الفصل الخامس
فما راعني إلّا و النّاس إلىّ كعرف
الضّبع ينثالون علىّ حتّى لقد وطى ء الحسنان، و شقّ عطفاى مجتمعين حولي
كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، و مرقت أخرى، و فسق آخرون،
كأنّهم لم يسمعوا اللّه تعالى يقول: «تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها، و لكنّه «لكنّهم خ» حليت الدّنيا في أعينهم و راقهم زبرجها.
اللغة
(راعني) الشّي ء روعا من باب قال أفزعني و روّعني مثله و راعني جماله
أعجبني، و في شرح المقامات عن الأزهرى ما راعني إلّا مجيئك اى ما شعرت إلّا
بمجيئك كأنّه قال: ما أصاب روعى إلّا لذلك، و هذا كلام يستعمل في مفاجاة
الأمر ألا ترى أنّه يعاقب إذا المفاجاة تقول: خرجنا فاذا زيد بالباب و خرجت
فما راعني إلّا فلان بالباب و (عرف) الدّابّة شعر عنقها و عرف الضّبع يضرب
به المثل في الازدحام و (الثّول) صبّ ما في الاناء و انثال انصبّ و انثال
عليه القول تتابع و كثر فلم يدر بأيّه يبدء.
و قال المطرزى في شرح المقامات للحريرى: الانثيال الاجتماع و الانصباب
انفعال من الثّول و هو جماعة النّحل و من قولهم: ثويلة من النّاس، أى جماعة
من بيوت متفرّقة يقال: منه انثالوا عليه و تثولوا أى اجتمعوا و انثال
التّراب انصب و منه انثال عليه النّاس من كلّ وجه أى انصبّوا انتهى، و
(عطف) الشّي ء جانبه و العطفان الجانبان.
و في بعض النّسخ و شقّ عطا في و هو بالكسر الرّداء و هو أنسب و (الرّبيض
و الرّبيضة) الغنم برعاتها المجتمعة في مرابضها و (النّكث) النّقض و
(المروق) الخروج يقال مرق السّهم من الرمية مروقا من باب قعد خرج منه من
غير مدخله و منه قيل: مرق من الدّين أيضا إذا خرج منه و (فسق) الرّجل فجر و
في بعض النّسخ قسط و هو من باب ضرب جار و عدل من الاضداد و المراد به هنا
الأوّل و (وعى) الحديث وعيا من باب وعد حفظه و (حلى) الشّي ء بعيني و بصدرى
يحلى من باب تعب حسن عندى و أعجبنى و (راقني) الشّي ء أعجبني و (الزّبرج)
الزّينة و الذّهب.
الاعراب
فاعل راعني محذوف مدلول عليه بالفعل، و جملة و النّاس إلىّ حاليّة مبينة
لهيئة المفعول و مفسّرة للمستنّى المحذوف، و إلىّ متعلق بمحذوف تقديره و
النّاس رسل إلىّ و قد صرّح به في رواية الاحتجاج، و كون الجملة مفسّرة
للمحذوف نظير قوله تعالى: «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ».
قال الزّمخشري في الكشّاف: فاعل بدا مضمر لدلالة ما يفسّره عليه و هو
ليسجننّه و المعنى بدا لهم بداء أى ظهر لهم رأى ليسجننّه اه، و تقدير كلام
الامام عليه السّلام على ما ذكرنا: ما راعني رايع إلّا حالة أعني كون
النّاس رسلا إليّ و الرّسل بفتحتين القطيع من الابل و الجمع أرسال مثل سبب و
أسبابا و يشبه به النّاس فيقال: جاءوا أرسالا أى جماعات متتابعين، و جملة
ينثالون إمّا خبر بعد خبر للنّاس، أو حال بعد حال و مجتمعين حال من فاعل
ينثالون.
المعنى
اعلم انّه عليه السّلام لما ذكر خلافة المتخلّفين الثّلاثة و بيّن حال
أيّام خلافتهم و أشار إلى ما ابتلى به النّاس في تلك الأيام، شرع في بيان
كيفيّة انتقال الأمر إليه عليه السّلام ظاهرا كما كان له باطنا و كان ذلك
في شهر ذى الحجّة يوم الجمعة بعد ما مضى من الهجرة خمس و ثلاثون سنة فقال
عليه السّلام (فما راعني) رايع (إلّا) حالة (و) هو كون (النّاس) متتابعين
(إلىّ) متزاحمين (كعرف الضّبع ينثالون علىّ) يتتابعون و يكثرون القول (من
كلّ جانب حتى لقد وطي ء الحسنان) الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما من
شدّة الازدحام.
و عن المرتضى (قده) انّ أبا عمر محمّد بن عبد الواحد غلام ثعلب روى في
قوله عليه السّلام وطي ء الحسنان أنّهما الابهامان «و انشد للشّنفر
مهضومة الكشحين خرماء الحسن «كذا» و روى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام
إنّما كان يومئذ جالسا محتبيا و هي جلسة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم المسمّاة بالقر فصاء و هي جمع الركبتين و جمع الذّيل، فلمّا اجتمعوا
ليبايعوه زاحموه حتّى وطئوا ابهاميه و شقّوا ذيله بالوطى و لم يعن الحسن و
الحسين عليهما السّلام و هما رجلان كساير الحاضرين.
و كيف كان فالمقصود بهذه الجملة الاشارة إلى كثرة تزاحم النّاس عليه
السّلام و قد أكده ثانيا بقوله: (و شقّ عطفاى) أراد بشقّ عطفيه خدش جانبيه
لشدّة الاصطكاك منهم و الزّحام، أو شقّ جانبي قميصه بعلاقة المجاورة، أو
جانبي ردائه، و يؤيّده الرّواية الاخرى أعني شقّ عطا في كما في بعض النسخ
هذا.
و شقّهم عطفيه عليه السّلام أو عطافه إمّا لكثرة فرحهم به عليه السّلام،
أو جر يا على ما هو عادتهم من قلة مراعاة شرايط التّوقير و الأدب في
المعاشرات و المخاطبات (مجتمعين حولي كربيضة الغنم) المجتمعة في مرابضها
(فلما نهضت بالأمر) و قمت به بعد مضيّ السنّين المتطاولة (نكثت طايفة) و
نقضت بيعتها، و المراد بها أصحاب الجمل و قد كان عليه السّلام يتلو وقت
مبايعتهم: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ».
(و مرقت) طايفة (اخرى) أى خرجت من الدّين كمروق السّهم من الرّمية، و
المراد بها أصحاب النهروان (و فسق آخرون) بخروجهم على الامام العادل و
تعدّيهم عن سنن الحقّ، و هم معاوية و أتباعهم، و في بعض النّسخ و قسط آخرون
أى جاروا في حقّ أمير المؤمنين و ظلموا آل محمّد عليهم السلام حقّهم، و
تسميتهم بالقاسطين كتسمية الأوليين بالنّاكثين و المارقين ممّا سبقت من
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند إخباره عليه السّلام بالملاحم و
الوقايع التي تكون بعده صلوات اللّه عليه.
روى في غاية المرام من أمالى الشّيخ باسناده عن المفضل بن عمر بن أبي
عبد اللّه الصّادق عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: بلغ امّ سلمة زوج
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ مولى لها ينتقض عليّا عليه
السّلام و يتناوله، فأرسلت إليه فلمّا صار إليها قالت له:
يا بنىّ بلغني أنّك تنقص عليّا و تتناوله قال: نعم يا أمّاه، قالت له:
اقعد ثكلتك امّك حتّى أحدّثك بحديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم، ثمّ اختر لنفسك.
إنّا كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة تسع نسوة و
كانت ليلتي و يومي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأتيت
الباب فقلت: أدخل يا رسول اللّه قال: لا، فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون
ردّني من سخطه أو نزل فيّ شي ء من السّمآء.
ثم البث «كذا» حتّى أتيت الباب الثّاني فقلت: أدخل يا رسول اللّه فقال:
لا، فكبوت كبوة أشدّ من الاولى ثم البث «كذا» حتّى أتيت الباب الثالث فقلت:
أدخل يا رسول اللّه فقال: ادخلي يا امّ سلمة فدخلت و عليّ عليه السّلام
جالس بين يديه و هو يقول: فداك أبي و امّي يا رسول اللّه إذا كان كذا و كذا
فما تأمرنى قال: آمرك بالصّبر، ثمّ أعاد عليه القول ثانية فأمره بالصّبر،
فأعاد عليه القول الثالثة فقال له: يا عليّ يا أخي إذا كان ذلك منهم فسلّ
سيفك وضعه على عاتقك و اضرب قدما قدما حتّى تلقاني و سيفك شاهر يقطر من
دمائهم.
ثمّ التفت صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلىّ فقال ليّ تاللّه ما هذه
الكأبة يا أمّ سلمة قلت: الذي كان من ردّك إيّاى يا رسول اللّه، فقال لي: و
اللّه ما رددتك من وجودة و إنّك لعلى خير من اللّه و رسوله، و لكن أتيتني و
جبرائيل يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي فأمرني أن اوصي بذلك عليّا.
يا امّ سلمة اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب أخي في الدّنيا و أخي في الآخرة.
يا امّ سلمة اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب حامل لوائي في الدّنيا و حامل لواء الحمد غدا في القيامة.
يا امّ سلمة اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب وصيّي و خليفتي من بعدي و قاضي عداتي و الذّائد عن حوضي.
يا امّ سلمة اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين و إمام
المتقين و قائد العزّ المحجلين و قاتل النّاكثين و القاسطين و المارقين،
قلت: يا رسول اللّه من النّاكثون قال: الذين يبايعونه بالمدينة و ينكثون
بالبصرة، قلت: من القاسطون قال: معاوية و أصحابه من أهل الشّام، قلت: من
المارقون قال: أصحاب النّهروان، فقال مولى امّ سلمة فرّجت عني فرّج اللّه
عنك و اللّه لا سببت عليّا أبدا، هذا.
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة يأتي في مواقعها إنشاء اللّه، ثم انّه
عليه السّلام شدّد النكير على الجماعة في مخالفتهم له و إعراضهم عنه بقوله:
(كانّهم لم يسمعوا اللّه تعالى يقول: تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا
يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) لما كانت الآية دالة
على كون استحقاق الآخرة معلقا على عدم إرادة العلوّ و الفساد كان اللّازم
على من سمعها و تدبر فيها إن كان ذا عقل أن لا يريدهما، و هؤلاء الجماعة
لما علوا في الأرض و أفسدوا فيها و خالفوا الامام العادل و تركوا متابعته
لا جرم شبّههم بمن لم يسمعها لما ذكرنا من أن لازمة السّماع ترك إرادتهما.
ثمّ دفع توهم الاعتذار عنهم بعدم السّماع لو اعتذر به بقوله: (بلى و
اللّه لقد سمعوها و وعوها) مؤكدا بالقسم و اللّام و كلمة التّحقيق، ثمّ
استدرك ذلك بالاشارة إلى سرّ عدم حصول ثمرة السّماع بعد حصول نفسه بقوله:
(و لكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها) فكان ذلك هو المانع عن
ترتّب ثمرة السّماع عليه و الباعث على إعراضهم عن الدّار الآخرة و السّبب
لاشترائهم الضّلالة بالهدى و لسعيهم في الأرض بالعلوّ و الفساد.
و حاصل الكلام أنّ سماع الآية مقتض لعدم إرادة العلوّ و الفساد و يترتّب
عليه مقتضاه لو لم يصادف وجود المانع، و أمّا مع المصادفة له كما فى حقّ
هؤلاء الجماعة حيث افتتنوا بالدنّيا و أعجبهم ذهبا و زينتها فيبقى المقتضي
على اقتضائه و لا يترتّب عليه آثاره هذا.
و الضّماير الأربعة في قوله: و لكنّهم، و لم يسمعوا، و سمعوا، و وعوا،
إمّا راجعة إلى الطوايف الثلاث: النّاكثين و المارقين و القاسطين و هو
الأقرب لفظا و الانسب معنى و الأظهر لمن تدبّر، أو إلى الخلفاء الثلاثة على
ما استظهره المحدّث المجلس (قده) معلّلا بأنّ الغرض من الخطبة ذكرهم لا
الطوايف، و بأنّه المناسب لما بعد الآية لا سيّما في سمعوها، و وعوها، ضمير
الجمع.
بقى الكلام في معني الآية الشّريفة و بعض ما تضمّنها من النكات و
اللطايف فأقول: المشار إليها في الآية هي الجنّة، و الاشارة إلى التعظيم و
التفخيم، يعني تلك التي سمعت بذكرها و بلغك وصفها، و المراد بالعلوّ في
الأرض هو التّجبر و التكبّر على عباد اللّه و الاستكبار عن عبادة اللّه، و
بالفساد الدّعاء إلى عبادة غير اللّه أو أخذ المال و قتل النّفس بغير حقّ
أو العمل بالمعاصي.
و روى في مجمع البيان عن راوان عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه
كان يمشي في الأسواق وحده و هو دالّ يرشد الضّال و يعين الضّعيف و يمرّ
بالبيّاع و البقال فيفتح عليه القرآن و يقرأ: تلك الدّار الآخرة نجعلها
للّذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا، و يقول: نزلت هذه الآية في
أهل العدل و التّواضع من الولاة و أهل القدرة من ساير النّاس.
و في غاية المرام عن أبي الحسن الفقيه ابن المغازلي الشّافعي في مناقبة
باسناده عن زاوان أيضا قال: رأيت عليّا عليه السّلام يمسك الشّسوع بيده ثمّ
يمرّ في الأسواق فيناول الرّجل الشّسع و يرشد الضّالّ و يعين الحمّال على
الحمولة و يقرأ هذه الآية: تلك الدّار الآخرة الآية، ثمّ يقول: هذه الآية
نزلت في الولاة و ذوي القدرة من النّاس.
و في مجمع البيان عن أبي سلام الأعرج عن أمير المؤمنين عليه السّلام
قال: إنّ الرّجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية، و قريب منه ما في
الكشّاف، قال الطبرسي: يعني انّ من تكبّر على غيره بلباس يعجبه فهو ممّن
يريد علوّا في الأرض و قيل: إنّ الآية لما كانت بعد قصّة قارون و قبل قصّة
فرعون، كان العلوّ إشارة إلى كفر فوعون لقوله تعالى: «عَلا فِي الْأَرْضِ» و الفساد إلى بغى قارون لقوله: «وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ».
ففي كلام الامام عليه السّلام يحتمل كون الأوّل إشارة إلى الأوّلين و
الثّاني إلى الثّالث أو الجميع اليهم جميعا، و على ما استظهرناه فالأظهر
كون الأوّل إشارة إلى طلحة و زبير و أتباعهما و معاوية و أصحابه و الثّاني
إلى أصحاب النّهروان، و يحتمل الاشارة فيهما إلى جميعهم هذا.
و بقي هنا شي ء و هو أنّه سبحانه لم يعلق الموعد في الآية الشريفة بترك
العلوّ و الفساد لكن بترك إرادتهما و ميل القلوب إليهما كما علق الوعيد
بالرّكون في قوله: «وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ».
فيدلّ على قبح إرادة السّوء و كونها معصية و يستفاد ذلك أيضا من قوله سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» و قوله: «إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ».
و هو المستفاد من الأخبار المستفيضة مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم: إنّما يحشر النّاس على نيّاتهم، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: و
سلّم: نية الكافر شرّ من عمله، و ما ورد من تعليل خلود أهل النّار فيها و
أهل الجنّة في الجنّة بعزم كلّ منهما على الثّبات على ما كانوا عليه من
المعصية و الطاعة لو كانوا مخلدين في الدّنيا إلى غير هذه ممّا رواها
المحدّث الشيخ الحرّ في أوائل الوسائل، و إلى ذلك ذهب جمع من الأصحاب منهم
العلامة و ابن إدريس و صاحب المدارك و شيخنا البهائي و المحقّق الطوسي في
التّجريد، إلّا أنّ المستفاد من الأخبار الاخر هو العفو عن نيّة السّوء و
أنّها لا تكتب و هي كثيرة أيضا رواها في الوسائل، و هو مذهب شيخنا الشّهيد
في القواعد، قال في محكي كلامه:
لا يؤثر نيّة المعصية عقابا و لا ذماما لم يتلبس بها و هو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه انتهى.
و قد جمع شيخنا العلامة الأنصاري طاب رمسه بينهما، بحمل الأدلة الاول
على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدمات، و الثّانية على من اكتفى بمجرّد
القصد أو حمل الأوّل على من بقي على قصده حتّى عجز عن الفعل لا باختياره، و
حمل الآخر على من ارتدع عن قصده بنفسه.
و ربّما يجمع بينها بحمل أخبار العفو على نيّة المسلم و أخبار العقوبة
على نيّة الكافر، أو حمل النّفى على عقوبة الآخرة و الاثبات على عقوبة
الدّنيا، أو حمل النّفى على فعليّة العقاب و الاثبات على الاستحقاق، أو حمل
النّفى على عقوبة السّيئة التي همّ بها فلا يكون عقوبة القصد كعقوبة العمل
و حمل أخبار العقوبة على ثبوتها في الجملة، إلى غير هذه من
المحامل ممّا لا يخفى على الفطن العارف، و اللّه العالم بحقايق أحكامه
|