و لو أراد اللّه سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، و يبهر
العقول روائه، و طيب يأخذ الأنفاس عرفه، لفعل، و لو فعل لظلّت الأعناق
خاضعة له، و لخفّت البلوى فيه على الملائكة، و لكنّ اللّه سبحانه يبتلى
خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالاختبار لهم، و نفيا للاستكبار عنهم، و
إبعادا للخيلاء منهم، فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بإبليس إذ أحبط عمله
الطّويل، و جهده الجهيد، و كان قد عبد اللّه ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن
سنّي الدّنيا أم من سنيّ الاخرة عن كبر ساعة واحدة فمن ذا بعد إبليس يسلم
على اللّه بمثل معصيته، كلّا ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر
أخرج به منها ملكا، إنّ حكمه في أهل السّماء و الأرض لواحد، و ما بين اللّه
و بين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمّى حرّمه على العالمين.
اللغه
(العرف) بفتح الأوّل و سكون الثاني الريح طيّبة أو منتنة و أكثر
استعماله في الطيّبة و (الخيلاء) و الخيل و الخيلة الكبر و (الهوادة) اللين
و الرخصة و ما يرجى به الصّلاح.
العراب
قوله: عن كبر ساعة، متعلق بقوله: احبط، و عن للتعليل كما في قوله تعالى وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ و على فى قوله: يسلم على اللّه، بمعني من كما في قوله تعالى الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى أى منهم، و قوله: بأمر أخرج به، الباء الاولى للمصاحبة، و الثانية للسببيّة.
المعنى
ثمّ نبّه على نكتة خلقة آدم عليه السّلام من الطين بقوله (و لو أراد
اللّه سبحانه أن يخلق آدم عليه السّلام من نور يخطف الأبصار) أى يسلبها و
يأخذها (ضياؤه و يبهر العقول رواؤه) أى يغلبها حسن منظره (و طيب يأخذ
الأنفاس عرفه) أى ريحه و عطره (لفعل) لأنه أمر ممكن مقدور و هو سبحانه على
كلّ شي ء قدير (و لو فعل) ذلك (لظلّت الأعناق خاضعة له و لخفت البلوى فيه
على الملائكة) يعنى أنه سبحانه لو أراد أن يخلق آدم في بدء خلقته من نور
باهر يخطف سنا برقه بالأبصار لكان مقدورا له سبحانه، و لو خلقه كذلك لصارت
أعناق الملائكة و ابليس خاضعة منقادة له، و يسهل عليهم الامتحان في سجود
آدم عليه السّلام و لم يشق عليهم تحمل ذلك التكليف، و لساغ لهم السجود له و
طاب أنفسهم به لما رأوا من شرف جوهره و علوّ مقامه و فضل خلقته، لأنّ
الشريف جليل القدر إنما يأبى و يستنكف من الخشوع و الخضوع لمن هو دونه، و
لذلك قال ابليس اللعين خلقتني من نار و خلقته من طين، و أما من كان أصله
مناسبا لأصله و مقارنا له في الشرف أو أعلى رتبة منه فلا، و خفّ حينئذ
البلوى.
(و لكن اللّه سبحانه) لم يرد ذلك و لم يتعلّق مشيّته بخلقه من نور وصفه
كيت كيت، و إنما خلقه من طين و صلصال من حماء مسنون ليصعب تحمّل التكليف
سجوده و يثقل حمله، فيتميّز بذلك المحسن من المسى ء و المطيع من العاصى، و
يستحقّ المطيع له على ثقله مزيد الزلفى و الثواب لكون اطاعته عن محض الخلوص
و التعبّد و التسليم و الانقياد، و يستحقّ العاصى لأليم العقاب لأجل كشف
عصيانه عن كونه في مقام التمرّد و الانية و العناد.
و كذلك جرت عادة اللّه سبحانه على أن (يبتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله
تمييزا بالاختبار لهم، و نفيا للاستكبار عنهم، و ابعادا للخيلاء منهم) يعنى
أنّه سبحانه يكلّفهم بأحكام لا يعلمون دليلها و سرّها و نكتتها و الغرض
منها، ليميّز المنقاد من المتمرّد و المتذلّل من المستكبر.
ألا ترى أنّ أكثر الأحكام الشرعيّة الّتي في شرعنا مما لم يستقلّ العقل بحكمه من هذا القبيل.
و كذلك غالب أحكام ساير الشرائع تعبّديات صرفة، مثل وجوب حمل الامم
السالفة قرا بينهم على أعناقهم إلى بيت المقدّس، فمن قبل قربانه جائته نار
فأكلته، فانّ علّة وجوب حملها على الأعناق و نكتة ذلك التكليف الشاقّ غير
معلومة.
و كذا المصلحة في إحراق القربان ذى الحياة بالنّار ممّا لا نفهمها.
و مثل ما امتحن اللّه به جنود طالوت من شرب الماء حيث قال «فَلَمَّا
فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ
مِنِّي».
و مثله ما اختبر به اصحاب السّبت من نهيهم عن الصيد في يوم السّبت، فانّ
العقل لا يفرق بين أيام الاسبوع و لا يدرك قبح الصّيد في ذلك اليوم وجهة
النهي عنه و حسنه في ساير الأيام و جهة إباحته، فانظر الى عظم البلوى في
ذلك التكليف كيف أوقعهم التعدّى عنه في الخزى العظيم. فكانوا قردة خاسئين.
كما قال سبحانه وَ سْئَلْهُمْ أى اليهود
«وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ
يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ
شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ
بِما إلى قوله فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ. السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا.
قال في تفسير الامام قال عليّ بن الحسين عليه السّلام قال اللّه عزّ و جلّ فَلَمَّا عَتَوْا صاروا و أعرضوا و تكبّروا عن قبول الزّجر عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ مبعدين من الخير مبغضين، هذا.
و لما ذكر عليه السّلام من بدء الخطبة إلى هنا اختصاص وصف العزّ و
الكبرياء بالربّ الأعلى و أنّ المنازع له فيهما ملعون مطرود من مقام
الزلفي، و نبّه على أنّ إبليس اللعين استحقّ النار و سخط الجبّار للتعزّز و
الترفّع و الاستكبار، تخلّص إلى غرضه الأصلي من خطابة هذه الخطبة و هو نصح
المخاطبين، فأمرهم بالاعتبار بحال هذا الملعون، و أنه كيف أحبط أعماله
الّتي عملها في المدّة المتطاولة، و الوف من السّنين بتكبّره و تمرّده عن
أمر ربّ العالمين فقال: (فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بابليس إذ أحبط) أى
أبطل ثواب (عمله الطويل و جهده الجهيد) أى اجتهاده المستقصى و سعيه البالغ
إلى النهاية (و كان قد عبد اللّه (ستة آلاف سنة) و هكذا في رواية البحار
المتقدّمة في شرح الفصل الحادى عشر من المختار الأوّل عن العياشي عن ابن
عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ إبليس عبد اللّه في السماء في
ركعتين ستة ألف سنة، لكن في رواية القمّي المتقدّمة هناك عن زرارة عنه
عليه السّلام أنه ركعهما في أربعة آلاف سنة، و في رواية اخرى في ألفي سنة، و
في رواية رابعة في سبعة ألف سنة.
قال المحدّث العلّامة المجلسي «ره» و يمكن دفع التنافي بين أزمنة الصلاة
و السجود بوقوع الجميع أو بصدور البعض موافقا لأقوال العامة تقيّة.
و قوله (لا يدرى أمن سنّي الدّنيا أم سنّي الاخرة) لا دلالة فيه على عدم
علمه عليه السّلام بذلك إذ لفظ يدرى بصيغة المجهول و يكفى في صدقه جهل
المخاطبين به و إنما لم يفسّره لهم لما كان يعلمه عليه السّلام في إبهامه
من المصلحة كعدم تحاشي السامعين من طول المدّة. و روى الشارح البحراني من
نسخة الرّضي ما لا ندرى بصيغة المتكلّم مع الغير، و هو أيضا لا يستلزم جهله
عليه السّلام لأنّ غيره لا يدرونه فغلبهم على نفسه و باب التغليب باب واسع
في المجاز.
أمّا مدّة سنى الاخرة فقد اشير إليها في قوله سبحانه في سورة الحجّ «وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ» قال ابن عباس و مجاهد و عكرمة و ابن زيد في تفسيرها: إنّ يوما من أيام الاخرة يكون كألف سنة من أيام الدّنيا.
و في الصافى من إرشاد المفيد عن الباقر عليه السّلام في حديث: و أخبر أى اللّه سبحانه بطول يوم القيامة و أنّه كألف سنة مما تعدّون.
و نظير هذه الاية قوله تعالى في سورة السجدة
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ
إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ روى
في مجمع البيان عن ابن عباس في هذه الاية أنّ معناها يدبّر اللّه
سبحانه أمر الدنيا فينزل القضاء و التدبير من السماء إلى الأرض مدّة أيام
الدّنيا، ثمّ يعرج الأمر و يعود التدبير اليه بعد انقضاء الدّنيا و فنائها
حتّى ينقطع أمر الأمراء و حكم الحكام و ينفرد اللّه بالتدبير في يوم كان
مقدار ألف سنة، و هو يوم القيامة فالمدّة المذكورة هو مدّة يوم القيامة إلى
أن يستقرّ الخلود في الدارين.
قال الطبرسىّ: و يدلّ عليه ما روى إنّ الفقراء يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام.
فان قلت: فما تقول لقوله سبحانه فى سورة المعارج تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ و ما وجه الجمع
بينه و بين الايتين السالفتين قلت: ربما يجمع بينهما بأنّ المراد باية
السجدة أنّ الملائكة ينزل بالتدبير و الوحى و يصعد إلى السماء في يوم واحد
من أيام الدّنيا مسافة ألف سنة مما تعدّون.
لأنّ ما بين السماء و الأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم، فيكون نزوله
خمسمائة عام و صعوده خمسمائة عام، فمسافة الصعود و النزول إلى السماء
الدّنيا في يوم واحد للملك مقدار مسيرة ألف سنة لغير الملك.
و المراد باية المعارج هو مسافة الصعود و النزول إلى السماء السابعة، فانها مقداره مسيرة خمسين ألف سنة.
و يؤيّده ما عن الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام و قد ذكر
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: اسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى مسيرة شهر، و عرج به في ملكوت السّماوات مسيرة خمسين ألف عام أقلّ
من ثلث ليلة انتهى إلى ساق العرش هذا و قد يجمع بينهما بأنّ الايتين
المتقدّمتين محمولتان على مدة يوم القيامة و الاية الأخيرة اريد بها بيان
مدّة الدّنيا، يعني أنّ أوّل نزول الملائكة في الدّنيا و أمره و نهيه و
قضائه بين الخلايق إلى آخر عروجهم إلى السّماء و هو يوم القيامة خمسون ألف
سنة، فيكون مقدار الدّنيا هذه المدّة لا يدرى كم مضى و كم بقى و إنّما
يعلمها اللّه سبحانه.
فان قلت: هذان الوجهان و إن كان يرفع بها التنافي بين الايات إلّا أنّه
على البناء على الوجه الأول لا يبقى في الايتين دلالة على كون مقدار يوم
الاخرة ألف سنة كما هو المقصود، و على الثاني فدلالتهما مسلمة لكنه ينافي
ما ذكرتم فى الاية الثالثة من أنّ المراد بها بيان مدّة الدّنيا ما رواه فى
الكافى عن الصّادق عليه السّلام إنّ للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقام
ألف سنة ثمّ تلا «تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ» فانّ هذه الرواية كما ترى تدلّ على أنّ مقدار القيامة خمسون ألفا، و أنّ الاية ناظرة إلى ذلك.
قلت: يمكن الجواب عنه بما أجاب به الطبرسىّ حيث قال بعد ما روى عن ابن
عباس كون مقدار يوم القيامة ألف سنة، فأمّا قوله في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة، فانه أراد سبحانه على الكافر جعل اللّه ذلك اليوم عليه مقدار
خمسين ألف سنة، فانّ المقامات في يوم القيامة مختلفة، انتهى.
يريد أنّه يطول ذلك اليوم في نظر الكافر هذه المدّة لشدّة عذابه، و أمّا في حقّ المؤمن فلا.
و يرشد إليه ما رواه الطبرسى عن أبى سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول
اللّه ما أطول هذا اليوم فقال: و الذى نفس محمّد بيده إنه ليخفّ على المؤمن
حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدّنيا.
و هذا كما يقال فى المثل: أيّام السرور قصار و أيّام الهموم طوال، و يقال أيضا سنة الفراق سنة و سنة الوصال سنة، قال الشاعر:
- يطول اليوم لا ألقاك فيهو حول نلتقى فيه قصير
هذا ما يستنبط من الأدلّة في هذا المقام و العلم عند اللّه و عند حججه الكرام عليهم الصّلاة و السّلام، هذا.
و بعد البناء على أنّ مقدار يوم من أيام الاخرة ألف سنة من أيّام
الدّنيا يكون مدّة عبادة إبليس في السّماء إذا كانت ستّة آلاف سنة من سنّى
الاخرة هو ألفا ألف ألف و مأئة ألف ألف و ستّون ألف ألف سنة من سنى
الدّنيا، و لما رأى أمير المؤمنين عليه السّلام عدم تحمّل أذهان أكثر
السّامعين لذلك أبهم القول عليهم، و قال: لا يدرى أمن سنى الدّنيا أم سنى
الاخرة.
(عن كبر ساعة واحدة) أى أحبط عمله الذي بلغ ما بلغ لأجل كبر ساعة واحدة
(فمن ذا الذي بعد ابليس يسلم على اللّه بمثل معصيته) استفهام إنكارىّ
إبطالي، أى من الّذي يبقى بعد ابليس سالما من عذابه و سخطه سبحانه و قد جاء
بمثل معصيته و اتّصف بصفته.
(كلّا) حرف ردع أتى بها تأكيدا لما استفيد من الجملة السّالفة و تنبيها
على أنّ زعم السّلامة من العذاب للمتكبر فاسد و مدّعيه كاذب إذ (ما كان
اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا) مصاحبا و متلبسا (بأمر) ذي ذنب (أخرج به)
أى بسبب ذلك الذنب (منها ملكا) و كيف يتوهّم ذلك و الحال أنّ البشر لو قيس
عمله إلى عمله و جهده و إن استقصى إلى جهده لم يكن إلّا نسبة القطر إلى
البحر.
و التعبير عن ابليس بالملك لكونه في السّماء و طول مخالطته بالملائكة
لما قدّمنا في شرح الفصل الحادى عشر من المختار الأوّل من الأدلّة على أنه
كان من الجنّ دون الملائكة.
و لما كان هنا مظنة أن يعترض معترض و يقول: إنا لا نسلم استلزام إخراج
الملك لعدم إدخال البشر إذ يمكن أن يكون إخراجه مستندا إلى كمال قربه فانّ
أدنى ذنب من المقرّبين يقع في موقع عظيم و أمّا البشر فلعدم قربه ذلك القرب
لا يؤثر ذنبه ذلك التأثير فيجوز دخوله في الجنّة و إن أذنب مثل ذنب الملك و
أيضا فمن الجايز أن يكون تحريمه للتكبّر مخصوصا بأهل السّماء فقط أجاب«»
عليه السّلام عن ذلك الاعتراض على طريق الاستيناف البياني بقوله: (ان حكمه
في أهل السّماء و الأرض لواحد و ما بين اللّه و بين أحد من خلقه هوادة في
إباحة حمى حرمه على العالمين).
و محصّل الجواب أنّ حكمه في أهل السّماء و الأرض واحد لا اختلاف فيه و
المطلوب من الجمع أن يكونوا داخرين في رقّ العبوديّة و يعرفوا ربّهم
بالعظمة و الربوبيّة، و قد جعل الكبرياء رداءه و العظمة إزاره و اختارهما
لنفسه و جعلهما حمى و حرما على غيره و حرّم على جميع العالمين من أهل
السّماء و الأرضين أن يحوموا حوم ذلك الحمى و ينازعوه فيهما كما عرفته في
أوّل شرح هذا الفصل مفصّلا.
و على ذلك فلا يبقى احتمال إباحة لأحد في دخول ذلك الحمى، و لا تجويز أن
يكون بينه و بينه هوادة و محابة و رخصة في تلبّس لباس العزّ و الكبرياء،
فمن انتحل شيئا منهما سواء كان من أهل الأرض أو من أهل السّماء صار محروما
من الجنان و منازل الأبرار، مستحقا للنيران و مهاوى الفجار و لبئس مثوى
المتكبّرين و مهوى المستكبرين
|