مؤنته قتله أو دفع عنّى شرّه و (صعق) صعقا و صعقا و صعقة غشى عليه فهو صعق ككتف و الصّعق محرّكة شدّة الصّوت و الصّاعقة الموت و كلّ عذاب مهلك و صيحة العذاب. و (الوجبة) وزان تمرة الاضطراب للقلب و (الرّجّة) الحركة و الزلزلة و (أدلت) من فلان غلبته و قهرته أى صرت ذا دولة و (تشذّر) تبدّد و تفرّق
الاعراب
الواو في قوله: و لئن اذن اللّه، للقسم و المقسم به محذوف و قوله: لاديلنّ جواب القسم
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام لما لام المخاطبين فى الفصول السابقة و وبّخهم على مخالفة شرايع الدّين و ترك مراسم الاسلام، و دعاهم إلى اللّه سبحانه بالحكمة و الموعظة الحسنة، و نصحهم بالتى هى أحسن، أردف بهذا الفصل المسوق لبيان فضايله و مناقبه و خصائصه الخاصّة و علوّ شأنه و رفعة مقامه، تنبيها بذلك على أنّه إمام مفترض الطّاعة، و أنّه فيما يأمر و ينهى بمنزلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى أوامره و نواهيه، و غرضه بذلك جذب قلوب المخاطبين إلى قبول مواعظه و نصايحه و امتثال أوامره و نواهيه، و صدّر الفصل بالاشارة إلى أعظم تكليف كان مكلّفا به بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إلى قيامه به على أبلغ وجهه و هو قوله: (ألا و قد أمرنى اللّه بقتال أهل البغى) و المراد بهم المجاوزون عن الحدّ و العادلون عن القصد الخارجون عليه عليه السّلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الفرق الثلاث الذين يصرح بهم تفصيلا.
و أمر اللّه سبحانه له بقتالهم إمّا بما أنزله سبحانه في ضمن آيات كتابه العزيز مثل قوله تعالى «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ».
فقد روى فى غاية المرام عن يونس بن عبد الرّحمن بن سالم عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى هذه الاية قال: اللّه انتقم بعلىّ عليه السّلام يوم البصرة و هو الّذى وعد اللّه رسوله.
و فيه عن«» عدىّ بن ثابت قال: سمعت ابن عباس يقول: ما حسدت قريش عليا بشى ء مما سبق له أشدّ مما وجدت يوما و نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: كيف أنتم يا معشر قريش لو كفرتم بعدى و رأيتمونى فى كتيبة أضرب وجوهكم بالسيف، فهبط جبرئيل فقال: قل انّ اللّه أو على فقال إنّ اللّه أو على.
و فيه عن الشيخ فى أماليه باسناده عن محمّد بن على عن جابر بن عبد اللّه الأنصارى قال: إنّى لأدناهم من رسول اللّه فى حجّة الوداع فقال: لاعرفنكم ترجعون بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، و أيم اللّه لئن فعلتموها لتعرفونى فى الكتيبة التي تضاربكم، ثمّ التفت إلى خلفه فقال: أو عليّ أو عليّ أو عليّ ثلاثا، فرأينا أنّ جبرئيل غمزه فأنزل اللّه عزّ و جل «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ- بعلىّ- أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ».
و مثل قوله سبحانه «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
روى فى الصافى من الكافى و التهذيب و علىّ بن إبراهيم القمىّ عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام فى حديث لما نزلت هذه الاية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ منكم من يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، فسئل من هو فقال صلّى اللّه عليه و آله: خاصف النعل يعنى أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الرّاية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و هذه الرّابعة«» و اللّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا أنا على الحقّ و أنّهم على الباطل و كانت السّيرة فيهم من أمير المؤمنين ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكة، فانّه لم يسب منهم ذريّة و قال: من أغلق بابه فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، و كذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام يوم البصرة نادى فيهم: لا تسبوا لهم ذريّة، و لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن. و فيه من الكافي عن الصادق عليه السّلام إنّما جاء تأويل هذه الاية يوم البصرة و هم أهل هذه الاية، و هم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه السّلام فكان الواجب عليهم قتلهم و قتالهم حتى يفيئوا إلى أمر اللّه، و لو لم يفيئوا لكان الواجب عليه عليه السّلام فيما انزل اللّه أن لا يرفع السيف عنهم حتّى يفيئوا و يرجعوا عن رأيهم، لأنّهم بايعوا طائعين غير كارهين، و هى الفئة الباغية كما قال اللّه عزّ و جل، فكان الواجب على أمير المؤمنين عليه السّلام أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى أهل مكّة إنّما منّ عليهم و عفى، و كذلك صنع أمير المؤمنين عليه السّلام بأهل البصرة حيث ظفر بهم بمثل ما صنع النبىّ صلّى اللّه عليه و آله بأهل مكّة حذو النعل بالنعل.
و مثل قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ».
قال في مجمع البيان في تفسير الاية قيل: هم أمير المؤمنين و أصحابه حين قاتل من قاتله من النّاكثين و القاسطين و المارقين، و روى ذلك عن عمار و حذيفة و ابن عبّاس، و هو المروىّ عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام قال و روى عن عليّ عليه السّلام انّه قال يوم البصرة: و اللّه ما قوتل أهل هذه الاية حتّى اليوم. و سيأتي لهذه الاية مزيد تحقيق و تفصيل بعد الفراغ من شرح هذا الفصل في أوّل التنبيهات الاتية.
و إمّا«» بما صدر عن لسان الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ضمن الأخبار النّبويّة من الأوامر الانشائية و الجملات الخبريّة الّتي في معنى الانشاء، حسبما عرفتها في شرح الفصل الخامس من المختار الثالث، و شرح المختار المأة و الثامن و الأربعين، و شرح الفصل الثاني من المختار المأة و الخامس و الخمسين في التّنبيه الأوّل منه، و قد عرفت في التّنبيه الثاني منه و في شرح المختار الثالث و الثلاثين تحقيق الكلام في كفر البغاة و ساير أحكامهم، فليراجع إلى المواضع الّتي اشرنا إليها، فانّ مراجعتها يوجب مزيد البصيرة في المقام.
و تعرف بما أوردناه هنا و فيما تقدّم أنّ أهل البغى الّذين كان أمير المؤمنين عليه السّلام مأمورا بقتالهم هم الناكثون و القاسطون و المارقون كما أوضحه بقوله: (و النّكث و الفساد في الأرض) و فصّلهم بقوله (فأمّا النّاكثون) أى النّاقضون ما عقدوه من البيعة و هم أصحاب الجمل (فقد قاتلت) و قد مضى تفصيل قتالهم في شرح المختار الحادى عشر.
(و أمّا القاسطون) أى العادلون عن الحقّ و الدّين و هم أصحاب معاوية و صفّين (فقد جاهدت) و مضي تفصيل جهادهم في شرح المختار الخامس و الثلاثين و المختار الحادى و الخمسين و المختار الخامس و الستين.
(و أمّا المارقة) و هم خوارج النهروان الّذين مرقوا من الدّين أى جازوا منه مروق السّهم من الرمية حسبما عرفته في التذييل الأوّل من شرح المختار السّادس و الثلاثين (فقد دوّخت) أىّ ذلّلتهم و قهرتهم حسبما عرفته في التذييل الثاني منه (و أمّا شيطان الرّدهة فقد كفيته) أى كفانى اللّه من شرّه (بصعقة سمعت لها وجبة قلبه) و اضطرابه (و رجّة صدره) و زلزاله. و قد اختلف الأقوال فى شيطان الرّدهة فقد قال قوم«» إنّ المراد به ذو الثّدية رئيس الخوارج و تسميته بالشّيطان لكونه ضالّا قائد ضلالة مثل شيطان الجنّ، و أمّا إضافته إلى الرّدهة فلما عرفته في التذييل الثاني من شرح المختار السادس و الثلاثين من أنّه بعد الفراغ من قتل الخوارج طلبه عليه السّلام فى القتلى فوجده بعد جدّ أكيد فى حفرة دالية فنسبه عليه السّلام إليها لذلك.
و أمّا الصعقة الّتي كفى عليه السّلام عنه بها فقد قيل: إنّ المراد بها الصّاعقة و هى صيحة العذاب لما روى أنّ عليّا لمّا قابل القوم صاح بهم فكان ذو الثّدية ممّن هرب من صيحته حتّى وجد قتيلا فى الحفرة المذكورة.
و قيل إنّه رماه اللّه بصاعقة من السماء فهلك بها و لم يقتل بالسيف، و قيل: إنّه لما ضربه عليه السّلام بالسيف غشى عليه فمات.
و قال قوم: إنّ شيطان الرّدهة أحد الأبالسة المردة من أولاد ابليس اللّعين قال الشارح المعتزلي: و رووا فى ذلك خبرا عن النّبى صلّى اللّه عليه و آله و أنّه كان يتعوّذ منه، و هذا مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله هذا أزبّ العقبة اى شيطانها و لعل أزبّ العقبة هو شيطان الرّدهة بعينه فتارة يعبّر بهذا اللفظ و اخرى بذلك.
أقول: و الأظهر أن يكون المراد به شيطان الجنّ و يكون الاشارة بهذا الكلام إلى ما وقع منه عليه السّلام فى بئر ذات العلم.
فقد روى السيّد السّند السيّد هاشم البحرانى فى كتاب مدينة المعاجز عن ابن شهر آشوب، عن محمّد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث عن أبيه، عن ابن عبّاس و عن أبي عمر و عثمان بن أحمد عن محمّد بن هارون باسناده عن ابن عباس فى خبر طويل أنّه أصاب النّاس عطش شديد فى الحديبيّة فقال النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هل من رجل يمضى مع السّقاة إلى بئر ذات العلم فيأتينا بالماء و أضمن له على اللّه الجنّة فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع فلمّا دنوا من الشّجر و البئر سمعوا حسّا و حركة شديدة و قرع طبول و رأوا نيرانا تتقد بغير حطب فرجعوا خائفين «خ ل خائبين».
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هل من رجل يمضى مع السّقاة يأتينا بالماء أضمن له على اللّه الجنّة فمضى رجل من بنى سليم و هو يرتجز و يقول:
- أمن غريف«» ظاهر نحو السلمينكل من وجّهه خير الأمم
- من قبل أن يبلغ آبار العلم فيستقى و الليل مبسوط الظلم
- و يأمن الذّم و توبيخ الكلمو صاحب السيف لسيف منهدم
فلمّا وصلوا إلى الحسّ رجعوا وجلين.
فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: هل من رجل يمضي مع السّقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء أضمن له على اللّه الجنّة فلم يقم أحد، و اشتدّ بالنّاس العطش و هم صيام.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: سر مع هؤلاء السقاة حتّى ترد بئر ذات العلم و تستقى و تعود إنشاء اللّه فخرج عليّ عليه السّلام قائلا:
- أعوذ بالرّحمن أن أميلامن غرف«» جنّ أظهروا تأويلا
- و أوقدت نيرانها تغويلاو قرعت مع غرفها الطبولا
قال فداخلنا «خ ل فتداخلنا» الرّعب فالتفت عليّ عليه السّلام إلينا و قال: اتّبعوا أثري و لا يفزعنّكم ما ترون و تسمعون فليس بضائركم إنشاء اللّه.
ثمّ مضى فلمّا دخلنا الشّجر فاذا بنيران تضطرم بغير حطب و أصوات هائلة و رءوس مقطّعة لها ضجّة و هو يقول: اتّبعوني و لا خوف عليكم و لا يلتفت أحد منكم يمينا و لا شمالا.
فلمّا جاوزنا الشّجر و وردنا الماء فأدلى البراء بن عازب دلوه في البئر فاستقى دلوا و دلوين ثمّ انقطع الدّلو فوقع فى القليب، و القليب ضيّق مظلم بعيد القعر، فسمعنا في أسفل القليب قهقهة و ضحكا شديدا. فقال عليّ عليه السّلام: من يرجع الى عسكرنا فيأتينا بدلو و رشا«» فقال أصحابه عليه السّلام: من يستطيع ذلك، فائتزر بمئزر و نزل في القليب و ما تزداد القهقهة إلّا علوا و جعل عليه السّلام ينحدر في مراقي القليب إذ زلّت رجله فسقط فيه، ثمّ سمعنا وجبة شديدة و اضطرابا و غطيطا«» كغطيط المخلوق «المخنوق ظ» ثمّ نادى علىّ عليه الصلاة و السلام و التحيّة و الاكرام: اللّه أكبر اللّه أكبر أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه، هلمّوا قربكم فأفعمها و أصعدها على عنقه شيئا فشيئا و مضى بين أيدينا فلم نر شيئا فسمعنا صوتا.
- أى فتى ليل أخي روعاتو أىّ سبّاق إلى الغايات
- للّه درّ الغرر السادات من هاشم الهامات و القامات
- مثل رسول اللّه ذى الاياتأو كعليّ كاشف الكربات
كذا يكون المرء في حاجات
فارتجز أمير المؤمنين عليه السّلام
- الليل هول يرهب المهيباو مذهل المشجّع اللبيبا
- و انّني اهول منه ذيباو لست أخشي الرّدع و الخطوبا
- إذا هززت الصّارم القضيباأبصرت منه عجبا عجيبا
و انتهى إلى النّبيّ و له زجل«» فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما ذا رأيت في طريقك يا علي فأخبره بخبره كلّه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ الّذي رأيته مثل ضربه اللّه لي و لمن حضر معي في وجهي هذا، قال عليّ عليه السّلام: اشرحه لي يا رسول اللّه.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا الرّؤوس الّتي رأيتم لها ضجّة و لألسنتها لجلجة، فذلك مثل قومي معي يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و لا يقبل اللّه منهم صرفا و لا عدلا و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.
و أما النيران بغير حطب ففتنة تكون في أمتي بعدي القائم فيها و القاعد سواء لا يقبل اللّه لهم عملا و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.
و أمّا الهاتف الّذى هتف بك فذلك سلقعة و هو سملقة «كذا» بن غداف الذى قتل عدوّ اللّه مسعرا شيطان الأصنام الّذى كان يكلّم قرين منها و يشرع في هجائي، هذا.
و قوله عليه السّلام (و بقيت بقيّة من أهل البغي) أراد به معاوية و أصحابه لأنه لم يكن أتى عليهم بأجمعهم، بل بقيت منهم بقيّة بمكيدة التحكيم حسبما عرفته في شرح المختار الخامس و الثلاثين.
(و) الذى فلق الحبّة و برء النسمة (لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم) هذا بمنزلة التعليق بالمشيّة أى إنشاء اللّه سبحانه لي الرّجوع إليهم بأن يمدّ لى في العمر و يفسح في الأجل و يهيّأ أسباب الرّجوع (لاديلنّ منهم) أى ليكون الدّولة و الغلبة لي عليهم.
و الاتيان في جواب القسم باللّام و نون التوكيد لتأكيد تحقّق الإدالة و ثبوته لا محالة بعد حصول الاذن و المشيّة منه سبحانه، و ذلك بمقتضي وعده الصّادق و قوله الحقّ في كتابه العزيز «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا».
و بعد هذا فلقائل أن يقول: إنّه عليه السّلام قد كان عالما بعدم اذن اللّه سبحانه في الكرّة عليهم و الادالة منهم، و ذلك لما كان يعلمه باخبار اللّه سبحانه و اخبار رسوله صلّى اللّه عليه و آله بأنّ بنى اميّة يملكون البلاد ألف شهر، و قد كان عليه السّلام نفسه أخبر بذلك حين شاع فى الكوفة خبر موت معاوية بقوله: كلّا أو تخضب هذه من هذه و يتلاعب بها ابن آكلة الأكباد، فى الرّواية الّتي تقدّمت فى شرح المختار السادس و الخمسين، و مع ذلك كلّه فما معنى قوله عليه السّلام: و لئن أذن اللّه فى الكرّة اه قلت: الاتيان بهذه الجملة الشرطية مع علمه عليه السّلام بعدم وقوع مضمونها لربط جاش المخاطبين و تقوية قلوبهم.
و نظيره ما رواه عنه عليه السّلام عليّ بن إبراهيم بسنده عن عدىّ بن حاتم و كان معه عليه السّلام فى مردبه «كذا» أن عليا قال ليلة الهرير بصفّين حين التقى مع معاوية رافعا صوته يسمع أصحابه: لأقتلنّ معاوية و أصحابه، ثمّ قال فى آخر قوله: إنشاء اللّه تعالى، يخفض بها صوته، و كنت قريبا منه فقلت: يا أمير المؤمنين إنّك حلفت على ما قلت ثمّ استثنيت فما أردت بذلك فقال عليه السّلام: إنّ الحرب خدعة و أنا عند أصحابى صدوق فأردت أن اطمع أصحابى كيلا يفسئوا «يفشلوا ظ» و لا يفرّوا، فافهم فانك تنتفع بهذه بعد اليوم انشاء اللّه، هذا.
و قوله عليه السّلام: (إلّا ما يتشذّر فى أطراف الأرض تشذّرا) كلمة ما هنا بمعنى من كما فى قوله: «وَ السَّماءِ وَ ما بَناها»، أى إلّا من يتفرّق فى أطرافها تفرّقا ممنّ لم يتمّ أجله
|